أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - ثلاث وخمسون عاماً على هزيمة العرب الكبرى















المزيد.....

ثلاث وخمسون عاماً على هزيمة العرب الكبرى


عبدالله تركماني

الحوار المتمدن-العدد: 6581 - 2020 / 6 / 2 - 22:37
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يمضِ سوى عقد من الزمن على هزيمة ألمانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية حتى لملمتا جراح هزيمتيهما وانطلقتا في إعادة بناء نفسيهما، انطلاقاً من استيعابهما لموازين القوى ولروح العصر بعد الحرب، إلى أن أصبحتا عملاقتين اقتصاديتين يُحسب لهما في موازين القوى الدولية. أما نحن فما زالت هزيمة 5 حزيران 1967 تلاحقنا حتى اليوم!
إنّ تاريخ العالم العربي المعاصر عامة، والمشرق العربي بوجه خاص، هو سلسلة من الأحداث التي تشكلت وانتظمت باعتبارها نتائج تلك الهزيمة. لقد ولّدت الهزيمة آثاراً عميقة في الحياة العربية كلها، فهي لم تكن هزيمة عسكرية منيت بها الجيوش العربية فقط، وإنما هزيمة شاملة لكل بنى المجتمع العربي، إذ كانت اختبارًا لـ " الاشتراكية " التي بُنيت، ولـ " التنمية " التي تحققت، ولـ " الدولة الأمنية " التي تم تشييدها. ومهما يكن من أمر، فإنّ الهزيمة كانت إيذاناً بتغيير مجرى الأحداث نحو المزيد من الانحدار العربي، ومنعطفاً تاريخياً بدأت ديناميته تتضح وضوحاً جليّاً منذ سبعينيات القرن الماضي حتى اليوم.
لم تكن الهزيمة لحظة عابرة في الحياة العربية، فقد وضعت الشعوب العربية كلها على منحدر، لم تنتشلها منه حرب تشرين الأول 1973 التي تحولت إلى هزيمة سياسية، راحت تداعياتها تتوالى في جميع المجالات. من ذلك أنّ المجتمعات العربية، التي أصابت شيئاً من التحديث، انتكست إلى أسوأ ما في تاريخها، أي إلى نمط من الحياة السياسية أقرب ما يكون إلى نمط الحياة في العصر المملوكي، الذي أبرز سماته انفصال الحكم عن الشعب وانفصال المجتمع عن الدولة، وركود المجتمع، وهيمنة أيديولوجية تقليدية تعزز التبعية والامتثال والعجز والعزوف والخوف، الخوف من سلطة الدولة ومن الحقيقة ومن الحرية، والخوف من مواجهة الذات ومن مواجهة الواقع، والخوف من المستقبل.
إنّ العرب يعيشون، منذ العام 1967، في الوضعية العامة التي فرضتها نتائج هذه الهزيمة عليهم، إنها أزمة بنيوية عامة، أصابت الاقتصاد والثقافة والسياسة والمجتمع، وما يتعلق بها أو ينتج عنها. وبهذا المعنى، يصحُّ أن نصفها بأنها أزمة حضارية.
إنّ الأزمة العربية الشاملة المفتوحة هي من تلك الأزمات التي تتقلص فيها الاختيارات إلى اثنين لا ثالث لهما: إما الغرق في الأزمة والدخول في مسلسل من التدهور والفوضى والانحلال والضياع. وإما تجاوزها إلى وضعية جديدة تماماً، انطلاقاً من التفكيك الواعي للوضعية القائمة المأزومة والشروع في عملية بناء جديدة، بمنطلقات واستشرافات جديدة كذلك.
ومما لا شك فيه أنّ إسرائيل قامت على أسس دينية وأيديولوجيا عنصرية، ومما لا شك فيه أيضاً أنها دولة توسعية، بوحي من أيديولوجيا التكوين، وهذا شيء مفهوم، ولكنّ السؤال المطروح هو: كيف استطاعت أن تصبح قوة في كل المجالات، بحجمها الصغير وعدد سكانها القليل، تحقق أحلام أيديولوجيتها المؤسِسة، فيما جيرانها من العرب، بكل تراثهم وتاريخهم وثرواتهم وأعدادهم ومساحاتهم الشاسعة، غير قادرين على فعل شيء؟
ويبدو أننا بمجرد أن نعرف أنّ سبعاً من جامعات إسرائيل صُنِّفت على أنها من الأفضل في العالم، وبمجرد أن نعرف أنّ إسرائيليين حصلوا على جائزة نوبل في العلوم، يكفي لوضع النقاط على حروف متفرقة، لنصنع منها جملة مفيدة في النهاية.
وفي المقابل، على طول المسافة الممتدة من " الأيديولوجيا العربية المعاصرة " كتاب عبدالله العروي، إلى كتاب محمد جابر الأنصاري " مساءلة الهزيمة "، مروراً بكتاب " الهزيمة والأيديولوجيا المهزومة " لياسين الحافظ، لم يكفّْ الخطاب العربي عن طرح التساؤل النهضوي المضاعف: لماذا تخلفنا نحن وتقدمت إسرائيل؟
لعل ثقافة المراجعة النقدية، التي أطلق إرهاصاتها ربيع الثورات العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية، وفي موجتها الثانية في السودان والجزائر والعراق ولبنان، تساهم في توقف التراجع العربي، وتنحّي جانباً ما يسميها المغفور له خلدون حسن النقيب " ثقافة التخلف وثقافة الذل "، تمييزاً لها عن تخلف الثقافة الذي يمكن استدراكه، أما ثقافة التخلف التي تؤبد التخلف وتمجد الطاعة فيجب أن تتوجه إليها الأسئلة، القديمة منها التي لا تزال ناجعة في قراءتها لظاهرة التخلف، والجديدة التي من شأنها أن تجعل من مساءلة الهزيمة رؤية معرفية تنحّي جانباً الرؤية الأيديولوجية التي ما زالت تعشش بين ظهرانينا.
إنه من المفارقات الملفتة للنظر أنّ القضايا الأساسية حول الاستقلال والحرية، التي شكلت عماد فكر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، مازالت حية قائمة كمطالب وطموحات عربية في أواخر العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
إنّ التغيّرات الإقليمية والعالمية الجديدة، خاصة تداعيات جائحة كورونا، والموجات المتتابعة لربيع الثورات العربية ومخاطر الإرهاب والتطرف، تواجهنا بتساؤلات جديدة، وتحديات وفرص جديدة أيضاً، مما يتطلب قدراً كبيراً من العمق في المراجعة ونقد الذات وإعادة الصياغة الفكرية والسياسية للقضايا العربية، باعتبارها تمثل مسائل جوهرية عديدة تتداخل فيها مهمات التحديث الفكري والسياسي مع مهمات النهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهو ما يفترض ممارسة الديمقراطية كمنهج للتعامل السياسي على صعيد الدولة والمجتمع، منطلقين من أنّ مسألة إنجاز الدولة الوطنية الحديثة، دولة كل مواطنيها، هي جوهر تلك القضايا.
وعليه، فإننا لسنا بحاجة لشعارات من أجل التعاطي المجدي مع التحديات الكبيرة المطروحة علينا، بل الارتقاء إلى مستوى التحديات، في برامجنا ووسائل عملنا. إنّ مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة، وكذلك استيعاب التحوّلات والتغيّرات التي طرأت على الساحتين الإقليمية والدولية. ومن أجل ذلك، تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد، فالمسألة تستدعي مقولات جديدة: المجتمع المدني، الديمقراطية، العلمانية، الدولة الحديثة، المواطنة.
ولعلنا بذلك نفتح من جديد باب التاريخ وندق أبواب المستقبل وننهض لإطلاق خطاب عصري، مع آليات فاعلة لتنفيذه، عناوينه في توجهاته ومضامينه وفي تجديدنا له، يحتمل دائماً التأويل والتعديل لصالح شعوبنا العربية. إنها إعادة قراءة واجبة، ليس فقط في تجديد هذا الخطاب وإنما في تجديد العقلية العربية المدعوة إلى خوض مغامرة المستقبل بأدوات جديدة، تتجاوز أدوات الهزيمة، وأفق مفتوح وحوار دائم على المصالح والأهداف والممكن والمستحيل.



#عبدالله_تركماني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (3)
- مقوّمات نبذ الكراهية والعيش المشترك بين المكوّنات السورية
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (2)
- من أجل نجاح عملية التحوّل الديمقراطي في مستقبل سورية (1)
- لماذا وصلت الثورة السورية إلى كل هذا الخراب؟
- في الأسباب العميقة للثورة السورية
- تساؤلات حول سرديات الثورة السورية
- عبدالله تركماني - كاتب ومفكر سوري، وباحث في مركز حرمون للدرا ...
- قراءة متمعنة في كتابات ياسين الحافظ
- المجتمع المدني السوري .. الواقع والتحديات
- محددات المبادئ فوق الدستورية
- المقاربة التنموية التشاركية
- جدل الموارد والتنمية والديمقراطية
- المجتمع المدني السوري: الإنجازات والتحديات
- معنى وشروط التنمية المستدامة
- فرص وتحديات تكيّف اللاجئين السوريين في تركيا
- أسئلة الانتقال السياسي في سورية
- تحديات العدالة الانتقالية في سورية المستقبل
- جنيف 3 وحديث - الثوابت - في زمن المتغيّرات
- خمس سنوات على الثورة السورية: وقفة تقويمية (3 - 3)


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله تركماني - ثلاث وخمسون عاماً على هزيمة العرب الكبرى