أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البرني نبيل - مالك بن نبي ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.















المزيد.....

مالك بن نبي ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.


البرني نبيل

الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 04:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تتمحور هذه المقالة حول قراءة في أفكار كتاب معنون ب " مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي " لصاحبه المفكر الجزائري مالك بن نبي، الذي يبين فيه الصعوبات التي تخبطت وتتخبط فيها "المجتمعات الإسلامية " في مواجهة مشكلات العصر الحاضر، في كلا الميدانين الأخلاقي وميدان الأفكار الفعالة بشكل خاص، وتناول أصل الصعوبات التي تتداخل فيها الأفكار المتناقضة وبين مشكل الأفكار في المجتمعات الإسلامية ومدى وزنها في التاريخ ومصائر البشرية.
ويناقش الجمود غير الطبيعي للمجتمع الإسلامي وكأنه يريد أن يبقى في وضعه المتأزم أبد الدهر في هذه المرحلة من التطور الحضاري ( مرحلة الستينات والثمانينات)، في وقت تمكنت فيه مجتمعات أخرى انطلقت من منطلقات تشبه الوضع الذي عاشه العالم الإسلامي في مرحلة الانطلاق التحديثي والتطوري لمجتمعات كالصين واليابان التي بدأتا من النقطة نفسها، لكنها نجحت في نزع ثوب الجمود عنها وهي تفرض على نفسها ظروفا ديناميكية جديدة.
فالمجتمع الإسلامي حسب صاحب الكتاب أدرك منذ قرن نهاية أشواط حضارته، وهو في مرحلة ما قبل الحضارة من جديد بعيد الاستقلال، وكأن الكاتب يريد أن يقول أن التطور في أقطار العالم الإسلامي يكون بشكل دائري، فما إن يتمكن مجتمع معين منها في بلوغ مرحلة الحضارة حتى تسيطر عليه الشهوات والأهواء والأشخاص والأشياء، والابتعاد من جديد عن مسار الحضارة ليعود أعقابه من حيث انطلق ( في الحقيقة لهذا التصور من الواقعية ودقة التحليل ما يميز علميته، بالنظر إلى الواقع الراهن لمجتمعات متعددة خاصة التي عرفت الثورة كمصر وليبيا...).
فالكتاب في أفكاره الرئيسية يناقش ويحلل أسباب تخلف العالم الإسلامي الذي يحمل فيه المسؤولية للجميع لليساري والسلفي والتقدمي واللبرالي والسياسي والمثقف، باعتباره أن أسباب تخلف هذه المجتمعات تعود بشكل أساسي إلى مشكلات الأفكار وليس الوسائل، فالتراث الذي ورثه العالم الإسلامي عن الحضارة الإسلامية أصبح مشبع بأفكار ميتة تحتاج إلى تجديد يكاد يكون جدري، كما أن الأفكار المقتبسة من الثقافة الغربية هي أفكار مميتة هي الأخرى باعتبارها أفكار انسلخت عن جذورها وثقافاتها الأصلية، الأمر الذي يفقد لكل الأفكار المستوردة من الغرب قيمتها وفعاليتها (التاريخ يعطينا تجارب كثيرة فاشلة في هذا الاتجاه، فالتبييئ والابتكار النابع من الثقافة الخاصة للمجتمعات يشكل عنصر ضروري في التقدم وبلوغ المستقبل بشكل سليم).
ومالك بن نبي في هذا الكتاب دائما ما يقارن وضعية العالم الإسلامي باليابان والصين كنماذج حققت الإقلاع في وقت فشلت فيه المجتمعات الإسلامية على ذلك على الرغم من التشابه العام في الوضعية العامة لهذه المجتمعات إلى حدود منتصف القرن التاسع عشر، فهما بلدان استوعبا بشكل واعي حجم الفوارق وعمق الهوة بين الشرق والغرب في القرن التاسع عشر، فأخذا يستقيان الأفكار الغربية ولكن عكس العالم الإسلامي، هذا الانفتاح كن دون الانسياق التام مع الغرب وتجاربه، مع الحرص على أهمية استحضار خصوصياتهما المحلية الحضارية والثقافية، هنا يكون مالك بن نبي يؤكد على غرار المفكر الكبير محمد عابد الجابري على " التبييئ" تبييئ الأفكار والمؤسسات المستوردة وربطها بالخصوصية المحلية لخدمتها لتبلغ غايتها الأصلية، حتى لا تنتقم هذه الأفكار من هذه المجتمعات كما ينتقم الجسر السيئ البناء على من بناه على حد تعبير مالك بن نبي (ص13).
وفي معرض حديثه عن الأفكار وبدايات تشكلها عند الفرد والمجتمع، تطرق إلى مراحل نمو الطفل بشكل دقيق، بشكل يوازيه عبر هذه المراحل تعرفه وانفتاحه على الأفكار عبر اندماجه في المجتمع الذي تساعده المدرسة والأسرة في ذلك ، وفي ذلك تحليل دقيق لكيفية بلوغ الطفل للأفكار عبر الأشخاص (ص30)، كما يشير إلى تأثير الأفكار عن الفرد على جميع المستويات حتى المستويات الفيزيولوجية والإيحاءات الجسدية في إطار العلاقات النفسية الجسدية انطلاقا من تجربته كأستاذ للعمال الجزائريين سنة 1938، إذ يقول كلما تقدمت التجربة ويلاحظ تغيرات على شخصية العامل واختفاء وميضها الوحشي وتستأنس مع الأفكار إلى درجة أن الشفاه تطابقت وازداد تقاربها... (ص33).
وبالنسبة لتشكل الأفكار عند المجتمع الإسلامي، حرص الكتاب على التدقيق في مقاربته القائمة على التشخيص العلمي لمشكلات الحضارة الإسلامية معتمدا مقاربة تاريخية سوسيولوجية تتبع بها مسار تطور هذه الحضارة منذ عصر ما بعد الموحدين عبر العناصر الثلاث " الشيء والشخص تم الفكرة" وهي العناصر التي يرتبط بها كل مجتمع كما سبق وذكرنا، فانطلق من العصر ما قبل الإسلامي الذي كان فيه الإنسان مرتبطا بأشيائه "الشيء" كالسيف والسهم والخيمة ... ثم مرحلة الأشخاص التي سرعان ما أدت بالإنسان إلى الانفتاح على الفكرة التي بدأت برسالة " اقرأ" في غار حراء، هذه الفكرة التي قضت على مجتمع الجاهلية وكسرت حدود القبلية ( هنا لا يغفل الحديث عن التطور الذي عرفه إنسان ذلك العصر على عدة مستويات خاصة الجانب الأدبي منه)، فهكذا تكون خطوة المجتمعات نحو عالم الأفكار، إلا أن مشكلات هذه الأفكار في العالم الإسلامي سرعات ما ترتبط بأشخاص بعينهم ( دينيين، سياسيين..) سرعات ما تنطفئ هذه الأفكار بسيادة سلطة الأشخاص، ويتجه المسير نحو الوراء وينقلب العالم الإسلامي على أعقابه ليعود على اثر مراحله الثلاث ( تطور دائري)، وبفشل الأفكار الإسلامية المثالية في مواكبة تطورات العصر، تتجه المجتمعات الإسلامية إلى الأفكار الغربية التي حققت نجاحا في أوساطها والارتهان بالغرب وما يجسده ذلك من خطورة على المجتمعات الإسلامية حسب مالك بن نبي، خاصة في ظل غياب تبييئ تلك الأفكار مع الثقافات والخصوصيات المحلية.
فهكذا يكون الكاتب يمحور تحليله لمشكلات الأفكار في العالم الإسلامي حول ثلاث معطيات أساسية هما : "الشيء والشخص تم الفكرة"، ورجحان أحد هذه العوالم هو الذي يميز كل مجتمع عن سواه، فمن هنا جاء ربطه لتخلف المجتمعات الإسلامية بمشكلات الأفكار فيه، إذ يتجلى ذلك في كيفية استخدامه للأفكار والوسائل المتوفرة لديه بشكل متفاوت الفعالية، ويعطي مثال عن بلدان مثل ( العراق...) في وقت يرى فيه الاقتصاديين أن الأرض هي السبيل الأنجع لتحقيق إقلاع اقتصادي، فمالك بن نبي يرى أن هذا البلد كغيره من البلدان الإسلامية تتوفر على أخصب الأراضي في العالم لكنها لم تحقق الإقلاع، فالمشكل حسب مالك بن نبي الذي يؤكد عليه بشكل كبير في كتابه هذا هو أن مشكل في الأفكار وليس في وسائل الإنتاج( 37).
وبذلك يكون مالك بن نبي يربط فشل تحقيق الإقلاع الحضاري للدول الإسلامية رغم انفتاحها الكلي على الغرب وسلخ أفكاره ومؤسساته الناجحة في وسطها الأصلي بغياب تبييئ هذه الأفكار والحرص على تحقيق فعاليتها، على غرار ما نجح فيه الغرب عبر الأندلس والقسطنطينة (ص47).
وأخيرا يمكن القول أن مالك بن نبي في كتابه هذا يكون يربط تخلف العالم الثالث بالإخلال الذي عرفه توازن المركبات الثلاث " الشيء، الشخص، الفكرة"، بطغيان "الشيء" على المركبين الآخرين خاصة مركب "الفكرة"، بسبب ندرته في العالم الثالث ونشوء عقد الكبث والحرمان والتكديس الذي أصبح في الإطار الاقتصادي إسرافا محضا، واحتلال الأشياء للقمة في سلم القيم والانزلاق نحو "الشيئية" وتقويم الأمور بالأشياء، إلى جانب طغيان الأشخاص وما يترتب عنه من غياب التوازن على الصعيدين الأخلاقي والسياسي، لنصبح نستبدل مشكلة الأشخاص بمشكلة الأفكار محملين إياها مسؤولية لا طاقة لها بها.
فمالك بن نبي في هذا الكتاب يقدم لنا تشخيص مختلف عن باقي الدراسات التي اهتمت بدراسة تخلف الشرق وأسباب ذلك، بين دراسات ربطت ذلك بالاستعمار أو ضعف الوسائل وأخرى بمشكل الإرث التاريخي الثقيل المتمثل في التراث الإسلامي الذي يرفض التجديد والانفتاح والتقدم، فمالك بن نبي لا يربط ذلك لا بهذا ولا بذاك على الرغم من أنه لا ينفي تأثير ذلك على مسار تطور مجتمعات العالم الثالث، وإنما يربط المشكل والعائق بالأفكار وبطرق التعاطي معها، سواء الأفكار الميتة على حد تعبيره النابعة من ثقافانا الأصيلة أو الأفكار المميتة المستوردة من الغرب المنسلخة عن جذورها، والحل في نظره في التجديد: تجديد التراث، تجديد الأفكار وضمان فعاليتها، والبحث عن تحقيق الفعالية في الأفكار الغربية المستوردة من خلال تبييئها وربطها بالمحط الخاص والمحلي لمجتمعات العالم الثالث وتوجيهها لخدمتها.



#البرني_نبيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية في المغرب، مسار مختلف.
- الأوجه القاونينة الدولية لقضية الصحراء المغربية
- جذور مشكل الوحدة الترابية المغربية: قضية الصحراء ونزاع الحدو ...
- الانتقال الديمقراطي في المغرب، تحدياته وهواجسه الفكرية
- كيف جعلت فرنسا من المدرسة وسيلة لغزو المغاربة
- واقع المجتمع المدني في المغرب، وهواجسه الفكرية.
- المذهببة في الاسلام وتأثيراتها السياسية، وتعاطي الدولة المغر ...


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - البرني نبيل - مالك بن نبي ومشكلة الأفكار في العالم الإسلامي.