أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد بولكيد - علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (3)















المزيد.....

علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (3)


جواد بولكيد

الحوار المتمدن-العدد: 6580 - 2020 / 6 / 1 - 04:52
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من خلال الجزأين السابقين، حاولنا عرض المنظورين: الإسلامي ثم الكوني للعلم، ولقد رأينا أن مصطلح العلم، انتشر في العالم الإسلامي للدلالة خصوصا على العلوم الشرعية بكل فروعها.
ورغم أن العلوم الطبيعية بدورها قد عرفت ازدهارا كبيرا في ظل الخلافة العباسية وفي الأندلس وغيرهما من الدول الإسلامية، وساهمت بجانب الفلسفة اليونانية، في ظهور تيارات عقلانية في سياق النقاشات الفلسفية التي شغلت علماء الكلام، إلا أن هذه التيارات غالبا ما كانت تحاصر وتحارب لكونها تهدد الثوابت العقائدية، وتشكك بالتالي في الإيديولوجية المهيمنة على المستوى السياسي، في حين أن قلة من الحكام المسلمين، شجعوا هذا النمط من التفكير، أبرزهم الخليفة العباسي: المأمون. فأصبحت بذلك صفة العالم مرتبطة بالفقيه المتضلع في الدين.
ولقد ظهرت فروع متعددة من "العلوم" الشرعية، غايتها فهم الدين وشرائعه وعقائده، تتبع في ذلك خطوات محددة وشروطا صارمة يمكن اعتبارها "منهجا علميا" خاصا بالعلوم الشرعية الإسلامية. وهي النظرة التي ترسخت بفضل المدارس والجامعات الدينية والتي شكلت مقابلا حقيقيا للمجتمع العلمي في ذلك السياق.
بالمقابل عرفت أوروبا في فترة لاحقة، وضعا ثقافيا شبيها بوضعية العالم الإسلامي السالفة الذكر، غير أن اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية، ونضج الشروط الموضوعية، سمحتا هذه المرة للعقلانية وللفكر المنطقي بالانتصار على الفكر اللاهوتي والفلسفات الميتافيزيقية، الشيء الذي مكن الإنسانية من تحقيق الطفرة اللازمة لبناء منهج تفكير منطقي وناجح وفعال، يسمح ببناء نماذج ونظريات قادرة على تفسير العالم المحيط بنا، وبتحديد القوانين المسيرة للكون وللطبيعة والإنسان، ويؤثر بشكل ملموس ومباشر على الحياة اليومية لكل كائن بشري.
وقد تشكل هذا المنهج نظريا وعمليا بفضل إسهامات مختلف الحضارات الإنسانية. وتبلورت واتضحت معالمه بفضل النقاشات الأكاديمية التي عرفها المجتمع العلمي الأوروبي، في مرحلة أولى، قبل أن يصبح منهجا كونيا، يلاقي القبول في كل الأوساط العلمية في العالم، وهو القبول الذي فرضته كما سبقت الإشارة: نجاعة وفاعلية هذا المنهج على المستوى العملي؛ فبفضل العلم الحديث قضينا على كثير من الأوبئة وصنعنا كثيرا من الآلات وطورنا الفلاحة والصناعة واستكشفنا الفضاء وأنرنا ظلام الليل.
بناءا على ما سبق، يمكن القول بأن كلا من العلوم الشرعية والعلوم الحديثة، تعتمد على مناهج صارمة يجب احترامها في كل دراسة أو بحث مهما كان موضوعه وحقله المعرفي، غير أن الذي يمنح العلم الحديث صبغته الكونية وما يجعل من احترام المنهج العلمي شرطا لازما في كل عمل يتوخى بلوغ الحقيقة العلمية، هي فاعليته وإسهامه في كل مناحي التطور التكنولوجي والمعلوماتي والطبي..الذي نعيشه، وكونه لا يحتمل التناقض في بنائه المنطقي، ويسمح بإعادة إنتاج المعرفة العلمية والتحقق منها بشكل لامنتهي.
فهل يمكن إذن مساواة المنهج المتبع في العلوم الشرعية بالمنهج العلمي في فهمه الكوني؟
لكي نجيب على هذا التساؤل، سنحاول فيما يلي مساءلة المنهج المتبع في علم الحديث، أحد أبرز العلوم الشرعية الإسلامية، بالنظر إلى أنه "العلم" المنوط بالحفاظ على الأحاديث النبوية وتنقيتها من الشوائب والأقوال "المفتراة" على نبي الإسلام.
ولقد حظي هذا العلم باهتمام المسلمين منذ وفاة الرسول، حيث ظهر ما يسمى بعلم الرواية، ثم ظهر بعده علم الدراية، بعد وفاة صحابة النبي والخوف من ضياع الأحاديث واختلاط صحيحها بضعيفها.
ووضع علماء الحديث لهذا الهدف، مجموعة من القواعد والضوابط التي تسمح بتصنيف الأحاديث والتأكد من صحة نسبها للرسول، ولعل صحيح البخاري هو المؤلف الأبرز في هذا الميدان، كونه يصنف كثاني أصح كتاب بعد القرآن، تليه في ذلك كتب صحيحة أخرى كصحيح مسلم والترمذي والألباني...كلها، تبحث وتدقق في صحة السند والمتن وتدعي خلوها من الأحاديث الملفقة وأن كل ما تحتويه منقول عن الرسول، وبالتالي فهو كلام رسول الله ويفترض أنه يحمل لنا حقيقة العالم.
من هنا يحق لنا التساؤل حول مدى صدق هذه الادعاءات، وعن مدى فاعلية المنهج المتبع في جمع وتصحيح الأحاديث، ويحق لنا بذلك، إخضاع محتويات هذه الكتب لإعادة التمحيص والتدقيق ومواجهتها بالواقع وبالحقائق العلمية.
وقد ارتأيت أن أسائل منهج علم الحديث، ليس من خلال ضوابطه وطرق اشتغاله، بل من خلال مناقشة أحاديث بعينها؛ لكي نتوقف على مدى دقة المنهج المتبع في هذا العلم، ومدى فعاليته في توجيهنا وقيادتنا نحو الحقيقة:
عن ابن عباس قال: "أقبلت يهود على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أخبرنا ما هذا الرعد؟ قال ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب، بيده مخراق من نار يزجر به السحاب، يسوقه حيث أمر الله، قالوا فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: صوته فقالوا:صدقت"
هذا الحديث الذي صححه الترمذي وحسنه الألباني، يحمل بين طياته تفسيرا لظاهرة طبيعية معروفة هي الرعد، والحديث يفسر هذا الصوت الطبيعي على أنه صوت ملاك يزجر السحاب؛ هذه المعلومة التي ربما كانت في وقت من الأوقات تعتبر معرفة وعلما، هي نتاج للمنهج المتبع في علم الحديث، لكن هل كان احترام هذا المنهج كافيا لكي يقودنا نحو تفسير ظاهرة الرعد؟ وهل يمكننا التحقق من هذا التفسير؟ وإذا ما افترضنا جدلا، أن وصف الحديث لظاهرة الرعد صحيح ويعبر عن الحقيقة، فماذا ستكون فائدة هذا التفسير؟
الواضح أن تفسير الرعد على أنه صوت ملاك، أمر مخالف للفهم العلمي للظاهرة: التي لا تعدو أن تكون سوى صوت ناتج عن تمدد سريع (انفجار) للهواء بفعل ارتفاع درجته بسبب البرق، وهو تفسير يمكن التحقق منه في الطبيعة، ويمكن حتى إعادة إنتاج الظاهرة في المختبر، وبالمقابل فإن التفسير الذي يحمله الحديث المنسوب للرسول، لا يمكن التحقق منه وقطعا لا يمكننا إحضار ملاك للمختبر وإعادة إنتاجه وهو لا يسمح لنا بفهم الظاهرة والتحكم فيها، وربطها بباقي الظواهر المصاحبة لها كالبرق والمطر (جذير بالذكر أن الدول الرائدة في العلم قادرة على إنتاج المطر).
حديث صحيح آخر أكثر شهرة، أورده البخاري في صحيحه يقول:
" عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه ، فإن في إحدى جناحيه داء والأخرى شفاء ) وفي رواية أخرى( : إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه شفاء وفي الآخر داء"
هذا الحديث بدوره كان نتاجا لمنهجية صارمة، يريد فقهاء الإسلام مساواتها، بالمنهج العلمي الحديث. لكن دعونا نناقش محتوى هذا الحديث قليلا: أول تساؤل يتبادر إلى أذهاننا هنا، هو مدى صحة المعلومة، الواردة في الكلام المنسوب للرسول من منظور علمي؟ وهل تحتوي فعلا أجنحة الذبابة على الداء والدواء، وأن غمسها ثم نزعها كاف لتجنب أي مرض قد تتسبب فيه؟ لكي أكون صريحا: هذا أمر أشك فيه، بل أكاد أجزم بعدم صحته؛ أولا، لأن أنواع الذباب كثيرة جدا، وأن كثيرا منها كان وراء انتشار أوبئة وأمراض خطيرة وقاتلة، وثانيا لأنه لم يثبت أن تقنية الغمس المشار إليها في الحديث فعالة فعلا.
فهل يجرؤ علماء الحديث، ماداموا مصرين على دقة علمهم، على المخاطرة بإجراء تجربة في المختبر وتأكيد كونية نتائجه.
لن ننتظر جواب علماء الحديث، لأنني أظن أنه قد بات من الواضح تهافت ادعاءات رجال الدين حول دقة المناهج المتبعة في العلوم الشرعية، بالنظر إلى عجز هذه الأخيرة عن تقديم أي فهم عقلاني للعالم وأية فائدة عملية للإنسانية؛ فكل العلوم الدينية تقف عاجزة أمام فهم الظواهر الطبيعية، وكل ما تقدمه هو تفسيرات ميتافيزيقية ليس لها أي بعد وظيفي. بعكس العلوم الحديثة التي تمكننا من إعطاء نماذج ونظريات تفسر جوانب كثيرة من الكون المحيط بنا، وتمنح لنا بذلك وسائل التحكم في بعض عناصر الطبيعة وتطويعها لأجل منفعة البشرية؛ فحولنا الريح لطاقة واختزلنا المسافات والوقت بفضل الفيزياء، وحجزنا مياه الفيضانات وشيدنا المباني العالية كناية في الجاذبية بفضل الهندسة..
لكن هذا العجز عن مجاراة العلم الحديث في مقاربة الطبيعة والكون كان أن يمكن أمرا ثانويا، لو أن هذه العلوم لم تناقض العلم أو أنها فقط نجحت في تجنيب المسلمين إشكالية الاختلاف في تأويل النصوص واستخراج الأحكام الشرعية، وحمتهم من شر الخلاف الفقهي والعقائدي، فغياب الانسجام المنطقي في هذه العلوم جعلها تسقط في متناقضات كثيرة ما جعل الحوار العقلاني والمنطقي مستحيلا، وكلنا نعرف أن هذه الخلافات "العلمية" كثيرا ما تسببت في صراعات وحروب طاحنة.
خلاصة القول أن: كون العلوم الشرعية تتوفر على مناهج دقيقة من حيث المعايير والشروط والضوابط، لا يعني أنها بذلك تضاهي في دقتها العلوم العصرية، وأن مناهجها تقارن بالمنهج العلمي، لأن المسألة لا تتعلق بوجود منهج، بل تتعلق بنجاعة هذا المنهج في سبر أغوار المجهول وإثباته فعاليته في كشف الحقائق، وهو ما يتوفر في المنهج العلمي الذي تمخض عن آلاف السنين من النشاط المعرفي الإنساني الذي ساهمت فيه كل الشعوب والحضارات بنسب متفاوتة، من أبسط عامل إلى أعظم عالم.



#جواد_بولكيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (2)
- علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (١)
- الإسلاميون و تحريف مفهوم -الأغلبية-
- من المعجزة إلى الإعجاز
- هل تحتاج البشرية للأديان؟
- حول تجديد الخطاب الديني
- هل الإسلام علم؟
- أسطورة الشريعة


المزيد.....




- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...
- -كان سهران عندي-.. نجوى كرم تثير الجدل بـ-رؤيتها- المسيح 13 ...
- موعد وقيمة زكاة الفطر لعام 2024 وفقًا لتصريحات دار الإفتاء ا ...
- أسئلة عن الدين اليهودي ودعم إسرائيل في اختبار الجنسية الألما ...
- الأحزاب الدينية تهدد بالانسحاب من ائتلاف نتنياهو بسبب قانون ...
- 45 ألف فلسطيني يؤدون صلاتي العشاء والتراويح في المسجد الأقصى ...
- استعدادا لذبحها أمام الأقصى.. ما هي قصة ظهور البقرة الحمراء ...
- -ارجعوا إلى المسيحية-! بعد تراكم الغرامات.. ترامب يدعو أنصار ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جواد بولكيد - علوم الفقه والحديث في ميزان العلم الحديث (3)