أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمان السيد - سلّم لي على الباذنجان














المزيد.....

سلّم لي على الباذنجان


أمان السيد
كاتب

(Aman Alsayed)


الحوار المتمدن-العدد: 6563 - 2020 / 5 / 14 - 17:02
المحور: الادب والفن
    


تلك العبارة ألقتها إحداهن بالعامية أمامي بعد تأنيب، وتقريع لي جاءا فجأة دون سابق إنذار، وكنت وقتها أستقل سيارتي للمغادرة بعد تلبيتي حفل عشاء خيري، كانت على ما يبدو ينهشها الغيظ من البرود الذي قابلت به هياجها، إذ لم تستطع كتم انزعاجها لأني لم أحضر احتفالا ضخما جاء فيه توقيع كتاب شعري لها، كتابٌ ارتأته شعرا، وحشدت له الكثيرين من المسوّقين، والمعجبين، والمعجبات بانقياد، ومكرهين. وقد كانت كلّفت أكثر من طرف بدعوتي إلى ذلك الاحتفال، غير أني لم أعلم حتى اليوم من أين أتتها الثقة بأني سأحضر، فلا علاقة تربطني بها، ولا بما تنسّب نفسها إليه من شعر الكتابة، لا من قريب ولا من بعيد.
حادثة أقلّ من عادية مرّت بها شهورٌ، وصاحبتها لا تستحق أن يُلتفت إلى ما صدر عنها، لأن الشخص إنما تأتي ردود أفعاله مصداقًا لما تحمله نفسه من الرقي، أو التّخلف، لكن الموضوع الذي وراء ذلك كان يلحّ علي للكتابة، وكم أردفته جانبًا إلى أن أحسست أني أحتاج أن أرصد بعض جوانبه.
الغربة وطن جديد للمرء، ولعل من الجميل أن أقتنص هنا فكرة عبرعنها العالم الفرنسي لويس باستور قائلا: "قد تكون نهاية أشياء بداية لأشياء أجمل"، ولكن أن تتحول بلاد الاغتراب إلى مرتع خصب للادعاءات، وللنفاق، وإسباغٍ علينا ما ليس فينا، فهو حقّا مبعث قلق.
هناك من يعتقد أنه إن غادر الوطن فبإمكانه أن يرتدي الحلة التي يشتهي، أن ينصّب نفسه نجما، أو سفير أدب مثلا، أو ملك كتابة، أو حامل دكتوراه، أو سليل ثراء، وعراقة، ومع شيء من التزويق يكون له ما أراد، وحجّته في ذلك أنه غريب، ولن يقفز له من يدحض افتراءه. أما ادعاؤه إياه أمام البسطاء الذين يلتقيهم في الأرض الجديدة، فهو الكفيل له بتأكيد تلك النجومية، وذاك التسيد. استغلال الغربة لارتداء القناع الذي يهواه صاحبه تراه كثير الظهور في بلاد الاغتراب، لكن للأسف، فأصحابه لا يدركون أن التحايل لا ينطلي على الجميع، وإن انطلى فلفترة لن تطول، وسيسقط ذاك القناع بعد أن يملّ الجمهور من المحاصرة، والجذب بالرياء، والمبالغة والتبهير، إن في دعوات تتلاحق لحضور الأمسيات، وإن باتصالات تتكرر حتى يخجل الأشخاص ويضطروا إلى الحضور تسليمًا، ثم بعد مدة يتقلص ذاك الحضور حين تُكتشف ضآلة المحتوى. البشر بطبعهم عاطفيون، تؤثر فيهم الكلمات، والمشاعر، والمديح، والمجاملات، ولكن إلى حد معين، وكثير منهم يتبين لهم بعد فترة من تلبية تلك الدعوات أنهم ليسوا سوى أرقام في جدول. الغاية الأولى أن يملؤوا المقاعد ليُتفاخر بتعدادهم الرقمي أمام عدسات التصوير، وفي مجالس السّمر، نكاية بأدباء، وكتّاب يعتبرون أن مثل أسلوب الجذب ذاك لأمسياتهم الثقافية معيبًا، ولا يخدم رؤاهم، وتطلّعاتهم الفكرية. هم لا يريدون أصنامًا تصفّق متى استُثيرت للتصفيق، ولا أرقاما لتُبقر بها عين الكاميرا، وصفحات الجرائد اليومية، وعيون الساهرين في المقاهي وراء الأراجيل، وفناجين القهوة. مسرحيات لا تلبث أن تحسر الستارة عنها ليرى أنها ليست إلا هزلا، أما الجيد والقيم من العطاء الإنساني والفكري، فلا بد أن يثبت حضوره، وإن كان مع حضور قليل نوعي لا كمّي، قدِم ليتشارك مع الأديب عصارة روحه وفكره، وتجربته.
الغربة، وما أدراك ما توثّق في الغربة من أخلاق تحملها معك، فالإنسان الحقيقي هو نفسه أينما وجد، ومن يتعب ويجهد ليكون قيمة لن يضيع حضوره بين المزيفين، وإن تكاثفت ضده الأيدي والألسنة، وما تتحفنا به الأوطان الجديدة من المبدعين، والناجحين في شتى المجالات الإنسانية لهو الأدلّ على صدق ذاك المنحى. إنها مشكلة كبيرة في أولئك الذين يستغلون من يقطنون الأوطان البعيدة منذ سنوات طويلة، هاجروا إليها هربا من الحروب، أو الفقر، أو تحت ظروف أخرى، وهم ما يزالون يحنّون إلى لغتهم الأم التي غيبتها لغة المغترب، وإلى ما تركوه وراءهم من ثقافة، ومعتقدات وتقاليد، وكثرة لم يتسن لهم أن يكملوا تعليمهم الأكاديمي في زخم تلك الظروف، وهؤلاء بالذات يصبحون ضحايا لمن يتلاعب بفطرتهم، ومشاعرهم، وحنينهم، لقد صدق من قال:"أصبحنا لا نعرف في أي مكان يختبئ السّيؤون، فالجميع يتحدث بمثالية".
يحضرني هنا قول الروائي والشاعر الاسكتلندي الكبير روبرت لويس ستيفنسون "لا وجود لأراضي الغربة إنما المسافرون هم الغرباء"، موثقا لما ذهبت إليه، أما قول الكاتب الإيرلندي الكبير صمويل بيكيت "النور الساطع ليس ضروريا. شمعة صغيرة هي كل ما يحتاجه الإنسان ليعيش في الغربة، إذا احترقت بإخلاص"، فيأتي خير رافد لحكمة الأثر الخيّر للإنسان أنّى أقام، وإن أتى منبعه مصدرا بسيطا.
أعود لأتساءل، ترى ما الذي قصدته تلك الشاعرة بعبارتها المغتاظة "سلّملي على البيتنجان". في النهاية أعتقد أنه أجدر بنا بأن نعود إلى فيلم " الباطنية" لناديا الجندي- كما وصلني من إحداهن- وهناك سنجد الجواب في الانتظار!



#أمان_السيد (هاشتاغ)       Aman_Alsayed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول رواية كافكا في مستوطنة العقاب
- منافسات، ولكن..
- كورونا يسقط حكم العسكر


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمان السيد - سلّم لي على الباذنجان