أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير الشريف - لماذا غابت الدراسات عن فكر خير الدين التونسي؟















المزيد.....

لماذا غابت الدراسات عن فكر خير الدين التونسي؟


سمير الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 1584 - 2006 / 6 / 17 - 11:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تيارات فكرية عدة شهدتها الساحة الفكرية العربية، نالت من الدرس والبحث وما زالت تخضع للدراسات المقارنة والتحليلات، سواء منها التيار السلفي الذي تشبث بالنصوص ولم يحد عنها، إن التيار المستغرب، الذي رفض الماضي بما فيه لحل مشكلات الحاضر، والتيار التوفيقي الذي حاول أن يكون له من الاجتهاد نصيب، بالمزاوجة بين ماضي الأمة، ممثلة بتراثها، والانفتاح المشروط علي الحضارة الغربية. ولئن حظي أعلام من أصحاب هذا التيار بنصيب وافر من البحث والدراسة، إلا أن علما مهما، وصاحب دور بارز في هذا الإطار، لم يحظ بالدرس الكافي، بل نكاد نقول إنه مغمور لا يعرف عنه أحد غير أصحاب الاختصاص في هذا المجال..خير الدين التونسي 1810 ــ 1890 الذي مثّل نمطا فريدا عندما ألح بضرورة المواجهة العربية الإسلامية للمدنية الأوروبية ــ هذا الرجل الذي لم ينطلق من فراغ، ولم يتحدث عن نظريات، بل انطلق من معايشة حقيقية لواقع كشف ضعفه، بسبب من خبرته السياسية، وتنقله بين كثير من المناصب الكبرى، ومعرفته بالغرب، وإطلاعه علي سر تقدمه، نتيجة سفره وإقامته فيه.خير الدين التونسي، قدّم تصوراته الواضحة، مؤكداً أهمية الربط بين التقدم في المجال العمراني والحرية الفردية والعدل بين الناس، غير متناس ما للتنظيمات الإدارية من دور فاعل في بناء المجتمعات.طالب (خير الدين) بذلك، خوفا علي العالم العربي من الغرق في لجج الغرب، ولأنه تمعن في أسباب تقدم الأمم، واستخلص الدروس من تاريخ دول أوروبا، وقارنه بتاريخ الإسلام، خاصة، عندما لاحظ أن التقدم العلمي، قصّر المسافة بين الدول، وأصبحت الأفكار تنتقل بيسر وسهولة إلي شعوب العالم أجمع.يتبني مشروع (خير الدين) قضية التقدم الأوروبي وإمكانية، بل ضرورة الأخذ عنه، كما أشار إلي خطورة النظام الاستبدادي المطلق وضرورة استبداله بنظام مقيّد بالشرع والعدل، موضحا، أن مشكلة التخلف والانهيار العمراني، يمكن التغلب عليها بإيجاد نظام عصري، تكون الحرية فيه شرطاً أولياً من شروط ازدهار الاقتصاد، مشيرا الي أن النظام الاقتصادي الرأسمالي الأوروبي حسب رأيه هو الأفضل. هذه الأفكار، لم تظل حبيسة رأس (خير الدين)، بل كافح من اجلها، مستغلاً مركزه السياسي، حتى أن السلطان عبد الحميد اطلع علي نظريته المعروضة في كتابه (أقوم المسالك...) ودعاه الي الاستعانة سنة 1878 ليعينه وزيرا ثم صدراًً أعظم، واستطاع خلال السنوات 1878 ــ 1879 مواجهة العقبات الإدارية والسياسية والعسكرية والتصدي لها وحل كثير منها بنجاح واضح.كان شعار (خير الدين) أن التغيير يتم بالخضوع للشروط الموضوعية والذاتية للأمة لأنها الطريق الذي يجب أن يتبع في كل خطوة إذا أردنا التقدم، أما ما نشاهده من عمليات زراعة خارجية مقطوعة الجذور عن تربتها، فلن تؤدي لشيء..(خير الدين التونسي) واحد من الذين حملوا مشعل الإصلاح الإداري خلال القرن التاسع عشر، وقد آن الأوان أن يعرف القراء في جميع أمصار العالم العربي شيئا عن مشروعه ودرجة وعيه وعميق نظراته... تركزت آراء خير الدين الإصلاحية علي مجموعة عوامل، لعل من أهمها، الاهتمام بإصلاح الجيش وضرورة استخدام الخبرات الأجنبية في غياب خبرات ذاتية للأمة، ثم العمل علي تحديث القوانين، بما يمنح الحريات لكل الناس، مع تأكيد أهمية مواجهه المشاكل المالية، لأن الوقوع في الديون، يعني وقوع الدولة المستدينة في قبضة الاحتلال العسكري..نشر كتاب (خير الدين) (أوضح المسالك...) لأول مرة سنة 1868، وفيه وضع مقدمة طويلة، تعتبر أهم ما فيه، حيث وصف الدول الأوروبية خلال القرن التسع عشر مع ملحق جغرافي إحصائي...ترجم الكتاب إلي اللغة الفرنسية بإشرافه ثم صدرت الطبعة العربية للكتاب بعد سنة من صدور الترجمة الفرنسية، ولما كانت المقدمة أهم ما في الكتاب، فقد أعيد نشرها في تركيا باللغة العربية سنة 1876 وترجمت إلي التركية ونشرت سنة 1878 والي الإنكليزية سنة 1967، هذه المقدمة التي لا بد لمن أراد أن يطلع علي فكر (خير الدين) من دراستها، لأنها تمثل عصارة تجربته الإصلاحية وخلاصة نظريته التي يمكن تلخيصها كخطوط عامة بثلاث نقاط..أولها: أن التنمية الداخلية وهي أساس الخروج من المأزق الحضاري، والتخلف المادي. ثانيها: ضرورة الاقتداء بالغرب، بدل أن نظل واقفين حتى يبتلعنا، أو نقبل بما يمليه علينا مجبرين، وعندها لن نكون قادرين علي الوقوف علي أرجلنا والتفرغ لبناء ذاتنا.ثالثها: التمسك بالرابطة العثمانية واعتبارها الرباط الذي يعصم من الخضوع للغرب، حيث أن التقدم التكنولوجي هو سر تقدم أوروبا، وأننا إذا أردنا أن نقف أندادا لهذا الغرب فيجب أن نسير علي طريقه نفسها و بما لا يخالف الشريعة، لأن التقدم والبناء من صميم الدين. عدّ ( خير الدين) أن أفضل طريقة لتحقيق طموحاته وتنفيذها هو التعليم ــ الذي به تتحقق الأحلام وتصبح واقعا ملموسا، فأنشأ لهذا السبب، المدرسة الصادقية سنة 1875 واستقدم لها أساتذة من أوروبا...إن أهمية كتاب (خير الدين)، إضافة لما ذكرنا، أنه يعد أنموذجا للإرهاصات التي عانت منها الدول المتصلة بتركيا قبل هزيمتها وتقسيم أراضيها ووقوعها تحت الاستعمار مباشرة.قوبل مشروع (خير الدين) بالرفض من البعض والترحيب من البعض الآخر، والصمت من طرف ثالث، وقد تصدي لمن يقفون أمام مشروعه، منوها لحقيقة أكيدة مفادها: عن الذين يرفضون الأخذ عن الحضارة الأوروبية، علما وتقنيات وأساليب إدارية ومناهج سياسية، يناقضون أنفسهم و ويقتفون أثر أوروبا وشعوبها في طريقة ملبسهم ومأكلهم، فلماذا يرفضون الأهم ويأخذون غير الضروري؟!! أليس ذلك دليل تخلف وقصر نظر؟؟!لهذا يلاحظ المتابع لكتابات (خير الدين) وأراءه ، بحثه الدائم وتنقيبه المستمر، خلال سطور تاريخنا الإسلامي، علي ما يدعم موقفه، ولكن المدقق في حياة (خير الدين) وتفاصيل مشروعه الإصلاحي، يلاحظ وبوضوح، انعكاس حياته في باريس ومشاهداته ومدي تأثره بالوضع هناك علي كتابته وذلك من خلال إقامته بباريس خلال الفترة 1852 ــ 1856، لهذا يمكن اعتباره أول رسول ثقافي حاول ونجح بدرجة كبيرة، في نقل بذور المجتمع الأوروبي، وزرعها في تربة غريبة عنها، فهي المرة الأولي التي نجد فيها كلمات كالوطنية والقومية، تتسللان إلي قاموسنا الإسلامي بالمعايير والمحددات والخلفية الفكرية الأوروبية نفسها، فالحرية علي سبيل التدليل، يراها (خير الدين) منشأ سعة العرفان والتمدن في الممالك الأوروبية ويصنفها إلي مستويات ثلاثة ــ كما جاء في كتابه ص 78، و هي شخصية وسياسية وحرية رأي، ويري أن للحرية الشخصية آثارا إيجابية كثيرة، مما تمخض عنه، النمط الأوروبي في الاقتصاد، متمثلا بنظام المصارف كما يمثله بنك فرنسا آنذاك، هذا النجاح الاقتصادي مرده إلي الحرية الشخصية في الاستثمار، واطمئنان الناس علي أموالهم، لذلك، نري للاقتصاد الرأسمالي في تفكير (خير الدين) حيزا كبيرا، يلتقي مع إيمانه بالحرية الشخصية، التي تطلق للفرد حريته الكاملة لكسب ما يريد بالكيفية التي يريد، دونما قيود أو تدخّل من الدولة...من مظاهر إعجابه بالنمط الأوروبي، ما يراه من ضرورة الأخذ بالديمقراطية الغربية التي تعتبر الوزارة مسؤولة أمام المجلس النيابي المنتخب، وهنا يلمس الباحث المدقق لفكر (خير الدين)، خلطاً في طروحاته، إذ نراه في كتابه يطلب القوة للوقوف في وجه الهجمة الأوروبية، مطالبا باعتماد تنظيم الجيش وتسليحه، وتنظيم مصادر الثروة وتنميتها ــ نراه ينزلق بعد ذلك للمناداة بالتدخل في سلوك الفرد والجماعة، بما يخالف أسس الحضارة العربية الإسلامية، ويجاري شروط الحضارة الغربية، معتمدا الطريقة المنطقية والعقلية، والنزعة الليبرالية، بعيدا عن الاحتكام لمقتضيات المنهج الإسلامي، وإن أظهر تمحكا بالنصوص التراثية، محولا تطويعها لخدمة غرضه...هذه النزعة المتحررة، كانت المداميك وحجر الأساس الذي اعتمدها في ما بعد ممن خلفوا (خير الدين) وساروا علي نهجه واستلهموا لب نزعته الإصلاحية المشربة بالآراء والأفكار الأوروبية ــ التي تحاول أن تكتسي بالزي التراثي، وما محاولات (محمد عبده) و(جمال الدين الأفغاني)وغيرهم إلا أمثلة علي ما نقول.. هذه الحرية الشخصية التي طالب بها (خير الدين)، لم تكن إلا وجه من وجوه التمرد علي الموروث، وهذه الحرية التي بدت في الظاهر فردية شخصية ذاتية، انتهت بالتخلص من الطلاق كليا، لأنه وحسب المدرسة الفرنسية، بعيد عن العصرية، ولا يقبله الذوق المتمدن!وبعد، فهذه محض خطوط عامة في فكر الرجل وحياته، جديرة بالدراسة وتستحق وقفة متأملة بصيرة، خاصة، أن (خير الدين) ليس معروفا إلا في نطاق أهل الاختصاص.من جانب آخر ويجب أن تنهض دراسات مقارنة لمتابعة مدي تأثر الرجل بأفكار (ابن خلدون والماوردي)...
المراجع:
*** أسس التقدم عند مفكري الإسلام في العالم العربي الحديث. تأليف:د. فهمي جدعان، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط2 ــ 1981.
• ***الإسلام والحضارة الغربية: محمد محمد حسين، مؤسسة الرسالة، بيروت ط7، 1975
• ***.ــ خير الدين التونسي وكتابه أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك، تحقيق ودراسة: معن زيادة، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، ط2 ــ 1985.



#سمير_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتاب السياب النثري
- سيره غيرية
- الهزيمة والمثقف
- نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة
- الجذور التغريبية في فكر رفاعة الطهطاوي
- المرأءة والرجل في قصص هيام المفلح
- بوح


المزيد.....




- -باسم يوسف- يهاجم -إيلون ماسك- بشراسة ..ما السبب؟
- إسرائيل تغتال قياديا بارزا في -الجماعة الإسلامية- بلبنان
- -بعد استعمال الإسلام انكشف قناع جديد-.. مقتدى الصدر يعلق على ...
- ماما جابت بيبي.. تردد قناة طيور الجنة الجديد الحديث على القم ...
- معظم الفلسطينيين واليهود يريدون السلام، أما النرجسيون فيعرقل ...
- معركة اليرموك.. فاتحة الإسلام في الشام وكبرى هزائم الروم
- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سمير الشريف - لماذا غابت الدراسات عن فكر خير الدين التونسي؟