أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الشريف - كتاب السياب النثري















المزيد.....

كتاب السياب النثري


سمير الشريف

الحوار المتمدن-العدد: 1582 - 2006 / 6 / 15 - 08:19
المحور: الادب والفن
    



كتاب السيـاب النثري
مدونة أخرى للشعر الحديث

لئن عُرف بدر شاكر السياب علامة بارزة في مسار الشعر العربي الحديث، فان منجزاته النثرية المجهولة لا تقل شهرة وان كان لطغيان الشعر سبب في غمط إبداعاته النثرية التي تضيء جوانب كثيرة في مسيرة الشاعر والتي ما زال بعضها مبثوثا في صفحات المجلات وتحتاج إلي جهد يجمعها ويضيفها إلي جهد حسن العرفي، وكما قال صلاح عبد الصبور: إن الرثاء الحقيقي لحملة الأقلام هو إحياء آثارهم بالدراسة والعشرة الطيبة والحب الذكي، لذلك نتوقف مع محطات في نثر السياب الذي يجهله كثير من غير المتخصصين، فقد كتب السياب في مقدمة ديوانه (أساطير) تعرض لأشياء كثيرة أري من أهمها إلقاء الضوء علي موقفه من المرأة وإحساسه تجاهها، (فقدت أمي وما زلت طفلا صغيرا فنشأت محروما من عطف المرأة وحنانها وكانت حيلتي وما تزال بحثا عمن تسد هذا الفراغ، وكان عمري انتظاراً للمرأة المنشودة وحلمي في الحياة أن يكون لي بيت أجد فيه الراحة والطمأنينة وكنت أشعر أنني لن أعيش طويلا، لهذا وجب علي القارئ أن يربط بين رئة تتمزق وكثير من قصائد الديوان (1).
بعيدا عن تهويمات الحالمين الذين يؤمنون بشياطين الشعر، نري السياب يؤمن برسالة للفنان في محيط مجتمعه، وهو هنا يضع رؤيته بقوله: ... أنا من المؤمنين بأن علي الفنان دينا يجب أن يؤديه لهذا المجتمع البائس الذي يعيش فيه ولكنني لا ارتضي أن نجعل الفنان ــ وبخاصة الشاعر ــ عبداً لهذه النظرية، والشاعر إذا كان صادقا في التعبير عن الحياة في كل نواحيها، فلا بد من أن يعبر عن آلام المجتمع وآماله من دون إن يدفعه أحد إلي هذا، كما أنه من الناحية الأخرى يعبر عن آلامه هو وأحاسيسه الخاصة التي هي في أعمق أغوارها أحاسيس الأكثرية من أفراد هذا المجتمع (2). عن مدرسة السياب الفنية ومذهبه النقدي يقول السياب أنه من دعاة الأدب الواقعي الملتزم الذي تحدث عنه الناقد والشاعر الانجليزي الكبير (ستيفن سبندر) عندما قال أن الفنان الحديث أصبح انطباعيا وسرياليا وتكعيبيا ورمزيا في محاولته الهادفة إلي إيجاد انسجام بين ذاته وذات المجتمع ولكنه يرفض أن يكون من زمرة الطبيعيين الذين ينقلون الواقع نقلاً فوتوغرافيا، ولم يلبث الفنان الحديث حتى اهتدي إلي مخرج كما يقول (سبندر) وقد وجد هذا المخرج في الواقعية الحديثة وهي في رأيه تحليل الفنان للمجتمع الذي يعيش فيه تحليلاً عميقا فيه أكبر عدد مستطاع من الحقائق التي يدرسها مهما كانت وجهة النظر الذي يحملها (3).
في واحدة من رسائله التي تبادلها مع أصدقائه يثبت السياب حقيقة الحداثة التي غرق فيها كثيرون مبتعدين عن تراثهم، كتب مخاطبا صديقه: هل قرأت ما كتبه (ت. س. اليوت). (الموهبة الفردية وعلاقتها بالشعر؟) يجب أن يبقي خيط يربط بين القديم والجديد ويحب أن تبقي بعض ملامح القديم في الشيء الذي نسميه جديدا وعلي شعرنا ألا يكون مسخاً غريباً في ثياب عربية، يجب أن نستفيد من أحسن ما في تراثنا الشعري، في نفس الوقت الذي نستفيد فيه مما حققه الغربيون وخاصة الناطقون بالإنكليزية في عالم الشعر (4).
أما الشعر الحر الذي اتخذ منه بعضهم مطية لقول ما لا يقال فقد أوضح السياب رأيه فيه بعيدا عن الهذيان والرصف اللغوي الذي لا يحتوي شيئا فماذا قال؟.. وصلتني قصيدتك بشكلها النهائي وقد رأيت انك انتهيت إلي ما أردت إن أنبهك اليه، حين استلمت صيغتها الأولي: الإكثار من المقاطع الموزونة بين المقاطع المكتوبة نثرا،لقد كانت قصيدتك المنشورة في عدد (شعر) الأخير أكثر توفيقا من هذه الناحية. أما رأيت إلي الشعر الحر كيف استغله بعض المتشاعرين (وعلي الرصيف جوعان يبحث عن رغيف والشارع الممتد يزخر بالجموع من ثائرين مزمجرين فليسقط المستعمرون).
وإذا شاعت كتابة الشعر من دون التقيد بالوزن فلسوف تقرأ وتسمع مئات القصائد التي تحيل (رأس المال) و(الاقتصاد السياسي) وسواهما من الكتب والمقالات إلي شعر وهو لعمري خطر جسيم (5)، وليت السياب بيننا هذه الأيام ليري ما ُيرتكب من جرائم باسم الشعر.
ولشعراء الندوات التلفزيونية الذين يُمضون وقتهم بين المعارض واللقاءات أوضح السياب رأيه بقوله... لقد مضي الزمن الذي لم تكن فيه الثقافة ضرورية للشاعر لكي يصبح مجيدا، فالموهبة وحـدها لـم تعد تكـفي لخلق شعراء كـ (ايديث ستويل) و(ت. س. اليوت) (6).
في اكثر من حوار أفاض السياب عندما تناول موضوعات مثل فقدان الشعر لتأثيره ورأيه في شعر نزار قباني وردّه علي البياتي الذي اتهمه بسرقة مضامين ت.س. اليوت فقال: أذكر مسبقا أن الارتجال في البحث لا يمكن أن يضغط كل الأسباب إلا أني أستطيع أن أعطي بعضها، أعتقد أن اللغة من الأسباب الأولي التي يجب أن يوضع عليها الإصبع، فلقد كان الشاعر الجاهلي يتحدث بلغة أهله وقومه، أما الآن فان الازدواج اللغوي قد حدد التوسع الفكري بصورة عامة والشعري بصورة خاصة، هناك أيضا الفنون التعبيرية الأخرى التي أخذت تزاحم الشعر كالقصة والرواية واللوحة والموسيقي، وواضح انه من السهل لهذه الفنون إن تمرق إلي ذهن المستقبل دونما عناء أو إرهاق من ناحيته، أما بالنسبة للشعر فالأمر يختلف كثيراً، إن أقل ارتخاء في ذهن القارئ يشوه القصيدة ويفسدها عليه ولا ريب أن القصيدة الحديثة تحتم علي الشاعر أن يكون دقيقا إزاء العلاقات المعقدة التي تلازم عصرنا ذلك لأن تكوينها السيكولوجي لا يسمح بأي تخلخل أو تهاون. أما شعر نزار قباني فلا اعتقد أنه سيصمد بوجه التاريخ، ذلك إن شعر نزار أشبه بالشيكولاته تحسه ما دام في فمك إلا أن طعمه يزول عندما تنتهي من وضعه، وأنا شخصيا لا أشجع انتشار هذا النوع من الشعر وان كان شعر نزار لونا يحتاج الشعر العربي إليه. إن (نزار) وحده كاف، فحاجة المرء إلي الشيكولاته ليست كحاجته إلي الخبز والماء. قصيدتي (أغنية في شهر آب) قصيدة ذات بعدين، تقرأ معناها الظاهر فتحس أن تقرأ شعراً لا تعقيد ولا غموض، غير أن هناك معني آخر وراء السطح إذا نفذت إليه ظهرت القصيدة في ضوء جديد، أما ما يزعمه الصديق البياتي من أنها مسروقة من قصيدة (اليوت) (أغنية العاشق) فهو زعم لا يفيد شيئا سوي أنه يظهر مدي جهل البياتي بشعر (اليوت) على أحسن الفروض وأغراضه في أسوأ الفروض، بقي أن نذكر شيئا مهما هو أن البياتي كان وما زال حتى الآن في أحيان كثيرة، عالة علي شعر اليوت وعلي شعري أيضا وأستطيع إثبات ذلك بالنصوص لا بمجرد الكلام المطلق علي عواهنه (7).
ورداً علي صبيان الحداثة الذين يرفضون التراث ويعتبرونه ركاما من مخلفات الماضي يوضح السياب رأيه في هذه المسألة: أنا لست ممن يتنكرون لتراثنا أو يبخسون الشعراء العظام الذين سبقونا قدرهم، لقد عبّر (شوقي ومطران وصيدح وعلي محمود طه....) عن المطامح والأشواق التي كانت تفهم في زمانهم ولكن مطامح جيلنا وأشواقه قد أصبحت أعمق وأوسع، إننا نحاول التعبير عنها وقد ننجح حينا ونفشل في اغلب الأحيان...
مما يؤسف له أن الجيل المعاصر لا في البلاد العربية وحدها وإنما في العالم كله أصبح يعبر عن مطامحه وأشواقه بالسياسة الرخيصة وليس بالفلسفة والفن، إذن فمطمح هذا الجيل العربي هي مطامح سياسية بالدرجة الأولي ولكن الشاعر ليس بوقاً سياسيًا، انه يعبر عن المطامح والأشواق الخالدة التي لا تتغير مهما تغير نظام الحكم أو الجو السياسي. إن انقلاب الشعراء الروس الشباب إلي التعبير عن ذواتهم يعطينا الدليل الأكبر علي أن السياسة لا يمكن أن تحدد عواطف الإنسان أو تقيدها. إن الجيل العربي المعاصر من الشعراء يجد نفسه في حيرة: عمّ يعبر وما الذي يهمل. إن السياسة مهمة وعواطفه الذاتية مهمة وظروفه الاجتماعية مهمة، لذلك تري أغلب الشعراء يعبّرون عن جميع هذه الأشياء.. هناك من الثورات ما يهدف إلي تهديم القديم من أسه وبناء شيء جديد مكانه، ومنها ما يهدف إلي ترميم الأجزاء المهدمة من الماضي وإضافة طوابق جديدة إليه وإنني شخصيا من النوع الثاني. في تقييمه لرحلة مجلة شعر، عبّر السياب عن موقفه بموضوعية عندما قال... إن حركة تجربة (شعر) كانت في أول بداياتها تبشر بخير كثير، وقد ساهم في الحركة في أول بداياتها عدد من الشعراء الذين لا يستطيع أحد أن يشك بإخلاصهم للعروبة والقومية العربية أمثال نازك الملائكة وخليل حاوي وأنا وسلمي الجيوسي وعدد كبير من الشعراء، لكن في فترة لاحقة أخذت الحركة تجنح شيئاً فشيئاً نحو الغرب معطية ظهرها للشرق وللتراث العربي بصورة خاصة، وحتى الشعر الغربي الذي كانت تترجمه هذه المجلة كان يضرب علي وتر معين، كان يمتاز بالركاكة وعدم الترابط والغموض الذي لا يبرره شيء كأنما كانوا يريدون أن يقولوا لنا هذا هو الشعر فاكتبوا مثله!
ها هو السياب يضع للأجيال شهادة صادقة بحق تراثه دونما تضليل أو انسياق خلف أبواق التغريب بقوله.... إن الذي يطّلع علي النقد العربي القديم في عهوده الزاهرة تروعه هذه النظرات الصائبة التي تضارع في عمقها بل وربما زادت في دقتها وصحتها وجماليتها عما يكتبه النقاد الغربيون.




#سمير_الشريف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سيره غيرية
- الهزيمة والمثقف
- نقد الرواية من وجهة نظر الدراسات اللغوية الحديثة
- الجذور التغريبية في فكر رفاعة الطهطاوي
- المرأءة والرجل في قصص هيام المفلح
- بوح


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير الشريف - كتاب السياب النثري