أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(1















المزيد.....

من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(1


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 6556 - 2020 / 5 / 6 - 09:55
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


موقف الإسلام الأول من الأديان

كان ظهور الإسلام في الجزيرة استنهاضا جديدا لأرث قديم، ليست اليهودية والنصرانية سوى تجليات تاريخية طارئة له. والقضية هنا ليست فقط في أن الجزيرة هي مهد "الشعوب السامية"، بل والكيان الذي احتوى في أعماقه على تقاليدها القديمة وأعرافها وقيمها وتصوراتها وأحكامها المنحلة في كل ما له علاقة بوجود الإنسان وصلته بالطبيعة وما ورائها. فهي الخزين الدائم للموروث الحي، الذي يشكل الاعتراف الدائم بالأسلاف والانتماء الدائم إليهم والإقرار بشرعيتهم الوحيدة في التكفير والإيمان صيغتها الفجة. وليس اعتراف اليهود الدائم بأنهم على دين آبائهم سوى الصيغة "التوحيدية" لردود الوثنين العرب في مواجهتهم الأولى للإسلام بأنهم على دين آبائهم وانهم وجدوا آباءهم يعبدون ما يعبدون. ومن هنا الصيغة المتكررة للنفي الإسلامي الأول القائل "قل لا اعبد ما تعبدون"!
وفيما لو تتبعنا تاريخ الصراع الفكري والعقائدي بين الإسلام والأديان الأخرى بما في ذلك اليهودية والنصرانية، فإننا نلاحظ امتداده التاريخي ما قبل الإسلام، أي منذ الاستقلال الأولى للاتجاه الحنيفي في الجزيرة، الذي وقف موقف الحياد من صراع النصرانية واليهودية. وهو حياد لم يكن معزولا عن ضعفهما. مع أن الجزيرة كانت بمعنى ما الملجأ الأمين والمتسامي للمضطهدين بما في ذلك اليهودية، فإنها كانت أيضا مدرسة الخلوة الروحية وتقوية الإرادة لرجال النصرانية الأوائل وحملة لوائها التبشيري، كما اشار إلى ذلك على سبيل المثال بولص في رسالته إلى أهل غلاطية من أن الله عندما أودعه سرّه منذ الأزل في أن يدعو بين البشر لابن الله، فانه لم يتصدق بحيوان ولم يذبح كبش فداء، كما انه لم يتوجه إلى اورسليم كما فعل من قبله الرسل، بل انطلق إلى الجزيرة العربية . وكما استقبلت بين الحين والآخر طريدي الأمم المناهضين للظلم والاضطهاد من أنبياء ورسل، فإنها قدمت في وقت لاحق الإسلام ليرمم معالم الوحدانية في العراق وسوريا وفلسطين. فهي المناطق التي شكلت على الدوام الامتداد العضوي للجزيرة وذروة تجليها الثقافي. وليس مصادفة أن تتحول هذه المنطقة لاحقا إلى ميدان احتدام واحتكاك الصراع العقائدي والفكري والحضاري بين بقايا التوحيدية التاريخية والدينية لليهودية والنصرانية وبين توحيدية الإسلام الصاعدة. وهو صراع تمثل بصورة مباشرة وكبرى النماذج الأولية للمواجهات التي تعرض لها الإسلام من جانب الوثنية العربية واليهودية وبدرجة اقل من جانب النصرانية. وهي مواجهات عكست عمق التحجر والانغلاق الذي ميز تاريخيا تقليدية الوثنية ونموذجها العنصري المنغلق في اليهودية. إذ لم يكن "جدلها" يتعدى حدود الرفض المباشر والاستهزاء الخشن المميز للنفسية المنغلقة على ذاتها. على عكس النصرانية التي تمثلت حتى صعود الإسلام تقاليد الشعوب الثقافية في العقل والوجدان، مع أنها حاربت وخربت الإنجازات المادية والمعنوية الكبرى لتلك الشعوب.
غير أن الصراع أدى أيضا إلى بلورت منظومة من المفاهيم والمعايير والمواقف في التعامل مع الأديان مبنية على مبادئ التمثل الشامل، أي النفي الثقافي المبني على قواعد التحدي العقلاني والمواجهة الأخلاقية الشاملة.
وهي منظومة قامت على جملة مبادئ أساسية منها التأكيد على مبدأ الوحدانية، وإن الإسلام هو الممثل الحقيقي الدائم لهذا المبدأ. ووضع القرآن هذا المبدأ في جملة من آيات السور المكية، مثل "أن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى" . و"قالوا يا قوم انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى مصدق لما بين يديه ويهدي إلى الحق والى طريق مستقيم" . وكذلك مبدأ إظهار الوحدانية المجردة، من خلال التأكيد على جوهرية الإسلام، باعتباره إسلاما للحق، كما في الآيات "أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل واسحق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى…" ، و"ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما" . وكذلك مبدأ تمثيل المسلمين لحقيقة التوحيد في الديانات التوحيدية، كما في الآية "محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم… سيماءهم في وجوههم من اثر السجود، ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل" ، و"يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين: من أنصاري إلى الله؟ قال الحواريون: نحن أنصار الله" .
وتضمنت هذه المبادئ العامة في أعماقها على فكرة النفي الدائم والبديل الشامل، لتي صاغها القرآن في آياته المتنوعة والموحدة عن ماهية وحقيقة التوحيد الإسلامي، بوصفه نفيا واستكمالا لما في اليهودية والنصرانية من حقائق جرى تحريفها وتزييفها في الأقوال والأعمال. وبلور القرآن في مجرى تكامله التاريخي الأول خمس مواقف عامة كبرى من اليهودية والنصرانية.
الموقف الأول ويقوم في ضرورة التمييز بين المهتدين والفاسقين، انطلاقا من انه "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله أناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون باله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات أولئك من الصالحين" . و"منهم مهتد وكثير منهم فاسقون" . الموقف الثاني ويقوم في رفض الجدل معهم، انطلاقا من أن "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم. الله يجمع بيننا واليه المصير"، إذ أن "الذين يحاجون في الله بعد ما استجيب له حجته داحضة عند ربهم" . الموقف الثالث ويقوم في رفض التعصب والغلو، كما في الآية "وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى. تلك أمانيهم! قل: هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين"، و"قالت اليهود ليست النصارى على شئ، وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب، كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم" . و"يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق" . الموقف الرابع يقوم في إعلان تحريف اليهود والنصارى للوحي، ومن ثم لا قدسية في "الكتاب المقدس" الذي بين أيديهم. ويميز القرآن بين نوعين من التحريف. الأول فكري وينبع من الغلوّ الديني ومن ثم الإساءة لحقيقة التوحيد، كما في الآية "أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كم الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون" . و"جعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضيعه" . و"لقد كفر الذين قالوا أن الله هو المسيح بين مريم"، كما "كفر الذين قالوا أن الله ثالث ثلاثة، وما من اله إلا اله واحد"، وما "المسيح بين مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" . والثاني عملي وينبع من كون "كثير من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله" . و"إن اليهود والنصارى قد "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا لعبدوا إلها واحدا" . الموقف الخامس ويقوم في إعلان الصراع ضد انحرافهم عن الحق، كما في الآية "ولن ترض عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم. قل: إن هدى الله هو الهدى" . ووضع مهمة الصراع في دعوته القائلة "وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر ولا يحرمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" . وهي دعوة مقيدة بموقف الإسلام من الإقرار بشرعية "أهل الكتاب" واستثناء الفاسقين من المهتدين في كل موقف بما في ذلك الجزية، كما في الآية "وان من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما انزل إليكم وما انزل إليهم خاشعين لله" . وإذا كان الموقف من اليهود اشد معارضة، فلأنهم كانوا اشد قسوة في معارضتهم للنبي والتحريض عليه. بحيث صورة القرآن مسار التحجر والقسوة في قلوبهم في إحدى آياته قائلا "ثم قست قلوبهم من بعد ذلك، فهي كالحجارة أو اشد قسوة، وان من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار" . بينما كان الموقف من النصارى اشد لينا وتعاطفا بفعل ما في النصرانية من أولوية للمحبة والغفران، كما في الآية "وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة" . و"لتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا، الذين قالوا "انا نصارى"، انهم لا يستكبرون. وإذا سمعوا مما انزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق" .
وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المبادئ العامة والمواقف المترتبة كانت حصيلة الصراع الأولي الذي فرض على الإسلام في مرحلة ظهوره الأول حتى وفاة النبي محمد. وبالتالي ليس "التناقض الظاهري بين المواقف سوى النتيجة الطبيعية للصراع آنذاك والملازم في نفس الوقت لسعي الإسلام فرض توحيديته الجديدة بوصفها ردا شاملا وبديلا واقعيا وعقائديا وروحيا على مستوى الجزيرة العربية وخارجها. وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في تزاوج وتماشي هذه الجوانب اثناء نشر الإسلام والتبشير به وما ترتب عليه من ممارسة الإقرار بشرعية وحرية الأديان وفرض الجزية، في مجرى بناء الخلافة.(يتبع......).



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهوية الوطنية العراقية: الخلل والبدائل
- عمران بن حطان الخارجي: ممثل الوجدان والعصيان
- -الصحوة السلفية الجهادية- العراقية نموذج للانحطاط المادي وال ...
- الغلو الديني والعقائدي - هاوية الإرهاب والفساد(1-2)
- «الإرهاب الإسلامي» السلفي وتحطيم العدل والاعتدال
- «الإرهاب الإسلامي» السلفي في العراق: المقدمات والنتائج.
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (3-3)
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (2-3)
- نفسية وذهنية المؤامرة والمغامرة في العراق (1-3)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (4-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (3-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (2-4)
- ظاهرة المؤقتين الجدد وضمور المرجعية الوطنية (1-4)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (3-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية (2-3)
- صعود المرجعيات الدينية وهبوط السياسة المدنية(1-3)
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال العقل الوط ...
- الأحزاب السياسية الشيعية : من ظلال الروح إلى ضلال الطائفية


المزيد.....




- ترامب يعلق على إخلاء الشرطة جامعة كولومبيا من المحتجين.. وين ...
- فيديو... -كتائب القسام- تقصف تجمعات قوات إسرائيلية بالصواريخ ...
- وفاة الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان والرئيس الإماراتي ينعاه
- إحباط مخطط يستهدف -تفجير- معسكرات أمريكية في دولة خليجية
- خامنئي: تطبيع دول المنطقة مع إسرائيل لن يحلّ الأزمات الإقليم ...
- الجزيرة تحصل على صور تكشف مراقبة حزب الله مواقع ومسيّرات إسر ...
- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - من نقد الدين إلى وحدة الأديان في الثقافة الاسلامية(1