|
المفكر صديق الجميع ليس مفكرا/ محاولة لكشف المفكرين المزيفين في العراق
جعفر نجم نصر
أكاديمي وكاتب
الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 30 - 03:27
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
المفكر صديق الجميع ليس مفكراً/ محاولة لكشف المفكرين المزيفين في العراق (يوجد في هذا العالم معلمون مزيفون أكثر عدداً من النجوم في هذا الكون. فلا تخلط بين الأشخاص الأنانيين الذين يعملون بدافع السلطة وبين المعلمين الحقيقيين). شمس الدين التبريزي جعفر نجم نصر
ان ادعياء العلم لم يكونوا وليدي اللحظة الراهنة، إذ شهد العالم ومنذ قرون الكثير منهم، والذي نجحوا في استجلاب الجماهير لساحتهم وسماع مقولاتهم المزيفة/ المخادعة، بل وتأييدها أو لنقل تقليدها حرفياً، ولعل محاولات التصدي لهم انطلقت بعدة وسائل وآليات عمل وبحسب خصوصية العصر وسماته وتقنياته. ونحن إذ نحاول وضع معالم أو لبنات للتصدي لهؤلاء الذين ينفقون ليل – نهار عبر عدة وسائل- مستغلين كل قنوات المعرفة لترويج أطروحاتهم ومقولاتهم لأجل التسيّد على المجتمع والبرهنة على أنهم الاعلم، فأننا نبدأ بسؤال أولي: هل يوجد مفكر ما صديق للجميع؟ لعل هذا سؤال ضروري لأجل فتح آفاق واسعة لأجل الفهم فيما بعد أحدى أساليب أو حيل أدعياء العلم. وقبل الاجابة عن السؤال اعلاه، نذهب نحو تساؤلات محورية كمقدمة للأجابة عن السؤال آنف الذكر، وهي: متى يمكن ان يعد كاتباً ما أو مثقفاً ما بوصفه مفكراً؟ أو متى يمكن ان نطلق عليه صفة أو سمة [المفكر]؟، أعتقد ان لذلك شروطاً عدة ينبغي الالتفات لها وهي: أولاً: ينبغي ان يقدم مشروعاً فكرياً ذا سمات تنويرية –تجديدية- واقعية، وان لا يكون مقلداً لاتجاه أو تيار اصلاحي ما، يستنسخ مقولاته أو اطروحاته عبر استخدام لغة أدبية – فضفاضة (تلوي عنق الكلمات)؟!. ثانياً أن يكون له منهج واضح في التعامل مع القضايا أو المسائل التي يوجه لها سهام النقد أو التجديد أو التحديث، وأما ان يكون طرحهُ عاماً غير مستند إلى موجهات أو تأطيرات منهجية، فهو يعد بذلك مثقفاً استعراضياً، يلوك المصطلحات الفلسفية لا أكثر ولا أقل، وحينها لا يعد علمياً أو صاحب اتجاه نقدي (متميز)، ما دام قد افتقرت اطروحاته للمنهج العلمي. ثالثاً: ينبغي ان يقدم بديلاً معرفياً –عن كل الاطروحات أو المقولات التي قال بها غيره من اصحاب المشاريع/ النقدية المعرفية، وإلا أن عملية تكرارها عبر الاستعراض يُعد هدراً أو لغواً لا قيمة له. رابعاً: أن تكون اطروحاته أو مقولاته النقدية تستهدف قضايا محددة، أو جوانب واضحة المعالم، بدل ان يكون طرحه ضبابي/مصلحي لا يقوم على تشخيص حقيقي، بل مجرد استعرض مقولات عامة لا تخاطب (السلطة الدينية/ السلطة السياسية/ الشريعة ونصوصها/ المجتمع وظواهره/ الغرب واتجاهاته (بلغة نقدية)، أي ان لا تكو أعماله مجرد حشو لا طائل منه عبر لغة معبأة بالمصطلحات أو العبارات الملتوية، كيما يضحك بها على الافراد البسطاء أو على بعض المثقفين/ الاستعراضيين القشريين الذين يملؤون صفحات [الفيس بوك]. أي ينبغي ان يكون المفكر قدم اطروحات مست مصالح أو قضايا أو اتجاهات حيوية داخل المجتمع العراقي، فإنه اذا لم يُغضب على سبيل المثال: أولاً: السلطة السياسية: فهذا لأنه غير عابئ بفسادها وقصورها العام، بل هو جزء من منظومة الفساد والمروج لها عبر صمته عنها ضمنياً، بل لربما مستفيد منها. ثانياً: السلطة الدينية (الفقهاء): اذا كان هو صاحب مشروع تنويري، اصلاحي فهو بالضرورة يؤمن بالفردانية وبعدم الوصاية على الفرد، اي لا يؤمن بالبطريركية الدينية التي تدعي الوصاية على المجتمع، وهذه أولى أو جوهر مركزية [النقد الديني] أو الاصلاحي التنويري، ان كان يدعي ذلك، وهو ان لم نتلمسه في عمل أحدهم، فهو أذن حليف هؤلاء وأبنهم البار الذاب عن حرمهم، والا لو كان لديه مقولات أو اطروحات نقدية/ أو تنويرية لمسهم في كتاباته وأذن لغدا ألد أعدائهم ومن خصومهم. ثالثاً: فئات المجتمع العراقي: هنالك ظواهر أو قضايا اجتماعية عديدة تتطلب عملية نقدها أو اصلاحها تطال بنى اجتماعية عدة من ضمنها القبيلة والقبائلية، التدين الشعبي أو الطقوسيات الشعبية المعطلة للوعي وللأنتاج في الوقت نفسه، وغيرها الكثير من الظواهر التي ترتبط بالبُعد الديني ان كان يدعي معالجتها بأعماله، فإذا كان المجتمع يستقبل اطروحاته برحابة صدر بغير عداء، فهذا يعني انه كان يغازل مجتمع الفئات بأعماله ومن ثم فهو ليس بمصلح أو ناقد أو تنويري، لأن المجتمع لم يغضب على أعماله. لعل معترض يقول: الكاتب الناجح هو من يداري مشاعر قرّائه ومن ثم لا يستجلب العداء منهم؟ ولماذا العداء اذا كان يكتب بلغة علمية (بحسب إدعاء البعض)؟. لعل الجواب عن ذلك هو: ان أي عملية تشريح نقدي للنصوص الدينية أو للظواهر الاجتماعية أو للسلطات الدينية أو السياسية تستوجب وضع القراءة التصحيحية بوضع البديل الممثل بأطروحات أو مقولات النقد، بعبارة أخرى ان اي متصدي لعمليات النقد أو المراجعة داخل المجتمع يستوجب منه تحديد الجوانب السلبية التي تطال هذهِ القضايا التي يتصدى لها، فأن راجع النصوص الدينية على سبيل المثال: يتطلب منهُ نقد القراءة الرسمية لها بوضع بديل لها، يكشف من خلاله كيف ان الاجيال أو ابناء المجتمع عاشوا في غيبوبة دينية عن أدراك المعاني المغايرة لما اعتنقوه أو آمنوا به طوال قرون، فأنه ان قام بذلك يجعل من سدنة الدين التقليديين (الفقهاء) وجماهيرها المعطلة ذهنياً بمثابة أعداء شئنا ذلك أم أبينا، ولكن ان كان يقوم بقراءة مدلسة لتلك النصوص أو يقدم مشروعاً نقدياً/ استعراضياً لأجل عدم المساس بمصالحه وبمقامه الاجتماعي والثقافي، فأنه سيكون معصوماً من الناس، وسيغض الطرف عنه إلى أن يموت وهنا يشيع بوصفه المفكر الاسلامي الاكبر الذي كان حامي حمى العقيدة حياً وميتاً؟. من الامور التي يمارسها هؤلاء الذين يدعون أنهم مفكرون اصلاحيون/تنويريون، هي استخدام لغة فضفاضة لا يمكن لأحد ان يمسك من خلالها على عبارة تمس (الدوائر القدسية) ان كانت نصوصاً أو اشخاص أو مؤسسات، أي انهم يقومون بعملية التعمية الفكرية على الجماهير التي غدت تنتظر المنشورات (الفيسبوكية) أكثر مما تقرأ، بل نعيش الان أجيال من المثقفين يعتاشون على الغير ومناقشة منشوراته اكثر ممن يناقشون الكتب والاعمال العلمية. ولكن للأمر السابق بقية خطيرة: الا وهي ان هؤلاء المفكرين/ المصلحين الذين يدعون انهم اصحاب مشروع محاطين بمجموعة من اشباه المثقفين والاكاديميين والمعممين الحوزويين الذين يشتركون معهم على ذات المصلحة، لاسيما وان هذا المفكر الذي لم يغضب (نملة) في كثير من الاحيان يتولى منصب كبير ومقرب من رموز دينية وسياسية ومجتمعية كثيرة، وهنا يظهر مشهد الاجتماع على (القصعة الواحدة الدسمة والوقوف على التل أسلم). أن عملية التوعية بمخاطر هؤلاء والمتحالفين معهم أراه واجب أخلاقي لأجل اسقاط رمزيتهم المصطنعة والمختلقة والكشف عن نواياهم المريضة في الصعود عبر سلم المعرفة لأجل نيل التبجيل والاحترام بل وحتى التقديس. ولعل الطامة الكبرى الان في المجتمع العراقي ان كل شيء مزيف، فقهاء لا يمارسون ادوارهم بردع الفساد بل يشتركون فيه، جامعيون لا هم لهم سوى قبض المعاش واستعراض أربطة عنقهم واعمالهم المسروقة، زعماء سياسيون أكلوا الجبل وشربوا دجلة بفسادهم هم وقطعانهم البشرية الخاضعة،...الخ. من مظاهر التزييف مستمرة، ولكن أخطرها ان يكون مفكراً/نقدياً هو غطاء لهم وحليفهم جميعاً (صديق الكل)، وهل يمكن للناطق بالحق ان يكون صديق الجميع؟!.
#جعفر_نجم_نصر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التصوف العقلاني
-
العقل الاسلامي/من اللغة المأزومة الى الاجساد الملغومة /اشكال
...
-
الانسان هو المقدس الاكبر فمتى يؤمن العرب؟
المزيد.....
-
من الحركيين إلى التقليديين: إعادة إنتاج الأفيون باسم الإسلام
...
-
الكنيست يصوت على تعديل مصطلح -الضفة الغربية- إلى -يهودا والس
...
-
حرب غزة وتداعياتها.. هل أثرت على الأقلية اليهودية في تونس؟
-
الاضطرابات تجتاح أكبر دولة إسلامية في العالم.. فما الذي يجب
...
-
الموصل تستعيد رموزها التاريخية: افتتاح الجامع النوري والحدبا
...
-
استنكار واسع في بلجيكا بعد إدراج طبيب كلمة -يهودية- ضمن قائم
...
-
السوداني يفتتح رمز مدينة الموصل الجامع النوري ومنارته الحدبا
...
-
بين الخلاف المحمود والمذموم.. كيف عالج الإسلام الاختلافات؟
-
شاهد كيف استقبل مسيحيو سوريا افتتاح كنيسة القديسة آنا بإدلب
...
-
السوداني يفتتح الجامع النوري والمئذنة الحدباء وسط مدينة المو
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|