أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهلة الجمزاوي - حوار مع د. نهلة الجمزاوي حول إشكالية المسرح العربي بين الإبداع والنقد.















المزيد.....


حوار مع د. نهلة الجمزاوي حول إشكالية المسرح العربي بين الإبداع والنقد.


نهلة الجمزاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6550 - 2020 / 4 / 29 - 18:34
المحور: الادب والفن
    


حاورها / عدي السيد

• الجمزاوي: الفنّ هو التعبير الجمالي عن الحياة الذي يمكننا من احتمالها:
• حركة النقد هي انعكاس لحركة المسرح وتتناسب طردياً معها.
• إنّ خصوصية الكتابة المسرحية ووعورتها قد تودي إلى هروب الكاتب إلى أجناس أدبية يجدها أكثر رحابة وحرية ..
• القضايا الوطنية والإنسانية التحررية استحوذت على جلّ أعمالي.
• الكتابة المسرحية تحتاج شجاعة ومجازفة وقدرة عالية على الإمساك بخيوط التقنية المسرحية..
• الكتابة المسرحية والنقد المسرحي يفتقران إلى التخصص.
• الطاقات الإبداعية والنقدية تحتاج المزيد من التظهير والدعم.


- تميزت الأديبة د.نهلة الجمزاوي، عضو رابطة الكتاب الأردنيين، بنتاج إبداعيّ وفكري متنوع، إذ صدر لها خمسة وعشرون عملاً إبداعياً ما بين المقروء والمرئي المسموع، في مجالات القصة والشعر والمسرح والرواية والدراما التلفزيونية والإذاعية، وأدب الطفل، وكذلك في النقد الفكر والفلسفة، ونشرت عدداً من المقالات النقدية في الهمّ الثقافي والسياسي والأدبي في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية، وحصلت على عدد من الجوائز العربية والعالمية، في أجناس إبداعية متنوعة. ولها مجموعة من القصائد والأوباريتات الغنائية تُبثّ على عدد من الفضائيات العربية.وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة من الجامعة الأردنية، وحول تجربتها المسرحية في تأليف النص والنقد، كان لنا هذا اللقاء.
• ماذا عن تجربتك المسرحية:
• ليس من السّهل أن يعبّر المرء عن تجربته الخاصة لأنها تبقى رهينة العين الثالثة ألا وهي عين الناقد، وأعني بالناقد: المتلقي القارىء أولاً ومن ثمّ الناقد المختص..وربما أستطيع التحدث عن علاقتي الحميمة بالمسرح الذي أشعر بأنّه الفنّ الذي استطاع أن يحتويني بوصفي متعددة النتاجات الأدبية، ففي رحاب المسرح، تستطيع الأجناس الأدبية أن تصول وتجول وتتضافر لتنتج عملاً إبداعياً متكاملاً، فهو الفنّ الذي يحتمل القصة والشعر والرواية والموسيقا، والفنون البصرية....الخ) والفنّ هو التعبير الجمالي عن الحياة الذي يمكننا من احتمالها.

وفي المسرح أشعر بأنّ أفكاري تقفز حيّة إلى الخشبة فتصبح كائنات قادرة على التعبير عن ذاتها بحرية مطلقة إلى درجة أنّها تتمرد عليّ أحيانا وتشق طريقها بالفعل الدرامي لتصنع النهاية غير المخطط لها...
بالرغم من اشتغالي على فنّ القصة القصيرة، إلا أنني أجدها سرعان ما تذهب بي في معظمها نحو الشكل الأقرب إلى المسرح في بنيتها التقنية، حيث اتساع مساحة الحوار على حساب السرد، وحيث استنطاق الشخصيات وبروزها على حساب الراوي، وكذلك أذكرأنّ محاولاتي الكتابية الأولى كانت مسرحاً، تلك التي كنت أكتبها بغرض أن تُمَثّل على المنصة المدرسية.
وما أن كتبت مجموعتي القصصية الأولى العربة, حتى عدت لأخوض غمار التجربة المسرحية فكتبت الشظية عام 2000 التي فازت بعدد من الجوائز، أولها جائزة أمّ المعارك في العراق، ومن ثم كتبت لعبة في الهواء القلق التي فازت بجائزة ناجي نعمان العالمية عام 2007 وكذلك كتبت عدداً من المسرحيات التي ما تزال على هيئة مخطوطات لم يقدَّر لها النشر..
ومن ثمّ، وبعد تجربة طويلة..تجرأت على كتابة مسرحياتللأطفال،إذ كانت في نظري مجازفة محفوفة بالمخاطر، ومسؤولية كبيرة لا بدّ من الإخلاص لها، وتحمل وزرها، فالطفل ناقد ذكيّ ومتذوق فذّ، وليس متلقيًا ساذجًا، أو يمكن جذبه بقليل من التهريج كما يعتقد البعض، لا سيما في ظلّ الانفتاح المعرفي الذي حققه له العالم الافتراضي، لذلك أدركت أنه لا بدّ من الإمساك بأدواته العصرية كي أكتب له لا لطفولتي أنا..وأدركت أنه ينبغي عليّ أن أستنهض الطفل النائم في ذاكرتي كي أكتب بروحه، لا بروح الأستاذ المعلم، أو التربوي الصارم، فلا أمارس عليه الأستذة من جديد بل أجعله يلهو، ويستمتع ويغني ويرقص، ويتناول الوجبة المعرفية والتربوية المرجوة دون أن يدري أو يَملّ، بل من خلال حكاية تلامس واقعه المعيش، ووفق أدواته الحداثوية..لذا لجأت إلى الخيال العلمي، وعالم الحاسوب، والإنترنت المستحوذ على عقل الطفل وحواسه في أغلب أعمالي، من أجل تحفيز مخيلته إلى أقصاها، ومن ثم إعادته إلى الواقع، فالخيال العلمي في نظري، يجب أن يكون موظفاً لمحاكاة هموم الحياة الأرضية، والقضايا اليومية، وإلا سيفقد جدواه ويقع في جبّ التسلية الفارغة كالتي تجلبها بعض مسلسلات الغرب الأمريكي حيث الإثارة المجانية، بل والمضرّة والمولدة للعنف أحياناً.
وفي هذا المجال كتبت إحدى عشرة مسرحية عرض بعضها في المهرجانات الأردنية والعربية، وعلى خشبات المدارس، وطبعت في مجموعة الأعمال المسرحية أنا الفرح الصادرة عن دار فضاءات بدعم من وزارة الثقافة الأردنية عام 2011
وأعود لمسرح الكبار حيث امتصت التجربة القصصية جزءًا كبيراً من طاقتي المسرحية لاعتبارات كثيرة، أبرزها الإحباط الذي يسود الساحة الثقافية عامة والمشهد المسرحي على وجه الخصوص حيث التخبط وقلّة الدعم وإجحاف المؤلف.
أما عن تجرتي النقدية فتمثلت في بعض المقالات الناقدة، المنشورة في الصحف، وبعض التغطيات الإعلامية التي أخذت صبغة انطباعية شمولية تتضمن وجهة نظر خاصة، متأتية من تجربتي الكتابية وخبرتي الأكاديمية، وكذلك عبر عدد من الشهادات الإبداعية التي عرّجت على وصف المشهد المسرحي من خلال انخراطي في الساحة المسرحية، فيما تجلت تجربتي النقدية في إطار مشاركاتي في لجان التحكيم، على صعيد المسابقات الأردنية والعربية في مجاليّ مسرح الطفل ومسرح الكبار، والتي اتسمت بالدقة والمسؤولية أكثر من غيرها.

كيف تقيمين واقع المسرح عربياً وأردنياً؟
ليس من اليسير أبداً الوقوف على واقع المسرح العربي أو حتى الأردني بشكل دقيق بوصفه ظاهرة ثقافية تتطلب دراسة معمقة وتفصيلية، كما تتطلب الكثير من الشواهد والأدلة والشرح المطول..أما ما سأتطرق إليه من أحكام فهي على الأغلب آراء مستقاة من مشاهداتي وتجربتي أثناء الانخراط في الحركة المسرحية بوصفي كاتبة نص مسرحي من جانب، وبحكم اشتغالي في النقد الذي جاء في إطار التحكيم على الأغلب...وانطلاقا من هاتين النقطتين أستطيع القول:
إنّ الحركة المسرحية تتسم بصفة عامة بالموسمية على صعيد العروض، وذلك وفق أشكال مهرجانية تعاني ما تعانيه من الإرهاصات، وإن كانت تمثل مصدراً للبهجة على الصعيد الاحتفالي أو الإحيائي لهذا الجنس الإبداعي والحفاظ عليه من الاندثار...وذلك لما يعانيه المسرح من قلة في الدعم المؤسسي اللازم لنهوضه ووقوفه في مقدمة الفعل الثقافي الفنّي الرسمي.
وقبل الحديث عن تلك الإرهاصات يتوجّب عليّ أن أشير إلى الجهود المؤسسية الرسمية المبذولة بوصفها محاولة للأخذ بيد المسرح نحو الارتقاء والتميز، إلا أنّ الملاحظات والسقطات تأتي عادة بعد الخطوة الإيجابية الأولى: وهنا أستطيع أن أسجل عدداً من الملاحظات من أصل لا أستطيع حصره في هذه العجالة:
بداية لا بد من التأكيد على أنّ المسرح الأردني وإن امتلك خصوصية، فهو جزء من الحركة المسرحية العربية التي لا يغيب عن أحد أنها تعاني من أزمات وإشكاليات عديدة:
أولها أنّها تتسم كما ذكرنا بالموسمية، وأنها لم تتمكن إلى الآن من أخذالدعم الكافي لخلق ظاهرة مسرحية تتصف بالديمومة، ويعود ذلك بالدرجة الأولى لقلة الإمكانيات المادية المقدمة المرصودة لدعم المسرح، والمتأتية من ضآلة حصة الثقافة برمتها من الدعم المالي الحكومي أصلاً.....
وتأتي الأخطاء الأخرى لتتخلل مفاصل العمل المسرحي ابتداء من فكرة الدعم مروراً باختيار الكادر وتوزيع الحصص والمهام والصلاحيات،وما يتبعها من اختيارات للعروض وانتقاءات للنصوص على صعيديّ المشاركة محلياً وعربياً...وانتهاء بالمكافآت والجوائز والحوافز...
إذ غالبا ما يطغى طابع المزاجية والمحسوبية وتتقدم الاعتبارات النفعية على حساب الإبداعية التي من شأنها رفع سوية المشهد المسرحي وسوية الفعل الثقافي برمته.

ويأتي الإشكال الثاني، الذي يرتبط بعلاقة رحمية بالأول، وهو إشكالية النص المسرحي، ومدى حضوره ودوره في المشهد العام...إذ أن الدعم المؤسسي، له دور كبير في ظهور ونمو الحركة الإبداعية للنص المسرحي المكتوب, وذلك عبر الدعم المادي والاعتراف والتكريم...إلا أن واقع الحال لا يلبّي الحدّ الأدنى من الطموح، إذ نجد الكاتب المسرحي يقع في آخر السلم من أولويات الدعم المؤسسي، إذ غالبا ما يسقط من حسابات القائمين على العمل المسرحي، فالفعاليات المهرجانية الموسمية سالفة الذكر، تتعاطى مع المسرح بوصفه مُخْرِجاً فقط، بل إنّها لا تتعامل إلا مع المخرج أو المنتج الذي هو ذاته في أغلب الأحيان..وهنا يقع الكاتب تحت مزاجية المخرج وانتقاءاته للكتاب أو النصوص التي غالبًا ما يخفق في اختيارها لأسباب عدة منها:
عدم اللجوء إلى كاتب نص محترف كي يتخلص من التبعات المادية والمعنوية التي قد تعود عليه، مما يدفعه إلى ممارسة الإعداد لنص قديم أو مترجم دون جرِّه إلى محاكاة الواقع، بطريقة مشوهة في أغلب الأحيان.
وكلّ ما سلف يدفع بالكثير من الكتاب إلى الإحجام عن كتابة النص المسرحي والانشغال بالأجناس الإبداعية الأخرى،ومن هنا تنشأ أزمة في النص المسرحي من حيث الوجود ومن حيثالحضور.
وإذا حاولنا الوقوف على أسباب القلّةالكمية والنوعية للنصوص الجيدة،نجد أنّ المؤسسة ليست وحدها المسؤولة عن ذلك، فالكتابة المسرحية تحتاج شجاعة ومجازفة وقدرة عالية على الإمساك بخيوط التقنية المسرحية، التي قد تتطلب معرفة مكتسبة إلى جانب المخيلة والقدرة على إنجاز عمل جاذب يستحوذ على ذهن المتلقي ويحفز مخيلته، وكذلك تكمن فيه العناصر التي تجعله قابلاً للتجلي على خشبة المسرح. إضافة إلى أنّ خصوصية الكتابة المسرحية ووعورتها قد تودي إلى هروب الكاتب إلى أجناس أدبية يجدها أكثر رحابة وحرية من حيث التكنيك من جهة، ومن حيث شعوره بامتلاكه المطلق لها, حيث لا ينازعه أحد على أفكاره ولا يشاركه أحد فيها, فلا تتعرض للعبث في ملامحها ومجرياتها والانحراف عن الرؤية التي رسمها الكاتب مستنزفاً في ذلك خلاصة وعيه وتجربته.وذلك فيما لو وجد جهة تدفع بنصه نحو الخشبة.
أما الإشكال الآخر فيكمن في إحجام الناشرين أو قلة حماسهم لتبني ودعم نشر النصوص المسرحية بحجة أنّ المتلقي القارىء لا تستهويه النصوص المسرحية للقراءة كما الأجناس الأخرى، ربما لأن انشغال الكاتب بكتابة المشهد المرئي وفق تقنيات أكاديمية حرفية تتعلق بوصف المشهد الديكور والإضاءة والموسيقى..الخ
لكني أجد أنّ هذا الرأي يمسّ أصحاب المخيّلة المحدودة من غير المتمكنين من أدواتهم التقنية..أما النص المتوقد القادر على شحذ المخيلة، فله أن يحقق النجاح الباهر في جذب القارىء من ناحيتين: أولاً بوصفه نصاً أدبياً، تتحقق فيه اشتراطات الجمال. وثانياً بقدرته على إلهام الفنان على ترجمته على خشبة المسرح، وإلا كيف استطاع عظماء المسرح مثل شكسبير ولوركا ومكسيم غوركي...وغيرهم البقاء والحضور حتى هذا الآن.
إن الحجة -لا يوجد نصوص عربية أو محلية- التي يتذرع بها أولئك، هي حجة واهية، فالساحة العربية وكذلك الأردنية تزخر بلا شك بالطاقات التي تضج إبداعاً وعنفوانًا، وهناك طاقات تعاني ضعف الالتفات وضعف الترويج، ربما كان ذلك جراء الإهمال غير المقصود، أو بقصدية يحكمها الانحياز والأنانية، حتى تبقى الساحة المسرحية ممتلكاً أو قطاعاً خاصاً، وحكراً على أسماء خاصة دون غيرها...
أما الإشكال الأخير الذي نواجهه في النصوص المقدمة على قلتها فهو اتسامها في أغلب الأحيان بالضعف والركاكة والسطحية، أو الإيغال في الرمزية غير الدالة حدّ التعمية، أو النقل الغربي غير الموظف للأفكار والآليات التي لا يمكن لها أن تعالج قضايانا وهمومنا المحلية أو حتى العربية.

• ما هو واقع النقد المسرحي على الصعيدين العربي والأردني؟
من الضروري أن تكون حركة النقد، انعكاساً طبيعياً لحركة الفن أو الجنس الإبداعي الذي هو محور النقد، فالعلاقة بينهما تسير وفق تناسب طردي منطقي، فالجنس الإبداعي الذي يلقى حضوراًعلى الساحة العربية لا بدّ وأن توازيه حركة نقدية ولو بنسبة معقولة، ومن الملحوظ أنّ النقد بحد ذاته يعاني من إشكالات عدة، أبرزها قلّة الموضوعية، والمحاباة والانطباعية التي تغلب على التخصص، والانحياز إضافة إلى عدم امتلاكه -أي الناقد- الحرية التامة تحسباً من الوقوع في إشكاليات مع صاحب النص المنقود لاسيما إن كان اسمًا معروفًا وكذلك لعدم الوقوع في إشكاليات قانونية، قد تنزاح من خانة النقد إلى الإساءة الشخصية التي قد تثير حفيظة المنقود، وكذلك إن كان النص يطال المحرمات فيتبعه النقد بتعزيز الأفكار أو بنبذها..
أما على صعيد النقد المسرحي: فمن أبرز سماته أنه يفتقر إلى التخصص، بمعنى أنّ الأصوات النقدية المسرحية قليلة جداً وتفتقر في غالبيتها إلى التخصص، وهي تأتي على شاكلتين:
1- النقد الذي يتناول الأعمال المعروضة: وهو كما ذكرنا سالفاً، انعكاس للمشهد المسرحي ويتسم بسماته التي من أبرزها:
- الموسمية: أي أنه يأتي على هامش الفعاليات المهرجانية الموسمية وصدى لها، كما أنه يتسم بالانطباعية والمزاجية، وغالباً ما يكون على شكل تغطية إعلامية، بالتالي يأتي موجزاً لا يحتكم إلى العلمية والحرفية، وإنما يغلب عليه طابع الخبرية والتوصيف العام...إذ سرعان ما تنقطع هذه الحركة على إثر انتهاء الفعالية...
2- النقد الذي يتناول الأعمال المكتوبة بوصفها نصوصاً أدبية: وهي شبه معدومة، فالناقد لا يذهب من تلقاء نفسه نحو النصوص بل يحتاج في أغلب الأحيان إلى حافز كبير يدفعه للقيام بفعل النقد الذي أجده مضنياً، يحتاج الكثير من الجهد الذهني والمعرفي، وربما يحتاج إلى موهبة وقدرات خاصة تمكنه من التقاط المضمر في النص، والكشف عن أسراره وجمالياته، أو سقطاته وإخفاقاته...فما الذي سيدفع بالناقد نحو هذا الجهد الكبير دون مقابل مادي أو معنوي؟!
- ما نلحظه أنّ القراءات النقدية في الأعمال الشعرية أو الروائية أو القصصية تأتي غالبا ضمن فعاليات احتفالية بتلك الأعمال ووفق ندوات نقدية متخصصة، تنظم مؤسسياً لتتناول بعض الأعمال لأشخاص محددين ولأسباب محددة أغلبها يقع في خانة التأبين إن جاز التعبير أو الاستذكار لأديب راحل، أو التكريم لأديب على وشك الرحيل، وحتى لا أقع في المغالاة فهناك فعاليات تقام بين الحين والآخر لكنّها موسمية أيضاً.
وأعود إلى محور الحديث المتعلق بالنقد المسرحي لأقول:إن الندوات المتخصصة بالنصّ المسرحي لا تكاد تذكر ربما لقلة الكتاب المسرحيين المتخصصين في كتابة النص المسرحي وربما لعدم التفات القارىء العادي للنص المسرحي، وأقصد أنّ المهتم بقراءة المسرح هو غالباً المخرج أو المنتج، أو المحكم في الأعمال المهرجانية والمسابقات التي تقيمها المؤسسات التي أجد فيها إشراقة للنهوض بالفعل الكتابي المسرحي.
• ماذا عن تجربتك النقدية في مجال المسرح:
جاءت تجربتي النقدية المسرحية على عدة أشكال:
الأولى: مقالية عامة تناولت الهم المسرحي وقضاياه وإشكالياته عموماً...
الثانية:شهادات إبداعية تحدثت فيها عن تجربتي الخاصة في مسرح الكبار ومسرح الطفل على وجه الخصوص ومن أبرزها الشهادة التي قدمتها في مؤتمر اتحاد الكتاب والأدباء العرب المنعقد في عمان عام 2008، الذي تناولت فيه الهمّ المسرحي عامة، من خلال تجربتي الخاصة. وكذلك الشهادة الإبداعية المنشورة في مقدمة الأعمال المسرحية الكاملة "أنا الفرح" وتناولت فيها أيضاً تجربتي مع المسرح عامة ومسرح الطفل على وجه الخصوص، متطرقة من الهمّ الخاص إلى الهمّ العام.
- الشكل الثالث هو التحكيم: وهذا النوع من النقد هو أقسى وأصعب أنواع النقد الذي مارسته، حيث الشعور بالمسؤولية الكبيرة تجاه كتاب لا أعرفهم أصلاً إذ كنت أجد نفسي أقف أمام كمّ من الأعمال المتفاوتة في الأفكار واللغة والموضوعات،وكانعليّفرز عددمحدود للفوز مما يشعرني بالمسؤولية الفائقة تجاه تلك المهمة،بالدقة في الخيار ومحاولة تحييد الذائقة الخاصة لأجل الانتصار للشأن التقني والحرفي للنص المحكم، وتلكإشكالية أخرى لا بدّ من الإشارة إليها، فذائقة الناقد قد تنعكس على النص إلى أقصى السلبية، فيما قد تختلف مع ناقد آخر بانزياحها نحو أقصى الإيجابية، وهذا الحال ينطبق على كلّ الصنوف الإبداعية الفنية والأدبية، وتلك قضية تحتاج إلى متسع كبير من البحث.
وإذ أعود إلى تجربتي في هذا المجال أقول: إنّ عملية التحكيم هي من أصعب أنواع النقد التي يمرّ بها القارئ، لا سيما إن كان يتبع التحكيم جوائز مالية أو معنوية كبيرة، مما يدفع بالناقد إلى تحفيز مجسّات ضميره النقدي إلى أقصاها، وفي النهاية هو يصل إلى مفاضلة تقع في خانة النسبية في أغلب الأحيان...ولعل من أبرز تلك التجارب:
- مشاركتي في تحكيم مسابقة الإبداع الشبابي المنظم من قبل وزارة الثقافة عام 2017، التي أفرزت عدداً من النصوص المعقولة, رغم عدم وصولها إلى مرحلة النضج من حيث التكنيك المسرحي وسلامة اللغة وضبط الحبكة المسرحية،إلا أنها كانت أصواتاً مبشرة قد تفرز كتّاباً محترفين إن تمّ الأخذ بيدها وتطويرها.
- وكذلك تجربتي في التحكيم على المستوى العربي: الذي تمثل فيمسابقة تأليف النص المسرحي الموجه للكبار التي تقيمها، الهيئة العربية للمسرح عام 2019:وكانت التجربة أكثر صعوبة وأكثر تعقيداً، فإذا كان تقييم النصوص الأدبية عامة والمسرحية على وجه الخصوص، عملية لا تتصف باليسر،فالأمر يصبح أكثر صعوبة كان الكتاب ينتمون إلى بيئات مختلفة وضمن فئات عمرية مختلفة (18-35) مما أنتج تفاوتاً كبيراً بين مستويات النصوص، وبالرغم من ذلك استطعت من تلك التجربة الخروج بملاحظات كان من أبرزها: إنّ حوالي 70 % من النصوص التي وصل عددها إلى المئة، كانت ضعيفة جداً، لا ترقى إلى مستوى المسرح المدرسي من حيث اللغة والحبكة والمعالجة والتقنية المسرحية..مما يدل على ضعف الثقافة المسرحية لدى هذه الشريحة العمرية.
- كما لاحظت الضعف اللافت في الإمكانيات اللغوية للكتّاب من حيث القواعد والإملاء والصياغة المبدئية للجمل، أي ما قبل القدرات الأدبية والجمالية..فهناك كمّ كبير من المسرحيات انتشرت فيها تلك الأخطاء لدرجة تعيق القراءة والفهم.
- وكذلك تنوعت الموضوعات المسرحية حول القضايا الإنسانية العاطفية والاجتماعية والسياسية، إلا أنّ موضوع الحرب والانهيارات السياسية كان قد احتل العدد الأكبر من المسرحيات, مما يدل على جيل جاد يلتفت إلى قضايا أمته بالرغم من التردي العام الذي كثيراً ما يوسم به هذا الجيل...مما يبشر بقدوم جيل من الأدباء القادرين على إنجاز نصوص مسرحية تغطي المشهد المسرحي الذي يشكو رواده من قلّة النصوص بالرغم من أنّ ثمة كتاب مسرح أردنيين يتم تجاوزهم في الغالب، والاستعاضة عنهمباللجوء إلى النص المعدّ في أغلب الأحيان للأسباب التي سبق ذكرها...
- ومن هنا أرى أنّ إشكالية النص المسرحي التي تلحق بها إشكالية النقد المسرحي، يمكن تخطيها فيما لو يتم الاشتغال على وضع خطط استراتيجية للنهضة بالفعل المسرحي نصاً وعرضاً...
وأخيراً وبالرغم من كلّ ما ذكر فأنا أرى أن النص المسرحي هو عمل أدبي بالدرجة الأولى وعلى الكتاب المهتمين الاشتغال على إنجاز مشروعهم الأدبي المسرحي دون الالتفات إلى الإرهاصات العامة التي تحيط بالمشهد الثقافي فالبقاء أولاً وأخيراً للنص الجيد الذي تتوفر فيه الاشتراطات الأدبية والجمالية إضافة إلى احتوائها على العناصر الرئيسية التي تجعل منها قابلة لأن تتحول إلى فن مسموع مرئي على الخشبة.



#نهلة_الجمزاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنّات بطعم العيد
- التنقيب عن الرجل في أدب المرأة!!
- عمّال الثقافة
- لا بد من ربيع شبابي ثوري ينطلق من داخل الأحزاب اليسارية ذاته ...
- فلسفة الفساد
- القيادة الثورية والقيادة الفكرية


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نهلة الجمزاوي - حوار مع د. نهلة الجمزاوي حول إشكالية المسرح العربي بين الإبداع والنقد.