أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن خليل غريب - برمجة العقل العربي بين مطرقة الثقافة التقليدية وسندان ثقافة العولمة















المزيد.....

برمجة العقل العربي بين مطرقة الثقافة التقليدية وسندان ثقافة العولمة


حسن خليل غريب

الحوار المتمدن-العدد: 6544 - 2020 / 4 / 23 - 19:13
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


كما أن الكون لا يمكن أن يسير من دون ربان يُتقن إدارته وهو الذي يشكِّل عقله الفعَّال، كذلك لا يمكن للإنسان أن يسير من دون عقل فعًّال يُحسن إدارة شؤونه المعقَّدة.
وبناء عليه، يُعتبر العقل بمثابة الآلة التي تميِّز الإنسان عن كل مخلوقات الله. فإذا أحسن الإنسان استخدامه كأنه يُحسن إدارة شؤون حياته باتجاه الأفضل والأسعد. وإذا تعطَّل الربان عن العمل تتقاذف الأمواج سفينته وتقودها إلى الهلاك.
ونعني بالعقل الفعَّال هو العقل المنتج، وهو عقل حر، يستطيع أن يقدم لنفسه ومجتمعه وسائل التطوير والتجديد. وتلك من أهم الشروط التي تسير بالمجتمعات إلى الارتقاء والتقدم. ولكن النظرية التي نعتقد أنها الأمثل لحياة سعيدة، هي غير الواقع السائد. ففي مجتمعنا العربي والإسلامي، بشكل خاص، يمكننا أن نقول بأن العقل المقيَّد، أي المعتقل، هو السائد. ونتيجة لذلك، سنناقش فرضية تقول: (إذا كُبح العقل الفعال واعتُقل)، فهو وباء يفسِّر أسباب التخلف السائد في شتى المستويات ذات العلاقة بشؤون الفرد والمجتمع. وطبيعة وجود هكذا عقل يخضع، في مرحلتنا المعاصرة إلى وبائين معرفيين أساسيين، وهما:
-الوباء المعرفي الأول: وهو يظهر في قوالب الثقافة التقليدية، القائمة على نصوص مقيَّدة ممنوع تجاوزها. ولأنها استندت إلى نصوص دينية تحمل القداسة، تحوَّلت إلى ثقافة مقدَّسة، وهو ما تعبِّر عنه مبادئ الثقافة التي تعتقد بـ(أنه لا يصلح الخلف إلاَّ بما صلح به السلف).
هكذا، وعلى قاعدة (الإناء ينضح بما فيه)، تحوِّل العقل الإسلامي، وشريحة كبرى من العقل العربي) إلى إناء ينضح بـ(الثقافة التقليدية) التي تتوارثها الأجيال من جيل إلى جيل. وكانت من أهم مخاطره أن العقل الإسلامي بشكل عام، والعقل العربي بشكل خاص، أصيب بالتحجر، فالجهل، فالتخلف.
وعن هذا أشارت بعض النظريات التربوية الحديثة، إلى أن طريقة ملء العقل العربي، على قاعدة اعتباره إناء، كانت تتم على شكل ملء الإناء العادي بواسطة ما يُسمى بـ(القِمع)، بحيث يسكب المجتمع ثقافته في العقل بواسطته حتى يمتلئ بغثِّ الثقافة وسمينها. وهكذا تبقى الثقافة في قوالب جامدة. والعقل الذي يمتلئ بتلك القوالب، فلا شك بأنه سيصيبه الجمود. فتتوقف عجلة التجديد عند الأجيال كافة، على الرغم من مخاطر التجميد. تلك المخاطر التي أكَّدتها مراحل التاريخ العربي – الإسلامي، عندما وقف الفقهاء المسلمون في مواجهة الثورة العقلية التي انتشرت في العصر العباسي، فانتصروا فيها. ولهذا كان الجهل سيد الموقف منذ تلك اللحظة والتي استمرت أكثر من ثمانية قرون، ولا تزال. إلى أن كشف غطاءها بعض الفقهاء المسلمين الذين هاجروا إلى أوروبا للتخصص العلمي، وعبَّر عنها رفعت الطهطاوي، أحد أولئك الفقهاء، قائلاً: (وجدت الإسلام في الغرب، ولكنني لم أجد مسلمين). وهو يعني بذلك أنه وجد العلم ونتائج العلم الباهرة يتم تطبيقها على أيدي غير المسلمين، قاصداً تحويل المجتمع الإسلامي إلى مجتمع علم وثقافة كبديل للثقافة السطحية التي فرضها الفقهاء، وقمعوا من أجلها الفلاسفة والمفكرين من العرب ومن المسلمين الذين تعرَّبوا. ولعلَّ القمع والاضطهاد الذي لحق بابن رشد على أيدي أولئك الفقهاء وحرق كتبه من جهة، واستفادة الغرب من فلسفته من جهة أخرى، هو العمل لاستعادة دور العقل العربي الفعَّال كأقصر الطرق لتعميم العلم وإزالة عوامل الجهل والتخلف.
وعليه، إذا أراد العرب أن يدخلوا عصر العلم والمعرفة، فلا مناص أمامهم من أن يُعيدوا للعقل دوره. والذي هو يقوم بأود التجديد المتصاعد ليحدث انقلاباً في بنى المعرفة، والتي بدورها تعمل على إنتاج ثقافة تواكب العصر بشكل متصاعد.
-الوباء المعرفي الثاني: الثقافة النيوليبرالية، أي ثقافة العولمة الرأسمالية. والتي أخطرها يتمثَّل بأحدث أنواع تكنولوجيا التواصل الاجتماعي، التي تنتشر بأسرع من سرعة الضوء.
وإذا كان للتطور العلمي نتائجه الإيجابية، وأحياناً فوق الإيجابية. فله أيضاً نتائجه السلبية على البنى المعرفية للمجتمعات.
لا شكَّ بأن للثورة العلمية الباهرة في هذا العصر دوراً متقدماً في إحداث انقلاب نوعي في حياة البشر. ولكن الرأسمالية العالمية احتكرت نتائج تلك الثورة، ووظفتها لمصلحة الطبقة الأقل عددياً في المجتمع الرأسمالي والعالم. تلك المصلحة التي كانت توفرها تلك الطبقة على حساب أوسع الطبقات فقراً في العالم. ومن هنا تبتدئ فرضية الجشع في احتكار أقلية من المجتمع لثروة الأكثرية الساحقة على الكرة الأرضية.
وعن هذا المشهد، الذي يسود الآن جراء انتشار وباء الكورونا، ومن دون الخوض في تفصيلاتها، ظهرت بوضوح النتائج الخطيرة لهذا الاحتكار.
كان العلم يشكل منذ البداية نعمة ارتقى بها الإنسان من حال إلى حال، حتى ولوكان الانتقال بطيئاَ كما يظهر للإنسان المراقب خاصة أنه عمره قصير جداً عن عمر تطور العلوم وبلوغها سقفاً متقدماً جداً، بحيث إن هذا السقف بلغ من الارتفاع مما لا يستطيع عقل الإنسان أن يتخيله.
إن واقع العلم اليوم، في الأنظمة الرأسمالية، ينقسم إلى مستويين: مستوى العقل الإنتاجي ومستوى العقل الاستهلاكي.
إن مراكز الأبحاث في الأنظمة الرأسمالية، وبتوجيه من القلة المتحكمة بحركة رأس المال، تفتش عن قلة من النابغين قي حقول العلم، لتستثمر نتاج عقولهم في تطوير الصناعات المتقدمة لتحصل على قصب السبق في إنتاج السلعة الأكثر جودة وجذباً للمستهلك. وغالباً ما تفرض على هؤلاء حجراً أمنياً لمنعهم من الانتقال إلى مؤسسات أخرى. أو لمنع انتقال خبراتهم إلى خارج مؤسساتهم الرأسمالية. وأما لجانب تشجعيهم للعلم فتلك نعمة للبشرية، وأما لجهة احتكارهم من أجل منافع محدودة ومحصورة بطبقة رأسمالية، فهي نقمة على البشرية. لأنها باحتكارها العلم ونتائجه، تعطي مبدأ النفعية الذاتية أولوية على مبدأ الغيرية الإنسانية.
وإذا كان احتكار نتائج العلم والعلماء، جانب سلبي على البشرية. فللنظام الرأسمالي جوانب سلبية أخرى، ولعلَّ أخطرها على الإطلاق هو نشر منهج الاستهلاك للسلعة الرأسمالية. وعن هذا الجانب، تتسرَّب التقارير التي تقوم بوصف للوسائل التي ينتهجها النظام الرأسمالي في نشر (ثقافة الاستهلاك). وعن ذلك تتسرَّب بعض التقارير التي إن صحت، فهي تبلغ درجة من الخطورة على سر بناء الكون، السر الذي يتلخص بأن من أهم مبادئه هو أن توظف ثروات الطبيعة، ومنها الثروات المعرفية، لمصلحة البشر كل البشر.
وعن هذا الأمر الأكثر خطورة، تأتي قضية تغيير الجينات البيولوجية والمعرفية التي تتحكم بسلوك الإنسان، وتُخضعه لمشيئة الرأسمالي، يتحكم بمسارات سلوكه لتغرس فيه جينات الخضوع لإرادته.
فأما تغيير الجينات البيولوجية، إن صحَّت، فيخضع إلى زرع شرائح صغيرة الحجم في جسد الإنسان، وربما تكون عن طريق بعض أنواع الأدوية المضادة لبعض الأمراض. أو لوشم يتركه (طعم) لتحصين الإنسان ضد تلك الأمراض. ويحتوى ذلك الوشم على فيروسات، تستطيع الأجهزة العاملة لمصلحة أنظمة الرأسمالية العالمية أن تراقب حركة الإنسان بواسطة ملايين الأقمار العاملة على بعض موجات الأنترنت، وبالتالي تستطيع التأثير على توجيهه نفسياً وعقلياً، وبذلك يمكنها السيطرة عليه وتوجيهه بما يخدم مناهج الرأسمالية.
وإن لم تصح التقارير أعلاه، فإن الجينات المعرفية تجتاح وسائل التواصل الاجتماعي هي صحيحة تماماً. وأما انتشار الأعداد الهائلة التي تستخدم تلك الوسائل بشكل مجاني، فستكون ضحية مجانية أيضاً لكل أنواع الإغراءات التي تحث على الاستهلاك، بما تضمره من تغيير في جينات المعرفة عند الفرد. ولن ينجو منها سوى الذين يمتلكون عقلاً نقدياً لما يتم نشره. وإن ما يصحُّ على الأكثرية العظمى التي تكون صيداً سهلاً، لا يصح على من يستخدم تلك الوسائل لمصلحة الإنسان كإنسان من جهة، ولمن يعرف أهداف وضعها بشكل مجاني، ويعمل على الاستفادة منها لأهداف وطنية وقومبة وإنسانية.
وأخيراً،
لا يمكن لمن يدرك مخاطر البرمجة للعقل العربي، الدائرة الآن، أن يبلغ هدفه سوى يتعميم ونشر الوعي حول أهمية الثقافة، وأهمية التجديد فيها. وكذلك اعتبار آفة العقل العربي تعود إلى أسباب داخلية تقف على قدم المساواة مع الأسباب الخارجية. وذلك بالعمل على إنقاذ العقل العربي من مطرقة الثقافة التقليدية وسندان عولمة الثقافة الرأسمالية.



#حسن_خليل_غريب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنزعوا غطاء الطائفية والمحسوبية عن رغيف الخبز
- في زمن الكورونا لعلَّ في الإعادة إفادة: الثورة داخل الثورة
- فيروسات الرأسمالية والصهيونية أشدُّ فتكاً من كورونا
- وباء الكورونا أزمة أخلاقية وليست بيولوجية
- لا طاعة لرجل دين لا يُشهر سيفه بوجه الفاسدين
- أموال المؤسسات الدينية ملك للفقراء
- لكم طوائفكم ولي طائفة الكفاءة والنزاهة
- إلى تجار السياسة والاقتصاد والدين
- الداعشية اسم حركي لكل القوى الطائفية
- أنت مع النظام الإيراني، إذن، أنت تذبح العراقيين
- بغير إقفال البوابة العراقية في وجهه حصار النظام الإيراني حدي ...
- إستقلال السلطة القضائية بداية أساسية لطرد شياطين الفساد من ا ...
- صوت الفقراء صوت الله على الأرض
- النظام الإيراني يكشف المستور بإعلان تفريس بعض العرب
- فقراء أحزاب السلطة ينتظرون القطار على مفارق الثورة
- من بيروت إلى بغداد: عقارب ساعة الثورة لا تعود إلى الوراء
- مفاعل تصدير الثورة الإيراني أكثر تدميراً من المفاعل النووي
- إلى الدائرين في الفلك الإيراني عودوا إلى مداراتكم القومية ال ...
- حصة الفقراء من الجنة خذوها واعطوهم رغيفاً من الخبز
- إضبطوا ساعاتكم على توقيت الثورة في العراق


المزيد.....




- سقط سرواله فجأة.. عمدة مدينة كولومبية يتعرض لموقف محرج أثناء ...
- -الركوب على النيازك-.. فرضية لطريقة تنقّل الكائنات الفضائية ...
- انتقادات واسعة لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريح ...
- عقوبات أمريكية جديدة على إيران ضد منفذي هجمات سيبرانية
- اتحاد الجزائر يطالب الـ-كاف- باعتباره فائزا أمام نهضة بركان ...
- الاتحاد الأوروبي يوافق على إنشاء قوة رد سريع مشتركة
- موقع عبري: إسرائيل لم تحقق الأهداف الأساسية بعد 200 يوم من ا ...
- رئيسي يهدد إسرائيل بأن لن يبقى منها شيء إذا ارتكبت خطأ آخر ض ...
- بريطانيا.. الاستماع لدعوى مؤسستين حقوقيتين بوقف تزويد إسرائي ...
- البنتاغون: الحزمة الجديدة من المساعدات لأوكرانيا ستغطي احتيا ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حسن خليل غريب - برمجة العقل العربي بين مطرقة الثقافة التقليدية وسندان ثقافة العولمة