ولات إمبراطورية كانم في مرزق بفزان ليبيا.. حقيقة أولاد محمد

السنوسي حامد وهلي
(Alsunousi Hamid)

الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 23:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

ولات امبراطورية كانم التباوية في مرزق- فزان ليبيا.. حقيقة أولاد محمد

في عام 1551 م بدأ عهد الاتراك فعليا في ليبيا حيث تولى درغوت حكم طرابس، وكانت فزان تابعة لإمبراطوية كانم التباوية، وتاريخ فزان منذ غزو عقبة بن نافع في القرن السابع إلى العهد التركي لم يكن تاريخه ظاهر كثيرا لأن هذا الإقليم بعيد وسكانها من غير العرب خاصة التبو، وتابع لإمبراطورية لها امتداد للجنوب نحو بحيرة تشاد والنيجر وصولا لكانو نيجيريا، أما امتداده في ليبيا فكان فزان وايضا يشمل الجنوب الشرقي ملاصقا للنوبة وكذلك امتد ليشمل دارفور في السودان، وكما ذكرنا أن تاريخ فزان لم يكتب عنه كثيرا في تلك الفترة كما قال (فيشر، 1910) أن فزان والجرمانت لم يسمع عنهما شيئا منذ غزو العرب في القرن السابع.
تعتبر العلاقة ما بين امبراطورية كانم وحكم الترك بطرابلس علاقة تجارية ما بين دولتين، والتجارة ما بين الجنوب والشمال طرابلس ليست حديثة باحتلال الترك بل أن الطريق بين فزان وطرابلس كان يسمى الطريق الجرمانتي لكون هناك تجارة ما بين الجرمانت والقرطاجيين وبعد الاحتلال الروماني تحكم الرومان (Flynn, 2015)، والجدير بالذكر هنا أن الجرمانت (الشعب الي ذكره هيروت في القرن خمسمائة قبل الميلاد) هم أسلاف التبو القدماء (MacMichael, 1912).
لذلك فإن امبراطورية كانم التباوية ليست بالجديدة انما نحن نراها امتداد للجرمانت ونفس الشعب مع تغير المسميات فقط، فهذه الامبراطورية أساس تكوينها شعب التبو.
لقد حكم هذه الامبراطورية ملوك كثر ومنهم الملك (دونامي ديبالامي) في القرن الثالث عشر حيث كان من مرسخي الحكم وتوسعه ومقيمي علاقات خارجية، وقد تصدى لحملة (قراقوش) الذي أتى من مصر ووصل لمنطقة ودان حدود فزان من جهة الشمال الشرقي، فوقعت معركة في ودان وقًتل فيها قراقوش حوالي عام 1258 م، وتعتبر فزان وودان تحت حكم الكانميين وكانت تراغن مقر للحكومة الكانمية في القرن الثالث عشر، أي مقر نائب سلطان كانم في الأقليم الليبي المعروف باسم (ماي) وتعني بلغة التبو (النبيل)، ويوجد لحد الآن قبر الماي إدريس علي (ألي: بلغة التبو) أحد الحكام الكانميين التبو بمنطقة تراغن، وتم ذكر الكانميين لدى ابوالفدا في عام 1321 بحكمهم لفزان وعند العمري في القرن الرابع عشر ان حكم كانم تشمل فزان والكفرة وجهة ودان، ونقل ابن خلدون معلومات ان كانم تشمل فزان، وكذلك قد نشبت حروب في الاقاليم الأخرى الجنوبية للمملكة ما بين الكانميين والبقرمى والسو ما بين 1315-1335م وقتل فيها أربع سلاطين كانميين هم؛ سلمامة، كوري "الصغير"، كوري "الكبير"، محمد (تيري، 2004)، ونذكر هنا امتداد مملكة كانم ايضا لدارفور (حريز، 2017). ولكن ظهرت رواية غريبة متدولة مفادها أنه أتى "أشراف" من المغرب لفزان وهم في طريقهم للحج حيث كان سكان فزان يشتكون من غزو البربر فتوسلوا إليهم لانقاضهم، وبعد رجوعهم أسس الشريف محمد الفاسي دولة أولاد محمد في فزان". وهنا يذكر (تيري، 2004) أن رواية تاسيس هذه الدولة تأسست عام 1310، ويقول "أن تحديد هذا التاريخ يراد منه اخفاء وجود الكانميين في ليبيا ولكن هذا يتناقض مع تاكيدات الجغرافيين العرب".
أيضا في القرن السادس عشر حوالي عام 1514م كتب الرحالة حسن الوزان المعروف بليون الأفريقي عن مملكة كانم وملكها يملك جيشا قويا، وتحدث عن وجود القلاع في منطقة الواحات جنوب برقة وأن هناك معارك تحدث ما بين التبو وبلاد النوبة (الوزان، 1514).
في عام 1555 أرسل الماي محمد ملك كانم سفير معه 15 رجلا لطرابلس لأجل فتح باب اعتماده لاجل الصداقة والتبادل التجاري للسلع غير المتوفرة، واستقبله الوالي درغوت بكل احترام، وفي عام 1574 في عهد الملك (إدريس أولامي) قام الاتراك بالهجوم على فزان وهذا أقلق الملك (زليتز، 2001).
وقد كان الملك (ادريس أولامي) قبل هذا الغزو أرسل بعثة لطرابلس لأجل التعاون التجاري وقد تحصل على بعض الأسلحة، ولكن لكون فزان مركزية تجارية لدى الاتراك ليس في طرابلس فقط وإنما لدى السلطة في اسطنبول ايضا، حيث أن تجارة افريقيا عبر فزان الكانمية مصدر للعبيد والذهب والعاج وغيرها من الموارد الهامة، وعندما غزت قوات الاتراك فزان تصارعوا مع الماي (ادريس اولامي)، وقد ارسل هذا الماي بعثة إلى سلطان الدولة العثمانية مراد الثالث تحمل عدة مطالب اهمها يطالب بإعادة البلدان والقلاع وانها من أرضه وممتلكاته، ولكن السلطان العثماني رفض هذا الطلب (Flynn, 2015).
من خلال بعض هذه الحقائق يتضح أن مملكة كانم كانت متواجدة في الاقليم الليبي بقوة، ولكن كما يستغرب الكاتب (تيري) فيما ذكره عن ان الهدف هو اخفاء وجود كانم بايجاد تاريخ لوجود اولاد محمد، نحن نستغرب أيضا في حقيقة أن أولاد محمد كانوا منفصلين عن كانم وعن اصلهم الشريف اي انهم عرب هاشميين من بلاد فاس المغرب !، حيث نجد (زليتز، 2001) أن محمد أب اسرة أولاد محمد كان أسود اللون ولم يُعرف فترة وصول للحكم ولا أن كان أول الحكام، لم يعرف شيئا عن هذه الفترة بفزان.
ظهرت رواية عن وجود أولاد محمد في قصة ذكرت عند (خوجة، 1979)، ويعتبر مصطفى خوجة عاصر بعض جوانب العهد القرمانلي، والقصة المتداولة هي أن زوجة حاكم فزان هي التي دعت الأتراك بسبب الغيرة، حيث كان الملك اسمه المنتصر بن محمد الفاسي لديه زوجتين إحداهما اسمها خود بنت عمه شاروما وتسكن في سبها، أما الثانية تسكن في قلعة مرزق، ولما ذهب لزوجته الثانية في مرزق، غارت خود وكتبت لباشا طرابلس التركي ليأتي إليها في مرزق، فزحفت قوة نحو فزان، بالنسبة للملك المنتصر عندما عاد من قلعة مرزق لسبها أغلقت خود أبواب القلعة وكسبت الناس لصالحها، ودارت معركة بين الاثنين فمات زوجها المنتصر من الحزن، وندمت خود فقررت مواجهة الاتراك وردهم، فهُزمت خود وحرقها الاتراك بعد تعذيبها، وتوجهت الحملة إلى مرزق حيث يوجد الناصر ابن المنتصر، فجمع أهله وممتلكاته وهرب للسودان، وعين الاتراك مامي التركي قائدا لفزان، هكذا برزت قصة المنتصر بن محمد.
بعد هذه القصة التي قال عنها (زليتز، 2001) انها صعبة التصديق. تم تداول اسم أولاد محمد في الحرب مع الاتراك وقد تكررت عدة صراعات حيث أن الاتراك تكبدوا خسائر في حملاتهم وكلما انتصروا ودخلوا قلعة مرزق نهبوا الذهب والممتلكات وايضا بعض حكام الاتراك الذين عينوا في فترة الصراع قُتلوا داخل مرزق من قبل السكان مؤيدي اولاد محمد، لكن الملفت أن ابناء أولاد محمد عندما يهربون من غزو الاتراك كانوا يهربون جنوبا بلاد السودان نحو برنو حكم كانم (كراوزه، 1998)، هربوا عدة مرات ولكن لم يذهبوا للشمال او للمغرب أو لمكة، وايضا الاتراك كانوا يُعنصرونهم مثلا احد ابناء أولاد محمد قبض عليه وسجن في طرابلس وفي احد الاجتماعات جيئ به في الاجتماع واعلن والي طرابلس بيعه لابنه، ولاحقا افرج عنه وكان سبب هذا البيع لأجل اهانته، وهذا يؤكد عدم صحة انتمائهم "المزعوم" !.
وقد هرب حاكم مرزق الطاهر من اولاد محمد حوالي عام 1623 من حملة الاتراك جنوبا نحو برنو حينها كان ملك كانم برنو اسمهة عمر، عندما وصل الطاهر اعتقله الملك هو وأولاده وأغرقهم في نهر فماتوا غرقا، وان السبب ان الطاهر فقأ عيني ابني اخيه المنصور وهما المنتصر ومحمد (كراوزه، 1998).
من هنا فإن روايات وجود أولاد محمد كأشراف منقذين لفزان ومستقلين غير صحيحة وخيالية في أكثرها وخاصة قصة "خود"، انما وجودهم كولات تابعين لسلطة امبراطورية كانم في مرزق، وربما هم من اسرة الماي (علي) في تراغن أو عائلة أخرى من كانم، ويعتبروا ولات هذا الاقليم تابعين لمملكة كانم التباوية واستمرت لحين احتلال وسقوط فزان من قبل الاتراك نهائيا عام 1811، وقد لاحظنا تكرار اسم الناصر والمنتصر وعدم معرفة اسم أب محمد مؤسس العائلة، وهذا يعني ان يكون لدى هؤلاء اسماء غير عربية واستخدمت هذه الاسماء والالقاب بناء على حكمهم، فمثلا عمهم اسمه (شاروما) هذا اسم غير عربي، وقد لاحظنا لا حقا وفي هذا العصر تأليف لنسب اسمه الاشراف.
إن امبراطورية كانم هي امتداد لجرمانت وهم اسلاف التبو القدماء، وامتدت هذه الامبراطوية لتشمل جغرافية التبو التاريخية منها الجنوب الليبي فزان بما يشمل زلة وودان والجنوب الشرقي بما يشمل تازر- الكفرة وتارزربو.
والعلاقة بين التبو والاتراك بقت متوترة حتى بعد انهيار مملكة كانم، ونلاحظ (تشايجي، 1982) في نهايات حكم الاتراك في القرن التاسع عشر حوالي 1863 طلب رضا باشا من الباب العالي الاستيلاء على التبو ولكن لم يتحصل على الموافقة بأن الوقت غير مناسب.

***********************************
الوزان، حسن بن محمد (1514)، ترجمة: محمد حجي ومحمد الأخضر، وصف أفريقيا، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر.
تشايجي، عبدالرحمن (1982)، ترجمة: علي عزازي ومحمد الأسطى، الصراع التركي الفرنسي في الصحراء الكبرى، منشورات مركز دراسة جهاد الليبيين ضد الغزو الإيطالي.
تيري، جاك (2004)، ترجمة: جادالله عزوز الطلحي، تاريخ الصحراء الليبية في العصور الوسطى، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.
حريز، سيد حامد (2017)، الهوية والوحدة الوطنية في السودان، الدار العالمية للنشر والتوزيع.
خوجة، مصطفى (1979)، تجميع وتقديم: حبيب وداعة الحسناوي، تاريخ فزان، منشورات مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية.
زليتز، جان كلود (2001)، ترجمة: جادالله عزوز الطلحي، طرابلس ملتقى أوروبا وبلدان وسط أفريقيا، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان.
فيشر، هانس (1910)، ترجمة: الطيب الزبير الطيب، عبر الصحراء الكبرى، دار الفرجاني للنشر طرابلس، 2013.
كراوزه، غوتلوف أدولف (1998)، الدواخل الليبية، مركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، ليبيا.
Flynn, S, (2015), The Relationship Between The Ottoman Empire and Kanem- Bornu During The Reign of Sultan Murad III, A master, Ankara.
MacMichael, H.A (1912), The Tribes of Northern and Central Kordofan, Cambridge.

#السنوسي_حامد_وهلي (هاشتاغ)       Alsunousi_Hamid#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات