أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عادل عبد الزهرة شبيب - التعليم في العراق الى أين وهل هو بحاجة الى اصلاح وتغيير ؟















المزيد.....


التعليم في العراق الى أين وهل هو بحاجة الى اصلاح وتغيير ؟


عادل عبد الزهرة شبيب

الحوار المتمدن-العدد: 6541 - 2020 / 4 / 19 - 11:15
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    



كان العراق يمتلك نظاما تعليميا يعتبر من افضل انظمة التعليم في المنطقة حسب تقرير منظمة اليونسكو, كما كانت نسبة القادرين على القراءة والكتابة في فترة السبعينات والثمانينات من القرن العشرين عالية, وكادت الحكومة آنذاك ان تقضي على الأمية تماما من خلال حملات مكافحة الأمية .
غير أن التعليم عانى كثيرا بسبب الحروب التي خاضها النظام الدكتاتوري المقبور والحصار الذي فرض على العراق والتدهور الأمني, مما اثر على تدهور التعليم وارتفاع نسبة الأمية الى مستويات غير مسبوقة في تاريخ التعليم الحديث في العراق .
وبعد 2003 برزت العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه التعليم في العراق وهي :
1) حوالي 70% من المدارس تفتقر الى المياه النظيفة ودورات المياه الصحية .
2) حوالي 1000 مدرسة تم بناؤها من الطين والقش او الخيام او الكرفانات .
3) رداءة نوعية المدخلات او عدم وجودها والمتمثلة بـ : مختبرات العلوم والمكتبات والمراسم ووسائل الايضاح والمعدات , اضافة الى المناهج التي عفا عليها الزمن وعدم تدريب المعلمين وظاهرة الانتشار الواسع للدروس الخصوصية التي تثقل كاهل الأسرة العراقية وخصوصا ذوي الدخل المحدود .
4) عدم الاستقرار الأمني واستهداف العاملين في مجال التعليم من خطف وقتل واغتيالات.
5) تعرض المعلمين والطلاب الى التهجير .
فلماذا تراجع التعليم في العراق الى هذا المستوى المتردي ؟
يعود سبب تراجع مستوى التعليم في العراق الى عدة اسباب اهمها:
1) تسييس النظام التعليمي وتداعيات الحروب التي خاضها العراق منذ ثمانينات القرن الماضي وحتى سقوط النظام السابق في 9 نيسان 2003 .
2) التدخلات السياسية التي تؤثر في تطوير البحوث الخاصة بالمناهج.
3) قلة التخصيصات المالية في موازنات العراق التريليونية التي اخذ الجانب الأمني والعسكري جزءً كبيرا منها.
4) سوء الادارة وانعدام الخطط الاستراتيجية لبناء وتطوير التعليم .
5) المحاصصة المقيتة وتأثيرها السلبي وتعرض الكثير من الطلبة والمعلمين والمدرسين الى التهجير القسري .
6) التساهل في منح الشهادات العلمية.
7) اهمال بحوث تطوير المناهج الأكاديمية .
8) تفشي ظاهرة الجامعات والمدارس الأهلية والتي من شعاراتها ( ادفع تنجح ).
9) دخول الفساد المالي والاداري نظام التعليم والتخلف المعرفي.
10) افتقار العراق لأبسط معايير الجودة في التعليم نظرا لوجود ابنية مدرسية متهالكة تفتقر لأبسط الشروط الصحية وكثير منها يفترش التلاميذ الأرض في الصف الدراسي لعدم توفر الرحلات الدراسية وعدم مواكبتها الحداثة وقلة وانعدام المكتبات والمختبرات العلمية واهمال النشاطات الرياضية والفنية والنشاطات اللاصفية .
11) تخلف المناهج الدراسية وعدم مواكبتها لحاجات البلاد الاقتصادية .
12) انعدام الابتكار بسبب غياب الدعم والحوافز وتخلف المناهج الدراسية وضعف الاهتمام بالتعليم التقني .
13) الافتقار الى تدريب المعلمين المستمر للنهوض بمستواهم العلمي والمعرفي وعدم الاهتمام برفع مستواهم المعيشي .
بعد 2003 والغزو الأمريكي للعراق واستلام القوى الطائفية لزمام الأمور في البلاد نجد هبوطا واضحا في مستوى التعليم الى درجة اعتبار العراق من قبل المنظمات الدولية المتخصصة من أسوأ بلدان العالم في مستوى التعليم. فهل ان عملية تدمير العراق وتدمير التعليم في العراق عملية مقصودة يمكن وصفها بالمؤامرة ؟ام انه تدهورا عفويا ؟ ان أي بلد يمكن ان تحكم عليه سلبا او ايجابا من خلال عاملين مهمين هما القضاء والتعليم , أي ترسيخ العدالة , وبناء الانسان واعداده لتحمل مسؤولية النهوض بالمجتمع , ولكن في العراق نجد ان ميزانية الحشد الشعبي الذي يفترض انتهاء دوره بانتهاء داعش كما اعلنت الحكومة رسميا , هي اضعاف ميزانية وزارة التربية.
على الرغم من غنى العراق بثرواته المختلفة الا اننا نجد الكثير من مدارسه من الطين اضافة الى الكرفانات التي تستخدم كمدارس ويفترش الطلاب في كثير من المدارس الأرض لعدم توفر الرحلات( المقاعد الدراسية). وحسب احصاء وزارة التربية فإن عدد مدارس الطين في العراق اكثر من 1000 مدرسة لكنها في الواقع ضعف هذا الرقم ويقع النسبة الأكبر منها في المحافظات الوسطى والجنوبية والتي تضم ( 15000 ) طالب ويعمل فيها (7000) معلم وموظف . ويظهر ان الحكومة لم تكن جادة في تطبيق القوانين اذ يفترض بالتعليم ان يكون الزاميا في المرحلة الابتدائية ومجانيا ولكن بسبب عدم المتابعة بلغ عدد الأميين والمتهربين من الدراسة بحدود ( 7) مليون طالب وتزداد هذه النسبة بسبب الفقر واضطرار الأطفال الى العمل لإعالة ذويهم , اضافة الى زيادة عدد المهجرين والنازحين وعدم توفر بيئة دراسية مناسبة للطالب من كل النواحي , ولا يوجد أي نوايا عند الحكومة لمعالجة هذه الظاهرة .
اما فيما يتعلق بالمناهج الدراسية فقد قامت الحكومات المتعاقبة بتغيير المناهج الدراسية لتبث السموم الطائفية في بعض المواد سيما التاريخ والتربية الوطنية, حيث تحول الخونة والعملاء الى وطنيين والعكس صحيح , اذ تحول ابن العلقمي ( الشيعي المذهب ) من خائن الى بطل قومي واضيف الى اسمه ( قدس سره)( وابن العلقمي هذا كان وزيرا للخليفة العباسي المستعصم وقد رتب مع هولاكو وبمعاونة نصير الدين الطوسي قتل الخليفة المستعصم وادخال هولاكو الى بغداد لاحتلالها على امل ان يسلمه هولاكو ادارة المدينة , لكن هولاكو قام بقتله بعد تدمير بغداد , وهكذا اصبح ابن العلقمي خائنا وليس بطلا قوميا ). اضافة الى صعوبة المناهج العلمية. وغالبا ما يجري تبديل المناهج وفق صفقات فاسدة سيما وانها تطبع في ايران وليس العراق ( على الرغم من توفر المطابع في العراق ), الى جانب النفس الطائفي الذي يمارسه بعض المعلمين, ففي فلم انتشر على اليوتيوب ظهر معلم يعلم الفتيات كيفية اللطم وبعض المعلمين يعلمون التلاميذ صلاة الجنازة .
الكثير من المدارس العراقية تفتقر الى ابسط شروط التعليم فكثير منها بلا نوافذ وزجاجها مهشم والأبواب محطمة وعدم توفر الرحلات المدرسية او قلتها حيث يفترش البعض الأرض او يجلس اربعة طلاب على رحلة مخصصة لطالبين فقط, اضافة الى عدم توفر الكتب والدفاتر ( ولكنها متوفرة في المكتبات الخاصة ) ووسائل الايضاح والحاسبات وبقية المستلزمات الدراسية. كما انتشرت ظاهرة تعاطي المخدرات التي تتعاظم يوما بعد آخر. وعلى الرغم من الميزانيات الانفجارية في العراق الا انها لم تعالج اوضاع المدارس والمدارس الطينية والكرفانات ويبدو عدم وجود رغبة واستعداد لدى الحكومة لمعالجة وضعية المدارس في العراق والنهوض بقطاع التربية والتعليم وقد يعني ذلك ان الحكومة تسعى لإفراغ العراق تربويا وثقافيا وحضاريا ورسم مستقبل اسود للأجيال القادمة .
وبالنظر لافتقار العراق الى معايير جودة التعليم العالمي لذلك استبعد من تقييم مؤشر جودة التعليم العالمي. فكل المؤشرات التي يعتمدها مؤشر التنافسية العالمي الذي حدده المنتدى الاقتصادي العالمي متدهورة في العراق الى حد فاق الوصف, فالحكومة العراقية متهمة بإهمال الجامعات الحكومية وعدم تخصيص الأموال اللازمة لتطوير بناها التحتية وعدم دعم الطلاب الموهوبين والتضييق على مشاريع الشباب الثقافية والعلمية, في الوقت الذي فسحت فيه الحكومة المجال لانشاء ( 43) جامعة وكلية اهلية تجارية منذ عام 2003 اصحابها سياسيين ولديهم حصص من الأرباح على حساب الجامعات الحكومية , فالبلد يعاني الفوضى في نظامه التعليمي .
ان السبب الرئيسي في تدهور التعليم في العراق وانخفاض مستواه يعود للسياسة الحكومية التي تدير المؤسسة التعليمية , والمحاصصة في الحكم وتوزيع المؤسسات بحسب حجم الكتل الفائزة في الانتخابات التي تعتمد على الطائفية. والعملية السياسية برمتها قائمة على المنفعة الفئوية وهذه المنفعة شملت القطاعات التي تعني بمستقبل البلد . فالتربية والتعليم ركن اساسي لخلق مستقبل واعد. كما يلاحظ ايضا ان شراء المناصب قد طال مواقع مهمة في وزارة التربية. اضافة الى الفساد في عملية التعيينات في الوزارة. ونلاحظ ان 80% من نسبة المدارس العراقية بحاجة لإصلاحات وترميم وبينها نسبة كبيرة تحتاج الى فك الدوام المزدوج. فالتعليم في العراق ما زال يشهد تعثرا كبيرا في النهوض بواقعه من خلال عدم الاهتمام من قبل الجهات المختصة بعملية النهوض وذلك بتخصيص المبالغ الكافية لتأمين متطلبات التعليم في العراق والمبالغ المخصصة للتعليم من الموازنة الاتحادية قليلة جدا ما جعل الواقع التربوي واقعا متدنيا. ومن واقع التخلف في قطاع التعليم نقص الأبنية المدرسية الذي لا يسمح بفك الازدواج المدرسي وفك ازدواج الشعب المدرسية حيث تتميز كثير من الشعب المدرسية بازدحام الطلبة الشديد الذي قد يتجاوز الـ 50 طالبا في الصف الواحد مما يؤثر على سير العملية التعليمية والتربوية في الوقت الذي يصل العدد من الطلاب في الصف النموذجي من ( 18 -25 ) طالبا. فمدارس العراق في حال يرثى لها وواقع التربية سيء جدا ففي عام 2008 و2009 بلغ عدد الطلاب المتسربين من الدراسة اكثر من 78 ألف طالب متسرب واكثر من 44 ألف طالب راسب في امتحان البكالوريا وهذا يعكس عدم وجود أي تقدم في العراق, كون التقدم للدول يقاس من خلال تقدم مؤسساتها التربوية والصحية.
كما تعد قضية غياب الكفاءات من القضايا الخطيرة التي تواجه واقع التعليم في العراق .
ومن مظاهر التخلف في التعليم التي لمسناها في عام 2019 هو النتائج المتدنية لامتحانات الثالث متوسط الوزارية والتي بلغت نسبة النجاح (34,69 %) حسب ما اعلنته وزارة التربية وهذه النسبة لم يدخل فيها عدد الطلبة الكلي الذين لم يدخلوا البكالوريا ولو تم حساب هذا العدد لكانت النسب تعبر عن كارثة حقيقية. كما ان النتائج اكثر كارثية في التعليم الأهلي حيث بلغت بعض نتائج النجاح فيها صفر , مما دعا وزارة التربية الى الانذار بغلق المدارس الأهلية التي لا تحسن نسبة النجاح فيها العام القادم او تعرضها لعقوبات مالية .
غير انه لا يمكن الحديث عن التعليم المتوسط ونتائجه المنخفضة جدا بمعزل عن خلفية التعليم في المرحلة التي سبقته المرحلة الابتدائية فالتعليم في مراحله المختلفة هو حلقة وصل وتأثير متبادل لما قبلها وما بعدها . ويشير تدني نتائج الامتحان الى ضعف وعدم كفاءة النظام التربوي والتعليمي والذي هو بحاجة شديدة الى تغيير واصلاح جذري .
لقد وقع نظام التربية والتعليم في العراق بعد 2003 إسوة بغيره من القطاعات الانتاجية اسير المحاصصة الطائفية والأثنية مما اخل بمهمة هذا القطاع الحيوي . فالإصلاح التربوي يرتبط بالإصلاح السياسي وقد يبدو من العبث الحديث عن اصلاح العملية التربوية والتعليمية في العراق دون ان تسبقه خطوات جدية في اصلاح المنظومة السياسية العامة ( ونفسها الطائفي المحاصصي) والتي تنعكس بدورها في اصلاح العملية التربوية والتعليمية عبر رسم ملامح فلسفة تربوية لقطاع التربية والتعليم قوامها الاستجابة الأكيدة للمنجزات العلمية والتقنية ( وليس للطم وصلاة الجنازة والحقد الطائفي ) التي تفرزها ظروف العصر المعلوماتي المتغير دون انقطاع , الى جانب الاستفادة الماسة من حيثيات التغيير الجارية في المجتمع العراقي. وان يكون التغيير في المناهج الدراسية وفق اسس علمية بعيدا عن التخندق الطائفي والاثني مع تكريس الوطنية والمواطنة وقيم التسامح والمساواة والديمقراطية والتعددية .
وفي هذا الصدد وكما ورد في برنامج الحزب الشيوعي العراقي فان المهمة الملحة في هذا القطاع هي مواصلة الجهود لتصفية آثار المرحلة السابقة واصلاح المنظومة التربوية والتعليمية في مختلف مراحلها وهذا يتطلب :-
1) اعتبار قطاع التربية والتعليم من الاولويات المهمة وتخصيص الموارد المالية والمادية والبشرية اللازمة له والاهتمام بتوفير الأبنية المدرسية وفق المواصفات العالمية .
2) اعتماد فلسفة تربوية - تعليمية تقوم على قيم المواطنة وعلى تعزيز الفكر التنويري ونقل المعارف المستندة الى احدث ما توصلت اليه العلوم في جميع مجالات المعرفة وتنمية قدرة الطالب على التفكير النقدي وعلى فهم واستيعاب منجزات العلم والحضارة المعاصرين وتوظيفها في مجالات العمل والاختصاص المختلفة .
3) اعادة النظر في نظام ومناهج التعليم وطرائق التدريس بما يتفق وتأمين مستلزمات التقدم التقني والمادي وارساء قاعدة تعليمية متطورة وتشجيع البحث العلمي والابتكار وربط العملية التعليمية بعملية التنمية الشاملة في البلاد واهدافها الكبرى وادراج تعليم المعلوماتية ضمن المناهج في مرحلة مبكرة واشاعة استخدام وسائلها في المدارس.
اضافة الى وضع الخطط لمكافحة الأمية وضمان مجانية التعليم وتفعيل الزاميته في الدراسة الابتدائية ومعالجة ظاهرة التوسع المتنامي للتعليم الاهلي واثاره على النظام التعليمي ككل وكذلك شمول مرحلة رياض الأطفال بالسلم التعليمي والزامية التعليم وفقا لما جاء في الدستور. الى جانب وضع الطالب في مركز العملية التربوية واحترام الهيئات التدريسية وممارسة الديمقراطية في الحياة الدراسية وتشجيع النشاطات اللا صفية والاهتمام بتدريب العاملين في هذا القطاع وتحويل مجالس الاباء والمدرسين الى هيئات ساندة للعملية التربوية . اضافة الى اصلاح التعليم العالي واستقلال الجامعات وحرمتها وعدم تقييدها بانتماء عقائدي او ايدلوجي او أي غطاء اخر , واعتماد استراتيجية وطنية متوازنة في المنح والبعثات والزمالات وفي القبول في الجامعات والمؤسسات التربوية بشكل عام تقوم على اسس الكفاءة وتكافؤ الفرص وعدم التمييز بين المتقدمين على اسس طائفية او قومية او غيرها . مع ضرورة ربط التعليم بأنواعه خاصة التعليم العالي والبحث العلمي بحاجات البلاد و الاهتمام بالتعليم التقني والمهني ومتابعة تطبيق القوانين والضوابط الخاصة بالمدارس والجامعات الاهلية .
فقطاع التربية والتعليم في العراق يشهد اهمالا حكوميا واضحا مما ادى به الى الانحدار الى حضيض المستويات في ظل فشل وتخبط وزارة التربية منذ 2003 والى اليوم .واليوم لو اجرينا مقارنة ما بين المنظومة القيمية والتعليمية والمهنية وغيرها ما بين العصر الجاهلي وبين العراق اليوم في عهد الاسلام السياسي لوجدنا في ذلك العصر اشياء اسمها : اخلاق , امانة , مهنية , انسانية , فصاحة , وبلاغة وغيرها, بينما اليوم فإن كل تلك المقومات اصبحت حكاية من الحكايات القديمة حتى ان بعض كبار المسؤولين يكتب كلمة ( شكراً) بـ ( شكرن ) . ولم يحدث ان وصل التعليم في العراق مثلما وصله اليوم من وضع مزري بشهادات منظمات عربية ودولية حتى اصبح محطة سائغة للسخرية والتهكم , وهذا ما دعا مؤشر جودة التعليم العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لدافوس وكذلك مؤشر بيرسون للتعليم والمهارات المعرفية والتحصيل التعليمي العالمي الى اخراج العراق وخمس دول عربية من نطاق تقييمها ولعدة سنوات وذلك بسبب الافتقار لمعايير جودة التعليم في تلك الدول والتي لا تتوفر فيها ابسط المعايير . كما يؤشر ايضا الى ان الحكومة العراقية قد سجلت اسوء سلوك لها تجاه التعليم حينما عجزت عن طبع المناهج الدراسية للعام الدراسي 2015 -2016 وحملت الطلبة واسرهم مسؤولية توفيرها اضافة الى عدم توفير المباني المدرسية المناسبة وتبديد الأموال التي كانت مخصصة لذلك في ملفات الفساد بلغت فضائحها مديات بعيدة.
يعتبر التعليم احد اهم الركائز التي تبنى عليها أي دولة حديثة وهو اساس بناء الأوطان والشعوب حيث تعتبر التربية العامل الرئيسي في الطابع التمويني للفرد بينما يشكل التعليم عملية التخاطب مع العقل البشري لتوصيل المعرفة والمهارات والقيم والعادات المجتمعية الناتجة من جيل لآخر ويقوم بهذا الدور المؤسسات التعليمية بتعليم الفرد للعديد من الموضوعات مثل القراءة والكتابة والرياضيات والتاريخ والعلوم وغيرها.
اما بالنسبة للتعلم فهو اكتساب الخبرة الناتجة عن التعليم بمرور الوقت , ولهذه الأهمية الكبيرة للتعليم فقد اهتمت الكثير من الدول بهذا القطاع وتم توفير الأموال والدراسات لغرض تطويره كي تعتمد بعد ذلك على القوة التعليمية في النهوض بجميع مؤسسات الدولة الاخرى منها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقضائية وغيرها . ولكن مع الأسف لا يحظى جميع العراقيين بنفس الفرص لتلقي التعليم , وكان هذا هو سبب للتصنيف الذي وصل اليه العراق .
يتساءل كثيرون لماذا توجد دائما اموال طائلة لتمويل الحرب والخراب وتمويل الرئاسات الثلاث بدون استحقاق ولا توجد مثلها لتمويل التعليم والصحة والاعمار؟ وأيُ مستقبل ينتظر اطفالنا والكثير منهم قد تسرب خارج المدرسة بهدف العمل لإعانة اسرهم ولأغراض التسول في ظل الصراعات الدائمة والنزاع على المناصب على حساب المصلحة العامة, في الوقت الذي تشير فيه اتفاقيات الأمم المتحدة المختصة بأهداف التنمية المستدامة ومن ضمنها تمكين الأطفال من الحصول على حق التعليم المجاني والالزامي في المرحلة الأساسية. وبهذا الصدد فقد اشار الدستور العراقي ضمن المادة 16 منه :((تكافؤ الفرص حق مكفول لجميع العراقيين وتكفل الدولة اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك )). فهل تتكافئ الفرص اليوم لجميع العراقيين؟ وهل اتخذت الدولة الاجراءات اللازمة لتحقيق ذلك ؟ لم يترجم الدستور الى الواقع بعد.
اما المادة 34 / اولا من الدستور فقد نصت على (( التعليم عامل اساس لتقدم المجتمع وحق تكفله الدولة وهو الزامي في المرحلة الابتدائية وتكفل مكافحة الأمية )) فهل هو كذلك في العراق حاليا؟
ونصت المادة 34 ثانيا منه على: (( التعليم المجاني حق لكل العراقيين في مختلف مراحله)) , فهل هو كذلك فعلا؟ الا يتم شراء المقاعد الدراسية حسب البرنامج الحكومي. ؟ اليس هناك تشجيع للتوسع في المدارس الأهلية والاتجاه لخصخصة التعليم ؟
اما المادة 34 / ثالثا فأشارت الى : (( تشجيع الدولة البحث العلمي للأغراض السلمية بما يخدم الانسانية وترعى التفوق والابداع والابتكار ومختلف مظاهر النبوغ )) . ما يرد في الدستور العراقي كلام جميل لو تم تطبيقه فعلا ,ولكن الدولة اليوم ابعد ما تكون عن هذا الأمر فهي عدوة البحث العلمي والتفوق والابداع .
حسب تقرير منتدى دافوس الاقتصادي فإن ثلاثة ملايين طفل في العراق لا يرتادون المدارس فاين هو تطبيق المادة 34 من الدستور العراقي المشار اليها آنفا ً؟ فكيف سنبني الوطن مستقبلا بدون التعليم المتطور؟
يرى البنك الدولي ان التعليم هو من حقوق الانسان والذي يمثل محركا قويا للتنمية واحدى اقوى ادوات الحد من الفقر وتحسين الصحة والمساواة بين الجنسين والسلام والاستقرار .ومن شأن التعليم ان يرفع النمو الاقتصادي في البلاد على المدى الطويل ويحفز الابتكار ويدعم المؤسسات ويعزز التماسك الاجتماعي.
يؤكد تقرير عن التنمية في العالم لعام 2018 ان حوالي نصف الطلاب لا يؤدي التعليم الى التعلم حيث هناك ملايين الأطفال لا يستطيعون القراءة او الكتابة رغم التحاقهم بالمدرسة ( كما هو الحال في العراق ). وسبق للبنك الدولي ان حذر في تقرير له من تواضع مستوى التعليم في العالم العربي عموما داعيا للإصلاح العاجل لنظم التعليم , ونبه الى الخلل في علاقة التعليم بمتطلبات السوق . واشار تقرير للمنظمات الدولية المتخصصة الى ان العراق يعتبر من اسوأ بلدان العالم في مستوى التعليم . وغالبا ما ترصد التقارير الدولية صورة سلبية عن العراق في مجال السياسة وحقوق الانسان والاقتصاد والتعليم وتفشي الفساد .
وتصف تقارير البنك الدولي ان النمو في التعليم لم يؤد الى نمو في الاقتصاد حيث يتواصل الفصام بين التعليم والاقتصاد فمنتجات التعليم في العراق لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل , او ان نوعية المتخرجين ليست بالمستوى الذي تتطلبه السوق المحلية والدولية في زمن العولمة . وهو لا يؤدي الى خلق قدرات ومهارات بشرية مؤهلة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية في البلاد. اضافة الى انعدام التخطيط وسوء الادارة حيث تتخرج اعداد كبيرة من حملة البكالوريوس والشهادات العليا ليلتحقوا بجيش العاطلين بدلا من سوق العمل ولتواجههم الحكومة بالماء الساخن والرصاص الحي والغاز المسيل للدموع اضافة الى الاهانات لكونهم خريجين يبحثون عن فرص عمل وهذه الفرص محجوزة لأبناء واقارب المسؤولين ممن ليس لديه أي شهادة علمية او من قام بتزوير شهادته .
تواجه عملية التعليم في العراق العديد من المعوقات التي تحد من تنمية قدرة الطالب على المهارات التحليلية والقدرة على حل المشاكل والتفكير النقدي والابداع . ويلاحظ في مدارسنا اليوم وحتى الجامعات ان البحث العلمي غائب فيها ولا يوجد تركيز على المهارات وانما التركيز يكون على عملية الحفظ . ولا يساهم التعليم في تعزيز قيم التسامح التي هي الأقل عالميا في العراق لتدني اساليب النقاش والتفكير والتحقق وروح الفريق في الأساليب التعليمية , فنظام التعليم في العراق ليس منتجا وانما هو تقليدي يقوم على اعادة انتاج نفس المعرفة بعيدا عن الابتكار, حيث لا يمكن انتاج نظام تعليمي متطور في ظل حالة الخوف والطائفية ووجود نظام غير ديمقراطي او تكون الديمقراطية فيه ( مقزمة ) وفي ظل تعرض الأكاديميين والجامعات لضغوط سياسية من القوى المتنفذة ونوابهم, لذلك فإن الحديث عن النظام التعليمي في العراق يجب ان يتم في اطاره السياسي العام . فالتعليم في العراق بحاجة الى تعزيز اساليب التفكير النقدي والتحليلي وحل المشكلات في طرق التدريس اذ يجب ان يكون هناك تطوير لعملية التفكير لدى الطالب على حساب ثقافة التلقين , اضافة الى الحاجة الى اعادة النظر في المناهج الدراسية وطرق التدريس والخطط الأكاديمية في الجامعات واعادة الهيكلة والبناء وفقا لاحتياجات السوق والمجتمع.
ان الموارد المالية المتاحة المخصصة لوزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي هي التي تحدد في النهاية وضع المدرسة والجامعة والبنى التحتية للتعليم , فسلطة الاحتلال الأمريكي منذ عام 2003 لم تولي التعليم في موازنة العراق الأولوية وكذلك فعلت الحكومات المتعاقبة والى اليوم , لذلك تراجع وتدهور التعليم في العراق كثيرا, ووصف المدير العام للتعليم في اليونسكو ( جون دانيال ) وضع التعليم في العراق عام 2003 بأنه ( وصل حد المهزلة ) , الا ان الحكومات المتعاقبة منذ 2003 والى اليوم لم تستطع معالجة اوضاع التعليم الذي تدهور كثيرا مقارنة ببلدان المنطقة . وفيما يتعلق بالتخصيصات المخصصة لقطاع التعليم نجد ان الموارد المالية المخصصة الى امانة بغداد مثلا اكثر مما مخصص لقطاع التربية والتعليم فبقيت البنية التحتية لهذا القطاع متدنية وانتشرت المدارس الطينية في الأرياف والافتقار الى التعليم الحديث وساءت نتائج الامتحانات علما ان معظم الموارد المخصصة لقطاع التربية والتعليم تقتصر على النفقات التشغيلية كرواتب الموظفين العاملين في هذا القطاع في ظل وجود اعداد كبيرة من المعلمين والمدرسين المحاضرين بالمجان , وفي عام 2019 بلغت تخصيصات قطاع التربية والتعليم ( 1,6%) من اجمالي النفقات الحكومية في الموازنة في ظل سياسات التوظيف الارتجالية والمسيسة في هذا القطاع اذ تضاعف عدد الموظفين في وزارة التربية من ( 330 ألف) في عام 2003 الى ( 688 ألف ) في عام 2019 اضافة الى تفشي الفساد المؤسسي وسوء الادارة .
ان المعلم الجيد لهو في غاية الأهمية , فحتى تحدث عملية التعلم يجب ان يكون المعلم مؤهلا ويركز على التأكد من تعلم جميع الطلاب مع تحسين رواتبهم وتحفيزهم وتدريبهم , فالبلدان التي تحقق النجاح والتقدم والتنمية هي تلك التي تهتم بالتربية والتعليم وربطه مع حاجات البلاد . ولذلك فإن التعليم في العراق بوضعه الحالي لا يمكن ان يساهم في عملية التنمية الاقتصادية – الاجتماعية وسيبقى الوضع الاقتصادي في البلاد متخلفا .



#عادل_عبد_الزهرة_شبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف الأسري في العراق وغياب القانون المناهض...كفى عنفا
- هل نجحت الحكومات المتعاقبة في العراق من تحقيق التنمية المكان ...
- انجازات الحكومات المتعاقبة في العراق
- هل ينبغي أن تكون الدولة المدنية ... ديمقراطية ؟
- هل يوجد تفاوت طبقي في العراق ام تحققت العدالة الاجتماعية على ...
- دور الاستثمار الأجنبي في عملية التنمية الاقتصادية وموقف الحز ...
- أزمات الرأسمالية وتداعياتها الفكرية والاقتصادية والسياسية
- كيف يمكن الاستفادة من تجربة سنغافورة التعليمية في النهوض باق ...
- حقوق الانسان في ضوء وثائق الحزب الشيوعي العراقي
- تفعيل الضرائب العادلة التصاعدية في الموازنة العامة الاتحادية ...
- في العراق ..محاصصة أم تعزيز نهج الكفاءة والنزاهة والفاعلية ؟
- لاتعطني منتجات , علمني كيف انتج
- ابرز التحديات التي تواجه حركة التحرر الوطني العربية واليسار ...
- دور الاعلام في دعم مشاريع التنمية السياسية والاقتصادية والاج ...
- قادة قمة العشرين في قمتهم الاستثنائية الافتراضية في الرياض : ...
- العمال والشغيلة في ضوء برنامج الحزب الشيوعي العراقي
- العراق في قبضة صندوق النقد الدولي
- رد على تعقيب السيد فؤاد النمري
- هل ستظل بغداد اسوأ مدن العالم في جودة المعيشة ؟
- لبنان في ضوء خطاب الحزب الشيوعي اللبناني


المزيد.....




- -بأول خطاب متلفز منذ 6 أسابيع-.. هذا ما قاله -أبو عبيدة- عن ...
- قرار تنظيم دخول وإقامة الأجانب في ليبيا يقلق مخالفي قوانين ا ...
- سوناك يعلن عزم بريطانيا نشر مقاتلاتها في بولندا عام 2025
- بعد حديثه عن -لقاءات بين الحين والآخر- مع الولايات المتحدة.. ...
- قمة تونس والجزائر وليبيا.. تعاون جديد يواجه الهجرة غير الشر ...
- مواجهة حزب البديل قانونيا.. مهام وصلاحيات مكتب حماية الدستور ...
- ستولتنبرغ: ليس لدى -الناتو- أي خطط لنشر أسلحة نووية إضافية ف ...
- رويترز: أمريكا تعد حزمة مساعدات عسكرية بقيمة مليار دولار لأو ...
- سوناك: لا يمكننا أن نغفل عن الوضع في أوكرانيا بسبب ما يجري ف ...
- -بلومبرغ-: الاتحاد الأوروبي يعتزم فرض عقوبات على 10 شركات تت ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - عادل عبد الزهرة شبيب - التعليم في العراق الى أين وهل هو بحاجة الى اصلاح وتغيير ؟