محمد ابراهيم بسيوني
استاذ بكلية الطب جامعة المنيا وعميد الكلية السابق
(Mohamed Ibrahim Bassyouni)
الحوار المتمدن-العدد: 6540 - 2020 / 4 / 17 - 15:56
المحور:
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
وهذا الفيروس ليس بفيروس سارس المسبب لمتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم، ولا هو فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، ولا هو فيروس الأنفلونزا. بل هو فيروس فريد من نوعه وله خصائص فريدة.
ويسبب كل من فيروس مرض كوفيد-19 وفيروس الأنفلونزا أمراضا تنفسية وينتشران بنفس الطريقة، عن طريق القُطيرات الصغيرة التي تتناثر من أنف وفم الشخص المصاب.
غير أن هناك بعض الاختلافات الملحوظة بين فيروس مرض كوفيد-19 وفيروس الأنفلونزا.
فأولاً، لا ينتقل فيروس مرض كوفيد-19 بنفس السهولة التي ينتقل بها فيروس الأنفلونزا، وفقا للبيانات التي تتوفر لدينا إلى حد الآن.
ففي حالة الإصابة بمرض الأنفلونزا، يكون الأشخاص المصابون والذين لا تبدو عليهم أعراض المرض بعد العامل الرئيسي لانتقال العدوى، وعلى ما يبدو فإن هذا لا ينطبق على مرض كوفيد-19.
وتشير الأدلة الواردة من الصين إلى أن نسبة 1% فقط من الحالات المبلّغ عنها لا تظهر عليها أعراض المرض، وأن الأعراض في معظم هذه الحالات تظهر في غضون يومين.
وتستخدم بعض البلدان نظم الترصد المستخدمة في حالات الأنفلونزا وأمراض الجهاز التنفسي الأخرى لتقصي حالات الإصابة كوفيد-19.
غير أن الصين وغانا وسنغافورة وبلدان أخرى اكتشفت عددًا ضئيلا جدًا من حالات الإصابة بكوفيد-19 بهذه الطريقة - أو أنها لم تجد أي حالات على الإطلاق.
ولعل الطريقة الوحيدة لتقصي العدوى هو البحث عن أجسام مضادة لـفيروس كوفيد-19 عند عدد كبير من الناس، والعديد من البلدان حاليا في طور إجراء هذه الدراسات. وبذلك سنتمكن الحصول على صورة أفضل عن نطاق انتشار العدوى بين السكان مع مرور الوقت.
وقد وضعت منظمة الصحة العالمية بروتوكولات حول كيفية إجراء تلك الدراسات، وإننا نشجع جميع البلدان على إجراء تلك الدراسات وتبادل بياناتها.
وأما الفارق الرئيسي الثاني، فهو أن فيروس مرض كوفيد-19 يسبب مرضًا أكثر وخامة مما يسببه فيروس الأنفلونزا الموسمية.
وفي حين كوّن العديد من الأشخاص في العالم مناعة ضد سلالات الأنفلونزا الموسمية، يظل فيروس مرض كوفيد-19 فيروسا جديدا لا يتمتع أحد بالمناعة ضده. ويعني هذا أن المزيد من الناس قد يتعرضون للإصابة به، وسيعاني البعض منهم من أمراض وخيمة.
و توفي، على الصعيد العالمي، حوالي 3.4% من الحالات المصابة بمرض كوفيد-19 المبلغ عنها، في حين أن الأنفلونزا الموسمية تفتك عمومًا بأقل من 1% من المصابين بها.
أما الفارق الثالث، فهو أن لدينا لقاحات وعلاجات للأنفلونزا الموسمية، بينما لا يوجد، في الوقت الراهن، أي لقاح أو علاج محدد لمرض كوفيد-19. وتجرى حاليا تجارب سريرية للعلاجات الدوائية، كما يوجد أكثر من 20 لقاحا قيد التطوير.
أما الفارق الرابع، فهو أن لا أحد يتحدث عن احتواء الأنفلونزا الموسمية – فذلك أمر مستحيل. غير أن احتواء عدوى كوفيد-19 ممكن. كما أننا لا نقوم بتتبع المخالطين فيما يتعلق بالأنفلونزا الموسمية - ولكن يتعين على البلدان أن تقوم بذلك فيما يخص مرض كوفيد-19، لأن ذلك سيسمح بمنع العدوى وإنقاذ الأرواح. ويظل الاحتواء ممكنا.
وخلاصة القول، إن مرض كوفيد-19 ينتشر بسهولة أقل من انتقال الأنفلونزا، ولا يبدو أن العدوى تنتقل من الأشخاص الذين لا تظهر عليها أعراض المرض، وهو يسبب مرضًا أكثر وخامة من الأنفلونزا، ولا يوجد حتى الآن أي لقاحات أو علاجات دوائية، وهو مرض يمكن احتواؤه - ولهذا السبب يجب أن نفعل كل ما في وسعنا لاحتوائه. ولهذا السبب، توصي منظمة الصحة العالمية باتباع نهج شامل في هذا الصدد.
ونستخلص من هذه الاختلافات أننا لا نستطيع علاج مرض كوفيد-19 حرفياً بنفس الطريقة التي نعالج بها الأنفلونزا.
غير أن هناك أوجه تشابه كافية تدل على أن البلدان لن تبدأ من فراغ. فقد استثمرت العديد من البلدان، على مدار عقود، في بناء نظمها للكشف عن الأنفلونزا ومواجهتها.
ونظرًا لأن فيروس مرض كوفيد-19 هو أيضاً من العوامل المسببة للأمراض التنفسية، فإن هذه النظم يمكن تكييفها، وينبغي تكييفها، ويجري تكييفها بغية مواجهة هذا الفيروس.
ولكن القلق يساورنا لأن قدرات البلدان على مواجهة هذا المرض قد يعرقلها التقطع الشديد والمتزايد في العرض العالمي لمعدات الوقاية الشخصية - بسبب ارتفاع الطلب واتجاهات التكديس وسوء الاستخدام.
ونقص هذه الإمدادات يعرّض للخطر حياة الأطباء والممرضين والممرضات وغيرهم من العاملين في مجال الرعاية الصحية في الخطوط الأمامية لرعاية المرضى المصابين بعدوى كوفيد-19، جراء صعوبة الحصول على إمدادات أساسية كالقفازات والأقنعة الطبية وأجهزة التنفس ونظارات الوقاية وواقيات الوجه والأردية الطبية والمريلات.
ولن نستطيع إيقاف مرض كوفيد-19 دون حماية العاملين في مجال الصحة.
وقد ارتفعت أسعار الكمامات الطبية بستة أضعاف وارتفعت أسعار أقنعة التنفس من نوع N95 بمقدار ثلاثة أضعاف، فيما ارتفعت أسعار الأردية الطبية بمعدل الضعف.
وقد يستغرق إيصال الإمدادات شهوراً، فيما تتفشى ممارسات التلاعب بالأسواق حيث تُباع الأسهم عادةً لمن يطرح السعر الأعلى.
وقد شحنت منظمة الصحة العالمية المنظمة حتى الآن نحو نصف مليون مجموعة من معدات الحماية الشخصية إلى 47 بلداً، ولكن الإمدادات تشهد استنزافاً متسارعاً.
وتقدّر منظمة الصحة العالمية أن يُطلب توفير 89 مليون قناع طبي، و76 مليون قفاز للفحص، و1.6 مليون نظارة واقية، شهرياً.
وقد أصدرت المنظمة إرشادات حول كيفية ترشيد استخدام معدات الوقاية الشخصية في المرافق الصحية وإدارة سلاسل الإمداد بفعالية.
ونعمل أيضًا مع الحكومات والمنتجين وشبكة سلسلة الإمداد في سياق الجائحات لزيادة الإنتاج وتأمين الإمدادات للبلدان المتضررة بشدة والمعرضة للخطر.
وعالميا، تشير التقديرات إلى ضرورة زيادة إمدادات معدات الحماية الشخصية بنسبة 40 في المائة.
وسنواصل دعوة المنتجين إلى زيادة الإنتاج على نحو عال لتلبية هذا الطلب وتأمين الإمدادات اللازمة.
كما دعونا الحكومات إلى تقديم حوافز للمنتجين لرفع مستوى الإنتاج، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على تصدير وتوزيع معدات الحماية الشخصية وغيرها من اللوازم الطبية.
وأعيد القول مرة أخرى، إن المسألة مسألة تضامن. فلا يمكن للمنظمة إيجاد الحل بمفردها، أو لأي قطاع صناعي بمفرده. إن الأمر يتطلب منا جميعًا العمل جنبا إلى جنب كي نضمن أن تتمكن جميع البلدان من حماية الأشخاص الذي يسهرون على حمايتنا نحن.
#محمد_ابراهيم_بسيوني (هاشتاغ)
Mohamed_Ibrahim_Bassyouni#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟