أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موفق السقار - أحلام الليل والتعليم















المزيد.....

أحلام الليل والتعليم


موفق السقار

الحوار المتمدن-العدد: 6538 - 2020 / 4 / 15 - 20:59
المحور: الادب والفن
    


لقد اظهرت الابحاث المتعلقة بالنوم اهمية الاحلام. فمن دونها لا يمكن لعقل الانسان ان يؤدي وظيفته. فالتجارب كشفت انه عندما يتم حرمان الناس من الاحلام، يبدؤون بالضحك بشكل لا يمكن السيطرة عليه وتبدو عليهم علامات الانفعال الشديد وفي نهاية المطاف يبدؤون بالهلوسة. اثناء العملية الدورية للنوم تتبع المراحل الطويلة الخالية من الاحلام فترات من الاحلام المكثفة المتمثلة بحركة العين السريعة. يقضي البالغون حوالي خمس فترة نومهم في مراحل الحلم التي تحدث على فترات تبلغ حوالي 90 دقيقة ويمكن ان تستمر ما بين 10 دقائق الى 30 دقيقة او لحد يصل الى 60 دقيقة في نهاية الليلة. فنحن إذا ما استيقظنا في فترة الحلم نستطيع تذكر ما كنا نحلم به. ان القدرة على التفريق بين الحلم والواقع تأتي فقط في مرحلة معينة لتطور الوعي عند شخص ما. فهي مرحلة لم يستطع فيها الطفل الصغير كاسبر هاوسر ان يصل اليها عندما وجد في أحد اسواق مدينة نورنبرغ في 26 ايار عام 1828.
يروي انسيلم ريتر فون فيرباخ من خلال وصفه للطفل كيف ان السرير كان مكانه المفضل، فعندما صار الطفل ينام في السرير بدأ برؤية الاحلام. الا انه كان في بادئ الامر لا يستطع ان يميز تلك الاحلام واخذ يرويها لسيده على انها احداث حقيقية. ولكنه فيما بعد، تعلم الفرق بين ان يكون مستيقظا وان يكون حالما. في كل العصور وفي كل الحضارات كان من المعلوم ان الحد الفاصل بين الواقع والحلم، وبين الخيال والحقيقة يحدده سبب استطرادي، لقد كان حاجزا متزعزعا وغير ثابت وبحاجة ملحة الى اعادة تقييم. يعتبر حلم تشاونغ-تشاو والانعكاس الناتج في كتبه مثالا مؤثرا حيث يقول: حلمت -انا تشاونغ-تشو- في احدى المرات بأنني فراشة ارفرف هنا وهناك بلا مبالاة او رغبة، ذاهل عن كينونتي البشرية. وفجأة استيقظت ها انا ذا ارقد مرة اخرى كما أنا. وانا الان لا اعلم فيما إذا كنت حينها انسان يحلم انه فراشة ام انني كنت فراشة تحلم بانها انسان؟ ان هنالك حاجز لديه معبر بين الانسان والفراشة يطلق عليه اسم التغير. إن الحد الفاصل بين الحلم والواقع غير واضح المعالم ويعتبر بشكل جزئي نتاج السلطة الاجتماعية والخطاب السائد. مثله مثل الكلام والايماءات فان الحلم يكون شكلا متلازما من اشكال التعبير الانساني.


يرى نوفاليس بأن الاحلام تشكل الية وقائية ضد رتابة الحياة ونمطيتها باعتبارها نقطة وصول مجانية للخيال المرتبط بها حيث تضطرب صور الحياة ويعترض لعب الطفل سعيه الجدي المستمر لمرحلة البلوغ. كما انه اشار الى كيف ان الاحلام تبقينا في حالة الشباب واعتبر الحلم –هدية من الله ولو بشكل غير مباشر وبالتالي فإنها مهمة لذيذة وثمينة ورفيقا مؤنسا في رحلتنا الى القبر.
على حد قول جيلين فان أصل الخيال (الفنتازيا) او ما يسميه "بالخيال الاولي" يقبع في بقايا احلامنا او فترات العمليات النمائية المركزة. لقد أصبح التحليل النفسي وبشكل واضح أكثر جرأه. ففي احلامنا نختبر ماهية أنفسنا. ان الاحلام تفتح الباب واسعا على مصراعيه للعقل اللاواعي وتكشف عن معلومات تتعلق بالبنية الاساسية العميقة للشخص، التي هي بالمقابل عصية عن المعرفة الى حد كبير. ومع ذلك، فان الاحلام لا تكشف الاشياء بطريقة مباشرة. مهما كان محتوى الحلم جليا ظاهرا فان هنالك افكرا حلمية خفية ومبطنة وعلى حد قول فرويد تحمل جوهر الرسالة لكل حلم. ان فكرة الحلم ومحتوى الحلم تفهم على انهما "نسختين لنفس الموضوع ولكن بلغتين مختلفتين". لا يمكن للعقل الواعي في بادئ الامر ان يصل لأفكار الاحلام ولا يمكن الكشف عنها في سياق عمل الحلم. وعليه فان محتوى الحلم يعبر عنه كما لو كان موجودا في نص من الكتابة الصورية، حيث يتم نقل رموزها وبشكل فردي الى اللغة الخاصة بفكرة الحلم. إذا ما حاولنا قراءة هذه الرموز حسب قيمتها الصورية بدلا من علاقتها الرمزية فان هذا سيقودنا حتما الى الخطأ.
من خلال الاحلام واحلام اليقظة فان الخبرات الخاصة بالإنسان يتم توضيحها واعادة بنائها وفيها يتم تحقيق الامنيات فتبدو الحياة فيها أكثر بهجة وإشراقا. لا يمكن لأي أحد ان يعيش بدونها، انها مسألة تتعلق بمعرفة الاحلام بشكل أعمق، فلتكن الاحلام كبيرة فهذا الامر يعني اثراءها بلمحة رصينة، ليس بمعنى تحديدها وانما لكي تكون واضحة. وليس بمعنى ان تكون سببا تأمليا يتناول الاشياء كما هي وكما تبدو ولكن بمعنى السبب المشترك الذي يتناولها الى حيث تؤول وبالتالي الى حيث بإمكانها ان تصبح أفضل. ولتكن احلام اليقظة أكبر اي انها تصبح أكثر وضوحا واقل عشوائية. أكثر شيوعا، مفهومة بشكل اوضح وأكثر توسطا في سياق الاشياء. لذلك فان القمح الذي يحاول النضوج يمكن دعمه لكي ينمو وبالتالي حصده.
اننا نخطط حياتنا في احلام اليقظة. ونرقب لما نأمله وما نخاف منه. نحلم بالبدائل ونعيش أكثر مما اعطي لنا. في احلام اليقظة نمر بما يسمى "لا عقل واع حتى الان" او بـ " لم يحصل او يحدث حتى الان". نعبر في احلامنا عن املنا في حياة أفضل ليس في الماضي المثالي وانما نعبر عنه في المستقبل. ان هذا المستقبل الذي يحلم به هو القاعدة التي تجعل من كل خطوة تتخذ في الوقت الراهن ممكنة التحقيق. ان احلام اليقظة تتيح الامكانية بأن يتغير السياق الطبيعي للأشياء نحو الافضل. إن الخيال والفنتازيا يتفتحان ويتطوران في ظل الاحلام واحلام اليقظة. ان قدرتنا على التصور لا يمكنها الا تخيل تحقيق الامنيات ان تفكر وتخطط لأفعال بديلة وبظروف حياتية أفضل. نتوقع في الاحلام اشكال وافعالا حياتية جديدة.
تنعكس رغباتنا وصورها المشوهة في عالم القصص الخيالية الذي يستعرض جميع اشكال التحول التي تشمل الملابس والاقنعة والسحر(...) في عالم الفنتازيا للقصص الخيالية فأن كل ما هو مستحيل او ممنوع في الحياة اليومية يصبح فجأة متاحاً. وبشكل مشابه فان المسرح والسينما يقدمان بدائل تشبه الحلم لكي تزيد من تنوع الحياة. يمكن استيعاب معظم العوالم الافتراضية على انها احلام – على انها نظرة نحو ظروف اجتماعية أفضل- لحياة أفضل. فكر مثلا بجنة عدن، جزيرة فايكين في الاوديسا، جمهورية (بوليتيا) لأفلاطون، دولة اوغستين الالهية، يوتوبيا لتوماس مور، مدينة الشمس لـكامبنيلا او تصاميم فورير. ومن خلال مثل هذه الاماكن الافتراضية يكمن حلم التعليم، حيث يمكن تعقب رؤية التعلمية الكاملة والتشكل في بداية المجتمعات التاريخية التي وصلت الى تطورها الكامل في بداية الحقبة الحديثة.
بزغ حلم التعليم كإجابة عن الحالة الأنثروبولوجية اللاحقة التي وصفها هيدغر عام 1929 بقوله" لم تحظ اي حقبة تاريخية بذلك الكم المتراكم من المخزون المعرفي المتعلق بالإنسان كما حظيت به هذه الحقبة...ولكن بالمقابل لم تكن اي حقبة تاريخية اقل تأكدا من المعرفة الخاصة بها والمتعلقة بماهية الانسان كما هو الحال في هذه الحقبة". من خلال تتبع نيتشه، فان جيلين وصف البشر بأنهم غير مدركين من ناحية نظرية. وقول بليسنر انه لا يمكن شرح البشر في فكرة. ان احدى حالات عدم القدرة على إدراك الانسان من ناحية نظرية تعزى لانفتاحه النسبي على العالم. يتعلق هذا الامر بفصل الربيع، الامر الذي يؤدي لتقليل غرائز الانسان وجعلها مجرد بقايا غريزية. اشار الى ذلك ماكس شيلر في منشوره القصير تحت عنوان مكانة الانسان في الطبيعة.
ان التقليل من غرائز الانسان ومن حرية بيئية معينة ناجمة عن غياب محيط معين للأنواع الحية (يوكسكل)، يجعل من التعليم حاجة ضرورية للبشر. الا ان تعريف الحالة الانثربولوجية لا يساعد في تحديد الظروف المعيشية والاجتماعية المطلوبة. ويبقى السؤال منفتحاً عن الشكل المحدد الذي يجب ان يتخذه حلم التعليم. ان المحاولات التي تمت ضمن الأنثروبولوجيا التعليمية من اجل استخلاص استنتاجات من الحالة الأنثروبولوجية العامة كانت غير مقنعة. يمكن استخدام ملاحظة بلسنر من وجهة النظر المتعلقة بغرابة الانسان لنقض تلك الاستنتاجات بقوله: "لكونه مكشوفا للعالم سيظل الانسان متخفيا عن نفسه-الانسان الغامض (هومو ابسكونتيدوس). فحسب هذه المقولة قد يقول أحدهم بأن الوصية الثانية من الوصايا العشر التي هي في الاصل تتعلق بالرب، تتعلق بالإنسان اذ تقول: لا تَصنَعْ لكَ تِمثالاً مَنحوتًا ولا صورَةً. خاض التعليم، مرارا وتكرارا، صراعا مع موضوع تحريم الصور والمحاكاة. ومن اجل التعليم تم ابتكار الكثير من صور الانسان وتصميم الكثير من الاحلام. تم نسيان البعض والبعض لا يزال قائما، كما ان بعضها عاد في ظل معتقدات مقبولة. كل حقبة تاريخية تجلب معها محرماتها ومطلقاتها التي تكمن فيها الحلم دون علم اولئك الذين يمتلكون السلطة.



#موفق_السقار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصين: الإنسانية والتعليم في الكونفوشيوسية (الجزء الأول)
- الصين: الإنسانية والتعليم في الكونفوشيوسية (الجزء الثاني)
- المعرفة في الأنثروبوسين و عصر الكورونا
- الأفكار الثقافية والتعليمية الهندية في مرآة ممثليها المهمين
- باثولوجيا الخيال
- الصورة والخيال عالم الصورة “الصورة الكبيرة لا شكل لها”
- جوزيف بويس و توسع مفهوم الفن


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - موفق السقار - أحلام الليل والتعليم