أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة (4)















المزيد.....

السجدة (4)


بولات جان

الحوار المتمدن-العدد: 6536 - 2020 / 4 / 13 - 20:57
المحور: الادب والفن
    


قبل يوم واحد

كان وقت الظهيرة، والشمس تظهر حيناً وتغيب خلف الغيوم السابحة في الفضاء أحياناً أخرى، كان الجميع يتمشون ذهاباً وأياباً ويتجادلون وفي أياديهم أكواب الشاي الكبيرة، يرتشفونها ويتابعون الحديث عن كل شيء وعن لا شيء. في تلك الأثناء خرج جوان من مكان تناول الطعام وهو يقفز من فوق برك الماء الضحلة كي لا تتسخ ثيابه، و يصرف جهداً للحفاظ على حقيبة اللابتوب المعلقة على كتفيه، بادرته بالسؤال: "متى وصلت؟" قال "قبل قليل... لماذا لم تخبرني بانك ذاهب؟!". قلتُ له: "كنتُ سأزورك، لكنهم قالوا بأنك سوف تلحق بنا...". قال: "وأخيراً تحقق طلبك وسوف تذهب.". ابتسمتُ له: "وأنت متى ستأتي؟" أبتسم وأشار برأسه "هو يعرف، طلب مني أن أبقى معه هنا. وأخشى أن تنتهي الثورة وأنا أقبع هنا دون أن أشارك فيها...". قلتُ له مواسياً: "حتى أنا أخاف نتأخر هنا يوم أو يومين ولا نلحقها... هل شربت الشاي؟" قال: "كلا... لنذهب إلى مكاننا، غرفة الإعلام ونتناولها هناك".
كانت غرفة مظلمة محفورة في التراب ومغطاة بالنايلون الأزرق السميك، وكانت أصوات ازيز مراوح الحواسيب وطنين الشواحن يمتزج بصوت موسيقا (لورينا مككنث) الأسطورية. وكان الكل منشغلاً بالعمل خلف حاسوبه. لم نشأ ازعاجهم واشغالهم عن عملهم، لكن شاهوز انتبه لنا ووضع الكتاب الذي كان يطالعه جانباً. طلبتُ منه أن يعيرني شريطاً لاصقاً، فقال شاهوز ضاحكاً: "لن نعيرك أي شريط طالما أنت لا تكتب لأجلنا...". فيما مضى ومن حين لآخر كنتُ أكتب في أوقات الفراغ، كانت هواية ترافقني منذ زمن سنوات، ولكن منذ مدة قد توقفت عن الأمر برمته وكان كل تفكيري منصباً على شؤون أخرى كنتُ أراها أهم وأفضل من الكتابة. لكن شاهوز كان مصراً (وجلب الماء من ألف بئر) كي يقنعني، وشاركته شيرين وجودي وغيرهم في تقريعي ودفعي للكتابة لأجلهم. ولم أجد بداً حينها من أرتكاب أحد أكبر أخطائي التي لا تغتفر في حياتي. قلتُ لهم: "قبل سنة أنهيتُ من كتابة رواية وهي مدونة على دفتر، سوف أعطيكم ويمكنكم نشرها على حلقات في أي مكانٍ تريدونه. لكن، بشرط أن تصوروا الدفتر، وأن ترسلوا لي فيما بعد نسخة وورد...". مباشرة أعربوا عن موافقتهم ووعدتهم بأنني سوف أعود إلى الغرفة وأأتي لهم بالدفتر.
أفرغنا حقائبنا من كل شيء يتعلق بشخوصنا، من دفاتر وألبومات وصور ورسائل، ولم نبقي شيءً فيها لكي نعيد ونضع فيها كل ما يتم أعطائه لنا قبل مغادرتنا من مواد ومعدات ومستلزمات تخص مهمتنا الجديدة ولا شيء غيرها. ما عدا مخطوطة الرواية، قمتُ بتغليف كل الدفاتر الاخرى بشكلٍ جيد جداً بحيث لا يتسرب إليها الماء أو الحشرات أوالتراب أو أي شيء... فهي تختزل بين طياتها كل ذكرياتي المدونة وملاحظاتي والرسائل والملاحظات والمشاريع الناقصة. جمعتها كلها ما عدا الدفتر الذي كنتُ سأحمله بكل حرص وأرجع به إلى غرفة الإعلام وأسلمه إلى شاهوز مع ضرورة تنويهي لهم: "ليست لدي أية صورة أو نسخة أخرى منها... أرجوكم صوروها وأحتفظوا بنسخ منها وعندما تنقلونها إلى الحاسوب أرسلوا إليّ نسخة، أرسلوها إلى أيميلي هذا...". بعدها كنتُ سأكتشف بأنني أرتكبتُ خطأ العمر.
كان جميع من في غرفتنا النايلونية في سعي محموم لأجل التحضير وتوضيب المعدات الجديدة في الحقائب وإفراغ جيوبهم وأرسال دفاترهم إلى أماكن قد تكون أكثر أماناً ريثما يعودون من مهمتهم الجديدة ويستعيدوها. قال جيّا، وهو يتفرس فيّ ويعجن كرة كاوتشوك في يديه المصابة: "ملابسك قديمة و ممزقة، لماذا لم تحصل على طقم جديد؟". قلتُ "كان الوقت ضيقاً ولم أجد الفرصة، وكذلك لم أكمل عاماً مع هذا الطقم، بقي شهرٌ كامل حتى يحين وقت الحصول على طقمٍ جديد..." قاطع جيا وقال: "لا بأس ولكن ليس من المناسب أن تذهب بهذا الطقم القديم والمهترأ... يمكنك عمل أستثناء لهذه المرة، فلا بأس أن تحصل على طقم جديد قبل اكتمال سنة". فلتُ "لم يبقى أمامنا أي وقت، وللحصول على طقم جديد أحتاج إلى أسبوعين وعلى موافقات وكتاب رسمي... وليس لدي الوقت لكل ذلك..." هنا تدخل فواز بصوته الجهوري الضاحك، وتوجه بالكلام إلى جيا: "إذا كنت كريماً إلى هذا الحد، يمكنك أن تعطيه طقمك... ومن ثم تخيط لنفسك طقماً جديداً". لم ترق لي الفكرة، ليس لشيء، فقط لإن حجم جيا كبير ويمكن لأثنين مثلي أن يدخلا في لباسه الفضفاض. و جيا احتار في أمره ولم ينبس بكلمة. حينما لاحظ فواز تلبك جيا، زاد من ضغطه على جيا، والذي بدوره لان و تقبل على مضض. خلع طقمه الفضفاض والكبير وأعطائه لي وهو يبتسم مجبراً. بالعادة هذه الملابس العسكرية الجبلية تكون واسعة وفضفاضة ويمكن لفها وتمويه كبر حجمها بالحزام الطويل (شوطتك). قال جيا: "كل شيء إلا الشوطتك. لن أعطيه لأحد..."
شوطتك؛ حزام طويل، طويل جداً بطول 15 متراً من القماش المتين، نلف بها كالزنار حول خاصرتنا بشكلٍ قوي ومشدود. يحمي ظهرنا من البرد والسقطات من على الصخور، ومن النطاق الثقيل للجعبة الحربية التي يبقى على خاصرتنا طوال حياتنا في الجبال، نسير، نجلس وننام به. إذا أردنا حمل شيء ثقيل فإننا نلجأ إلى الشوطتك ونجعله كالحبل نصنع منه حمالة، واذا أردنا أن ننزل أو نصعد في جرف أو صخرة كبيرة، نربط عدة شوطتكات سوياً وننزل أو نصعد بها. وفي حال إذا انجرح أحدنا أو أحد رفاقنا، مباشرة نجعل من الشوطتك ضمادة نربط بها الجرح أو نربط الكسر والخلع. وإذا أردنا أن ننخل الطحين لإعداد الخبر فليس لنا سوى أن نفرد الشوطتك ونحولها إلى منخل للطحين. وإذا أردنا عبور النهر نربط الشوطتكات ونشكل حبلاً بين طرفي النهر حتى نعبره... وإذا ذهبنا لجلب الحطب والأخشاب فليس هنالك أفضل من الشوطتك لحزمها وحملها على ظهورنا... وإذا جاء الصيف وهاج البق والبعوض المزعج والذباب، فليس عليك سوى أن تفرد طرف الشوطتك على وجهك مثل (الناموسية)... وإذا قبضت على أسير أو جاسوس فليس أفضل من الشوطتك كي توثق بها يديه جيداً. وإذا أردت صيد الأسمال وليس مع صنارة أو شبكة، فعليك بالشوطتك بدلاً من شباك الصيد. وللشوطتك الكثير من المعاني الاجتماعية لدينا، فالعيب كل العيب هو أن تذهب لرؤية أحد دون شوطتك. فحروجك بدون شوطتك، فكإنك قد خرجت عارياً دون ثياب... الشوطتك ناموس!
ألبس جيداً، شد الشوطتك حول خاصرتك بشكلٍ مشدود وألبس النصّية. أغلق حقيبتك جيداً وضعها جانباً وبجانبها الجعبة والبندقية...

كان كل شيء جاهزاً ولم يبقى سوى تلك اللحظات الثقيلة من الانتظار... الانتظار، يعني التوتر والشوق والحزن والتعب والأرق... وذلك الجفاف في الحلق وفقدان الشهية، والغوص في التفكير المؤرق والسهاد الذي يطرد راحة البال ونعمة النوم... أنه الانتظار الممل...

يتبع...



#بولات_جان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السجدة (3)
- السجدة (2)
- السجدة
- تحذيرات لم تلقى آذاناً صاغية... و مجازر شنغال
- جمهورية كردستان السوفيتية-3
- جمهورية كردستان السوفيتية-1
- جمهورية كردستان السوفيتية-2
- الدين و تغريبة الكردي
- على كتّابنا وأدباءنا تخليد ثورة روج آفا
- -نحنُ لا نعادي الكُرد... و لكن-
- واجبات العالم تجاه الكُرد
- نفاق المصطلحات
- حقائق يجب معرفتها حول انطلاقة ثورة 19 تموز
- الديك الذي تحول إلى دجاجة
- سقوط حلب الشرقية
- كوباني تنبعث من رمادها
- أ و لم أقل بأنك لا تستطيع؟!
- مفارقات كوبانية
- الطريق إلى شنغال-5
- الطريق إلى شنكال- 4


المزيد.....




- -زرقاء اليمامة-... تحفة أوبرالية سعودية تنير سماء الفن العرب ...
- اصدار جديد لجميل السلحوت
- من الكوميديا إلى كوكب تحكمه القردة، قائمة بأفضل الأفلام التي ...
- انهيار فنانة مصرية على الهواء بسبب عالم أزهري
- الزنداني.. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان
- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة (4)