أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة














المزيد.....

السجدة


بولات جان

الحوار المتمدن-العدد: 6529 - 2020 / 4 / 5 - 21:47
المحور: الادب والفن
    


1
قبل ثلاث أيام:
كنا قد تنحينا جانباً في أقصى أطراف السهل الفسيح، ذاك السهل الذي تنفجر من بطنه النهر وتحيط به شجر الحور والصفصاف وتفوح منه عبق اليانسون. تلالٌ مشجرة تحيط بالسهل كإحاطة السوار على المعصم، تلالٌ باشجار البلوط ترتفع نحو القمة، وكانت الثلوج البيضاء تغطيها وكإنها قلنسوة صوفي متعبد يستعد لرقصة السماح...
شمس الربيع حنونة اليوم، و عبق التراب المحفور تواً تزكي الأنفاس ممتزجة بطعم الفطر الربيعي وهي تشوى على نار خشب البلوط الذي يطقطق من اللهيب الأحمر. وكان أزيز الدرون الصغيرة تطن مبتعدة تارة حتى يختفي الصوت ويعلو حتى تزعج سكون ظهيرة الربيع الهادئة. كانت أصابعهم تتمرن على مقود التحكم فرحين بعملهم الجديد وما تعلموه طيلة الشهور المنصرمة. وكان جهاز راديو صغير مستلقي على الحقيبة الخاكية المتسخة إلى جانب الصخرة الكبيرة يصدح بنشرات الاخبار الجديدة... أخبار جديدة طوال الساعة في هذا الربيع.
مرت مجموعة بمحاذاتنا، أبتسموا لنا دون كلام ولم يقربوا علينا وتابعوا مسيرتهم بخفة بين الأشجار والصخور نحو التلال... تبعتها مجموعة أخرى لوحت بالسلام لنا دون كلام واتجهن كذلك نحو التلال... ومجموعة صغيرة أخرى تفاجئت وهي تجد نفسها بيننا أبتسم أحدهم وسألنا الآخر عن حالنا وسألا عن الدرب الذي يجب أن يسلكاه للحاق بأترابهم... دعوناهم إلى الشاي المخمر على الجمر ولكنهم شكرونا وتابعوا الدرب الذي أخبرناهم به. وبعدها كان هنالك صوت نقاشات تتعالى من بين الأشجار يقترب منا. أستوضحنا من بعضنا "مال الذي يجري بحق السماء؟". كان صوت نقاشهم يرتفع يشوبه صوت الانفاس المنهكة من الدرب الجبلي المتعرج. وصل الصوت ومعه أصحاب الصوت إلى تلك البقعة التي كنا قد تنحينا فيها جانباً منذ عدة أيام. ألقوا التحية علينا وطلبوا ماءاً يشربونه... بدا بأن أحدهم كان قد تسبب في ضياعهم للدرب وكان الآخرون يقرعونهم بلا توقف وهو يشعر بالخجل...
نحنُ كنا قد بتنا بمثابة شرطة المرور، ندلهم على الطريق الذي يجب أن يسلكوه ويلحقوا بأترابهم الذي صعدوا إلى التلال. جاءت المجموعات الصغيرة تباعاً وكلها كانت تتكلم بصوتٍ عال ويصل أصواتهم قبلهم إلينا ونحنُ في كل مرة نقف، نرد السلام وندلهم على الطريق وقبل مغادرتهم يستفسرون مستغربين: "ما الذي تفعلونه هنا؟". لم نكن نحمل أنفسنا مشقة الجواب وإنما نكتفي بالابتسامة ودعوتهم إلى شرب الشاي.
كنا نعرفهم جميعاً، كلهم من الصف الأول، ويبدو بأن أمراً مهماً يحدث، فإما هم متجهين نحو اجتماع ما، أو قادمين منه.
بعد الظهيرة وصلت مجموعة أكبر، المجموعة كانت صامته ويلفها الرهبة والحذر، يتوسطهم أكبرهم... تفاجئ بنا وتوقف لإلقاء التحية ولم يرفض تلبية الدعوة لشرب الشاي... توجه بالسؤال مباشرة: "ماذا تفعل هنا؟" كان السؤال بصيغة (المفرد)، لم يكن سؤال استفسار، بل سؤال استغراب.
- ماذا تفعل هنا؟
- نتدرب...
- ماذا تفعل هنا؟
- جئنا إلى هنا لأجل المناورة
- ماذا تفعل هنا؟ لماذا أنت هنا؟ لماذا لا زلت هنا؟
- ....
- هنالك ثورة في البلد، وأنت لازلت هنا؟ حينما تكون هنالك ثورة في بلدك، عليك التواجد هناك... هل تتابعون أخبار الثورات؟
لم ينتظر جواباً، لأنه انتبه منذ لحظة وصوله لصوت الراديو والأخبار التي تبث بلا توقف... أنهى قدحه من الشاي ونهض واقفاً، فدبت الحركة في المجموعة وأنطلق سريعاً مودعاً وهو يقول: "هنالك ثورة، حينما تكون هنالك ثورة في البلد، يجب أن يكون المرء هناك...".
بقيت جملته ترن كما شارة الأخبار من راديو بي بي سي في عقلي... كنتُ أعرف بأن هنالك ثورة، كنا نتابعها من الراديو، وكنتُ أترجمها للكتيبة وكلهم شوق لمعرفة أخبار الثورات ومتى قد تصل إلى سوريا. حينما سألني "ما الذي تفعله هنا؟" شعرت بنفس الشعور زمن انتفاضة 12 آذار، حينها كنتُ في يريفان وكنتُ أشعر بنفس هذا الشعور، شعور المقيّد أو الخذلان... حينها كان الشعب منتفضاً ونحنُ نكتفي بمتابعة أخبار الانتفاضة دون أن نفعل شيء... كانت كلماته تطنّ وتتضخم في عقليّ مثل الغيمة التي تكبر وتكبر كلما مرّت من فوق البحار والمحيطات، حتى إنها غطت على طنين الدرون التي كانت تتمايل في السماء جية وذهاباً.
حتى مساء ذلك اليوم، مرت مجموعات كثيرة، والكثير منها كانت توجه نفس السؤال: "هل ما زلتم هنا؟". "لماذا الكل يستغرب من كوننا هنا؟" سألت دليلا مستغربة، وبقي سؤالها عالقٌ في الهواء. جميلةٌ تلك الأسئلة التي تبقى في الهواء وتسبح بعيداً مع أي هبة نسيم لتأخذها إلى عوالم أخرى، عوالم يمكنها الجواب.
كانت لدينا خططنا لأجل الغد، كنا سنحتفل غداً ونزرع شجراً في السهل ونخبز خبزاً. لكن كانت للكبار خططهم، فمع المساء جاءتنا رسالة تخبرنا بضرورة العودة إلى مكاننا الأصلي والذي كان يبعد أكثر من سبع ساعات سيراً على الأقدام. وصلنا إلى مكاننا الأصلي بعد منتصف الليل وكان التعب والارهاق قد أخذ منا مأخذاً.

يتبع...



#بولات_جان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحذيرات لم تلقى آذاناً صاغية... و مجازر شنغال
- جمهورية كردستان السوفيتية-3
- جمهورية كردستان السوفيتية-1
- جمهورية كردستان السوفيتية-2
- الدين و تغريبة الكردي
- على كتّابنا وأدباءنا تخليد ثورة روج آفا
- -نحنُ لا نعادي الكُرد... و لكن-
- واجبات العالم تجاه الكُرد
- نفاق المصطلحات
- حقائق يجب معرفتها حول انطلاقة ثورة 19 تموز
- الديك الذي تحول إلى دجاجة
- سقوط حلب الشرقية
- كوباني تنبعث من رمادها
- أ و لم أقل بأنك لا تستطيع؟!
- مفارقات كوبانية
- الطريق إلى شنغال-5
- الطريق إلى شنكال- 4
- الطريق إلى شنكال-3
- الطريق إلى شنغال-2
- الطريق إلى شنكال- 1


المزيد.....




- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بولات جان - السجدة