أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - مـحـبــوب الــشــمــس .. يـحـيــي الــطــاهــر عــبــد الــلــه














المزيد.....

مـحـبــوب الــشــمــس .. يـحـيــي الــطــاهــر عــبــد الــلــه


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 6535 - 2020 / 4 / 12 - 14:45
المحور: الادب والفن
    


لا أستطيع أن أصدق أن نحو أربعين عاما انقضت على رحيل القاص يحيي الطاهر عبد الله في 9 أبريل 1981. يبدو لي كأنه غادرنا أمس فقط ، ثم أنه غادرنا لمشوار قصير وسيرجع ليواصل حكاياته وقصصه التي كان يلقيها شفاهة. ربما يكون السبب ليس فقط ما تركه يحيي من بصمة قوية في عالم القصة القصيرة، ولكن شخصية يحيي المأساوية والخصبة وقلقه الذي كان ينقله للآخرين وحركات يديه التي لا تتوقف حول وجهه، ثم الشعور الدائم بأنه يبذل جهدا مؤلما لكي يتواءم مع العالم من حوله. و ربما كان يحيي الوحيد من بين أبناء جيل الستينات الذي كنت تشعر وأنت تصافحه أنك تصافح دمه. في تلك السنوات كانت القاهرة تبدو صغيرة، ومقاهي المثقفين معدودة، وكان ثمة شعور بأن جيلا جديدا يتكون ويتخبط في ظل الناصرية ويحاول بقبضاته الصغيرة أن يطرق أبواب السماوات الضخمة الملبدة بالمجهول . في تلك السنوات نشأت علاقتي أوثق ما تكون بأربعة من أبناء جيلنا هم جمال الغيطاني وأمل دنقل وأحمد هاشم الشريف ويحيي الطاهر. وكنا جميعا من القاهرة أما يحيي فقد جاء من الصعيد إلى مدينة ليس له فيها أحد أو شيء، يجوب الشوارع من دون بيت أو سقف أو دعم، قصصه كلها في رأسه يقرأها من الذاكرة، وكل ما يملكه قميصه الذي يهفهف فوق صدره، فكان أشبه بفكرة مجردة تخففت من كل شيء إلا أحلام القاص العظيم وطبيعته القلقة. ولعله الوحيد بين أبناء جيل الستينات الذي أصر على تسجيل مهنة " قاص " في بطاقته الشخصية وتمكن من ذلك. كان أول من نبهني إلي أهمية الفن السينمائي، وإلي ضرورة متابعة الأفلام بعين يقظة وإلي الكثير من الكتب التي ينبغي قراءتها وإلي النظر إلي العالم كوحدة متكاملة . أذكر أننا كنا نمشي في شارع حين ضرب حجرا على الأرض بطرف قدمه قائلا:" وحتى هذا الحجر مرتبط بنا ، وبما يجري في كل مكان، انظر إليه وحاول أن تفهمه". في الستينيات جرفنا تيار ماركسي اعتقل منه البعض عام 1966، كان منهم صلاح عيسى وابراهيم فتحي وجمال الغيطاني، وكان يحيي مطلوبا للاعتقال، لكنه تمكن من الهروب والاختفاء عن أعين الحكومة حينذاك، وكنت ألتقي به سرا لأقوم بتوصيل النقود والملابس إليه. وأذكر أنه كان دائم القلق والخوف من أن تعلم عطيات الأبنودي بمكان اختفائه أو بأنني ألتقي به، وطمأنته عدة مرات إلى أنني لم أفصح لها عن شيء. وبعد شهور من الهروب تم اعتقال يحيي لعدة شهور ثم خرج مع الجميع، وعلمته تجربة السجن أن عليه أن يكرس كل دقيقة من حياته للعمل الأدبي الذي فطر عليه. وكان قد بهرنا بقصتين شهيرتين هما" محبوب الشمس"، و " 35 البلتاجي " اللتين نشرتا في مجلة الكاتب بتقديم من العظيم يوسف إدريس، ثم واصل الابداع ليعرض علينا عالما جديدا بلغة جديدة وأبنية فنية جديدة طازجة وهو ما أشار إليه يوسف إدريس بعد وفاة يحيي في مقاله " النجم الذي هوى"، ولعل يوسف إدريس كان على حق حين قال إن التجربة الأدبية لذلك القاص المدهش كانت أشبه ما تكون بمعمل في طريقه لإنجاز اختراع مذهل لكن قصفا مفاجئا أوقف التجربة في منتصفها، ولم يكن ذلك القصف سوى الموت الذي اختطف يحيي في حادث سيارة على طريق القاهرة الواحات في 9 أبريل 1981. ترك يحيي الطاهر سبع مجموعات قصصية تعد علامة في تاريخ القصة بدءا من " ثلاث شجرات تثمر برتقالا" عام 1970، ثم " الدف والصندوق" 1974، و" الطوق والأسورة " 1975 التي تحولت إلى فيلم شهير، و" أنا وهي وزهور العالم " 1977، وفي نفس العام نشر" الحقائق القديمة صالحة لاثارة الدهشة" ، ثم قدم " حكايات للأمير" بعدها بعام وأخيرا عام 1981 قبل موته نشر " تصاوير من التراب والماء والشمس". لا أدري أكان حتما أن يموت يحيي في حادث؟ لكنني كلما تذكرته جرفتني فكرة أن كاتبا عجيبا مثل يحيي كان لابد أن يختار الموت بطريقة خاصة. أتذكره وأراه مشحونا بكهرباء القلق الفني الخصب، لا يملك من العالم سوى قميص يهفهف مفتوح فوق صدره، وقدمين تجوبان الشوارع من دون توقف، وخيال بلا حدود، ويدين لا تتوقفان عن الاشارات والحركة بعصبية وحدة. هكذا كان وهكذا سيبقى " محبوب الشمس".



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطاع طرق الكمأدات الطبية
- بطة - قصة قصيرة
- أنطون تشيخوف .. بطولة الأطباء
- لا شيء يهزم الانسان ..
- قروش أمي الخمسة
- المصريون .. الضحك في وجه الخطر
- يوميات التلصص .. حسن مدن
- العألم في الجيوب والحقائب
- أغــانـي الـمـهـرجــانــات في مـصـر .. قضايا مـلـتبـسـة
- اكتشافات فنية مدهشة جدا
- الـــحـــب الأول
- غريبان . قصة قصيرة . أحمد الخميسي
- القاهرة تحتفل بمئوية الشاعر المصري الراحل عبد الرحمن الخميسي
- ضوء أبيض . قصة قصيرة
- العراق .. رمح الله في الأرض
- الرواية - لايت - .. لا صلصة ولا ثوم !
- إبراهيم فتحي .. الاخلاص للحقيقة وحدها .
- الـثـقـافـة في مـواجـهـة الـعـربـدة الـتـركـيـة
- 2020 عام جديد مع الأمل
- صلاح عيسى .. بهجة الأمل في الزنازين


المزيد.....




- الشاعر إبراهيم داوود: أطفال غزة سيكونون إما مقاومين أو أدباء ...
- شاهد بالفيديو.. كيف يقلب غزو للحشرات رحلة سياحية إلى فيلم رع ...
- بالفيديو.. غزو للحشرات يقلب رحلة سياحية إلى فيلم رعب
- توقعات ليلى عبد اللطيف “كارثة طبيعية ستحدث” .. “أنفصال مؤكد ...
- قلب بغداد النابض.. العراق يجدد منطقة تاريخية بالعاصمة تعود ل ...
- أبرزهم أصالة وأنغام والمهندس.. فنانون يستعدون لطرح ألبومات ج ...
- -أولُ الكلماتِ في لغةِ الهوى- قصيدة جديدة للشاعرة عزة عيسى
- “برقم الجلوس والاسم إعرف نتيجتك”رسميًا موعد إعلان نتيجة الدب ...
- “الإعلان الثاني “مسلسل المؤسس عثمان الحلقه 164 مترجمة كاملة ...
- اختتام أعمال منتدى -الساحة الحمراء- للكتاب في موسكو


المزيد.....

- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - مـحـبــوب الــشــمــس .. يـحـيــي الــطــاهــر عــبــد الــلــه