أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال شاكر البيابي - الانتعاش الديني في زمن الكورونا















المزيد.....

الانتعاش الديني في زمن الكورونا


نضال شاكر البيابي

الحوار المتمدن-العدد: 6534 - 2020 / 4 / 10 - 02:41
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


انتشار فيروس كورونا وتأثيره عل السلوكيات "الدينية" في المجتمعات "العلمانية" و"الدينية" على حد سواء، يُذكرنا بافتراضات فرويد في تحليله للقبائل البدائية ودراسته لأنماط الفكر السحري، وشكوكه حول عقلانية الدوافع أو تأثير العوامل العقلانية في الفرد أو الجماعة قياساً بالعوامل العاطفية أو الغرائزية خاصة في زمن الكوارث والأوبئة. ينبغي الاعتراف بلا تحفظ، أن أزمات من هذا النوع تكشف لنا أن هناك بقايا لايزال لها تأثير كبير للفكر السحري في الأديان كما أنه هناك بقايا للفكر الديني أو الروح الدينية في الأيديولوجيات أو المجتمعات "العلمانية". حتى فرويد نفسه الذي يقدم على أنه "عدو للدين" صرح بتواضع بأنه بقي متردداً أمام "الإحساس الديني" واعترف بأنه لم يجد أثراً لهذا الإحساس في داخله عندما أخضع نفسه لعملية التحليل النفسي، ولكن ذلك بالنسبة له لا يعني مطلقاً إنكار وجود هذا الإحساس عند غيره. ويعني فرويد بالإحساس الديني: الشعور بالأبدية والحنين إلى المطلق الذي نجده مع اختلاف درجاته وتنوع تمظهراته عند معظم المتدينين والمتدينات من مختلف الأديان. ولقلق الإنسان وخوفه أمام قوى الطبيعة القاهرة دور لا يستهان به في تعميق إحساس من هذا النوع. فالمؤمن يخفف من وطأة القلق الذي يكتنف وجوده من خلال علاقته بالمقدس، في عالم قُذف فيه وأسلِم للموت، بحسب تعبير هايدغر. ومن فظاعة وعدمية الموت ورعبه تولد الحاجة إلى الطقوس الدينية التي تعيد إلى الإنسان شيئاً من توازنه السيكولوجي وتضخ حياته بمعنى ما. وفي زمن الأوبئة والكوارث تنتعش الأديان - كما تنتعش الشعوذة والحاجة للتأمل واليوغا والأعشاب والعقاقير المنومة والمهدئات، فالكائن البشري لا يقوى على تحمل الكثير من الواقع كما يقول إليوت. وإذا كان رجل الدين أو بعض المؤمنين لا يرون في الكوارث والبؤس إلا انعكاساً للغضب الإلهي، فإن فرويد يرى أن الدور الأساسي للدين، أي دين، يمكن في تقديم إشباع لجميع المؤمنين، وهو إشباع يعوض قليلاً عن ثقل العبودية التي تأتي بها الحضارة، وبهذا يمكن اعتبار التقدم الحضاري إنعاشاً للنزوع الديني وإن اتخذ أو تقنع بأسماء غير دينية. فحينما تعجز "الحضارة" عن حماية الإنسان عندئذ يتقدم الديني لحماية المؤمنين والمؤمنات، على المستوى النفسي، من أخطار الطبيعة. وكما يقول فرويد:" تحتفظ الآلهة بمهمتها الثلاثية: إبعاد قوى الطبيعة، التوفيق بين البشر وبين وحشية القدر كما تتجلى في الموت بشكل خاص، وتعويضنا عن الآلام والحرمان التي تفرضها على الإنسان حياة المتحضرين المشتركة..." سأذكر الآن بعض الأمثلة على مظاهر الانتعاش الديني وأشكاله الغرائبية بعد انتشار فيروس كورونا.
من أهم نتائج استطلاع "بيو" الذي أجري مؤخراً لـ11537 بالغاً أمريكياً لوحظ أن الفيروس أثّر تأثيراً بالغاً على الممارسات الدينية للأمريكيين. فأكثر من نصف البالغين في الولايات المتحدة صلّوا من أجل وضع حدّ لانتشار الفيروس التاجي. بينما (15%) من الذين لا يصلون عادةً صلّوا مؤخراً، و(24%) من الأشخاص الذين يقولون أنهم لا ينتمون إلى أي دين قاموا بالصلاة أيضاً. واعتبر البعض أن انتشار الفيروس ساهم في "نهضة دينية". ولكن سادت بين أوساط اليمين المسيحي في أمريكا حالة إنكار لخطر كوفيد 19.
في مدينة تامبا مثلاً، ولاية فلوريدا، حذّر القس اليميني هوارد بروان في حشد من أنصاره من الانخداع بمزاعم الحكومة حول الفيروس، الذي ليس إلا "طاعون وهمي" وإذا كان له وجود، فإن هزيمته لن تكون إلا بوسائل إلهية خارقة. ولقد رفض هاورد هذا القس المعتوه الالتزام بإلغاء خدمات الكنيسة لصالح التباعد الاجتماعي، بل أنه تباهى بالمصافحة العلنية مع مريديه ومن سار على نهجه. في حين أن قاضي المحكمة العليا السابق في ألاباما روي مور المقرب من ترمب، الذي اتُهم بالتحرش الجنسي ضد قاصرات، كتب رسالة إلى قساوسة ألاباما يدعوهم فيها إلى مواصلة اجتماعات الكنيسة لأن "إيماننا يتطلب ذلك ولا يمكن لأي قانون أو حكومة حظره".
أما كينيث كوبلاند، الكاتب التلفزيوني والمبشر بـ"إنجيل الرخاء" في تكساس، والذي يملك ثلاث طائرات خاصة، لأنه يرفض ارتياد الطائرات العامة مع "حفنة من الشياطين"، اعتبر الفيروس التاجي سلالة "ضعيفة" من الانفلونزا، وأن الخوف من الوباء "خطيئة". فأنت حينما تخاف "تعطي الشيطان طريقاً لجسدك" على حد قوله. وزعم كاهن آخر، وهو إرميا جونسون، أن الله تحدث إليه في حلمه وأخبره " كان العدو ينوي ضرب دونالد ترمب، ولكن المساعدة السماوية في الطريق". حتى الذين يعتقدون بخطورة الفيروس من المسيحيين التقليديين، يعدّونه مجرّد "حرب روحيّة" لا تستدعي القلق لأن يسوع أعطى كل مسيحي مُخلص سلطاناً على كل شيطان ومرض. وإذا مات المسيحي فمصيره مع الرب فلا شيء يستدعي الهلع. والطريف في الأمر رغم اختلاف زعماء الكنائس حول كيفية التعامل مع الفيروس إلا أنهم اتفقوا في نهاية المطاف على أمر واحد: أهمية جمع الأموال.
في الوطن العربي، أفتى المجلس الأعلى للإفتاء في إقليم كوردستان بأنه:" من مات بفيروس كورونا فهو شهيد" وفي السياق ذاته قال الشيخ العراقي قاسم الطائي:" إن الفيروس لا يصيب المسلمين الملتزمين بأحكام الشريعة، وأنه عقاب للبشر على ما كسبت أيديهم." أما مقتدى الصدر المعروف بجهله وتنطعه فهو يعتقد أن سبب انتشار هذا الوباء هو "تقنين زواج المثليين" وقد دعا أنصاره إلى زيارة ضريح الإمام الكاظم، ولكن مع الالتزام بـ"النظام والقواعد الطبية"، مما دفعهم إلى التوجه نحو مدينة الكاظمية بالآلاف رغم سريان حظر التجوال. وانتشرت فيديوهات على مواقع التواصل لمجموعة من الزوار يلعقون الأضرحة في مدينة النجف كتحدٍ للمنع، ومجموعة أخرى يرددون في هستيريا جماعية: "يم حيدر قاضي الحاجات، عيب نلبس كمامات، من كورونا متخوفين، عندكم تخلف في فهم الدين، حيدر يشفي المتمرضين.."
وفي إحدى الكنائس اللبنانية، أصرّ كاهن على عدم أداء طقس مناولة القربان في الفم، تنفيذاً لقرار السلطة الكنسيّة العليا، ضمن إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، ممّا أثار موجة احتجاج ضده من قِبل المصلين، وفشلت كلّ محاولاته في إقناع الجموع الهائجة. وفي لبنان أيضا، بعد الإعلان عن انتشار الكورونا في لبنان، وتداول خبر ظهور القديس شربل إلى إحدى اللبنانيات وطلب منها تقديم الماء وترابه لمرضى الكورونا، تهافت المؤمنون والمؤمنات إلى دير مار مارون لأخذ حفنة من تراب قبر مار شربل.
وفي الكيان الغاصب تخوض سلطات الاحتلال معركة شرسة لمنع تفشي وباء كورونا في أحياء يهود الحريديم بعد ارتفاع أعداد المصابين في أوساطهم لتصل إلى 50% من نسبة المصابين في الأراضي المحتلة.
يلتزم عادة المؤمنون والمؤمنات بتعاليم وفتاوى المرجعيات الدينية، لكن في الأزمات تصبح الغلبة للتدين الشعبي والتقليدي الذي من أهم سماته المبالغة والمباهاة في ممارسة الشعائر الدينية.
لا شك أن للدين، أي دين، منافع كثيرة في حياة المؤمنين والمؤمنات، ولكن المياه المقدسة ليست مطهراً لليدين والصلاة ليست لقاحاً ضد الفيروس الفتاك. ولا أظن أن أحداً يتحلى بشيءٍ من الحس السليم بالمسؤولية أن يجادل في أهمية حظر جميع التجمعات الدينية وغير الدينية من أجل السلامة العامة.
هناك قصة طريفة حدثت في سنغافورة عام 1967، حينما انتشرت حمى الخنازير، قامت الحكومة بحملة إعلامية ضخمة للحث على تطعيم الخنازير من أجل السيطرة على المرض. وراجت حينئذ شائعات بأن أعضاء الرجال التناسلية قد تنكمش أو تضمر بسبب أكل خنازير مصابة بالحمى، وكان كثير من الرجال يضعون ملاقط خشبية على أعضائهم الذكرية لمنع حدوث هذا الأمر المروع. وفي اليوم السابع عندما كان الوباء في ذروته، استُضيف مجموعة من الخبراء في التلفزيون والإذاعة شرحوا للناس أنه من المستحيل أن ينسحب العضو الذكري إلى داخل البطن. ورغم ذلك ظلّت تجارة الملاقط الخشبية رائجة حتى انتهى الوباء.


نضال البيابي



#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد عمارة و ياسر الحبيب و-العقلانية المؤمنة-
- الدواعش: هذه بضاعتنا ردت إلينا
- صور التنميط الإعلامي للجسد الأنثوي
- فتنة -الحريم-!
- روح الإرهاب: ما وراء الخير والشر
- الأخ الكبير يراقبك.. اِدّعِ الجنون، لكي تمسك بالحكمة
- رمضان والنفاق الديني
- التعصب الديني وسواه: الإنسان يسيل خراباً  
- الشبكات الإخبارية: تصحير الواقع واستنبات جرثومة العنف
- لماذا أصبحنا مجتمعاً غرائزياً رغم كل المحاذير الأخلاقية؟!
- الاعتراف بالآخر... سيحرركم
- تظاهرات إسلامية ضد الرسول الكريم!
- السلطة والإنسان الأدنى (2-2)
- السلطة والإنسان الأدنى (1-2)
- الثورات العربية ليست نظيفة!
- الإصلاح في السعودية: حيث لا شيء محسوم
- الخطيئة..أُولى ثِمار الإنسان
- كيف يفكر المجتمع السعودي؟(3-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (2-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (ا-3)


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نضال شاكر البيابي - الانتعاش الديني في زمن الكورونا