أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال شاكر البيابي - لماذا أصبحنا مجتمعاً غرائزياً رغم كل المحاذير الأخلاقية؟!














المزيد.....

لماذا أصبحنا مجتمعاً غرائزياً رغم كل المحاذير الأخلاقية؟!


نضال شاكر البيابي

الحوار المتمدن-العدد: 3957 - 2012 / 12 / 30 - 11:39
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين نتفحص سلوك أطفالنا نجد أن معظم سلوكاتهم لا تختلف اختلافاً بيناً عن "عقلاء" وشيوخ المجتمع، فثمة انفصال حاد يتشكل فيما يبدو منذ الطفولة بين العنصر "الإيماني" والعنصر الاجتماعي الواقعي، أي أن هناك افتراقاً واضحاً بين المبدأ والواقع.
نلاحظ مثلاً الافتراق عينه عند ذلك الشيخ الذي يبدو متأثراً غاية التأثر، مختنقاً بشهقاته وانفعالاته أثناء استماعه لموعظة دينية حماسية، ومع ذلك يبدو أن هذه الموعظة التي هزت كيانه، فقدت زخمها تماماً عند مغادرته المسجد.
فعلى أرض الواقع الحي يمارس لا شعوريا دورين متضادين، أحدهما دور التقي الذي يرتعد من خشية الله ويبكي حرقة حين يتذكر "آثامه" في المسجد، والآخر دور البراغماتي المنصاع لمتطلبات الواقع بصرف النظر عن المحاذير الأخلاقية.
هذا التمزق بين دورين قد يتشكل فعلياً منذ سنوات الطفولة الأولى، بل هو الموجه الفعلي لتصورات الفرد وسلوكه، وكأن ثمة خللاً بنيوياً في النسيج الاجتماعي قد جعل من الصعوبة على المرء أن يتماثل مع "إيمانه". والسؤال هنا: لماذا لم يعد للأفكار التي أثبتت فيما مضى صلاحيتها في بناء مجتمع منسجم فكراً وسلوكاً، أقول لماذا لم يعد لها اليوم نفس الدوي في النفوس؟!
حسب التحليل الفرويدي، أن النظم الأخلاقية تتولى إخضاع الغرائز لعملية تكييف، أي "كبتها" وتنظيمها في علاقة وظيفية مع مقتضيات النظم الأخلاقية، وبالطبع ليس من شأن هذه العملية القضاء على الغرائز، إنما تنظيمها بما يخدم أفراد المجتمع من خلال الخضوع لقواعد تأخذ شكل القانون العام. ويمكن فعلياً أن يساهم هذا القانون الأخلاقي في تنظيم حياة الأفراد بما يخدم المجتمع ككل، لا سيما حين يحدث التوازن بين مقتضيات الغريزة المفطور عليها الفرد وبين المقتضيات الروحية والاقتصادية والاجتماعية. وفي السياق ذاته يميز يونج بين جانبين في الفرد، القناع و ما وراء القناع، وما وراء القناع هو الظل، والظل يقصد به الجانب المتجه نحو الطبيعة والغريزة، في حين يتجه "القناع" ناحية المجتمع. ووظيفة الحالة الاجتماعية "القناع" تنظيم وإشباع مجال الغرائز، وذلك عبر عملية تكييف هذه الطاقات من أجل تحويلها إلى طاقة قابلة للاستخدام اجتماعياً، أي توجيهها – ضمن عملية التنحية والانتقاء - بما يخدم تقدم ورقي النوع. ولكن قد يتصدّع هذا النظام حينما تتفاقم قوى الكبت سواء فيما يتعلق بالمستوى السياسي أو الاجتماعي. عندئذ يحدث التمزق في الفرد بين الإنسان السماوي، والإنسان الأرضي، بين المسجد والشارع، بين تعسف النظرية وقسوة الواقع..!
بعبارة أخرى، كلما اتسعت دائرة القمع/ الكبت، كلما أمكننا أن نلاحظ انخفاضاً في مستوى الحس الأخلاقي للمجتمع، إذ لا قيمة للفعالية الأخلاقية في داخل المرء ما دامت غير منسجمة مع متطلبات الواقع، ولهذا قد تستعيد الغريزة - التي بولغ في كبحها تحت مسوغات شتى - سيطرتها على أفراد المجتمع، فبدل أن يصبح المجتمع "مجتمعاً أخلاقيا سوياً" يتحول إلى مجتمع غرائزي بامتياز على المستويين التخيلي والسلوكي، ويمكن أن نأخذ هنا تصوراتنا وسلوكياتنا الجنسية نموذجاً معبراً أفصح تعبير عن الآفات السيكولوجية التي يعانيها المجتمع، المجتمع "الذي يخاف أن يرى جسده في المرآة.. حتى لا يشتهيه" حسب تعبير نزار، المجتمع الذي يندر فيه إمكانية إقامة علاقات جنسية ممتعة وآمنة، خالية من الإكراه والتمييز والعنف، المجتمع الذي يخلو حتى الآن من قانون واضح المعالم يحمي الحقوق الجنسية لجميع الأفراد.
لقد أصبح من الواضح الآن – على الأقل من الوجهة السيكولوجية، أن الفكر الديني السائد في مجتمعنا ينطوي على اختلالات وانحطاطات لا تنتج إلاّ وعياً مبتوراً أو فعلاً بتّاراً.
ودليل ذلك، أن هذا الفكر من حيث لا يدري عمل على استنبات الشبق الجنسي في الجسد الاجتماعي، من خلال الحثّ المكثف على الحديث عن العلاقات الجنسية الشرعية وغير الشرعية، والمتع الحسية سواء أكانت دنيوية أو أخروية، وجعله سارياً في فكرنا وتصوراتنا وخطاباتنا ورغباتنا، حتى المبتذل منها، فمرة تُقزم العلمية الجنسية باعتبارها مصدر البلوى والخطيئة كالعلاقات "غير الشرعية"، ومن جانب آخر تُوضع الرغبة الجنسية في حالة استنفار، الرغبة في امتلاك الجنس واكتشاف مغاليقه وأسراره، بل التوحد به تماماً، كما يحدث ذلك عند الحديث عن "الحور العين"، في مجتمع يكاد يمارس الجنس كما يمارس الفضيلة "تجريدياً"!
لقد أصبح الحديث الجنسي بعد أن تم الإصغاء إليه بعناية فائقة موزعاً في الجسد الاجتماعي، بل مزروعاً في عمق كل خطاب سواء كان مباشراً أو غير مباشر، وعليه غدت جلّ الأشياء – حتى التي ليس لها صلة موضوعية بالجنس، مصدراً للتهيّج الجنسي..!
قل لي ما مفهومك للجنسانية، أخبرك من أنت.. فمفهومنا للجنسانية يخبرنا دائما عن حقيقتنا، أليس كذلك؟!



#نضال_شاكر_البيابي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاعتراف بالآخر... سيحرركم
- تظاهرات إسلامية ضد الرسول الكريم!
- السلطة والإنسان الأدنى (2-2)
- السلطة والإنسان الأدنى (1-2)
- الثورات العربية ليست نظيفة!
- الإصلاح في السعودية: حيث لا شيء محسوم
- الخطيئة..أُولى ثِمار الإنسان
- كيف يفكر المجتمع السعودي؟(3-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (2-3)
- أنماط التفكير والقيم المهيمنة في المجتمع السعودي (ا-3)
- إجهاض الثورة «الطائفية» في البحرين
- السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (2-2)
- السنة والشيعة في السعودية: تأكيد الذات وإلغاء الآخر (ا-2)
- المسيرات السلمية في القطيف .. محاولة للفهم
- فتاوى الفقهاء: دفاعا عن أولياء نعمتهم ..!
- النخب السعودية: تخبط ونشاز في إيقاع العصر
- أما آن للثبات من تحول ؟!
- المناهج الدينية ، وزر الماضي وعبء المستقبل
- قراءة في الفلسلفة «العدمية» لنيتشه
- أنا أفكر، إذن أنا موجود


المزيد.....




- ترامب يوضح ما قام به مبعوثه ويتكوف خلال زيارته إلى غزة
- الكونغو ورواندا تتحركان لتنفيذ اتفاق السلام رغم تعثر الالتزا ...
- ثروات تتبخّر بتغريدة نرجسية.. كيف تخدعنا الأسواق؟
- الإمارات والأردن تقودان عملية إسقاط جوي للمساعدات إلى غزة
- هيئة الإذاعة العامة الأميركية على بعد خطوات من الإغلاق
- لأول مرة.. وضع رئيس كولومبي سابق تحت الإقامة الجبرية
- تحقيق بأحداث السويداء.. اختبار جديّة أم التفاف على المطالب؟ ...
- سقوط قتلى في إطلاق نار داخل حانة بمونتانا الأميركية
- بوتين يعلن دخول الصاروخ الروسي -أوريشنيك- الأسرع من الصوت ال ...
- تسبب بإغلاق الأجواء وتفعيل صافرات الإنذار.. إسرائيل تعلن اعت ...


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نضال شاكر البيابي - لماذا أصبحنا مجتمعاً غرائزياً رغم كل المحاذير الأخلاقية؟!