أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - رشيد الاركو - نحو استفاقة جذرية















المزيد.....

نحو استفاقة جذرية


رشيد الاركو

الحوار المتمدن-العدد: 6528 - 2020 / 4 / 3 - 22:31
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


استفاق الإنسان المغربي قبل أسابيع قليلة على مشهد عالمي وبائي سريع الانتشار والعدوى، وتميز المغاربة في تلقيهم، لفيروس كروونا كوفيد-19، بتلقٍ مزدوَج سمته الأساس الجمع بين الملهاة والمأساة؛ مأساة الوضع القائم، من تغييبٍ للقطاعات الأساس (إسمنت) أي بلد وعامل تماسكه وتقدمه (البحث العلمي-المستشفيات العمومية وأطرها-المدرسة العمومية و شغيلتها)، وانعكاسا لهذا الوضع البئيس لم يكن أمام المغاربة المتشبعين بسياسات التجهيل والتتفيه والتجويع والقمع والتضييق إلا أن يستقبلوا هذا الفيروس المستجد استقبالا مضمونه الأساس الملهاة؛ من لهو، وتفاهة، وسخرية وتنكيت عكسا لتلك السياسات وانعكاسا لها.
ففي حين تتسارع الدول المتقدمة إلى حشد علمائها ومختبراتها، ومستشفياتها، وتوفير كل ما يلزم علميا ومخبريا وماديا و معنويا وأمنيا لاحتواء هذا الفيروس ، و للبحث عن دواء ولقاح يقضي نهائيا على هذا الداء ، نجد في المقابل الدول التابعة(اقتصاديا وسياسيا) تسارع للاصطدام مع شعبها الذي بدأ ينتج ما اكتسبه من سياسات التجهيل والتتفيه، وتترقب وتنتظر الدواء من تلك الدول، فإن وجدته هرولت إلى الطلب منها والاستجداء، وإن لم تجده ماتت في جهلها وتفاهتها، ليبين لنا هذا الواقع الموضوعي بالواضح والملموس الحقيقة التي طالما ناضلنا في سبيل تحققها، وآمنا بها بأن الجهل كلفنا ويكلفنا أكثر مما سيكلفنا العلم.
ولعل ما نخلص إليه من هذه التوطئة هو أن الدول تنتج أسباب بقائها أو موتها، بفعل سياساتها المتبعة، قبل الكوارث وأثناءها وبعدها، فإن هي اتبعت سياسة مضمونها شعبي عمومي ديمقراطي وعملت على إقامة القطاعات الأساس(الإسمنتية) لأي مجتمع(التعليم-الصحة-البحث العلمي)، والرفع من قيمتها وميزانيتها، تمكنت من تجاوز تحديات المستقبل بفعالية دون خسائر بشرية ولا مادية، أما إن انتهجت سياسة طبقية استغلالية وأتبعتها بإيديولوجيا ذات مضامين تجهيلية وتتفيهية وترويجية لثقافة الإذعان والقبول الاضطراري للمصير المقدر مسبقا، وحتمية استحالة التغيير، والاكتفاء بالاستهلاك والبكاء على الوضع القائم أوالسخرية منه، كانت نتيجة ذلك كله واحدة هي العيش التبعي الانتظاري للأسياد وحلول الأسياد، وسياساتهم ومخططاتهم، والاكتفاء بالدفاع، والاختباء، والبكاء، والسخرية من جهة، ومن جهة أخرى استمرار العلاقات الطبقية الاستغلالية وفي بعض الأحيان بشكل أكثر وحشية أثناء الأزمات لأنها تشكل فرصة تاريخية لمنعدمي الضمير المستغلين لتمرير مخططاتهم الطبقية التي لن تزيد الوضع إلا بؤسا، والاستغلال إلا توحشا، و الأغنياء إلا غنًى و الفقراء إلا فقرا، وهدفهم الأول و الأخير مراكمة الثروة/الربح ولو على جثث شعب بأكمله.
لننظر إلى هذه الخلاصة عن كثب:
تجلت لنا بالواضح و الجلي الآن قضية أساسية مفادها أن أثناء الأزمات تُختبر سياسات الدول وتُعرف جدواها؛ لأن منهج التعامل أو تدبير الأزمة لن يكون إلا انعكاسا ونتيجة للسياسات المتبعة اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا في دولة ما في المراحل القبْلية للأزمة، أي بمنطوق المثل الشعبي سنحصد ما زرعناه في أيام الرخاء. بمعنى آخر أكثر تحديدا سنحصد ما زرعناه في القطاعات التي تشكل عامل تماسك أي مجتمع؛ قطاع التعليم، وقطاع الصحة على الأخص، واللذان تجمعهما خاصية أساسية هي البحث العلمي؛ لأننا دونه لن نستطيع التقدم في أي مجال.
إذن، ما السياسات المتبعة في قطاعي التعليم و الصحة بالمغرب؟ و ما الأهمية التي توليها الدولة المغربية لهذين القطاعين الإسمنتين للمجتمع المغربي؟ و ما أبرز انعكاسات هذه السياسات المتبعة في هذين القطاعين؟
بداية، الإجابة الدقيقة والتفصيلية عن هذه الأسئلة تحتاج عملا جماعيا متخصصا ومكثفا لأنه يشمل فترة ممتدة أقلها ستين سنة، ولن تُحصر الإجابة بطبيعة الحال في وريقات وإنما في مجلدات عديدة. لكن رغم ذلك يمكننا أن نستدعي في جوابنا الطبيعة الأساسية الحاكمة والمحددة للسياسات المتبعة ونبني عليها أحكامنا، نظرا لأن هذه السياسات معاشة ويعرفها الداني والقاصي.
أولا، يجب أن نتفق جميعا أن جهاز الدولة السياسي مركب عضوي نسقي موحّد معبر عن سياسة واحدة ومنسجم معها، لذا فتعامله السياسي مع قطاع بعينه دون القطاعات الأخرى لا يعني أبدا أن له سياسة مغايرة في باقي القطاعات وخاصة الحيوية منها، فمثلا تنزيله السياسي لمخطط (التعاقد) في قطاع التعليم دون قطاع الصحة لا يعني بالبت والمطلق أن قطاع الصحة سيسلم من تلك المخططات، وإنما هي طبيعة أساسية تكمن في جهاز الدولة السياسي وهي: تنزيله التدريجي للمخططات في القطاع الواحد بعينه، ثم في القطاع بأكمله، ثم في باقي القطاعات تِبعا لموازين القوى، ولمدى نجاح التنزيل الأول أو فشله لاستدارك الخلل وهضمه لتحفز إلى تتميم التنزيل وهذه المرة بشكل أدهى و أخطر، مستغلة فترات الأزمة أو خلقا لها(مثلا في علاقتنا بمخطط التعاقد: خلق الاكتظاظ بالأقسام- تراجع المد الجماهيري سنة 2016-الفراغ الحكومي-استغلال المعطلين بعد تفشي البطالة-احتواء المنظمات الكفاحية وإذعانها-غفلة الشعب وضعفه...) . لهذا فتحليلنا لقطاع بعينه ونتائجه يمكن تعميمها على باقي القطاعات.
ثانيا، إن التعليم يقع في صلب اهتمام المجتمع، نظرا لكونه أساس كل القطاعات الأخرى التي ترتبط به ارتباط جدليا، فغيابه يعني غياب القطاعات الأخرى، و عبر حضوره يتم إعداد (الكوادر) اللازمة في كل الميادين، لهذا فالتعليم يرتبط بسياسة الدولة، كما يرتبط باقتصاد البلد و ثقافته وقيمه.
ثالثا ، يعلم الجميع أن المدرسة على اختلاف مستوياتها من أكبر المؤسسات الثقافية في أي بلد من حيث عدد العاملين العمومين.
رابعا ، عرفت السياسات التعليمية بالمغرب فشلا ذريعا متتابعا رغم توالي الحكومات، ولعل الحركات الاحتجاجات خلال سنوات 1965 و 1981 و 1984 و 1990... خير تعبير عن فشل هذه السياسات نظرا لخدمتها مصالح طبقة على حساب الجماهير الشعبية.
خامسا، ارتباط الدولة المغربية بالمؤسسات الدائنة(مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي) والذي يجعلها دائما تطبق بطريقة حرفية إملاءات هذه الصناديق التي لا تخرج بشكل عام عن خدمة الرأسمال و المنطق الاستثماري الربحي.
سادسا، ضعف الميزانية المخصصة للقطاعات الحيوية (التعليم خاصة بعد فرض التعاقد، الصحة، البحث العلمي)، و كذلك ضعف البنيات التحتية للقطاعات العمومية (المدارس-المستشفيات-الطرق-النقل...).
سابعا، انتشار التفاهة، والأمية، والبطالة، في صفوف الجماهير الشعبية نتيجة استثمار الدولة في قطاعات هامشية على حساب قطاعات حيوية مثلا (الفن الساقط وما يتبعه من مهرجانات تضيع فيها الملايير-موازين أنموذجا-...) وفي المقابل تهميش الأطر التي تُبنى عليها المجتمعات (أساتذة-أطباء-علماء-باحثون-طلبة-عمال...)وإقصاؤها الممنهج.
يتضح مما سبق أن طبيعة السياسات التي اختارتها/فرضت عليها/اتبعتها الدولة المغربية تخدم شئنا أم أبينا الدائنين(مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و المؤسسات المالية وما ينوب عنها من الداخل و الخارج و يسهر على تنفيذ إملاءاتها...) الذين يعطون الأولوية لمراكمة الثروة والربح المادي دون أي اعتبار آخر(أخلاقي/قيمي/تضامني/مصلحة المواطن...). و يراقبون باستمرار(داخليا وخارجيا) الدول التي تعاني من المديونية والتبعية الاقتصادية. إذن كل ما نراه في واقعنا البئيس هو مجرد انعكاس ونتيجة لذات الطبيعة السياسية باعتبارها المحدد لكل ما ينزل من مخططات تخدم مصالح الطبقة المالكة لوسائل الإنتاج على حساب الطبقة المفقرة التي لن تستطيع الاستمرار في هذا العالم إلا ببيع قوة عملها وتنظيم صفوفها وتمتين وحدتها،و تصليب وعيها للتصدي لهذه المخططات التي إن تم تمريرها سواء في ظل الظروف العادية، أوالمتسمة بالأزمة لن تزيدهم إلا فقرا و بؤسا واستغلالا.
لذا، على الإنسان المغربي أن يستفيق استفاقة جذرية قبل فوات الآوان، وأن يستغل المرحلة التاريخية، أولا في توحيد صفوفه وتحديد تحالفاته، وثانيا، في تحديد نقيضه الطبقي الذي لن يخرج عن إطار كل مستغِل للأوضاع القائمة و الهادف إلى تكريسها، وثالثا، في المطالبة بالأمور ذات الأولوية و المصلحة المشتركة خاصة في القطاعات التي تعبر عن الشعب و القريبة منه، والتي تشكل ماضيه وحاضره و مستقبله، وأخص منها المدرسة المغربية بمجانيتها وعموميتها، والمستشفيات العمومية، والبحث العلمي ومراكزه،..،ورابعا، تصديه لكل القوات الإيديولوجية الداعية إلى التفاهة والفرقة و الميوعة، وإبدالها بثقافة بانية أسُّها وأساسها الرفع من قيمة الأسرة، و المدرسة العمومية برجالها ونسائها، و من قيمة العلم و العلماء و الأطباء، وإعادة الاعتبار لمكانتهم الاعتبارية والرمزية.
إذن، على الإنسان المغربي أن يعي من الآن موقعه في الصراع و أن يُسهم في استفاقة أوبالأحرى استفاقات جذرية لعموم الشعب المغربي، وأن يكون يقظا في الأيام العادية، وأكثر يقظة في الظرف المسمى بالاستثنائي أو الظرف المأزوم(قصدا أو عفوا)، وأن يستعد للقادم بوعي ويقظة طبقيين لأن الأعداء ميالون دائما إلى الهجوم أكثر للربح أكثر (تفويت العمومي إلى الخواص/المنطق الربحي والاستثماري في عزّ الأزمات) حتى في تراجعهم وعودتهم إلى الوراء إذ تكون الغاية من ذلك تقليص الخسائر والتحفز أكثر لهجوم أشد وأخطر ينتج عنهما الربح أكثر.
وفي الختام نقول: نعم ...إنها الحقيقة– سواء قيلت أم لا- تبقى حقيقة جاثمة على صدور المقهورين، بارزة على جبين الكادحين، فاضحة المستغِلين والمستبِدين.
ونقول نعم، لمن قال لا... دون أن يمضي، دون أن يمشي، بل يناضل في سبيلها ويدعو إلى تكريسها، وإلى قطع العلاقة مع عماد الظلم وأربابه، نعم، لكل من يعارض الاستبداد، ويقف في وجه صُنّاعه، نعم، لكل تحرّك جماهيري منظم لإسقاط علاقات الاستغلال، وسلطاته، نعم، لمن قالوا لا في وجه من قالوا نعم ...



#رشيد_الاركو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جاءه الرد سريعًا.. شاهد رجلا يصوب مسدسه تجاه قس داخل كنيسة و ...
- -ورقة مساومة-.. الآلاف من المدنيين الأوكرانيين في مراكز احتج ...
- -مخبأة في إرسالية بطاطس-.. السعودية تحبط محاولة تهريب أكثر م ...
- -غزة.. غزة-.. قصيدة ألمانية تستنطق واقع الفلسطينيين وتثير ال ...
- بسبب هجومات سيبرانية.. برلين تستدعي سفيرها في موسكو للتشاور ...
- صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا القصف الإسرائيلي
- بوتين للحكومة في اجتماعها الأخير: روسيا تغلبت على التحديات ا ...
- مصر.. اتحاد القبائل العربية يحذر من خطورة اجتياح رفح ويوجه ر ...
- تقرير: مصر ترفع مستوى التأهب العسكري في شمال سيناء
- بعد ساعات على استدعاء زميله البريطاني.. الخارجية الروسية تست ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - رشيد الاركو - نحو استفاقة جذرية