عمت صباحا حبيبي.

ميساء العرفاوي

الحوار المتمدن-العدد: 6527 - 2020 / 4 / 2 - 09:38
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات
    

العالم ركيك جدا هذا الصّباح....النّاس في الخارج يسرعون في ارتياع ويتبادلون من حين إلى آخر أحاديث محترزة عن فيروس فاتك يستهدف وجودهم في هذا العالم.
أقبع في غرفة نومي في هذا اليوم الآذاري الماطر، أوقد نارا هادئة وأتخفّف قليلا من ثيابي حتّى يتسنّى لي أن أحسّ بجسدي دون وسائط وقيود. أشغّل مقطوعة "رقصة الرّبيع" لشوبان وأظلّ أتأمّل هاته الأصابع الهشّة وهاته الأقدام الضّعيفة الوهنة سائلة نفسي كيف يحدث أن يتحوّل هذا الجسد الهادئ المستكين إلى أداة عالية النّجاعة في يد الرّأسمال العالمي وصنّاع الرّهاب الكونيّ...هاته الأجساد المنثورة في ثنايا المدينة، التي بوسعها أن تضرم نارا بكعاب نعالها في رقصة فلامنكو مجنونة أو أن تعيش أقصى حالات الإيروس في لحظة أبديّة،
كيف يحدث أن تتحوّل إلى كتلٍ من الخوف الجماعيّ يحرّك عيدانها وحش الرّأسمال العالميّ؟
أنت تعلم كم أنّي أحب هذا الجسد، حتّى أنّي في أحيان كثيرة أحتكره لي وحدي وأرفض أن يشاركني فيه أحد. إنّه تاريخي الشّخصيّ الوحيد الذي لا أقتسمه مع أيّة جماعة إثنيّة أو عرقيّة أو دينيّة في هذا العالم. هو لي وحدي، في ثناياه حُفِرت ندوب طفولتي، وشوم شقاوتي وحرّيّتي، وعلى أكفّ قدميه الدّاميتين نُحِتَت أمارات درب شائكة لا يعلم خباياها إلّا هو. كيف أقبل أن أقحمه في تجربة رهاب جماعيّ مثيرة للسّخرية؟
يحدث، في واقع الأمر، أن تسقط صريعا برصاصة طائشة خرجت سهوا من مسدّس جنديّ على الحدود الأوكرانيّة الرّوسيّة، أو أن ترديك قتيلا شظايا تفجير انتحاريّ استهدف خطأ سيّارة مدنيّ ظُنَّ أنّها لقائد عسكريّ ملاحَقٍ بمدينة مسقط. لكن يحدث أيضا ألّا يحدث أيّ من هذا أو ذاك، أن تتسلّل بين رصاصتين وبين شظيّتين كحبّة الزّئبق، وتلك هي الصّدفة الأجمل. في تلك الصدفة بالذّات يكمن قدري. فأنا إنسان لا يموت لأنّني قد جرّبت الموت الإفتراضيّ أكثر من مرّة والتذعت بلظى الاستعصاء والمكابدة أكثر من مرّة وتعلّمت كيف تكون الحياة مجدافي المتشظّي الذي أجدّف به إلى حدود الشّفق البعيد ولا أغرق...
مقطوعة شوبان تسترسل في انسيابها. نقرات البيانو فيها تشبه نقرات المطر على شبّاك نافذتي. لا أذكر تحديدا فيم كنت أفكّر، فقط أشعر بنعاس خفيف ولذيذ يراود جفني..

#ميساء_العرفاوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل