أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس لكريني - الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وواقع الفهم الملتبس















المزيد.....



الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وواقع الفهم الملتبس


إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)


الحوار المتمدن-العدد: 1576 - 2006 / 6 / 9 - 10:42
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة:
أجمعت جل النقاشات التي جرت داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ سنة 1998 إلى حدود سنة 2001 بصدد الحضارات الإنسانية, على إيجابية التنوع الثقافي كعامل محوري في إغناء تطور وتقدم الإنسانية, وضرورة تفعيل الحوار بين مختلف هذه الحضارات, حيث شكل الأمين العام الأممي لجنة تمكنت من إنجاز وثيقة في الموضوع قدمت للجمعية العامة التي أقرتها بدورها بالإجماع، وكانت هذه الأخيرة قد تبنت قرارا لها رقم 22 في دورتها رقم 53 بتاريخ 4 نونبر 1998 تضمن إعلان سنة 2001 سنة للحوار والتعايش بين الحضارات، وقد اعتبرت معظم القوى الدولية والشعوب المحبة للسلام والتسامح هذا الإعلان بمثابة رد عملي صارم من جانب المجتمع الدولي على كل الخطابات التي تدعي وتشجع وتتبنى الصراع والصدام بين مختلف الحضارات الإنسانية.
غير أنه في الوقت الذي كانت الجهود الدولية والإقليمية تجري فيه على قدم وساق نحو تعزيز الحوار بين الحضارات المحلية والإقليمية والدولية وخلق جو مناسب للحوار بينها، أعادت أحداث نيويورك وواشنطن بتاريخ 11 شتنبر 2001 وما تلاها من توجيه الإتهام لعناصر عربية وإسلامية بشأن الضلوع فيها نظرية "هانتنغتون" المرتبطة بصدام الحضارات بقوة إلى الواجهة، حيث تداولها العديد من الدارسين والإعلاميين والسياسيين والعامة أيضا في الغرب، واعتبرها البعض نظرية توقعية وصائبة، وشكلت هذه الأحداث مناسبة أيضا للكثير منهم لوصم الإسلام والمسلمين بأذل وأحقر الأوصاف, من قبيل التأكيد على "الخطر الإسلامي" والربط بين الإسلام و"الإرهاب"... وبالتالي تكريس الخلط بين الشخص "الإرهابي" والحضارة التي ينتمي إليها، وهو الأمر الذي تجاوز فيه الخطر الذي كان يهدد العرب والمسلمين في الغرب في ثقافتهم إلى حياتهم الشخصية أيضا.
فما هي أهم الأفكار التي حملتها نظرية صدام الحضارات "لهانتينغتون" وخاصة في ارتباطها بالإسلام؟ وما هي صورة الإسلام في الغرب؟ وما هي السبل الكفيلة نحو تصحيح صورة الإسلام في الغرب؟
أولا: موقع الإسلام ضمن نظرية صدام الحضارات.
ظهرت نظرية "صدام الحضارات" لأول مرة في مقالة للباحث الأمريكي "صامويل هانتينغتون" ضمن عدد لمجلة الشؤون الخارجية صيف سنة 1993، قبل أن يطورها في شكل كتاب صدر له سنة 1996، وقد حاول من خلالها تحديد ملامح الصراع الدولي القائم بعد نهاية الحرب الباردة، ففي هذه النظرية يرى الباحث أن الصراعات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة ستكون صراعات بين الأمم والمجموعات الثقافية والحضارية المختلفة لا بين الدول، فهو يقول في هذا الصدد: "الغرض الذي أقدمه، هو أن المصدر الأساسي للنزاعات في هذا العالم الجديد لن يكون مصدرا إيديولوجيا أو اقتصاديا في المحل الأول، فالإنقسامات الكبرى بين البشر ستكون ثقافية والمصدر المسيطر للنزاع سيكون ثقافيا". (1) وهو بذلك يؤكد على العنصر الثقافي كمحور أساسي للإنقسامات بين الشعوب، خصوصا مع تنامي بروز الهوية الثقافية أمام ما يشهده العالم من تحديث وتنمية اقتصادية, مما يعمق ويصعد الخلافات والصراعات المبنية على أسس ومرتكزات ثقافية.
ولكي يبرر نظريته التي تقوم على أن الشعوب تعود إلى هويتها الثقافية ورموزها الأصلية, يسوق بعض الأمثلة, فهو يشير مثلا إلى أن إقدام حوالي ألف مواطن من "سراييفو" سنة 1994 على التظاهر وهم يحملون الأعلام السعودية والتركية بدلا من حمل أعلام الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي(NATO) وهذا يعني في اعتقاده توحدهم مع رفاقهم المسلمين. ثم تظاهر حوالي سبعين ألف مواطن من أصول مكسيكية ذوي جنسية أمريكية في"لوس أنجلس" وهم يحملون الأعلام المكسيكية ضد قرار أمريكي يحرم المهاجرين غير الشرعيين من امتيازات تمنحها الدولة (2).
وقد حدد الباحث بعض العناصر التي اعتبرها أساسية ومحورية في تحديد المجال الثقافي أو الحضاري كالدين والموروث التاريخي المشترك والإمتداد الجغرافي...
فمحور النظرية إذن هو أن الصراعات الدولية ستنتقل من طابعها الإيديولوجي والإقتصادي الذي ساد في فترة الحرب الباردة إلى صراعات محورها الثقافات والحضارات، وهو على عكس "فوكوياما" الذي تحدث عن "نهاية التاريخ" وانتصار الغرب الرأسمالي أمام المعسكر الشرقي الإشتراكي المنهار، اعتبر أن الخطر لا زال يتهدد هذا الغرب، وأن الصراعات ستشتد من جديد خاصة على المستوى الثقافي والذي يعد أحد أخطر أسباب ومظاهر الصراعات الدولية, وأن هذه الصراعات ستجري بين المجال الحضاري الغربي وبين بقية المجالات الحضارية الأخرى (الكونفشيوسية، البوذية، الإسلام...) ولم يستبعد إمكانية إقدام هذه الحضارات على تشكيل تحالفات لمواجهة الغرب.
وبخصوص مكانة الإسلام ضمن هذه النظرية، "فهانتنغتون" يرى من جهة أولى – كما أشرنا سابقا- أن الصراع الأساسي لمرحلة ما بعد الحرب الباردة سيقع بين الغرب والحضارات الأخرى، ومن جهة ثانية يرى أن "التكتل الحضاري الإسلامي" قد يواجه التكتلات الحضارية المجاورة له (المسيحية الغربية، الكتلة السلافية المسيحية الأرثذوكسية، الكتلة الإفريقية والكتلة الهندوسية), وفي سبيل تبرير وتأكيد هذا الطرح الأخير يتقدم الباحث بمجموعة من "الحجج"، فهو يذكر أن الكتلة الإسلامية مشتتة ولا تمتلك مركزا قويا مؤثرا وقادرا على التحكم في ضبط القوى الإسلامية الداخلة في صراعات مع حضارات أخرى (الشيشان، البوسنة، كشمير، فلسطين...) والغريب في الأمر أن هذه الحجة التي تطرح في الواقع مظاهر ضعف الدول الإسلامية وعدم قدرتها الحالية على تحدي الغرب, تتناقض ومقولته هاته التي تقر بخطورة الإسلام على باقي الحضارات.
ويضيف أيضا بأن هناك حالات عديدة من العنف تورط فيها المسلمون في العالم على امتداد التاريخ البشري القديم والحديث أكثر من أية حضارة أخرى, بالشكل الذي يزعم معه بأن الإسلام دين مواجهة وحروب، و هو لا يميز في ذلك بين الحالات التي كان خلالها المسلمون مظلومين أو جناة.
وجدير بالذكر أن "هانتنغتون" عند حديثه عن "الخطر الإسلامي" لا يحذر الغرب فقط من "الحركات المتطرفة الإسلامية" بل يتحدث أيضا عن خطر الدين الإسلامي نفسه.
ولاحظ أيضا أن التطور الحضاري للكونفشيوسية والبوذية يسير في اتجاه متسارع نحو الحوار والتعايش والتنافس الودي مع الغرب عبر تحقيقه لإنجازات اقتصادية وسياسية هامة، في حين تتجه معظم القوى والحركات الإسلامية نحو المزيد من الإنطواء على الذات ومواجهة الحضارة الغربية وتحديها، بالشكل الذي يجعله يقر في الأخير بأن الصدام بين الإسلام والغرب حتمي الحدوث. ويضيف أنه أمام هذا الوضع يتعين تدعيم التعاون والوحدة بين أبناء الحضارة الواحدة وخصوصا بين أوربا والولايات المتحدة الأمريكية وتخفيف حدة التناقضات فيما بينها لمواجهة هذه المخاطر المقبلة.
ويظهر من خلال ما سبق أن "هانتنغتون" يعتبر بنوع من الإطلاقية أن لكل حضارة دين خاص بها, ويضفي طابعا مسبقا من الانسجام على الحضارة الواحدة.
حقيقة إنه باعتمادنا تعريف الحضارة باعتبارها: "أسمى وأعلى تجسيد ثقافي لجماعة من الناس وأوسع تمثيل لهويتهم الثقافية", فالفرنسيون والأمريكيون وإن كانت هناك مفارقات وتمايزات على مستوى الحضارة الغربية الواحدة، فإنهم يحملون قدرا كبيرا من العناصر الثقافية المشتركة، تميزهم عن الحضارات الأخرى (الحضارة الإسلامية مثلا), لكن وإن كان الدين يعد أحد أهم مقومات الحضارة إلى جانب عناصر أخرى (القيم المشتركة، سبل التفكير ...)، فالملاحظ هو نسبية مقولة "هانتغتون" التي تزعم أن لكل حضارة دينها الخاص بها، فليس بالضرورة أن يكون لكل حضارة محددة دين معين, فداخل الهند – مثلا- تتعايش العديد من الديانات، وفي أوربا ذاتها كما في الولايات المتحدة الأمريكية لم يعد الدين أحد المقومات الرئيسية للحضارة الغربية "الرائدة", فهي تضم بداخلها تعددا دينيا ولا دينيا. والحضارة الواحدة قد تضم أعراقا مختلفة ومتباينة(الحضارة الإسلامية على سبيل المثال)، كما أن أبناء الحضارة الواحدة يمكن أن تلحقهم تمايزات ثقافية مهمة أحيانا.
ومن جانب آخر تظل هذه النظرية نسبية في مجملها، فالحضارات الإنسانية نفسها شهدت بداخلها توترات وحروبا دامية، فالحضارة الغربية مثلا عرفت حربين مدمرتين في القرن الماضي، كما أن الحضارات البشرية على اختلافها شهدت تاريخيا علاقات صراع وحوار ومنافسة وتعايش...
وعموما تعددت وتباينت ردود الباحثين العرب والمسلمين والغربيين أيضا على هذه النظرية، فهناك من شكك في مصداقيتها بناء على أن العالم يشهد حاليا صراعات تنطوي على خلفيات وأبعاد سياسية واقتصادية واضحة المعالم أيضا بين مختلف الدول، في حين لاحظ البعض أن هناك صدامات خطيرة تجري داخل المجال الحضاري الواحد وليس بين حضارات مختلفة, بينما اعتبر آخرون أن تصور "هانتينغتون" للحضارات والثقافات سطحي للغاية, فيما أشار أحدهم أن الغرب بإصراره على الصدام يتطلب المواجهة واعتبر تبني خطاب الحوار في هذه الحالة سذاجة وانهزاما وخنوعا (3).
وبالرجوع إلى موقع الإسلام ضمن تصور "هانتينغتون" لصدام الحضارات, أكد العديد من الباحثين العرب والمسلمين على الطبيعة التواصلية والحوارية للإسلام وحضارته من جهة وأكد بعضهم على الصفة "العدوانية" التي طبعت الحضارة الغربية سواء في مرحلتها المسيحية أو العلمانية من جهة أخرى.
ويلاحظ أن "هانتنغتون" تعامل مع الإسلام كتجارب وممارسات بشرية استثنائية أكثر منها تعامله مع الإسلام كدين, "فإذا كان الإسلام واحد في روحه وجوهره ومثله وأركانه, فإنه متعدد في فهم المسلمين له وتفسيرهم لقرآنه وتعبيرهم عن مثله وتطبيقهم لأركانه"(4), وتناسى بأن "التطرف" هو ظاهرة ميزت وتميز كافة الأديان والحضارات البشرية.
وقد تناسى هذا الباحث أن الإسلام ظهر في فترة شهد فيها العالم حالة خطيرة من الاضطراب والعداء ليقر بالتواصل والتعارف, وفي هذا الموضوع يقول عز وجل في سورة الحجرات آية 13: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
و هذه الآية تبرز لنا أن أصل الإنسانية واحد وأن الله جعل الناس شعوبا وقبائل بقصد التعارف الذي يعتبر الأساس في ربط الأفراد بعضهم ببعض سياسيا واقتصاديا واجتماعيا, وقد جاءت الآية شمولية في خطابها بحيث لم تقتصر على المسلمين بل وجهت لكافة الناس(5), كما أن الإسلام نهى عن الإكراه في الدين وأقر بمبدأ الحرية في الإيمان وحث على مبدأ المساواة وذلك خلافا لما كان عليه الوضع في شبه الجزيرة العربية أو في أمم وحضارات أخرى كالروم والفرس وغيرهم.
ويبدو مما سبق أن هذه النظرية وخاصة في تهويلها ومبالغتها في تصوير الحضارة الإسلامية كحضارة خطيرة وعدوانية, تنم عن تشبع صاحبها بالأفكار التي حملتها بعض الدراسات الإستشراقية المغرضة التي ربطت بمواقفها الإستعلائية والعدائية والإحتقارية تجاه العرب والمسلمين، الحضارة الإسلامية بالقتل والعنف والتخلف وتصنيفها البشع للعالم إلى عالم متمدن ومتحضر وآخر متخلف ومتوحش...
والواضح أن نظرية "هانتنغتون" استفزازية للغاية وتنم عن خلفيات سياسية أكثر منها معرفية أكاديمية وعلمية، وتحمل في طياتها خلفيات عدائية للثقافات والحضارات الأخرى، ذلك أنها تنحو إلى التعبئة والتصعيد وشحن العداء إزاء مختلف الحضارات الكبرى في العالم.
ولعل هذا ما يدفعنا إلى القول بأن هذه النظرية كتلك التي جاء بها "فوكوياما" حول "نهاية التاريخ" تندرج ضمن سياق توفير المرجعية الفكرية وإعداد المناخ العام للولايات المتحدة بخاصة والغرب بشكل عام واللازم لتعزيز الهيمنة على العالم وإطالة أمدها، وذلك من خلال تحديد أعداء جدد, والتهويل من مخاطر وتحديات جديدة خاصة بعد الفراغ الاستراتيجي الذي خلفه رحيل الاتحاد السوفيتي عن الساحة الدولية.
ثانيا: الصورة النمطية للإسلام في الغرب وبعض تداعياتها.
منذ فترة الفتوحات الإسلامية الأولى والعلاقات بين الإسلام والغرب يشوبها نوع من الالتباس والغموض والفهم الخاطئ، حيث ظل الإسلام في الغرب ذلك الآخر البربري الغازي والحاقد والمحارب...
ولذلك نجد عدة دراسات استشراقية استهدفت منذ عدة عصور وإلى الآن الإسلام وتوخت تشويه صورته في الغرب والعالم إلى الحد الذي جعل البعض يعتبر - وذلك في تصريحات حاقدة وعنصرية- أن المسلمين في حالة حرب دائمة وبالتالي لا يصلح معهم بتاتا حوار الحضارات (الأديب البريطاني نايبول، الفائز بجائزة نوبل في الأدب), أو وصف المسلمين ب" أبناء الله, الغارقين في مختلف أشكال الانحراف...الذين لاهم لهم سوى أداء الصلوات والتكاثر مثل الفئران...والذين لا يستحقون سوى الضرب..." (الكاتبة الصحفية الإيطالية أوريانا فلاتشي في كتابها "الغضب والكبرياء" الذي حطم رقما قياسيا في حجم المبيعات داخل مختلف البلدان الأوربية) أو وصف النبي محمد (ص) بالإرهابي ... وبأنه كان رجلا عنيفا ويدعو إلى الحرب(6), بل إن وزير العدل الأمريكي "جون أشكروفت" صرح بأن: "الإسلام دين يطلب فيه الله منك أن ترسل ابنك لكي يموت من أجله, والمسيحية إيمان يرسل الله فيه ابنه لكي يموت من أجلك".
وقد ارتبط سوء فهم الغرب للإسلام من خلال عدم التمييز بين ما هو من صلب الدين وما هو ناتج عن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ( التجارب والممارسة البشرية ). ويتمظهر هذا الفهم الضيق والمنحرف للإسلام من خلال وضع الإسلام ضمن إطار ما يعرف "بالاستبداد الشرقي" وتعميم التشدد والقسوة والتعصب والإرهاب واللاعقلانية والتخلف ونبذ الديموقراطية وحكم القانون المدني والمساواة بين الرجل والمرأة على الثقافة الإسلامية برمتها.
وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات من القرن الماضي برز تيار فكري في الغرب يجعل من الإسلام عدوا للغرب بديلا عن الشيوعية، وفي نفس السياق تم تداول عدة مصطلحات ثم ربطها بالإسلام من قبيل "التعصب الإسلامي"، "التطرف الإسلامي"، "الإرهاب الإسلامي"، "الخطر الإسلامي"، "الخطر الأخضر"...وقد أسهمت في ترويج هذه المصطلحات الدعاية الإعلامية المعادية والدراسات الاستشراقية، هذا زيادة على الدعاية الصهيونية السوداء التي نجحت في رسم صورة مشوهة وقاتمة عن الإسلام والمسلمين والعرب في الغرب من خلال تزوير الحقائق التاريخية, في ظل فراغ أفرزه عدم التواجد الإعلامي والثقافي العربي والإسلامي الفاعل هناك.
ويبدو أن بعض الأطراف في الغرب تخشى بشكل جدي " الخطر الإسلامي" بالنظر إلى مرونة الإسلام وعالمية هذا الأخير الذي جاء للعالمين على خلاف المسيحية واليهودية(7).
ورغم كون معظم أنظمة البلدان الإسلامية تربطها علاقات ودية مع الغرب، ورغم المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها معظم هذه البلدان، فهناك داخل الغرب من يبالغ في إثارة خوفه وقلقه من "الخطر الإسلامي"، عبر استنتاجات خاطئة تضفي طابع التطرف والتشدد ومعاداة الغرب على كل مسلم أينما كان، بناء على سلوكات استثنائية يقدم عليها بعض الأشخاص والجماعات وهو الأمر الذي يدفع بالغرب إلى ممارسة مختلف الضغوطات على معظم هذه البلدان بهدف صد أية تحولات "مريبة" تحصل بداخلها, أو تحجيم أي دور استراتيجي لها والحؤول دون امتلاك هذه الدول "الديكتاتورية" لأسلحة نووية مخافة سقوطها في أيدي "الإرهابيين", وهو ما تبين في القصف الإسرائيلي للمفاعل النووي العراقي تموز في بداية الثمانينيات و ممارسة ضغوطات كبيرة على باكستان لفرض رقابة مستمرة على قدراتها في هذا الشأن, ومنذ نهاية حرب الخليج الثانية احتكرت إسرائيل امتلاك القدرات النووية في منطقة الشرق الأوسط, في حين لم يعد للعرب أي خيارات في هذا الشأن نتيجة للحظر "الدولي" المفروض على نقل التكنولوجيا النووية للأقطار العربية, وهو ما يعطي انطباعا أوليا بأن علاقة الغرب بالإسلام علاقة أمنية يشوبها الحذر.
وفي هذا الشأن يذكر أحد المفكرين الغربيين بأن "الخطر الإسلامي" هو ذاته خرافة, والحديث عن نزاع مستمر عبر تاريخي بين العالم "الإسلامي" والعالم "الغربي" هراء, فمن الجانب "الإسلامي" من الحماقة أن نرى البلدان الإسلامية وكأنها بمعنى ما تهدد الغرب, فقد اختفى منذ أمد طويل الخطر العسكري الذي تثيره قوات إسلامية موحدة (في ظل الإمبراطورية العثمانية), فالقوات الإمبراطورية التي أبعدت عن بوابات فيينا وبودابست في القرن السابع عشر تبخرت مع الإمبراطورية العثمانية في عام 1918. ومجموع قوى العالم الإسلامي اليوم تقل كثيرا عن الغرب (وهو يكاد يكون مستحيلا)أن مختلف هذه البلدان قد شكلت تحالفا للعمل الموحد, والواقع أن البلدان الإسلامية قد تابعت مصالح دولها القومية الفردية وفي أحيان كثيرة حاربت بعضها بعضا(8), وفي سياق الرد على الخطابات التي تربط المسلمين بالإرهاب, يضيف هذا الباحث أن العالم الإسلامي لم يكن على أي حال هو الذي نظم مذبحة اليهود في الحرب العالمية الثانية, ولا هو الذي طرد السيفارديم من إسبانيا, وفي كثير من البلدان نجد المسلمين هم ضحايا القمع والإرهاب في بورما وكشمير وفلسطين والبوسنة(9).
ومن المؤكد أن تجاهل الغرب بصفة عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة لتطلعات الرأي العام في البلدان الإسلامية مع تزايد هذه الضغوطات التي أشرنا إليها، أسهم بدرجة كبيرة في تصاعد العداء نحو الغرب داخل الأوساط الشعبية في العالمين العربي والإسلامي وعزز من تنامي خطاب الهوية الثقافية الذي يزيد من توتر العلاقة بين الغرب والإسلام.
ولقد شكلت أحداث 11 شتنبر 2001 منعطفا تاريخيا أصبح ينذر بإمكانية قيام مواجهة وصدام حقيقيين بينهما بناء على خلفيات سياسية وعسكرية بغلاف ثقافي وحضاري وخاصة من جانب الغرب, فقد أعادت هذه الأحداث علاقة الغرب بالإسلام إلى الواجهة من جديد، وأنعشت نظرية "هانتنغتون" المرتبطة بصدام الحضارات وأحبطت إلى حد ما كل المحاولات والجهود التي توخت التسامح والتعايش والحوار بين مختلف الحضارات البشرية، ففي ظل هذه الأحداث أصبح مألوفا وعاديا إصدار حكم متعجل بالإدانة على جميع العرب والمسلمين، وأصبحت الجاليات العربية والإسلامية في الغرب موضع شك وغموض, وتخص بإجراءات أمنية مستفزة ومتميزة، وفي هذه الظروف تشكلت صورة سوداء عن الإسلام في الغرب بناء على تصرفات استثنائية حيث تجاوزت الاتهامات الخاصة بعمليات "إرهابية" القائمين بها إلى كل المسلمين والعرب بل إلى الإسلام ذاته، إلى الحد الذي دفع رئيس الوزراء الإيطالي"سيلفيو بيرلوسكوني" إلى التصريح بتفوق الغرب وتخلف الحضارة الإسلامية، وحديث "جورج وولكر بوش" عن إحياء الحروب الصليبية...
ومن مظاهر حقد "الغرب" على الإسلام، أنه لم يتم وصف مجرم الحرب - بإجماع المجتمع الدولي- " سلوبودان ميلوزوفيتش" أو "ما كفاي" مفجر مبنى "أوكلاهوما سيتي" سنة 1995 "بالإرهابي المسيحي"، أو وصف قاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق "إسحاق رابين" بأنه "إرهابي يهودي", في حين كلما تعلق الأمر ولو بعمل عرضي يحمل قدرا من العنف يرتكبه مسلمون إلا وتم وصفه "بالإرهاب الإسلامي" أو الحديث عن "المسلمين الإرهابيين", وأكثر من ذلك هناك إصرار على تجريم "معاداة السامية", فيما يتم إدراج تجريم الإسلام ضمن ممارسة حرية الرأي وحق الاختلاف.
حقيقة أن أصحاب القرار في الغرب عامة والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة يصرون على التمييز بين الإسلام كدين والإرهاب كسلوك, ويجهرون باحترامهم للإسلام كدين ويؤكدون أن حربهم ليست حربا ضد الإسلام- وهو ما تفرضه المجاملات الديبلوماسية الرسمية- وأن العرب والمسلمين أضحوا رقما ملحوظا في المعادلة الديموغرافية والسياسية الغربية (وجود حوالي 7 ملايين عربي ومسلم في الولايات المتحدة الأمريكية وأكثر من 10 ملايين منهم في أوربا الغربية) وهو ما يجعل الإسلام في الغرب – كما يرى بعض الأكاديميين والساسة الغربيين- لم يعد ذلك الآخر لأنه يتواجد داخل الجسم الغربي ويعيش بين أفراده.
لكن المشكل هو أن الغرب يشهد بروز اتجاهات داخل الحقل السياسي والفكري تحمل قدرا كبيرا من العداء العلني للإسلام قد تجد لها طريقا نحو أصحاب القرار السياسي لتبنيها سياسيا وبشكل علني.
إن الغرب الذي يمتلك كل مقومات القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية..، يحاول قدر الإمكان تحجيم قوة الدول الإسلامية ويرفض أية دعوة للمسلمين لتبني هوية متميزة, معتبرا ذلك نوعا من الخروج عن قيم الحوار والتسامح وتحريضا على العنف، مع ممارسة ضغوطات كبيرة على أنظمة البلدان الإسلامية والعربية باتجاه إقصاء "الحركات الإسلامية" التي يرى أنها تحمل برامج راديكالية وعدائية نحو الغرب, بل إن اعتدال هذه الحركات في خطاباتها تجاه الغرب لم يشفع لها أمامه (حزب الرفاه الإسلامي في تركيا مثلا...)، في حين نجد الحركات اليمينية المتطرفة الغربية التي تحمل برامج وأفكارا هدامة وعنصرية علنية تجاه الحضارات الأخرى، تعمل بكل حرية في إطار الدساتير الغربية ويتنامى بريقها داخل المشهد السياسي الغربي بشكل مثير. والعولمة التي يتحكم في دواليبها الغرب القوي والمتفوق هي بصدد نشر ثقافة أحادية تسهم في تغريب الشعوب غير الغربية واستفزازها من خلال الترويج لمفاهيم غربية وتكريسها دوليا كمفهوم الديمقراطية الذي يربطه الغرب بالمؤسسات بدل الفعالية و كذا مفهوم الإرهاب الذي يسعى لتكريس تجريم أي عمل عنيف ولو كان في إطار المقاومة مع التركيز على إرهاب الأفراد وغض النظر عن إرهاب الدولة(10), ونعتقد في هذا الصدد أن هذه العولمة في أبعادها وخلفياتها هي بمثابة سلوك ثقافي, اقتصادي وسياسي صراعي غربي مهذب ولطيف يحرض على الصراع مع باقي الحضارات الأخرى من خلال إيقاظ الشعور القومي, خاصة وأنها تستهدف تهميش الثقافات البشرية الأخرى أو إعادة صياغتها بمحددات جديدة, وكذا الترويج لثقافة واحدة دون اعتبار لثقافة الآخر، ومن ثم فهي جزء لا يتجزأ من آليات هذا الصدام والصراع والتي تجاهلها "هانتنغتون" في أطروحته.
كما أن القانون الدولي كضابط مفترض للعلاقات الدولية يعكس في الواقع مصالح الغرب ورؤيته, سواء بالنظر لأصوله ومصادره أو عند إعماله وتطبيقه. فمصادر هذا القانون في ارتباطها بالجانب الشكلي ووفقا لما اعتمدته المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية تتحدد في :
الاتفاقات الدولية العامة والخاصة التي تضع قواعد معترفا بها صراحة من جانب الدول المتنازعة.
العادات الدولية المرعية المعتبرة بمثابة قانون دل عليه تواتر الاستعمال.
ج- مبادئ القانون العامة التي أقرتها الأمم المتمدنة.
د- أحكام المحاكم ومذاهب كبار المؤلفين في القانون العام في مختلف الأمم.
ومعلوم أن هذه المصادر وحسب تصنيفها الوارد في المادة السابق ذكرها تعكس في الواقع موازين القوى الغربية المهيمنة إبان النصف الأول من القرن الماضي, ذلك أن معظم دول العالم لم تساهم في بلورتها بحكم خضوعها للهيمنة الاستعمارية في تلك الفترة.
وعلى مستوى تطبيق هذا القانون الدولي, فإن ذلك غالبا ما يعكس إرادة الغرب القوي والمتحكم في دواليب المؤسسات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية المسؤولة عن صياغة قرارات استراتيجية دولية في مجالاتها.
فالاتفاقيات الدولية وإن كانت تنطوي على أهمية كبرى باعتبارها أداة لربط العلاقات وتشجيع التعاون الدوليين, تأتي في غالبيتها غير متكافئة وتعكس مصالح الأطراف القوية(اتفاقيات السلام العربي– الإسرائيلي, اتفاقيات الصيد البحري السابقة بين المغرب وإسبانيا...), والمتتبع لما يجري في الساحة الدولية من أحداث منذ رحيل الاتحاد السوفيتي يلمس بوضوح حجم التدخلات الزجرية بشتى أشكالها والتي استهدفت الدول الإسلامية والعربية في كل من العراق, السودان, ليبيا, أفغانستان, الصومال, فلسطين ... باسم هذا القانون.
وعموما يوجد في الغرب عدة خطابات حضارية: فهناك من جهة خطاب غير رسمي تتزعمه بعض القنوات الإعلامية وبعض الباحثين والأكاديميين وبعض السياسيين موجه نحو الرأي العام الغربي يتوخى رسم صورة مشوهة للإسلام والمسلمين، وخطاب آخر يتبنى الحوار مع الإسلام ويميز فيه أصحابه بين الإسلام كدين سماوي والإسلام كممارسة وتجربة بشرية تحتمل النقاش, وخطاب آخر رسمي بوجهين: الأول, علني يتوخى التسامح والتعايش مع الإسلام واحترام الحضارات الأخرى, والثاني, خفي وواقعي يتوخى محاصرة الإسلام والتضييق على المسلمين إلى مستوى ممارسة مختلف الضغوطات على بعض الدول الإسلامية كالسعودية, اليمن, أفغانستان... لتعديل سياساتها التعليمية والتربوية بذريعة تفريخها للإرهاب من خلال تكريس ثقافة الجهاد, وفي هذا السياق جاء في تقرير لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش" نشر بعد مرور أكثر من سنة على أحداث 11 شتنبر: "أن الحكومة الأمريكية تردد موعظة التسامح من جانب...ومن جهة أخرى تستهدف مجموعات بعينها"(11).
ومن خلال ما سبق، يمكن القول أن صراع الغرب مع الإسلام هو واقع و جار في الميدان على مختلف الواجهات من خلال السياسات التعسفية التي تستهدف محاصرة الإسلام والتضييق على المسلمين في كل مكان, وهي السياسات التي تغطيها التصريحات الرسمية المزيفة الداعية للحوار والتعايش, وهي سياسات تنطوي على خلفيات اقتصادية وسياسية وعسكرية.
فالنزوع نحو التفوق والهيمنة الحضارية للغرب، والتخويف من البديل الحضاري والسياسي المرتقب للعالم الإسلامي, دفع بعدد كبير من النخبة السياسية المحافظة إلى تبني منطق الصدام الحضاري، ويظهر أن بروز نظريات من قبيل "نهاية التاريخ" و"صدام الحضارات" في الغرب ما هي إلا مرجعيات واهية لتبرير هيمنته وتأكيد تفوقه.
إن الغرب تعددي في خطاباته وممارساته تجاه الإسلام وفي المجتمع الإسلامي هناك نفس الشيء فهناك خطابات تتبنى الحوار والتواصل وهناك خطابات أخرى تتبنى المواجهة والتصدي في حين نجد اتجاهات تؤمن بضرورة الحذر والتحفظ من الآخر المجهول.
ثالثا: نحو تصحيح صورة الإسلام في الغرب.
إن موقف الغرب من الإسلام هو سلوك طبيعي بالنظر للصورة النمطية المفزعة التي قدمت وتقدم له حول الإسلام والمسلمين بشكل خاطئ ومنحرف ومنكر للحقائق.
وأمام واقع هذه الصورة النمطية للإسلام والمسلمين التي أصبحت مترسخة في أذهان معظم الغربيين, أضحى العمل نحو تصحيحها عملا ملحا وضروريا, ويحتاج لمجهودات دؤوبة وجبارة.
وتصحيح هذه المعطيات المغلوطة التي تعطي انطباعات سيئة عن كل ما هو عربي وإسلامي, والتي زادت مع ظروف أحداث 11 شتنبر 2001، لا تتوقف فقط على الشكوى من عدم فهم الغرب للإسلام و للمسلمين، بل يتطلب ردود فعل مناسبة وفعالة تتوخى تغيير هذه الصورة التي رسمها تراث من الفكر الإستشراقي منذ زمن بعيد، والدعاية الصهيونية، في ظل غياب عربي وإسلامي شبه تام عن الساحة الإعلامية والثقافية الغربية، عبر تقديم صورة حقيقية عن الثقافة الإسلامية والعربية، وذلك بتوظيف كل الإمكانيات المادية والمعنوية في هذا الشأن. فمعظم الدراسات الغربية التي تنصب على العالم الإسلامي يتحكم في غالبيتها الهاجس الأمني والسياسي أكثر منه الهاجس العلمي البحت, وحتى تلك الدراسات القليلة المنصفة للإسلام تظل في مجملها مهمشة أو حبيسة دهاليز المخابرات ورفوف الساسة والاستراتيجيين ولا يطلع عليها المجتمع الغربي.
وللإشارة فإن إسرائيل أعلنت في أواخر شهر غشت 2001 عن تخصيص مبلغ مائة مليون دولار لتحسين وتلميع صورتها في أوساط المجتمع الأمريكي بعد أن شعرت بأن تلك الصورة أخذت في الاهتزاز منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في شهر شتنبر 2000, وفي نفس السياق قررت الولايات المتحدة الأمريكية تخصيص مبلغ 20 مليون دولا لتحسين صورتها في العالم عقب أحداث 11 شتنبر 2001.
ويمكن إجمال أهم الإجراءات الكفيلة بتصحيح صورة الإسلام والمسلمين في الغرب فيما يلي:
1- التعريف بقيم التسامح للحضارة الإسلامية, والتي تتمحور حول الحوار والتواصل لا الحروب والمواجهات، من خلال السبل المتاحة من منابر إعلامية مكتوبة ومرئية ومسموعة، وإصدار الكتب – حول الموضوع - المترجمة للغة الغرب والترويج للكتب الغربية المنصفة للإسلام, وإجراء إعفاءات جمركية للمنتجات الثقافية والفكرية العربية التي تخدم هذه الأهداف عند تصديرها للخارج, واستغلال شبكة المعلومات السيارة (الإنترنيت), والتي تستثمرها إسرائيل بشكل كبير ومتقن لتشويه صورة العرب والمسلمين( 12)...خصوصا وأن " إشاعة المعرفة وإتاحة المعلومة تزيدان من فاعلية المجتمع وحيويته ومنسوب ديموقراطيته, ومناعته ضد أساليب الاستبداد والغزو الثقافي"(13).
2- مراجعة الخطابات السياسية والثقافية العربية والإسلامية المنغلقة والمتشددة التي تولد سوء الظن بين أبناء الحضارات المختلفة, وتوخي خطاب مرن في مواجهة الغرب والتعلم من إنجازاته وثقافته, إسوة بما أنجزته بعض الدول: كوريا الجنوبية، سنغافورة، اليابان, ماليزيا، الصين، التايوان، أندونيسيا...بدل تبني خطابات الانعزال خوفا من الغزو الثقافي للآخر، خاصة وأن الإسلام ذاته يأمر بالتعارف والتواصل المستمر مع كافة الشعوب، علما أن الاتجاهات التي تمنع من الإطلاع على ثقافة الغير، تمنح الفرص لبعض الأصوات بالغرب لوصم الإسلام بالانغلاق وعدم التسامح...
3- الاعتراف بأن تشجيع خطاب "التطرف" من قبل البعض هو أمر ضار بالمسلمين قبل أن يكون ضارا بالغير.
4- ضرورة تحسين وإصلاح الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالدول الإسلامية التي غالبا ما تكون المسؤول الأول والرئيسي عن ظهور الخطابات "المتشددة" و"المتطرفة" وعن تبني أفكار "المتطرفين".
5- ضرورة الإيمان بمبدأ المساواة بين كافة الحضارات الإنسانية.
6- العمل على إبراز نقط الالتقاء مع الثقافات الأخرى عوض التركيز على محاور الخلاف, وفتح حوار في هذا الشأن مع النخبة المثقفة في الغرب.
7- توحيد الخطاب الحضاري الإسلامي تجاه الغرب، بدل تعدد وتباين الخطابات التي تدعي إحاطتها بالثقافة الإسلامية والتي تخلق حالة من الالتباس في أذهان الغربيين, ففي هذا الشأن تمكنت الدول الأوربية – في إطار الاتحاد الأوربي- من بلورة سياسة ثقافية أوربية موحدة رغم الاختلافات العرقية والثقافية فيما بين هذه الدول, وتزامن ذلك مع تحقيقها لتكامل اقتصادي ومالي ووضع برامج تربوية لحماية الموروث الثقافي الأوربي المشترك في مواجهة العملاق الأمريكي والعالم، في حين لم تستطع الدول الإسلامية والعربية بعد تنسيق برامجها وسياساتها الثقافية والتربوية والإعلامية بالشكل الذي يسمح لها برفع خطاب حضاري وثقافي موحد في مواجهة الغرب، تبرز فيه أن التطرف هو ظاهرة قد تلحق كل الحضارات بدون استثناء وأن للعرب وللمسلمين خصائص معينة في اللغة والعادات...لها بعدها الحضاري والتاريخي لكنها لا تسيء لأحد.
8- يجب على الجاليات العربية والمسلمة المتواجدة في الغرب أن تنظم نفسها بالشكل الذي يجعل منها قوة مؤثرة في الساحة الغربية قادرة على فرض احترام الغرب للحضارة الإسلامية من خلال تقديمها لسلوك حضاري راق.
9- إقناع الغرب كافة بأن مصالحهم الحقيقية هي في إقامة علاقات ودية مع العرب والمسلمين وليس في معاداتهم.
10- عدم إسقاط السياسات الأمريكية التعسفية تجاه الأقطار العربية والإسلامية على الغرب برمته, وإظهار أن انتقادنا للغرب ينصب على بعض سياساته لا على ثقافته.
11- تشجيع الغرب على الدخول في شراكة حقيقية مع العرب والمسلمين يتم بموجبها تقديم الدعم الاقتصادي والتقني للدول العربية والإسلامية في إطار من التعاون واحترام مبدأ السيادة.
12- كما أن فتح الحوار مع الآخر يتطلب إجراء حوار وتواصل مع الذات من خلال الإيمان بحق الاختلاف واحترام الرأي الآخر.
إن الأصل في عمق وطبيعة الحضارات هو التحاور والتشابك والتواصل، ولذلك فإن الصراع حتى وإن اتخذ مظهرا ثقافيا غالبا ما تكون وراءه دوافع سياسية واقتصادية أكثر منها ثقافية، وهي الخلفيات التي طالما عكرت الحوار بين الحضارات، ولعل الأحادية الثقافية التي تروج لها بعض الجهات داخل المجتمع الغربي وتلقى تجاوبا في الأوساط الشعبية والرسمية لن تصمد أمام التاريخ، والحضارات وإن كانت تختلف عن بعضها البعض فهي لا تحتمل أبدا إجراء تقييم تفضيلي بينها, ومن تم فالصراع القائم هو في العمق صراع سياسي واقتصادي.
لقد شهد المجتمع الدولي تداخلا وتعددا في العلاقات بين مختلف الشعوب والأمم في شتى المجالات والميادين يؤكدها التنقل المستمر للقيم والأفكار والأشخاص بالشكل الذي يجعلنا نستبعد كليا نظريات المواجهة أو القطيعة لحساب التواصل، لكن التصريحات والسلوكات المستفزة الاستثنائية التي تصدر عن بعض الجهات التي تعتقد أنها تمثل الغرب برمته أو تلك التي تعتقد أنها تمثل الإسلام والمسلمين يمكن أن تشوش على هذا التواصل والحوار الضروريين والحتميين.

المراجع المعتمدة:
1- صامويل هانتينغتون وآخرون: صدام الحضارات، سلسلة شؤون الأوسط- مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق- بيروت، لبنان- الطبعة الأولى 1995، ص: 17
2- صامويل هانتنغتون: صدام الحضارات...إعادة صنع النظام العالمي, ترجمة طلعت الشايب, دار الكتاب المصرية 1998 ص 24 و 25
3- مجدي قرقر, ج القدس العربي 15 نونبر 2002 ع 4199 ص 18
4- عصام نعمان, أمريكا والمسلمون: مشكلة علاقة - ضمن كتاب العرب والعالم بعد 11 أيلول / سبتمبر, مؤلف جماعي – مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان, الطبعة الأولى نونبر 2002, ص 299
5- عمر أحمد الفرجاني: أصول العلاقات الدولية في الإسلام, الهيأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان طرابلس- لبييا, الطبعة الأولى 1984 ص 36 و 37
6- جاء ذلك على لسان القس اليميني الأمريكي جيري فالويل في تصريح له لإحدى القنوات التلفزية, أنظر نص التصريح في جريدة القدس العربي ع 4165 بتاريخ 7 أكتوبر 2002,ص 2.
7- لمزيد من التفاصيل بهذا الصدد, يراجع: جعفر شيخ إدريس, العولمة وصراع الحضارات- مجلة البيان , المنتدى الإسلامي, السنة السادسة عشرة- ع 170 يناير 2002 ص 31,32,33
8- فريد هاليداي: الإسلام وخرافة المواجهة, الدين والسياسة في الشرق الأوسط- ترجمة محمد مستجير, مكتبة مدبولي- الطبعة الأولى 1997 ص134
9- فريد هاليداي: مرجع سابق, ص 134 أيضا
10- لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع يراجع: إدريس لكريني , مكافحة "الإرهاب الدولي" بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع المقاربات الانفرادية, مجلة المستقبل العربي-مركز دراسات الوحدة العربية بلبنان , عدد 281 يوليوز2002 .
11- القدس العربي بتاريخ 15 نونبر 2002
12- ريتا عوض: صورة العرب والإسلام, كيف يعاد تشكيلها؟ مجلة شؤون عربية, ربيع 2002 ع 109 الأمانة العامة لجامعة الدول العربية- القاهرة- مصر, ص 128
13- د.نبيل علي: الثقافة العربية وعصر المعلومات, رؤية لمستقبل الخطاب الثقافي العربي, عالم المعرفة, ع 276 , دجنبر2001, ص 50.
مارس 2003




#إدريس_لكريني (هاشتاغ)       Driss_Lagrini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية والمحيط الدولي المتغير
- الهاجس البيئي: من العلم إلى السياسة
- حقوق الإنسان في أعقاب الحملة الأمريكية لمكافحة -الإرهاب-
- الزعامة الأمريكية في عالم يتغير: مقومات الريادة وإكراهات الت ...
- مكافحة -الإرهاب- الدولي: بين تحديات المخاطر الجماعية وواقع ا ...
- في ذكرى أحداث 16 مايو: الحاجة إلى مجتمع مدني فاعل
- الإصلاحات المغيبة ضمن المشاريع الأمريكية لمكافحة الإرهاب
- الجامعة العربية في زمن التحديات
- الأمم المتحدة في مفترق الطرق
- العالم بين واقع الفوضى ووهم النظام
- المهاجرون المغاربيون في أوربا وسؤال الاندماج
- بعد احتلال العراق, الولايات المتحدة في مواجهة آخر جيوب
- حماس وتحديات الداخل والمحيط
- المغرب وتجربة الإنصاف والمصالحة


المزيد.....




- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إدريس لكريني - الإسلام والغرب: بين نظريات الصدام وواقع الفهم الملتبس