أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله المتقي - لعبة التشظي في رواية - لن نعبر الجسر معا - للتونسي للطفي الشابي















المزيد.....

لعبة التشظي في رواية - لن نعبر الجسر معا - للتونسي للطفي الشابي


عبدالله المتقي

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


لعبة التشظي في رواية " لن نعبر الجسر معا "
للتونسي للطفي الشابي




عزز الشاعر والروائي لطفي الشابي موقعه المتميز في المشهد الروائي التونسي بنص روائي اختار له من الأسماء " لن نعبر الجسر معا"، والذي صدر مؤخرا ضمن منشورات دار الاتحاد للنشر والتوزيع ،بعد رواياته الثلاث "ما لم يقله الشاعر" و"المائت" "و" نصف قمر على ليل الحديقة ".
تقع الرواية في 287 صفحة من الحجم المتوسط ، تزين دفة غلافها لوحة تشكيلية للمؤلف ، كما تزين صفحاتها رسومات من إنجاز المؤلف نفسه ، في حين صمم الغلاف القشيب والرمادي الفنان أنس بن عربية ، وكلها تحيل على احتفاء المؤلف بكتابه وبالكتابة وبعين التلقي ، ومن ثم ، اصطياد القارئ جماليا وتوريطه إيجابيا للدخول إلى عوالم الرواية .
يجسّد لطفي الشابي في نصه السردي "لن نعبر الجسر معا " ، حالة التشظي العميقة التي بات يحياها جيل ما بعد الثورة في تونس ، حيث تصير التمزقات النفسية مشكلة ، ولا حل له إلا التشظي ، بحثا عن الالتئام الهارب ، مما يحيل إلى أن الكتابة عند هذا المبدع تصدر عن قناعة واضحة تعتبر الرواية وثيقة الصلة بالإنسان والمجتمع وقضاياه، انطلاقا من وعيه العميق بالانتماء إلى مجتمعه،
تطرح الرواية هذا المشكل في حد ذاته، من خلال شخصية " دالي "المدمن على العلاقات الغرامية الافتراضية والواقعية التي تحولت لديه إلى حالة مرضية ،نقرأ في الصفحة 78 " اسمي محمد علي الدالي ، عمري خمسون عاما ، فنان تشكيلي وأستاذ في المعهد العالي لفنون الجميلة ، متزوج ولي ولد عمره سبع سنوات ، أعاني من داء عضال ... إدمان العلاقات الغرامية الافتراضية "
من خلال قراءتنا لهذه الصورة السردية التي التقطتها الرواية لشخصية " دالي " بطل الرواية ،نستنتج أنها تمثل ذاتا مريضة مسكونة ومكتظة بالرغبات ، وتعاني من انفصال عن بعضها البعض ، لما تثيره من أسئلة نفسية واجتماعية .
بهذا المعنى ، تحفر الرواية في أخاديد المجتمع التونسي من أجل الكشف عن منظومة القيم والعلائق الاجتماعية والنفسية فيه، وذلك بغاية مرموزة تهفو إلى الإسهام في تغيير الواقع والنهوض بالإنسان.
تبدأ الرواية بما يشبه اللعبة مع القارئ ، فالسارد يتأرجح بين الحكاية واللاحكاية :" هذه الحكاية التي أحاول أن ألملم شظاياها الآن ، ما كان علي أن أكتبها " ، بل يرى لا جدوى من إعادة إخراج حكاية حيادية و بعد أن اصبحت وجبة باردة ، وبعد حرقة استزاف الذات الكاتبة :" ما جدوى أن يكتب آكل روحه حكاية وقد تهرأت روحه وصارت ذكرى قصية بلا ضوء ؟ ما جدوى أن تموت بعد أن تقتل بكل برود ، ثم تكتب اعترافا باردا بكل حياد ؟" .
وبإذن أو بدون إذن ، تتفتح شهية السارد للحكي بعد تشظيه بين الحكي واللاحكي ، بين جدوى الحكاية ولاجدواها ، لكنها حكاية الموقف ، التي يتم دعوة القارئ لمأدبتها:" أيها الأحياء بأقصى القلق الساكن فيكم ، هلموا إلى دهاليز هذا الهذيان المر "
هي اذن ، دعوة من الكاتب لتلقي حكاية مختلفة ، حكاية قلقة ومستفزة، حكاية تنهل من الوعي واللاوعي ، و تشبه الجنون المعلقن وكوابيس اليقظة ، وتأخذ بقوة حكاية الموقف والاختيار الرافض للصمت الذي يساوي الموت :" فإذا قرأتم هذا الصراخ ولم يبق في أرواحكم منها إلا صدى العواء المرعب وفحيح الأرياح الناهشة للحم والروح والعقل ، ولزمتم الصمت الثقيل ، فاعلموا أنكم موتى مثلي "
وتأسيسا عليه ، سنكون في ضيافة حكاية حية ومتوقفة ولا تؤمن بالحياد ، صاخبة ومتشظية ، ورافضة للصمت ولوك الألسنة في العتمة .
وفي نفس إطار القلق والتشظي ، وتكسير الطمأنينة والالتئام ، نصادف فصلا يحمل الأسماء التالية : صحوة الذئب الغافي ، الم المرايا والحجارة ، على السندان قلب يرقب رأس المطرقة ، هي أمنية .. هي أمنية ، مرايا للموت القلادم ، أصون الخنافس وأغتال الفراشات ، نصف قمر وضفتان ،هذيان الضفتين ،صدوع في ذاكرة الصمت ، فان غوغ وسيدة وادي السيليكون

وهذه الفصول نفسها تتشظى إلى محكيات صغيرة ومرقمة ، ويتفاوت عدده من فصل الى أخر ، تبعا للوجع والسياق والتوترات النفسية في محراب الكتابة ، حيث انسياب حرة ودون مراقبة ، وكالفوضى المنظمة .
والحالة هذه ، نسجل حرص لطفي على شعرنة عناوينه فصوله ، وهذا يعتمد على أن لطفي له شاعر وله من الدواوين الشعرية :" واقفون هنا والمدى واقف " نصف قمر عللى ليل الحديقة " ، بل حرصه حتى على اختيار عناوينه المركزية سردا وشعرا ، باعتبار العنوان هو الرأس المدبر ، وليس ثريا نعلقها في سقف النص .
ونسجل ثانية أن الحكاية البانية بدورها منشطرة بل متشظية إلى محكيات مرقمة ، وكل هذا الانشطار ، هو صورة مرآوية لانشطار وتبعثر الذات الساردة ببين ثنائيات ضدية متعددة ، وهذا بعض من هذه تشظياته :
- التشظي بين زوجته " فاتن " ، وبين العديد من النساء ، نقرأ في الصفحة 65
:" عشرون امرأة، بدا لي الرقم كبيرا، ولكن الجرد الذي قامت به فاتن نبهني الى انهنّ فوق ذلك، اغفلت ذاكرتها اسماء اخرى» ،
- التشظي بين العالم الافتراضي والعالم الواقعي :" سأحرق قلبها وأهد بيتها كما
أحرقت قلبي وخربت بيتي ، كانت تقول في كل مرة تكشف علاقة جديدة مع واحدة ممن كنت أقتنص في هذه المملكة الزرقاء ، وفي المقاهي والمعارض وكل مكان يتاح فيه صدى ضوء جديد " ص 23
- التشظي بين السرد اللغوي والسرد المرئي ، بين اللغة الأولى وبين الصورة لغة
ثانية وآلية حديثة ، ومن ثم ، التملص ولو مؤقتا مما يسميه رولان بارت ب" فاشية اللغة الأولى " ، لأن الصورة " تضيف شيئا إلى النص " يقول كليطو ، وذلك ما ذهبت إليه رسومات لطفي التي اختزلت النص " لن نعبر الجسر كدلالات مكثفة ، ومنحت العين فسحة أخرى للقراءة
- التشظي بين الزمن الماضي والزمن الحاضر ، بين طفولة مكتظة بالكثير من
الصور الجارحة والموجوعة التي تحيل إلى الأم والخيانة :" :" من الرجل الذي كان يجثو على امي يعضّها ويكبّل يديها؟ كدت أصرخ من وراء الكوة ان اترك أمي أيها الشرير؟ ولكني خفت، ولكن وجه امي حين انزاح عنه الجسد السمين لم يكن حزينا لم تكن تبكي ولم تكن تتوسل بل كان وجهها متوردا مضيئا ويداها كانتا تداعبان الجلاد، والجلاد لم يكن رجلا غريبا، كان عمي» (صفحة265). وبين حاضر بدون بوصلة استقرار نفسي ، وهذا ما يعمق هذا التشتت والتيه الذي يعيشه " دالي "
هذا الخليط من التمزقات جاء إفرازا لأوجاع طفولية بعيدة وقريبة ، هو صورة للتبعثر والتشظي الذي يعيشه " دالي " ،بدءا من خيانة الأم ، انتهاء بالأنثى الحبيبة التي هاجرته ، مرورا بهزات وكثير من الرغبات الجنسية التي تنتهي بالشعور بالذنب .
تتخلل رواية " لن نعبر الجسر معا " ، خطابات متنوعة ، حيث يصادف القارئ في أعطافها مقاطع شعرية ، ونقف عند هذا المقطع في الصفحة :
" في أعماقي كان ذئب يكبر
ولست قادرا على قتله
أنا من غذى نابه ومخلبه " ص 250
من شأنه هذا المقطع الشعري تنمية المسار الحكائي ،والتجاوب مع موضوعة الحكي وانشطاراته التخييلية ، كما يضفي على المسرود وهجا شعريا .
إلى جانب هذه العبارات الشعرية ، ينسرب التشكيل متولدا من رحم النص الحكائي كما ورد في الصفحة 206:" امتدح أستاذي طريقتي في تركيب الألوان وتوزيعها في فضاء الورقة ، قال لي إن رسومي تعكس موهبة علي أن أهذبها "، ومن الخطابات البانية للرواية أيضا " الرسائل ، ونمثل لها بالرسائل الفايسبوكية المتبادلة بين " فاتن " و" دالي ".
وكتنويع لهذه الخطابات ، تندس المذكرات ويتم لحمها مع المتواليات السردي ، ونخص بالذكر مذكرات " فاتن " التي تبث من خلالها سيرة رابطتها مع " دالي " ، من غراميات ، وانزياحات ، ثم القناعة بإنهاء هذه العلاقة المتشظية والذئبة في النهاية ، نقرأ في الصفحة 188 :" اليوم أيقنت أنه لم يعد لي مكان في حياته ، لذلك قررت أن أخرج منها "
وجملة القول ، " لن نعبر الجسر معا " ، نص روائي ينضاف إلى ريبورتوار الشاعر والروائي لطفي الشابي ، وإلى عناوين المشهد الروائي التونسي والعربي ، ويمكن تصنيفه ضمن العناوين السردية المختلفة ، التي تروم خلخلة التلقي التقليدي ، بانفتاحها واستتثمارها للراهن بكل لغاته ,



#عبدالله_المتقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعرية الجسد في ديوان - قبعة ضاقت عن رأسي - لسندس بكار
- انتقاما من حارس العمارة
- جدل الموت والحياة في -قبر تحت رأسي- للإماراتية لولوة المنصور ...
- حفل توزيع جائزة - توفيق بكار- للرواية العربية
- استطلاع سردي:القاصون المغاربة.. لماذا يكتبون؟


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله المتقي - لعبة التشظي في رواية - لن نعبر الجسر معا - للتونسي للطفي الشابي