أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله المتقي - جدل الموت والحياة في -قبر تحت رأسي- للإماراتية لولوة المنصوري















المزيد.....

جدل الموت والحياة في -قبر تحت رأسي- للإماراتية لولوة المنصوري


عبدالله المتقي

الحوار المتمدن-العدد: 6154 - 2019 / 2 / 23 - 17:01
المحور: الادب والفن
    


جدل الموت والحياة
في "قبر تحت رأسي" للإماراتية لولوة المنصوري

عبدالله المتقي

تعتبر لولوة المنصوري من الأسماء اللافتة والدؤوبة في المشهد القصصي والروائي بالإمارات ، باعتبار ما أنتجته نصوصها الإبداعية من أفق تجريبي متنوع طال بعض الجوانب الهامة من مقومات تجربتها ، على مستوى المضمون والمضمون معا
وبالرجوع إلى مجاميعها القصصية ونصوصها الروائية ، الممتدة في الزمان والمكان ، نذكر على سبيل المثال " خرجنا من ضلع جبل " و" آخر نساء لنجة " و " القرية التي تنام في جيبي"و" قبر تحت رأسي " وغيرها من الأعمال المنشورة ، نقف على عمق هذه التجربة وحيويتها .
وكما هو معلوم ، فقد دشنت " لولوة المنصوري" مسيرتها السردية بمجموعة قصصية وسمتها ب " قبر تحت رأسي " ،تقع في 72صفحة من القطع المتوسط ، وتشتمل على أربعة عشرة مدونة قصصية متفاوتة الأحجام ، ارتأت القاصة أن تكون ما بين قصص قصيرة وقصص قصيرة جدا، ولا ريب، أن هذا التفاوت في الأحجام والأطوال القصصية ولدته حالة الكتابة وقلقها حين انسياب المحكي القصصي ، كما تنوعت عناوينها بين جمل اسمية ، وشبه الجملة ، وجمل فعلية ، وتنوعت مضامينها بحسب سياقها القصصي ، وللتذكير فإن هذا الأضمومة القصصية حائزة على جائزة الشارقة للإبداع العربي.
فماذا عن هذه المجموعة الموسومة ب " قبر تحت رأسي " ؟ وما القضايا التي تلتقطها عين القصة ؟ وكيف قالت عين القاصة هذه القضايا ؟
بداءة ، دعونا نتفق أن العنوان الذي اختارته القاصة لمجموعتها " قبر تحت رأسي " ، هو أول ما يواجهنا في الدفة الأولى للغلاف ، ويحمل بعدا مكانيا واضحا ، فالقبر فضاء لإيواء الموتى، والرأس فضاء للأحلام والتدابير ، بيد أن موضع القبر تحت الرأس ، يجعل القارئ أمام جملة اسمية مربكة ومزعجة ، هي روح وجوهر المجموعة ، بيد انه بعد الدخول إلى أغوار القصص الدفينة ، يكون القبر والرأس بمعاني كثيرة من مثل السكون والحركة ، الشلل والحيوية ، الموت والحياة ،
وعليه ، يكون القارئ في العتبة الأولى ، أمام ثنائية ضدية تحيل على الموت التي يرمز إليها القبر ، كما يحيل "رأسي "على الحياة ، ويؤكد الإهداء نفسه مرة أخرى، هذا الحضور للموت والحياة نقرأ في الصفحة 7:" إلى روح أبي "أحمدط ، حين رحل فجأة ، برائحة قماطه ، ثم كفنه ، وإلى عمتي "حليمة" التي لم تصدق موته حتى اليوم ومازالت في نحيبها تردد " لقد دفناه حيا " ، إهداء بقدر ما هو اعتراف وحميمية ، ينطوي على طباق دفين بين الحياة " قماط ، حيا " ، وبين الموت " كفنه ، نحيب ، دفناه "
وفي جميع الأحوال هناك التقاط ذكي ومختزل للعنوان من قبل القاصة ، فإلى جانب إرباكه للقارئ ، يفضح سر القصص التي ترشح ببعض من هذه الحياة والموت وغارقة فيها حتى الأذنين
ولما كان الموت حاضرا بشكل ملفت في قصص " قبر تحت رأسي" عبر أحداثها ، وضمنيا في تفاصيل اللغة الموحية ، حتى شكل هما لها ، ارتأينا أن ننصت لهذه التيمة وتجلياتها التي تسري في أغلب قصص المجموعة ، ويفشي بها قاموس الموت الذي يطبع المحكي القصصي من قبيل :" قبر ، تدفن ، تطمر ، أشلاء أمواته ، ميتا ، الميت ، قبر ، قبري ، المقابر ، الدود، الديدان ، تموت ، القبور ، شهيد ، مات ، يموت ، قبورنا ، شواهد ،دفنا ، المدفون ، ماتت ، الجماجم ، ترثي ، الدفن ، قبور جماعية الأجنة الميتة...." ، ولعل هذا الحضور الرهيب واللافت للموت بألوانه ، لم يكن محاكاة للآخرين من السراد والشعراء ، بل أن القاصة اتخذت لنفسها مسارا خاصا بها وطوعت صورة الموت وفق رؤيتها وخلفيتها المعرفية
هكذا ، تتعدد الميتات في " قبر تحت رأسي " بصورها المختلفة ، موت مادي ، موت رمزي ، وكذا موت الزمان والمكان ، ميتات تلتقطها "لولوة المنصوري" ، بعين خاصة بها ،ودالة عليها ، ولعل قصة " تحت حجرتي ينام 115قتيلا " هيمن يبدو فيها الموت جليا وبصورة مهيمنة ، إذ لاشيء في القصة سوى ديدان تعيش في بيئاتٍ متعدّدةٍ مثل الأرض :" يتكرر دائم أن تخرج الديدان في الليل من الأرض" ص21، وممرات المدينة :" الدود يتسكع في مكان من البلدة ، يدخل في معارك طاحنة مع طوابير النمل الباحثة عن الرزق في جيوب الفقراء ، وأكياس السكر ، وطحين خبز العجائز" ص23 ، وتتسرب الديدان كي تنهش جسد الطفل ولم تبق شعره وأظافره:" شقت أمي صدرها عويلا ، لفت شعر أخي وأظافره في قطعة قماش خضراء ،وحشرتها في ثقب جدار البيت ، كبر أبي أربعا ، فصلت البلدة على أخي" ص 22.
تتضمن هذه الشواهد النصية صورا متعددة للموت الرمزي والمادي في هذا الزمن الرديء ، موت اللغة بانتقال الموت إلى عوالم الجمال ، موت الإنسان والمشاعر والضمائر الخائبة التي لا يعنيها سوى الشره والابتلاع ، ويأتي أيضا ، موت المدينة التي أصبحت ممراتها توحي بالجثث الباردة ، بيد أنه حضور حاذق ، فهو لم يكن من باب النزعة التشاؤمية ، بل من باب فك شفراته ومن ثم تجسيده في صورة تتغيا تعريته والكشف عن خباياه وأسراره وتشفيراته
وفي قصص"لولوة " حتى الزمن يموت ، نقرأ من قصة " قبر تحت رأسي": " يموت الماضي على يدي غانم بعدما تنهض من تحت الندود الرملية على خاصرة خور معيري ضجرات من الذهب من بين رفات التاريخ " ص13، لكنه موت يفتح حدقاته على إيقاع التفاعلات والتدافعات ، بل ويموت بدوره المكان :" تخبرنا جدتي عن جدتها التي كانت تنقل الأخبار حرفيا عن والدها الذي حفظ التاريخ عن عمه باحتراف ان بلدتنا تنام على بلدة أخرى" ص22
ومن باب الأمل ، كان لا بد من حضور لمشاهد محكية تنبض بالحياة ، تكون بمثابة تفاؤل بدل الانتكاسات واليأس ، ولابد من قاموس يشي فرحا بالحياة التي طالما سلبها شبح الموت :" أنجبت ، يكبر ، الوليد ، مطر خفيف ، تراقص جماعي ، أنفض ،ايقاع الحياة ، ضحكة ، موسيقى البلبل، هههه هذه ضحتك ، الذي أحب ، طيراني الجميل ..." ، وهانحن بهذا الفيض من لغة الحياة والطافحة بأجواء وأصداء البهجات ، نقرأ في قصة " جبل الشهداء " ، تسمو القاصة بحالة الموت " تدفن ، الشهيد ، التابوت " ، إلى سقوف المثال والتقديس ، ويكون الهدف منها تكريم الشهداء وتبجيلهم ، نقرأ في المفتتح :" كان إذا مات شهيد في قريتنا ، يولد جبل جديد على مد أبصارنا"، يموت الجد شهيدا ، يليه الأب شهيدا ، لترشقنا القاصة بهذه القفلة التي تسمو بالاستشهاد إلى سقوف التقديس وجمالية الحكي :"فخرج جبل كبير من تحت بيتنا ، جبل أخير جثم على القرية ومن يومها صارت النساء يتبركن بالجبل
هكذا تكون الموت والحياة في قصص " قبر تحت رأسي " قصصا مبتكرة ومغايرة لما هو متداول في سوق القصة ، ولعل السر في نجاح هذه الأضمومة القصصية هو شعرية انزياحها عن المتداول والمألوف ، فنقرأ بذلك ، نصوصا تجرب من خلالها القاصة طرائق جديدة في الكتابة قصد تجاوز الشكل الواقعي الذي أصبح يبدو أنه استنفذ بعض إمكانياته في التعبير، نقرأ مقاطع تكسر خطية السرد وتلبس شكل القصيدة النثرية ، كما في كل القصص تقريبا ، ولعل هذا التكسير لأفق انتظار عين القارئ ، من شأنه تغذية النص القصصي وتطويره بشكل كبير، عبر هامش تنشيط فعل القراءة ، والخروج بالعين في فسحة بقصد الاستراحة من الخطية ولو قليلا ، وتحريك القارئ للمساهمة بفعالية أكثر في إغناء الممارسة القصصية والدفع بها نحو آفاق أرحب
ولم تكتف القاصة بتكسير عظام خطية السرد ، بل تجاوزته إلى تكسير الحدود بين الأجناس والحد من هيمنة السرد وصفائه المزعوم. بشعرنتها للسرد الذي يبدو متوهجا ويلامس سقوف المجاز ، نقرأ في الصفحة 42:
" تطير ...
تطير ..
وخلفها تطير عائلات الطير
والشجر
والضحة القابضة على الجمر
والطرحة ..
وقتها أين أجدني ؟"
ومع هذه الجمالية الحكائية التي تعني شعرنة السرد ، تتميز المجموعة أيضا ، بجمالية الفضاء المنقوط :
- أن ...
- أن ... ص32
فبعد " أن " يشي بالحذف مما يعني أن هناك فجوا وتوترا على القارئ أن لا يغادرها حتى يشغرها بما يناسب فضاءها اللغوي والدلالي ، وليس غريبا ما تمارسه القاصة من تجريب وفخاخ لغوية نستشعره من خلال هذا التقنيات الجمالية واللعبية ، وهو نفسه ما تؤكده القاصة في الصفحة :
"- أن أضع الكثير من السطر الفارغ ؟ عسى أن يأتي راو آخر يخرج من ضلعي ، ليكمل حكاية البلدة وصخرة الدم الكثير من القفز على بيا ض الكذب ؟ "ص32
وتأتي العجائبية لتشغل الحيز الأكبر من قصص المجموعة ، حيث لم تكتفي بنقلٍ حرفيّ لمرجعيات الواقع الخارجيّ، بل سربت أحداثا عجائبية مثيرة ، وفسحات غريبة ، ومشوهة كما في قصة " قبر تحت رأسي " حيث تشويه " غانم" :" غانم يكبر وبطنه مشدودا الى حضن الارض "ونقرأ أيضا:" تنتبه حفصة إلى الرأس الضخم الذي يهبط على رأس غانم ، ومائلا باتجاه الصدر " ص10، تشويه قد يكون أحد تجليات الواقع، وصورة مرآوية لأقنعته الممعنة في البشاعة والثقل”.
وصفوة القول ، تبقى قصص " قبر تحت رأسي " ، إضافة نوعية للمشهد الثقافي الإماراتي ، ومكسبا لقصته بصيغة المؤنث ، بما فيه من اجتهاد قصصي في التناول وجودة جمالية في القول والأداء



#عبدالله_المتقي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفل توزيع جائزة - توفيق بكار- للرواية العربية
- استطلاع سردي:القاصون المغاربة.. لماذا يكتبون؟


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله المتقي - جدل الموت والحياة في -قبر تحت رأسي- للإماراتية لولوة المنصوري