أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المهدي فكري - لغة الدمع...فصاحة














المزيد.....

لغة الدمع...فصاحة


المهدي فكري
كاتب وباحث

(Elmehdi Fikri)


الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 21:38
المحور: الادب والفن
    


قُبَيلَ أيامٍ وفي زمنٍ سرمديٍ لَقِينِي شخصٌ عزيزٌ لم أره منذ مدة، كان في حالة يرثى لها وقد بدا لي أنه غارق في غيابات جب عميق سقط فيه ولم يجد ملجأ ولا منجا، إنني أعرفه منذ مدة ولم أعهده على هذا الحال، فحتى حالة جسمه تشتكي منه على ظلمه لها، لقد التسق جلده بالعظم وكأن اللقمة لا تدخل فمه أبدا وقد يكون كذلك. وبدا لي في عينيه الخافتتين الشاحبتين آثار دالة على أرقه وسهره الليل كاملا ولكن لماذا؟ قلت له بعد ما أجابني بأنه بخير:
لا شيء من سمياءك الخارجية يقول بأنك بخير، فحتى بسمتك المعهودة قد اختفت، فكيف تريد إقناعي بأنك بخير؟
قال لي وقد حاول إبراز ابتسامة مصطنعة: أنا بخير فلا خوف علي يا صديقي، ربما لأنك لم ترني منذ مدة حسبتني تغيرت.
قلت له: هنا تكمن المشكلة يا صديقي لأني لم أعهدك هكذا، إن هذا ليس أمرا طبيعيا فحدثي ولا تخف علك تجد عندي دواء أو أرشدك إليه، المهم لا تكتم أحزانك في داخلك وأخرجها في وجه مفتعلها، فالأحزان المتراكمة قنبلة موقوتة إن لم تعالجها في حالها عكرت صفوك أياما وليالي لا حسر لها.
ابتسم في وجهي ابتسامة سالت معها عبرتان من عينيه ثم تبعهما فيضان لا منقطع من الدمع فاستدار إلى الجهة الأخرى مخفيا دموعه عني، ولكن كم عساه يخفي، فالدمع إذا انطلق لا ينفع معه إخفاء ولا تظاهر بالزكام تحت منديل ورقي.
ثم قلت له: لا تحبس دموعك يا صديقي ودع عينيك تتكلمان قليلا فقد أرهقتهما بالسهر إني أكاد أسمعهما تقولان: " نحن بنات أحزانك التي استقبلتها وجعلت لها موطنا في داخلك، نحن مآسي السنين والطفل الحزين، نحن اللتان كنتَ تلجأ إليهما في صغرك كي تنال حاجاتك، نحن متنفسك حينما كنت تشعر بالضعف، نحن اللتان بكيت بهما لفقدان حبيب أو ظلم عدو حتى أنك بكيت بنا فرحا بسبب خبر مفرح بلغك.."
قال لي: كيف سمعت كل هذا من عينين لا لسان لهما ولا فاه؟
قلت له إن للدموع لغة لا يفهما كل الناس، ألم يجعل الله "رجلا ذكر الله خاليا ففاضت عيناه من الدمع" جعله من الذين يظلهم بظله يوم القيامة، إن الدموع أصدق من القول.
قال لي: إذن لا داعي لأحكي لك قصتي، لأني أراك قد علمت كل شيء من دمعي فانصحني إذن وأنا لك من السامعين.
قلت له: ما علمته من عينيك أنك اتبعت سرابا ولم تدر بأنه يسوقك للهاوية، يا صديقي لأن تموت عطشا خير لك من أن تتبع السراب إلى الهاوية، فقد يضعف الإنسان أمام حاجات نفسه الطائشة، وقد يضعف إيمانه بربه تعالى إثر غفلته فلا يرى حياة إلا في أشياء محددة أو أشخاص معنيين، وهذا _لو تعلم أحبك الله_ هو أكبر ابتلاء من الله العزيز الحكيم لك يا ابن آدم على تعظيمك أشخاص عليه سبحانه وتعالى.
أي نعم إن الله رزقنا قلبا لا ينبغي أن نعطله ولا ينبغي أن يزيع عن خالقه إن الله يغار على عبده الذي أحب غيره أكثر منه، والله لا يغار على عبد إلا لأنه أحبه ، فأبشر و ابتسم لأن الله يحبك ويريد عودتك للطريق القويم، إن الله يبتلي عبده الذي صرف قلبه في غير حب خالقه ليذوق الألم والمرارة في وهم كاذب لا حلاوة فيه إلا في مستهله، ليبتليه فيعود إلى حلاوة الحب الإلهي غير المنقطع حلاوته، بل إن من جماليات حبك لله للجميل سبحانه أنه يزيد أضعافا كلما زدت إليه خطوة بصدق وحسن نية.
لا تقلق مما حدث ولا تجزع منه، فما حدث لم يحدث عبثا وما كان ليخطئك فنحن لا نعلم حكمة الله في خلقه ولكننا نعلم أنها كلها خير فحتى في الهم فضل كبير فسل نسك هل استفدت من هذا الألم شيئا ما ؟ هل غيرت سلوكات كنت عليها قبله؟ هل رتبت حياتك من جديد؟
قال لي : ونعم بالله خالقي وكيلا على حالي، يا صديقي لا أدري ماذا أقول لك، وكأنني قد حكيت لك كل شيء عن حالي دون أن أنطق به، وفتحت لي بكلماتك هاته منفذا جديدا أنظر به بأمل وتفائل، ربما أحتاج وقتا لأتعافى كليا ولكني كما قلت لي قد استفدت كثيرا من هذا الألم فرتبت حياتي من جديد مسشعرا قيمة الوقت، فما أطول الوقت في الشدائد وحري بي أن أستغلها فيما ينفعني.
قلت له: هكذا أريدك أن تكون، أظهر ابتسامتك من جديد حقيقة دون تظاهر بها ودع أمرك بيد الله وقضاءه وقدره، فإنك لن تخيب أبدا ففضل الله عليك كبير لطيبة قلبك وصدق نيتك.
فابتسم صديقي أجمل ابتسامة وضمني إليه ضمة علمت من خلالها أنه فتح عينيه من جديد ورأى النور، وما شفاءه إلا مسألة وقت فقط.



#المهدي_فكري (هاشتاغ)       Elmehdi_Fikri#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل ستستثمر إسرائيل صمت العرب في إعلان قيام مشروع دولتها الكب ...
- بكاء الريح
- ميكيافيلة العولمة -الغاية تبرر الوسيلة-
- شمس الظلام


المزيد.....




- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...
- NEW تردد قناة بطوط للأطفال 2024 العارضة لأحدث أفلام ديزنى ال ...
- فيلم -حرب أهلية- يواصل تصدّر شباك التذاكر الأميركي ويحقق 11 ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - المهدي فكري - لغة الدمع...فصاحة