أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوان رمو - طريدٌ في دولة البعث ومهدورٌ كدم














المزيد.....

طريدٌ في دولة البعث ومهدورٌ كدم


جوان رمو

الحوار المتمدن-العدد: 6515 - 2020 / 3 / 15 - 18:55
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دخل مدير المعهد على غير عادته الفصل الدراسي برفقة أمين سره، متجهّم الوجه وعلامات الغضب بادية على ملامحه، تناول ورقة كان يحملها بيده، وبدأ يتلوها على مسامع الطلاب.

وما إن انتهى من قراءة تلك الورقة، حتى ساد الصمت القاعة الدراسيّة، ما كانت تلك الورقة إلّا قرار فصل الطالب "فتح الله حسيني" نهائياً من المعهد، دون أيّ توضيح لسبب قرار الفصل.

طلب المدير من الحسيني حمل أغراضه ومغادرة المعهد نهائياً دون رجعة، مردفاً طلبه بعبارة "خلي لغتك الكُرديّة تنفعك"، حينها أدرك فتح الله أن السبب أمني بحت، ومتعلّق بنشاطه الحزبي والكُردي، فردّ عليه "نعم.. ستنفعني، أنا كُردي وأفتخر بهويتي الكُردية، قد تستطيعون تحطيم حلم أمي في أن أكون معلماً كما تشتهي هي، ولكنكم لن تستطيعوا أبداً سلب هويتي ومستقبلي"، ثم حمل كتبه وأغراضه وغادر القاعة الدراسيّة.

فتح الله كان طالباً في السنة الثانية في معهد إعداد المدرسين للغة العربيّة، لم يكن يفصله عن حلم أمّه التي كانت تحلم دوماً أن تراه معلماً، سوى عام واحد فقط، حال تقرير أمني كتبه أحد مخبري نظام حافظ الأسد من الطلبة البعثيين، دون تحقيق ذلك الحلم.

تقرير واحد من مخبري نظام الأسد كفيل بأن يقلّب حياتك رأس على عقب، هكذا انقلبت حياة فتح الله، بات يشكل خطراً على أمن الدولة، التهمة التي عرفها فيما بعد، وبسببها أُبعد عن مقاعد الدراسة، وحرمته من التوظيف في مؤسسات الدولة طوال حياته.

لم يثنِ ذلك من عزم فتح الله عن إكمال مسيرته الحزبيّة ونشاطته الأدبيّة والكُردية، فتح الله الذي عُرف في محيطه كشاعر يكتب باللغتين الكُردية والعربية وككاتب صحفي، بدأ يتنقل بين بيروت ودمشق، كلما أراد أن يطبع مجموعته الشعرية، فتبارك له بيروت مولوده الجديد - كما يحلو أن يسمي مجموعته الشعرية - في الوقت الذي تضيّق الرقابة في دمشق الخناق على كتاباته.

وعرف أيضاً بنشاطه بين رفاقه في الحزب اليساري الكُردي، فعمل كعريف حفل في احتفاﻻت عيد النوروز لعدة سنوات، وشارك في المجالات اﻷدبيّة بكثرة، وكان له مشاركات أدبيّة في عدّة مدن سوريّة، الأمر الذي لم يرق لنظام الأسد، ولا سيما أنّ الأحزاب الكُردية بمجملها محظورة من أيّ نشاط في دولة البعث، ويعد القيام بأيّ نشاط من خلال تلك الأحزاب من وجهة نظر النظام الأمني في دمشق، نشاط مشبوه يهدف إلى وهن عزيمة الأمة، وإضعاف الشعور القومي، التّهمة التي قد تؤدي بصاحبها إلى غياهب السجن لسنوات، وعليه بدأ نظام الأسد في دولة البعث بتضييق الخناق على فتح الله ورفاقه، وبدأ باعتقال البعض منهم، فيما تمكّن آخرون ومن بينهم فتح الله من الهروب خارج البلد.

تمكّن فتح الله من الإفلات من قبضة نظام الأسد الأمنية، واستقر به الحال في مدينة السليمانية في إقليم كوردستان العراق، وتابع نشاطه الحزبي بحريّة، وغدا عضواً في اللجنة المركزية للحزب اليساري الكردي، كما استئنف كتاباته الصحفية في أكثر من صحيفة، بعيداً عن القيود التي كانت تفرضها صحافة البعث ونظامه، وشغل منصب نائب رئيس تحرير صحيفة "الأمل" الأسبوعية التي كانت تصدر في مدينة السليمانية.

كل ذلك فتح لحسيني الباب ليطلق العنان لمشاعره ولقلمه، فأصدر أكثر من مجموعة شعريّة، إلّا أن عناوين تلك المجموعات الشعرية تشير بقوّة إلى أنه ما زال يخوض معركة حريّة الكتابة والتعبير ضد شبح نظام البعث الذي ما زال يطارده في أحلامه وذكرياته، نظام الأسد الذي حاول بكل جبروته وسطوته أن يخرس كلمات فتح الله ويكسر قلمه، فحملت إحدى مجموعاته الشعريّة اسم "طريدٌ لا محال"، فيما حملت أخرى أصدرت بعدها بأربع سنوات اسم "مهدورٌ كدم".

يذكّرني محاولات نظام البعث البائسة لقمع الكلمة الحرة، وإلغاء حق الإنسان في حرية الرأي والتعبير بعبارة للكاتب الأمريكي "إرنست همينغوي"، وردت في روايته "العجوز والبحر" على لسان بطله "سانتياغو"، حيث يقول: "من الممكن أن تسحق الإنسان لكنك من المستحيل أن تهزمه".



#جوان_رمو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البغدادي ولورنس العرب من جديد
- هتلر سورية ( الجستابو )


المزيد.....




- عراقجي: أمريكا خانت الدبلوماسية.. وتعاون إيران مع الوكالة ال ...
- ترامب يصعّد -الحرب التجارية- بفرض رسوم جمركية بنسبة 30% على ...
- بغذاء ومذياع ومصباح يدوي.. دعوة لسكان ألمانيا للاستعداد للطو ...
- منى فتو: -المتفرج المغربي يتقبل مشاهد العنف أكثر من مشاهد ال ...
- طواف فرنسا: ميلان يتصدر المرحلة الثامنة ويصبح أول إيطالي يفو ...
- مخرج هوليودي ينتظر السجن 90 عاما بتهمة غسل أموال نتفليكس
- كيف يغيّر -مشروع ديجيتس- من -إنفيديا- مشهد الذكاء الاصطناعي؟ ...
- مسؤولان أمميان يصفان ما يحدث بغزة بأنه جنون وبلا أخلاق
- ضربوه حتى الموت.. مقتل فلسطيني أمريكي على يد مستوطنين في الض ...
- ماذا نعرف عن الصندوق الأسود الموجود في الطائرة؟


المزيد.....

- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي
- مغامرات منهاوزن / ترجمه عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جوان رمو - طريدٌ في دولة البعث ومهدورٌ كدم