أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صابر عصام - تيمة الاغتراب في رواية مطبخ الحب للروائي عبد العزيز راشدي















المزيد.....

تيمة الاغتراب في رواية مطبخ الحب للروائي عبد العزيز راشدي


صابر عصام
أستاذ باحث

(Aissame Sabir)


الحوار المتمدن-العدد: 6512 - 2020 / 3 / 12 - 15:53
المحور: الادب والفن
    


تيمة الاغتراب في رواية مطبخ الحب للروائي عبد العزيز راشدي.
عديدة هي الأنامل التي خطت الصحراء ورسمتها بكلمات عابرات الحدودَ معبرات، ولعل الروائي و القاص ابن منطقة زاكورة الأستاذ عبد العزيز راشدي من مواليد 1978، من النماذج الرصينة في كتاباتها حيث جاءت إبداعاته الأولى في مدار الصحراء و الثقافة الجنوبية بدء برواية ”بدو على الحافة”, 2008 ثم أعماله القصصية ”زقاق الموتى” (قصص)، 2004 طفولة ضفدع” (قصص)، 2006 ”وجع الرمال” (قصص قصيرة), 2007 ”سندباد الصحراء”، 2013
حتى اعتقدنا للوهلة الأولى بناء على هذه العناوين أنه سيحمل لواء ثقافة الصحراء و الطوارق كما مثلها محمد خيرالدين و ابراهيم الكوني وغيرهما، إلا أن سنة 2012 جادت علينا قريحته الابداعية وكتابته التخييلية بمثن سردي كسر كل أقانيم التبعية في الكتابة الروائية، عنونه بمطبخ الحب، خلاله نسج خيوط فترة تاريخية صعبة بالمغرب على كل الأصعدة، سياسية كانت أم اقتصادية، أم ثقافية، أم فنية أدبية، بل حتى عاطفية.
تلك المرحلة التي دخل فيها المثقف المغربي على وجه الخصوص دوامة من التساؤلات المحيرة حول الواقع و الراهن. فأصبح فيها ذوو الشواهد العليا و خريجو المعاهد و الجامعات مناضلين للمطالبة بحقهم في التشغيل رغم اختلاف انتماءاتهم وطبقاتهم، إلا أن ساحة النضال جمعتهم وجعلت من الفصائل الأعداء زمن الجامعة أصدقاء اليوم أمام البرلمان، كما وقع لبطل الرواية عبد الحق الذي تبنى فكر جماعة تدعى جماعة الحقيقة والسراب، ورفاقه الجدد حسن ورشيد بجماعتهما وفكرهما الاسلامي وعاطف بتياره اليساري، بل الأكثر من ذلك إن سويعات فض المعتصمات و المطاردات الهوليودية بأزقة المدينة القديمة بالرباط كانت قمينة بربط وشائج العشق بين عبد الحق وعشقه الممنوع سهام.
الرواية قيد الدراسة والقراءة "مطبخ الحب" تمتد على محيط ورقي قياسه 193 صفحة، احتجن بين أسطره مجالا جغرافيا واسعا ابتدء من أقصى الجنوب إلى الشمال مرورا بالدار البيضاء فالرباط وسلا، ثم إلى خارج الوطن والحدود، لينتهي به الطواف في مدينة صغيرة علقت فيه أحلام عبد الحق.
أما شخصيات الرواية فكلها أبطال بالنظر إلى دورها في تحريك دواليب السرد، وزمنه فهو زئبقي هلامي لا يمكن الإمساك به بسهولة، الشيء الذي دفعنا لطرح التساؤل الآتي؛ هل سنقيسه بمنطق زمن الكتابة أم زمن الحكي أم زمن القراءة وملء البياضات؟
بعد محاولة تتبعنا لأحداث الرواية اتضح لنا أن الروائي عبد العزيز راشدي كان ذكيا في التعامل مع زمن روايته إذ اختار زمنا انسيابيا اخترق كل الأزمنة و أربك كل الحسابات، فعمد بعدها إلى تقنية أسعفته في احتواء الحدث بكل تمفصلاته الزمنية و المكنية، هي تقنية الحكي بالذاكرة وتقنية الاسترجاع، وهذا ينم بالأساس عن التكوين الرصين للكاتب في الجانب النظري للأنساق السردية وحنكته الكبيرة في تنزيلها وتطبيقها.
في ورقتي هذه لن أتحدث عن الكاتب باعتباره كاتبا بارعا، ولا عن التقنيات السردية الموظفة، ولا حتى عن البطل الإشكالي الذي اختاره الروائي للبحث عن قيم فاضلة في محيط منحط على حد تعبير جورج لوكاتش. وإنما خصصتها للحديث عن تيمة الاغتراب في الرواية ككل.
فالاغتراب في تعريفه الشمولي يعد بمثابة إحساس الفرد بغربة اتجاه ذاته وبعلاقاته بالآخر و المكان وبكل مواقفه، هذا النوع من الاغتراب هو ما عان منه المثقف والكاتب العربي زمن التحولات الجذرية في بنية الثقافة والحضارة العربية وفي ظل ما يغزوها من قيم جديدة، واضمحلال الأجود منها، علاوة على تيمات أخرى كالانكسار والتذمر والتمرد على الواقع المثخن بقيم التحرر الجوفاء التي لا يملك فيها الشخص سوى المفهوم دون المضمون.
بذلك أوجد الكاتب لنفسه مساحات بيضاء يفرغ فيها كل لواعجه وما يخالجه، بعدما لفظته أمواج الواقع الهوجاء إلى الهامش ليحس بذاته غريقا غريبا في عالمه المألوف وبين جذران مدينته الأم وفي حضرة أصدقائه وحضن حبيبته، بل حتى في كلماته التي خانته فلم يصب.
عبد الحق بطل الرواية الذي لا يمثل الكاتب، قطعا، نجده منذ بداية الرواية إلى نهايتها يتأرجه بين إثبات الذات كعاشق ومحب، وإثبات الذات كمواطن له حقوق، وإثبات الذات كموظف ومثقف. فما كان لإثبات ذات العاشق ليظهر لو لا أفول إثبات ذات المواطن، أما إثبات ذات الموظف المثقف فلن يتأتى إلا بعد إثبات وتأكيد ذات المواطن العاشق.
هذه المعادلة من الدرجة الثالثة لا تقبل أي حل سوى الإجابة عن أسئلة أنطولوجية وجودية تتعلق ب " كيف وأين ومع من؟" هذه الأسئلة الثلاثية الأبعاد ليست حول الوجود الإلهي طبعا، وإنما حول وجود ذات البطل التي لم تفلح في حل هذه المعادلة التي صنفتها في الدرجة الثالثة، مصداقا لقول البطل : "... هل كتبت هذه العبارة فقط لأنني أحتاجها أم لأقتل شيئا مافي داخلي؟ أشياء كثيرة دارت بداخلي وأنا أبحث عن حل أو تفسير..." ص68
- سؤال الكيف تجلى في الرواية مع عبد الحق خريج الجامعة المغربية الذي يطالب بحقه في التشغيل حيث قال :" في المرة الأولى للقائنا كنا هاربين من عصا البطالة و البوليس ومن حياة مفعمة بالعنف والأسى و الحسرة، معطلان غضب الوطن عليهما فسد الأبواب و المنافذ" ص
- ليعود مرة أخرى في الصفحة 29 ويقول:" رغم ذلك، رغم الشك الذي راودني أمضيت بعض الوقت أتردد على المؤسسة بغباء عجيب اكتشفته في نفسي وسميته إصرارا، حتى مل موظف التصدير مني ولم يعد إلى لقائي"
في هذا المقطع إشارة قوية إلى سياسة التصدير التي تمارسها المؤسسات على الأشخاص غير المرغوب فيهم. فتسمية موظف هذه المؤسسة بموظف التصدير لم يكن ضربا من العبث وإنما سيرا على منوال التداول في كلامنا اليومي ودارجتنا المغربية، حيث يمكن إدراج هذه العبارة ضمن الاستعارات الحية، أو الاستعارات التي نحيا بها كما سماها جورج لايكوف، فقولنا :" راه صدرني/ أو فلان صدرني"، معناه أن الشخص تخلص مني باحتيال وكذب وصدرني فعلا إلى وجهة غير معروفة.
هذا العناء لم يتكبده عبد الحق وحده وإنما كان مع رفاق اختلفت مشاربهم الفكرية و الإديولوجية فجمعهم النضال، إذ كان عبد الحق الذي تبنى فكر جماعة تدعى جماعة الحقيقة والسراب، رفيقا لحسن ورشيد بفكرهما الإسلامي السلفي، ولعاطف اليساري، ناهيك عن تسليط الضوء على واقع كل شيء فيه غريب حتى الحكومة التي أسند إليه مهمة تسيير شؤون الوطن اشتراكية غريبة في نظر البطل.
- وسؤال الأين أو بالأحرى قاطرة الأين جاب من خلاله الراوي مدنا عدة وشوارع وأزقة متعددة، كشوارع الرباط وأزقة باب الأحد وساحة البرلمان إذ يقول على لسان عبد الحق :" ... وأنا أعتصم أمام البرلمان لأطالب بالتشغيل". هاجس إثبات الحق و المطالبة به جعل من البطل ابن بطوطة عصره ليس رغبة في الترحال ولا رهبة من الاستقرار، وإنما بحثا عن ذات تاهت بين هموم الماضي وحزن الحاضر، حيث كشف عن هذا المستور قائلا :" ... كنت مهموما بالزمان، منذ مجيئي، خصوصا وأن تجاربي في الدار البيضاء علمتني أن وقتي ليس ملكا لي". قبل مجيء عبد الحق إلى كازابلانكا كانت أيامه بين الرباط وسلا متشابهة، لتطابق تحركات هذه الشخصية المناضلة طيلة أيام الأسبوع حتى استعصى عليه التمييز بين الاثنين والثلاثاء، و السبت و الأحد، اللهم بساعات التجمهر وترديد الشعارات، وفض المعتصمات.
بعدما أدرك أن لا طائل وراء هذه الشعرات الرنانة، عقد الرحال مجددا إلى البيضاء فاشتغل هناك ما كان محتقرا إياه حتى ارتمى بين نهدي الشعيبية التي وجهت بوصلته صوب طنجة ثم خارج الحدود إلى أوروبا ظانا منه أن الهجرة هي الخلاص والحل الأنجع للمعادلة التي أسلفنا الذكر عنها، فما لبث هناك حتى أعيد تصديره إلى المغرب كالبضاعة الفاسدة، وهذا ما عبر عنه في قوله لسهام:" فإذا كنت حكيت لها عن المركب والرحلة فإنني أخفيت ما تلا ذلك من معاناة في شوارع أوروبا وحقولها وحكاية شحني مثل قمامة باتجاه بلدي." و بالتحديد إلى مدينة صغيرة أبى الكاتب إلا أن يتركها مجهولة الاسم و الموقع خوفا عليه من أعين القارئ المترصدة له، لأن الناس يفسدون كل الأشياء الجميلة، وكأننا به يعمل بنصائح جبران خليل جبران الكونية: ”سافر ولا تخبر أحدًا، عش قصة حب صادقة ولا تخبر أحدًا ، عش سعيدًا ولا تخبر أحدًا إن الناس يفسدون الأشياء الجميلة “
هذه الفكرة يزكيها قول عبد الحق في الصفحة 20:" ... في هذه المدينة الصغيرة التي احتضنتني بعد اليأس، حاولت أن أعقد صفحة مع البحر، أن أبدل الكره بالحب لكنني فشلت وارتبكت مشاعري..."
ثم صمت هنيهة ولم يكمل كلامه فيدع الفكرة مفتوحة على كل الاحتمالات. إما نجاح التجربة الجديدة أو فشلها.

- سؤال أين هذا، دفعنا لاقتفاء آثار عبد الحق عبر الزمان والمكان، وتعرف مدى إدراكه ووعيه بذاته وعلاقاتها بمحيطها. مما قادنا للانفتاح على سؤال ثالث جوهره مع من سيثبت التائه ذاته ويتقاسم تجربته.
- هذا السؤال الثالث، أي، مع من؟ جعل من عبد الحق المثقف الصحفي الواعد، زيرا للنساء، عاشقا للناهد والهيفاء، وكل تموجات و ألوان النساء، ليس حبا في الخيانة والتعدد و المتعة، وإنما لتعويض الاغتراب والضياع بحضن دافئ، وإشباع الحرمان من الحقوق بشهوات الجنس و التمتع بجسد العديد من النساء،
فهو القائل في الصفحات الأولى من الرواية وهو مستلق إلى جانب ضجيعته :"... أما أنا فكنت أفكر وأداعب ظهرها بطرف أصابعي بلطف وبطء لم أعتده في نفسي، كنت هادئا تماما ومرتاحا وذهني صاف تتوارد الصور عليه..." إلى أن يقول :" ظللت أفكر في هذه المنة التي نزلت من السماء وأسعدتني وأعادت التوازن إلى روحي التي أنهكتها المطارق" هذا القول خير دليل على ما ذهبنا إليه سلفا في كون الشخصية المحورية أنهكها طولُ وعناءُ التفكير في كيفية النفاذ من اللاستقرار إلى الاستقرار، فتوسد ظهور ضجيعاته وعدم الاقتصار على واحدة حتى حبيبته سهام التي كذب عليها:" لقد كذبت عليك يا سهام، لازال في قلبي غيرك من النساء". هذه العبارة التي زادت من قراح عبد الحق وزادت الشرخ بينه وبين سهام. وعمقت من آلامه ووحدته فعاد إلى نقطة الصفر من معادلتنا وراح يبحث مجددا عن حل للكيف و الأين ومع من؟
- نحن كذلك في ورقة تتبعنا هذه، سنعود إلى أول نقطة انطلقنا منها ونقول، إن الكاتب، والروائي، والقاص المغربي ابن منطقة زاكورة، الأستاذ عبد العزيز راشدي قد كان ذكيا في تمرير ما أراد تمريره على لسان عبد الحق، فترك مسافة أمان بينه وبين رؤيته للواقع حول فشل المنظومة في حل ملفات طالها النسيان على رفوف حكومات قطعت أواصر السابق باللاحق، بزعموا أن...أو زعم عبد الحق أن...



#صابر_عصام (هاشتاغ)       Aissame_Sabir#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطورة كورونا على الدول العربية وثقافة الاستهزاء...
- قراءة في المجموعة القصصية الشاعرة فيرجينيا


المزيد.....




- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
- السعودية تتصدر جوائز مهرجان هوليوود للفيلم العربي
- فنانون أيرلنديون يطالبون مواطنتهم بمقاطعة -يوروفيجن- والوقوف ...
- بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ ...
- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صابر عصام - تيمة الاغتراب في رواية مطبخ الحب للروائي عبد العزيز راشدي