أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سفيان ميمون - السوسيولوجي والطقس الديني














المزيد.....

السوسيولوجي والطقس الديني


سفيان ميمون
كاتب


الحوار المتمدن-العدد: 6503 - 2020 / 3 / 1 - 08:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


من حق رجل الدين أن يخوض في الطقس الديني فيعمل على توصيفه وبيان ما هو مقبول وما هو مرفوض وفقا للمبادئ الدينية لدين معين ، ومن حق رجل الدين أيضا أن يعمل على توجيه السلوكات الدينية فذلك عمله، حيث يعمل رجل الدين في مجال الدعوة فيكون سبيله أن يدعو الناس لفعل على حساب فعل آخر ويوجههم لسلوك ويحذر هم من سلوك آخر ، غير أن مجال اشتغال السوسيولوجي يمنعه من تقديم الأحكام الجاهزة وتقمص دور رجل الدين من خلال إبداء الرأي حول الطقس الديني بتحريمه والقول بمخالفته للعقيدة الدينية، ببساطة لأن السوسيولوجي له منطق آخر يختلف عن منطق رجل الدين ، السوسيولوجي هو الذي يشتغل على الطقس الديني باعتباره فعلا اجتماعيا له أسبابه وله سياقاته الاجتماعية والثقافية ، وله خلفياته الأيديولوجية والسياسية ، على السوسيولوجي أن يرجع إليها محاولا فهمها بالرجوع إلى الأدوات المنهجية والأطر النظرية التي طورت في حقل علم الاجتماع والعلوم الاجتماعية عامة .
لا يمكن أن يطلب من السوسيولوجي بأن يتنصل من عقيدته الدينية أو أن يطلب منه ألا يدافع عما يعتقد وألا يعبر عن عاطفته الدينية ، كلا فهذا حقه كمواطن ، وهو كذلك – أي كمواطن – له كامل الحرية في التعبير عن عاطفته الدينية وعن آراءه ومواقفه ، ولكن الأمر مختلف تماما باعتباره مختصا في مجال علم الاجتماع ، لأنه وهو على هذا الوصف مقيد بما يقرره هذا التخصص من مبادئ علمية ولعل أهم هذه المبادئ أن يحاول تحليل الظاهرة دون أن تحتويه الظاهرة محل الدراسة، أي أن يحاول التحرر من قبضة الظاهرة قدر المستطاع ذلك الذي وسمه دوركايم ب" شيئية الظاهرة الاجتماعية " ودعا خلاله إلى إبعاد الأحكام المسبقة خلال عملية التحليل ، وذلك أيضا مادعت إليه المدرسة النقدية بزعامة ماكس فيبر ، فالأحكام المسبقة غير مستساغة في مجال علم الاجتماع وإن كانت المدرسة النقدية قد أعادت الاعتبار إلى الذات غير أن هذه الذات تقدم نفسها فقط كأساس لفهم الفعل والسلوك الإنساني من خلال عوامل الخبرة والقيم والمعارف التي تترسخ لدى السوسيولوجي .
يتناسى بعض المشتغلين في حقل السوسيولوجيا دورهم في نقد الفعل الديني باعتباره فعلا اجتماعيا وينساقون بدافع العاطفة الدينية إلى إبداء رأيهم في بعض الطقوس الدينية من حيث كونها فعلا شركيا يتنافى وعقيدة التوحيد مع الدعوة لمحاربة الظاهرة ، بما يقربهم من خطباء المساجد الذين ينتجون الخطاب ذاته بما يلغي الحواجز التي تفصل بين الداعية والمشتغل في حقل علم الاجتماع ، ولعل أوضح مثال على هذا تناغم خطاب رجال الدين وخطاب بعض السوسيولوجيين حول ظاهرة " أنزار".
" أنزار" في التراث الأمازيغي هو إله المطر ، وفي الحالات التي يقل فيها المطر تلجأ النسوة في القرى الأمازيغية إلى الإستغاثة ب" أنزار " طالبين الغيث من خلال رفع قصعة من السميد وبها ملعقة كبيرة في ساحات القرى والمداشر ، لا شك أن هذا الطقس من الناحية الدينية هو طقس شركي لأنه يخالف عقيدة التوحيد ، وقد اختفى هذا الطقس أو قلت ممارسته كنتيجة للوعي الثقافي وللقناعة الدينية التي تستند إلى ما يقره الدين الإسلامي من أن الاستغاثة لا تكون إلا من الله وأن طلب الغيث يمكن أن يكون من خلال أداء صلاة الاستسقاء لدى المسلمين.
إن السوسيولوجي وبدل أن يغرق في تشنيع الفعل وتحريمه باعتباره مخالفا للعقيدة الدينية عليه أن يرجع لما يمليه عليه دوره باعتباره باحثا في حقل السوسيولوجيا ، عليه أن يطرح تساؤلات حول عودة هذا الطقس الديني ، وحول الفاعلين الظاهرين والمستترين ، المباشرين وغير المباشرين الذين يعملون على إنتاج وتوجيه هذا الفعل ، عليه أن يطرح تساؤلات حول رمزية الفعل وحول وعي وقناعات الفاعلين وخلفياتهم الاجتماعية والثقافية ومستواهم الدراسي ، تساؤلات حول مصدر الفعل وهل هو عفوي أم موجه ، وعن الغرض من عودة هذا الطقس في مثل هذا الوقت بالذات .
هكذا وبهذه الطريقة ، ومن خلال سعي السوسيولوجي إلى الإجابة على مثل هذه الأسئلة يكون متميزا عن الداعية وعن رجل الدين ويكون أقرب وأوفى للحقل الذي ينتمي إليه ، غير أن هذا لا يعني أن رجل الدين أكثر خدمة للدين من السوسيولوجي ، أي أن السوسيولوجي يبتعد عن الدين بقدر ممارسته للتحليل السوسيولوجي بل إن السوسيولوجي لا يقل شأنا في خدمة الدين من رجل الدين نفسه ، ولكنه يختلف عنه فقط في طريقة خدمته للدين .
يكون السوسيولوجي خادما للدين شأنه شأن رجل الدين من خلال محاولته الإجابة على التساؤلات التي يطرحها الفعل في الواقع ، بل إن السوسيولوجي يتجاوز رجل الدين في بعض المواضع خاصة عند الكشف عن الواقع الفعلي للممارسات الإنسانية والولوج إلى عمق العلاقات بين الأفراد والخلفيات الفكرية والعقدية التي تحكم أفعالهم وممارساتهم .



#سفيان_ميمون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعدد الثقافي والديمقراطية
- العلوم الاجتماعية بين الميثودولوجيا والأيديولوجيا
- الجزائر وأنثروبولوجيا الاستعمار
- أهمية العلوم الاجتماعية في التنمية – علم الإنسان نموذجا –
- عقدة المثقف


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سفيان ميمون - السوسيولوجي والطقس الديني