في تفاعل مع رؤية الجابري للديمقراطية

عبد الرحمان حسنيوي

الحوار المتمدن-العدد: 6498 - 2020 / 2 / 24 - 00:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    

يقدم وجيه كوثراني في كتابه "تاريخ التأريخ" نقدا لمحمد عابد الجابري حول مسألة "الديمقراطية والشورى"، فالجابري كما رأينا في تدوينة سابقة تحمل عنوان "الديمقراطية في فكر محمد عابد الجابري" يمكن الإطلاع عليه، يرى أن للشورى مضمونا في المرجعية التراثية مختلف عن الديمقراطية في المرجعية الغربية، حيث أن الشورى مجرد استشارة لأصحاب الحل والعقد وليست ملزمة للحاكم، ولا تقوم بديلا من الاستبداد. لكن وجيه كوثراني يرى أن الإصلاحيون النهضويون كانوا أكثر رحابة وواقعية عندما استخدموا الشورى بمعنى الديمقراطية، ومن المؤكد أن أعينهم كانت على "النموذج الأوروبي"، لا على "النموذج الراشدي"، وإن لجئوا إلى الذاكرة التاريخية في استخدام المصطلح لتبرير الاقتباس والأخذ فيه، وليس في ذلك غضاضة أو حرج كما كانوا يصرحون (وجيه كوثراني، "تاريخ التأريخ" ص 328-329).
والمؤكد أن رجال النهضة في القرن التاسع عشر والعشريين كانوا يحاولون تبرير الأخذ من الغرب، من خلال أخذ المفاهيم الغربية ومحاولة البحث في التراث الإسلامية سوء الفقهي أو الفلسفي عن ما يشبه ذلك المفهوم، مثلا: الديمقراطية والشورى...، وسبب ذلك هو أن المجتمعات العربية والإسلامية كانت ترفض كل جديد، وحتى الثقافة الفقهية كانت ترفض ما يسمى "البدعة"، التي هي في الأصل تجديد. ويقول وجيه كوثراني في هذا الصدد: " إن اخطر الاستنتاجات تغييب التحولات التاريخية والاحتمالات الممكنة: احتمال تحول الشورى إلى ديمقراطية في العصر الحديث، واحتمال أن تتأقلم الديمقراطية الحديثة وتتكيف مع قيم الشورى"( وجيه كوثراني، "تاريخ التأريخ"، ص 329.).
ووجد الجابري في الديمقراطية إطارا من القيم والإجراءات التي تتوافق مع التراث بعد تعريضه للمراجعة، لتجاوز كل المشاكل النظرية والعملية التي تطرحها مفاهيم العلمانية واللائكية والحداثة...إلخ، هذه المشاكل نفسها طرحتها الحركة الإسلامية التي اتجهت نحو الممارسة الديمقراطية، ولو في البعد الإجرائي (جماعة الأخوان المسلمين في مصر، وحركة النهضة في تونس، وحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب...). ونفس الأمر قام به عزمي بشارة في مؤلفه الضخم "الدين والعلمانية في سياق تاريخي"، فبشارة غاص في مفهوم العلمانية وفككه على نحو يزيل كل أنواع اللبس التي علقت به، وخصوصا ما يتعلق بموقف العلمانية من الدين ودوره في المجال العام، يقول في هذا المنحى "أن تطور الوعي السياسي خارج الديني حدث باستمرار في الثقافة العربية- الاسلامية الكلاسيكية"(عزمي بشارة، "الدين والعلمانية في سياق تاريخي-الجزء الاول" ص 47.)، وهذا القول لتبرير "علمنة" الدولة في العالم العربي بعد ما وقع من احتجاجات واسعة في بعض الأقطار في العالم الإسلامي "الربيع العربي" سنة 2011، وأيضا جاءت محاولته في سياق وصول الإسلاميون إلى السلطة (حزب الحرية والعدالة في مصر، وحزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية بالمغرب) بعد موجة الربيع العربي، فكانت محاولته تبريرا للصعود الإسلاميين، وكان يسعى بشارة نحو توطين مبدأ "العلمنة" في ذهنية الحركات الإسلامية، وفي هذا السياق تُكمل محاولة عزمي بشارة على صعيد تفكيك مفهوم "العلمانية" لمحاولة الجابري مفهوم "الديمقراطية".
وقد اقتحام الجابري مفهوم "الكتلة التاريخية"، الذي اقتبسه من المفكر الماركسي الإيطالي أنطوني جرامشي، وحاول الجابري تبيئتها في السياق العربي المعاصر، فقد دعى النخب السياسية والثقافية الفاعلة مجتمعيا إلى الاضطلاع بمهام التغيير والإصلاح التاريخيين، للانطلاق نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد كان طرح الجابري لهذا المفهوم، منسجما مع مجمل مشروعه في إعادة قراءة التراث العربي الإسلامي وتنقيته (عبد الفتاح نعوم، "عن ما الحاحية الفكر السياسي الجابري" ص 78-79.)، وأيضا دعى الجابري إلى تبيئة قيم الديمقراطية في السياق العربي، فكان يعمل من أجل تبيئة مفهوم "الديمقراطية"، للانتقال من حالة الأنظمة السلطوية الهجينة التي تركها الاستعمار الأوروبي، إلى أنظمة مدنية ديمقراطية، يكون فيها للشعب الكلمة الأولى في تحديد من يسير السلطة.
في الأخير، استطاع محمد عابد الجابري تقديم إجابة عن سؤال الديمقراطية في الوطن العربي، فهو حاول أن يبحث عن أصل الديمقراطية في الثقافة العربية الإسلامية، وخرج بخلاصة مفادها: أن الديمقراطية بمفهومها الحديث غير موجودة في الثقافية الإسلامية، عكس ما روج له رواد الإصلاح في القرن 19 (جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا...)، لكن هذا لا يعني أن روح الديمقراطية وهو العدل غير موجود في الثقافة الإسلامية، بل هذا المفهوم متجدر في الفكر السياسي الإسلامي.

#عبد_الرحمان_حسنيوي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل