أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفرفار العياشي - حين صبح الخبز تجارة !















المزيد.....

حين صبح الخبز تجارة !


الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)


الحوار المتمدن-العدد: 6494 - 2020 / 2 / 18 - 01:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


حين يصبح الخبز تجارة !
مساء اليوم في حديث مسائي مع احد الاصدقاء , نقاش حول التحولات المتسارعة و سؤال الهوية , الحديث كان عميقا لدرجة البساطة .
الحديث لم يكن منصبا على المؤشرات و الواقعة, وإنما حول منطق التحولات الطارئة على هوية الإنسان المغربي .
في خضم النقاش, صرح صديقي وهو يتحدث عن مرحلة في طور التلاشي , يتعلق الامر بموضوع القيم الاجتماعية الصلبة التي عشنا بها و عشنا عليها و كنا نعيش من اجلها.
قال, بصوت عميق انه يتذكر طقوس وجبة الفطور في الصباح, و كيف كانت الأم تجلس و أمامها صينية فضية و بها إبريقان, احدهما مملوء بالحليب و الأخر بالقهوة السوداء رائحتها تشم في كل ارجاء البيت, لان إعدادها يستغرق أكثر من نصف ساعة , و بالقرب منها طبق خبز مغطى, وصحن زيت و الكثير من الحب و التقدير.
القاعدة الذهبية التي كانت تؤطر وجبة الفطور: " عدم أكل خبز اليوم إلا بعد أكل البارحة " ؟
" مايتكال خبز اليوم حتى يتكال الخبز البايت "حكاية تعكس منطق القيم الاجتماعية و ترسخ الحكامة التدبيرية و الحرص على عدم التبذير و تقدير مجهوذات الآخرين و اعتبار الخبز رمز الحياة الكريمة من خلال :
1- لا شئ ينبغي ان يضيع !
2- من عيب رمي الخبز في القمامة !
3- الخبز ليس شيئا عاديا , انه نعمة من الله يجب الحفاظ عليها !
فاحترام الخبز يكشف طبيعة القيم الاجتماعية التي عاش عليها جزء كبير من المغاربة, و لو حدث اثناء الأكل ان سقط جزء من الخبز على الارض يتم التقاطه بسرعة و تقبيله مع دعاء من الله بالسماح على عدم تقدير النعمة.
السبب في تقديس الخبز و احترامه هو ان عملية إنتاجه و الحصول عليه كانت عملية صعبة و معقدة, و كانت الامر هي المسؤولة الاولى على انتاج خبز عبر مسلسل عمليات دقيقة و معقدة و مؤسسة على تقسيم العمل , حيت الأب يتكفل بإحضار القمح و الشعير و الكمون و العدس خلال فصل الصيف , ما يسمى "بمونة العام " , هنا ينتهي دور الاب ليبدأ دور الام عبر غسل الحبوب و تجفيفها ثم التنقية و التخزيين و الطحن و الغربلة تم العجين واخيرا عملية الخبز, تنظيم طريقة الاستهلاك و في حالة وجود فائض فوجية في نهاية الاسبوع يتم فيها تحويل الفائض من الخبز الى وجبة لذيذة .
الام هي المكلفة بنمط استهلالك الخبز, و هو ما يقود الى استنتاج اساسي حرصها الشديد على اكل الخبز البايت, و عدم بيعه او حتى رميه مع النفايات المنزلية.
تقدير الخبز في المنظومة القيمية التي حكى عنها صديقي تعكس تقدير جهد الاب و جهد الام . فكانت النتيجة الاساسية ان الخبز كان لا يضيع و لا يتحول الى نفايات , و انما ما يتم التعامل معه انه بركة ورزق من الله .
اليوم , مقارقة حادة , الخبر اصبح سلعة يشترى من اقرب متجر, لا احد يعرف مسار انتاجه و لا اين عجن و كيف عجن , مما يولد علاقة باردة معه و النتيجة كم كبير من فائض الاستهلاك , مما يقود الى انتاج اكوام من الخبز و الذي و جد السماسرة فيه فرصة للاغتناء عبر جمعه و بيعه كعلف للماشية !
ربما الفرق بين قيم الماضي و الحاضر, ان الخبز البائت كان لا يباع لانه مقدس و يحمل بركة الام و الاب, حتى ان "الطبيقة او الطبق المصنوع من القصب " التي كان يوضع فيه الخبز كانت ملونة و جميلة احتفاء بمصدر العيش الاساسي , اما اليوم فقد أصبح الخبز البايث من نصيب البهائم و البقر !
بغض النظر عن تبعات جعل الخبز اليابس مواد للعلف و نتائجها البيولوجية على حيوان عاشب , من خلال تحويل نظامه الغذائي و طبيعة هذا الخبز الذي اصبح يتضمن مواد كيمائية مما يساهم في بروز مواد سامة من نوع mycotoxine من شان ذلك الاضرار بصحة المواطن و صحة البهائم.
ان تصر إلام على احترام الخبز, هو حرص على احترام القيم الصلبة و التي ساهمت في بناء شخصية صلبة تحترم قيمها, و تدافع عنها بحرارة و ربما بشراسة, هي قيم يتم انتاجها و العمل على استدامتها عبر مؤسسة الام المدرسة الاولى. و يستمر مسال الانتاج و التكامل في وظيفة الانتاج داخل المؤسسات الحاضنة لها,و المسؤولة عنها كمؤسسات قوية و فاعلة و لها تاثير و مفعول على سلوك الافراد, فالاسرة و المدرسة و الحي و الدوار و الجماعة و القبيلة والعائلة كلها اطارات لبناء هوية تحترم المشترك الجمعي و تحافظ على القيم الاجتماعية و الاخلاقية كاطار للسلوك الجمعي, و هو ما انتج جيلا صلبا قويا , متحكم في جسده و في لباسه و حتى في عواطفه و قيمه و وطنه و ارضه .
اما التفريط في الخبز, جعله مجرد مادة تباع الى جانب الصابون و الشمبوان و العطر و ادوات الحلاقة و الايس كريم و غيرها من المواد الاستهلاكية فهو مؤشر على انهيار الهوية الصلبة, و استبدالها بهوية هجينة تصنع هناك و في مكان ما , وان شئنا التدقيق في اللامكان , انها هوية سائلة و ذائبة تنتج الكثير من السلوكات الرخوة مظاهرها تتجسد في انماط سلوكية غريبة تغزو شوارعنا و احيائنا مثل نوع اللباس و كيفية اللباس و نوع الحلاقة و كيفية الكلام ونوع الكلام و اشكال التواصل و الحوار و العلاقة مع المحيط و الاسرة, حتى العاطفة اصبحت عاطفة سيالة و رخوة , نسبة الطلاق عند الشباب كبيرة مما يعكس انه شباب بهوية سيالةوسائلة .
العولمة اخرجتنا من هويتنا الصلبة المسيجة بالاعراف و التقاليد و القيم المتوارثة واستطاعت ان تصنع لنا هوية سائلة جعلت من الخبز سلعة . فالهوية البديلة و السائلة هي عملية تذويب الثقافة المحلية و اعدامها من خلال تشجيع منطق الاستهلاك, عبر تكوين تقافة استهلاكية عالمية أحادية المصدر، جارفة، لا تبالي بتنوع القيم و لا باختلاف العادات و التقاليد تهدف الى هندسة مجتمعات مقولبة و سائلة بلا اصل و بلا تاريخ.
هي ثقافة تعادي كل من يقف امام الاستهلاك, لان العولمة نجحت في ربط اللذة و السعادة بالاستهلاك, فسعادتك رهينة بما تستهلكه لذا لا نفاجى ان المتاجر الفاخرة بواجهاتها الزجاجية تتكاثر, فالسعادة تعني القدرة على الاستهلاك و النتيجة تراكم الازبال لاننا نشتري اكثر مما نستهلك , فاصبحنا عاجزين حتى عن تدبير وجمع ازالنا ليس لان عمال النظافة لا يقومون بمهاهم و لكن لاننا ننتج الكثير من الازبال !
الاكيد ان العولمة نجحت في ترسيخ منطق الربح , و النتيجة ان الخبز الذي كان يعني بركة الام و مجهود الاب تحول الى مجرد سلعة يباع في المتاجر صباحا و يباع كخبز جاف لسماسرة العلف مساءا .
منطق العولمة , لا يهتم بالبعد الثاقي الذي يمثله الخبز في موروثنا القيمي و الثقافي و لا يميز بين البطبوط و المسمن و الشيار و الكرون و الملوي , الغرير , الرغايف, المحراش,البلبول, الشفنج , خبز الملة, و انما يهتم بالربح و لاشئ غير الربح .
تقافتنا كانت تحترم الخبز و تقدسه لانها تقافة مسؤولة و تقدر الجهد المبذول لانتاجه , فكان الخبز مرتبط بصدرالام و حنانها, هو ما عبر عنه محمود درويش في قصيدته الرائعة, احن الى خبز أمي !
وحتى وان بقي بعض الخبز, فالأمر يعني وجبة لذيدة, تصنع في نهاية الأسبوع و تسمة تردة, حيت يتم إعدادها من الخبز المتبقي مع العدس .
اما العولمة فقد جعلت الخبز سلعة يقدم ساخنا للإنسان و جافا للحيوان , المهم ان يستمر الربح و لو على حساب هويتنا و قيمنا .



#الفرفار_العياشي (هاشتاغ)       Elfarfar_Elayachi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجمع الوطني للاحرار و مسار الثقة : الانتصار للمساواة و فوض ...
- اخنوش و الطريق الى الجنة !
- روتيني اليومي : حين تنتصر التفاهة
- علمني و الدي حب الوطن و عدم كره الاغنياء
- حزب العدالة والتنمية واسلمة الفعل السياسي
- الصحراء و الزمن المغربي
- الأسس المرجعية لفكرة -الثورة من الأعلى- عند محمد حسن الوزاني
- الديموقراطية بين فكري سبينوزا و علال الفاسي
- المؤسسات السجنية و المعمار : مقاربة سوسيولوجية
- هاجر و الخرطوم ؟
- مفهوم الديمقراطية في خطاب فلسفة ما بعد الحداثة
- الديموقراطية في فكر افلاطون
- الساديون الجدد
- الديمقراطية والعنف
- نساء الفريزا : حين تتحول المراة الى رجل . و مازق نظرية ا ...
- لا تتعبوا انفسكم السعادة ليست هنا
- الحمير و السياسة .
- مفهوم الديموقراطية في اللحظة التأسيسية : التجربة اليونانية .
- اطفال بويبلان : اطفال الجبال لايريديون صدقة .
- نساء الفريزا .


المزيد.....




- الصفدي لنظيره الإيراني: لن نسمح بخرق إيران أو إسرائيل للأجوا ...
- عميلة 24 قيراط.. ما هي تفاصيل أكبر سرقة ذهب في كندا؟
- إيران: ماذا نعرف عن الانفجارات بالقرب من قاعدة عسكرية في أصف ...
- ثالث وفاة في المصاعد في مصر بسبب قطع الكهرباء.. كيف تتصرف إذ ...
- مقتل التيكتوكر العراقية فيروز آزاد
- الجزائر والمغرب.. تصريحات حول الزليج تعيد -المعركة- حول التر ...
- إسرائيل وإيران، لماذا يهاجم كل منهما الآخر؟
- ماذا نعرف حتى الآن عن الهجوم الأخير على إيران؟
- هولندا تتبرع بـ 100 ألف زهرة توليب لمدينة لفيف الأوكرانية
- مشاركة وزير الخارجية الأمريكي بلينكن في اجتماع مجموعة السبع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - الفرفار العياشي - حين صبح الخبز تجارة !