أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - يسين أيت الربع - المجتمع المدني والأزمة الوجودية















المزيد.....

المجتمع المدني والأزمة الوجودية


يسين أيت الربع

الحوار المتمدن-العدد: 6440 - 2019 / 12 / 17 - 23:52
المحور: المجتمع المدني
    


تأتي مساهمتنا هذه في خضم هذا الكم الهائل من الأحداث التي تراكمت على مستوى الشارع المغربي مأخرا _رغم أن لها إمتدادا تاريخيا قديما_ محاولين مساءلة الأوضاع قصد فهم أعمق لواقعها، على أساس أن النقطة الجوهرية التي سنتناولها، هي محاولة إستكناه كيف تحول الشارع المغربي إلى المحتضن و"الناطق الرسمي" لرغبات ومطالب فئات عريضة من الشعب المغربي التي تبدت في شكل مجموعة من الحركات الإحتجاجية التي عرفتها مجمل ربوع المملكة المغربية، وهو في جوفه تساؤل عن محل هيئات المجتمع المدني التي كان من اللازم ومن المفترض أن تلعب دور الوسيطة بين الشعب والدولة عبر مخلتف تلاوينها من نقابات ومنظمات وجمعيات ...ألخ. لقد أصبحت العلاقة مباشرة من الشعب إلى صانعي القرار دون وساطة، وهو مؤشر قوي على تغير عميق مس مختلف بنى المشد السياسي وطنيا.
يتضح من الوهلة الأولى إذن أننا أمام مفهوم ضبابي ومطاط على نحو لا مناص منه، بحيث أنه لا يوفر قدرا من كبيرا من الدقة . هو مفهوم المجتمع المدني، لكنه في الغالب يشير إلى ذلك الإطار الذي يضم كافة الأنشطة التطوعية التي تقوم لتحقيق مصالح وأهذاف مشتركة للمنخرطين فيها، وتشمل العديد من المنظمات غير الحكومية، والمنظمات غير الربحية: مثل النقابات المهنية والمنظمات الخيرية، وجمعيات حقوق الإنسان، إضافة إلى مجموعة من الإطارات والمنظمات الأخرى ذات الصبغة التطوعية، مع إستثناء المؤسسات الدينية التي تضم الأوقاف والمدارس والمعاهد والكليات الشرعية التابعة لها، والجمعيات الخيرية التي تنشأ في الدول لخدمة الفقراء ومساعدة المحتاجين ، وبالإطلاع على العديد من الكتابات التي تناولت المفهوم، نجد النقطة التي تلتقي فيها غالبية التعاريف المقدمة لهذا المفهوم تجلى في شرط إستقلاليته عن الدولة، فهيئات المجتمع المدني لا يتم تأسيسها بشكل مباشر من قبل الدولة، أو بتوصيات منها، كي لا تكون مجرد أداة مسخرة لخدمة أهذافها (أهذاف الدولة) السياسية، لذى فالإستقلالية من الخصائص المهمة التي يجب أن تتوفر في المجتمع المدني، الشيء الذي يمكن الأفراد من التعبير عن رغباتهم داخلها، هذا لا يعني أنها توجد في مقابل الدولة أو أنها في صراع معها، بل إن تلك العلاقة يمكن أن تكون علاقة تكامل بينهما مبنية على الشراكة والتعاون، لا علاقة تبعية، وهذا بلا شك يشترط دولة ديموقراطية حيث الشفافية وحيث أن كل العلاقات خاضعة لسيادة القانون، ذلك أن الدول التي تقيد الحريات وتنهج القمع كأسلوب لها إتجاه الأفراد والجماعات، لا تترك لهيئات المجتمع المدني خيارا غير أن تكون قوة معارضة .
إذا قمنا باستحضار لمحة تاريخية لمسار تطور المجتمع المدني عبر التاريخ، نجد أنه كان في وقت مضى مطلب البورجوازية في مرحلة التحول الكبير لأوربا الذي كانت تدعمه الإيديولوجية الليبرالية، وهي كذلك مرحلة نشأة الدول القومية الأوربية الأولى: انجلترا وفرنسا. وبعد مرحلة إنجاز الثورات البورجوازية. واقترن تطوره بتطور الرأسمالية، وخاصة بتطور حقوق البورجوازية السياسية والاقتصادية، التي تعد أساسا متينا من أسس إيديولوجية الليبرالية، وتميز تمييزا واضحا بين الحياة العامة، والحياة الخاصة، وبين عالم الشغل والانتاج، وعالم المؤسسات السياسية. حيث أن سيطرة الطبقة البرجوازية على وسائل الإنتاج يعني تحكمها في مؤسسات وأجهزة الدولة إلى جانب تحكمها في تنظيمات المجتمع المدني والبيروقراطية ، فكيف يمكن قراءة الوضع مغربيا؟
بعد الإستقلال أعلنت الدولة "الوطنية" مبكرا استعدادها لتحمل أعباء التنمية ،لتكون بذلك دولة الاستقلال والسيادة من ناحية، وأيضا دولة الرعاية الاجتماعية من جهة أخرى. وفي هذه المرحلة كانت هي الفاعل الأساسي والوحيد في التنمية، وعليه فلقد سعت جاهدا إلى احتكار الفعل التنموي باعتباره مجال فعلها الاستراتيجي الذي بإمكانها أن تكسب به ولاء الفئات الاجتماعية المتنوعة، ومع تنامي إشكالية التنمية على الصعيد العالمي أنذاك، حرصت على مزيد من تثبيت الذات على هرم الفعل السياسي عبر إقامة المشاريع التنموية وتوفير الحاجات الأساسية، حتى وإن كان ذلك في إطار الرعاية الأجنبية أو المديونية العالمية. وهكذا وظفت التنمية لخدمة الدولة وليس العكس. الأمر لم يتوقف هنا بل إنها ولجت إلى كل الفئات الاجتماعية وحتى البعيدة منها، وعرفت كيف تحتويها عبر تلك المؤسسات والبرامج ذاتها التي تقوم عليها التنمية ومنها المدرسة والتلفزة والإذاعة وبرامج التنمية الريفية والجهوية و المحلّية، وهاجمت كل الولاءات والهياكل الاجتماعية التقليدية لاسيما مؤسسة القبيلة وأهم هياكلها متمثلة في الملكية الجماعية للأرض...
في ثمانينات القرن العشرين ونظرا لمجموعة من التحديات الجديدة لتي أفرزتها طبيعة المرحلة، إنكشف عجز الدولة عن الإضطلاع لوحدها بمهمة التنمية فكان ذلك بمثابة الإعلان عن نهاية الدولة الرعاية "الوطنية". وكانت السياسة التنموية المنتهجة منذ تلك الفترة تعتمد على مراجعة السياسات الاقتصادية وتشجيع الليبرالية ودعم الخوصصة ضمن ما يسمى بسياسة الإصلاح الهيكلي، ولم يكن للدولة من حل غير الاستجابة لشروط صندوق النقد الدولي قصد الحصول على العون المالي اللازم لتجاوز أزمة المديونية التي كانت تتخبط فيها، لكن سياسة التعديل الهيكلي قامت وفق توصيات الهياكل والمؤسسات الأممية، وعلى عدّة نقاط تضيّق مجال فعلها (مجال فعل الدولة) وتطرح فاعلا تنمويا جديدا ومن أهمها:
 إعادة النظر في السياسات المالية وتقديم التشجيعات الجبائية للمستثمرين الخواص.
 دعم الخوصصة كعنصر أساسي لتوسيع أفق المؤسسات الاقتصادية.
 تحرير المؤسسة الخاصة وفتح الأسواق أمام الجميع.
بدت الدولة بعد ذلك مهدّدة، لا في وظائفها فحسب بل وحتى في وجودها، فالانفتاح الاقتصادي والسياسي الذي توصي به الهيآت الأممية، قد يؤدي إلى تآكل البرامج الإجتماعية للدولة وتراجع الحكومات عن تمويلها، مقابل تولّي قوى السوق قيادة التنمية ورعايتها. على هذا الأساس كان لزاما على الدولة أن تشتغل أكثر من أي وقت مضى على إحكام قبضتها، مستعينة بكل ما يلزم لذلك ولو كان على حساب المصلحة العامة لشعبها، فتوسع وانتشار الجمعيات بالمغرب مثلا هو نتيجة مباشرة لهذا التصور السياسي للدولة، ولرغبة المنظمات غير الحكومية الدولية، التي بإغراءاتها وتمويلاتها أفرغت تنظيمات المجتمع المدني من جوهر وجودها، أي مضمونها النقدي، فأضحت مرتبطة بمهام ليست من اختصاصها، تساهم في الحفاظ على الأوضاع القائمة، إنها حسب هنري لوفيفر تعيد إنتاج عادات تدبير وهيمنة بيروقراطية الدولة بشكل مصغر.
تميز العيدي صونية في هذا الصدد بين نوعان من المجتمع المدني :
‌أ) مجتمع مدني نخبوي: وهو ذلك الطرف الذي يعمل على إبقاء الأوضاع على ما هي عليه، حيث يقوم بتلطيف الأجواء ومحاولة إيجاد الصيغ المناسبة والملائمة لذلك، عن طريق توظيفه للعديد من آليات الإشتغال، والتي تساعده على إيجادها الفئات الحاكمة، نظرا للدور المحوري الذي يلعبه هذا النوع من المجتمع المني في إدامة وإستدامة مصالحها الخاصة.
‌ب) مجتمع مدني شعبي: يضم مجموعة من النقابات المهنية، و العمالية، والمنظمات الفلاحية، والإتحادات الطلابية، ... التي تنشد التغيير وتضعه من بين أهم الأولويات والأهداف الرئيسية لها، وذلك عن طريق المطالبة بتعميق المشاركة الشعبية كأولى روافد بناء مجتمع ديموقراطي إنطلاقا من المجتمع المدني، إن المجتمع المدني الشعبي " يحمل دلالة إيديولوجية ليبرالية تتمثل في الربط بين المجتمع المدني والديمقراطية" . أملا في مجتمع مبني على ثقافة الإعتراف بالآخر ، تكون فيه الإختلافات والتعدديات الفكرية والثقافية والإيديولوجية، مصدر غنى وثراء في سياق عام يؤسس لوحدة جامعة تعلي شأن المصلحة العامة وتضعها فوق كل إعتبار.

إن إختار الشعب النزول للشارع والإفصاح عن مطالبه بدل الإكتفاء بطرحها وإنتضار الأجوبة _التي تكون في الغالب متوقعة_ المقدمة من طرف الجهات المعنية، ليس من باب الفوضى أو اللاقانون، لأن الإحتجاج حق يكفله الدستور (هذا دون أن نتحدث عن الحق في التنمية الذي صدر بموجب قرار 128/41 بتاريخ 1986/12/4 والذي تبنته أمريكا بعد ست سنوات من الدراسة والنقاش الحاد بين وجهات النظر المختلفة)، فكان أن نزلت ساكنة الحسيمة للشارع وأعلنت عن نيتها بتمديد الإضرابات والإحتجاجات إلى غاية تحقيق مطالبهم، بل إن هناك من كان يتحدث عن إمكانية الإعلان عن "عصيان مدني"، مسيرات مليونية في سوس، مسيرات على الأرجل في إميضر، غضب عارم في زاكورة، إستماثة قوية عند الأساتذة الذين "فرض عليهم التعاقد" والتأكيد على تمديد الإعتصامات والمبيتات أمام البرلمان لحين تحقيق مطلب الإدماج، وليس بعيدا أن نشهد سنة بيضاء على المستوى الوطني... لقد إنعدمت الثقة في التيارات السياسية وهيئات المجتمع المدني، لأنها إختارت عن وعي أو عن غير وعي أن تسطف لجانب المجتمع المدني "النخبوي"، فكان لا بد من إدخالها ضمن أليات الدولة للتحكم بالوضع (مع إستثناءات معدودة طبعا، تشكلها بعض النقابات والمنضمات الحقوقية، التي ليس لها تأثير في صنع القرار لا من قريب ولا من بعيد)، هنا نعود ونؤكد على مبدأ الإستقلالية كأهم ما يميز المجتمع المدني، وهنا نتوقف عند شرط آخر كنا قد أشرنا إليه مسبقا، تواجد المجتمع المدني "الشعبي" من عدمه يرتبط به، وهو ديموقراطية النظام السياسي الحاكم.
المراجع:
 جون إهرنبرغ،"المجتمع المدني التاريخ النقذي للفكرة"، المظمة العربية للترجمة، بيروت_ لبنان، ط الأولى 2008.
 محمد أحمد علي مفتي، "مفهوم المجتمع المدني والدولة المدنية"، مركز البحوث والدراسات.
 د. مصطفى عبد الله أبو القاسم خشيم ، "المجتمع المدني بين النظرية والتطبيق The Civil Society Between Theory and Practice"، مجلة دراسات، العدد 24.
 ال العيدي صونية،"المجتمع المدني ... المواطنة والديموقراطية، جدلية المفهوم والممارسة"، قسم علم الإجتماع، جامعة محمد خيضر-بسكرة، الجزائر.



#يسين_أيت_الربع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجتمع المدني والأزمة الوجودية


المزيد.....




- العفو الدولية: الحق في الاحتجاج هام للتحدث بحرية عما يحدث بغ ...
- جامعات أميركية تواصل التظاهرات دعماً لفلسطين: اعتقالات وتحري ...
- العفو الدولية تدين قمع احتجاجات داعمة لفلسطين في جامعات أمري ...
- اعتقالات بالجامعات الأميركية ونعمت شفيق تعترف بتأجيجها المشك ...
- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - يسين أيت الربع - المجتمع المدني والأزمة الوجودية