أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - أولفين توفلر فيلسوف تاريخ يا توفيق!















المزيد.....


أولفين توفلر فيلسوف تاريخ يا توفيق!


قاسم المحبشي
كاتب

(Qasem Abed)


الحوار المتمدن-العدد: 6431 - 2019 / 12 / 7 - 03:21
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


شاءت الظروف والأقدار أن تناقش طالبتي شيماء عبدالعزيز الشامي أطروحتها بالدكتوراه الموسومة ب ( فلسفة التاريخ بالفكر الأمريكي المعاصر أولفين توفلر موضوعًا ) في قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة عدن يوم الثلاثاء الماضي الموافق 3 / 12/ 2019م. بينما كنت غائبًا في إجازة التفرغ العلمي بجامعة القاهرة. وقد انتدب قسم الفلسفة الدكتور عادل عبده علي رئيس القسم لحل محلي في لجنة المناقشة المكونة من الزميلين العزيزين الاستاذ المشارك الدكتور عبده بن بدر مناقشًا خارجيا من جامعة حضرموت والأستاذ المشارك الدكتور توفيق مجاهد سالم مناقشًا داخليا من جامعة عدن. وإنني إذ اشكرهما على تعشم عنا قراءة الاطروحة ونقدها وتقييمها اكاديميا والشكر موصول لرئيس القسم وعمادة الكلية فقد أسعدني حرصهم على قراءة الاطروحة ومناقشة الطالبة بما كتبته فيها. وبوصفي مشرفها العلمي حرصت على سماع ملاحظاتهما الكريمة في ما احتوته من افكار قابلة للحوار والنقد والتقييم. والبحث الفلسفي لا يكتسب قيمته الا بالنقاش الجاد والنقد البناء. وكما هو متعارف في الدوائر الأكاديمية أن المشرف العلمي معني بملاحظات المحكمين للأطروحة المعروضة للنقاش النهائي أكثر من طالب الدارسات العليا ذاته. وقد أوصيت طالبتي بتسجل وقائع مناقشة الأطروحة والأخذ بالملاحظات النقدية من الأساتذة المحكمين برحابة صدر وعدم الرد عليهم فيما يتصل بالفكرة الأساسية للأطروحة.واحسب أنها فعلت كذلك. وبفضل الإنترنت تمكنت من الاستماع إلى وقائع جلسة المناقشة وسعدت بالملاحظات الإيجابية التي وردت من الزملاء فيما يتصل بجهد الطالبة البحثي في ظروف بالغة السوء والتردي. وقد كتبت ملاحظاتي للطالبة وأرسلتها للزميل العزيز رئيس القسم منذ مدة. وعلى مدى عامين من البحث والإشراف علمت معها ما بوسعي. وحينما استمعت إلى راي الاستاذ المشارك والزميل والصديق العزيز الدكتور توفيق مجاهد سالم فيما يتصل بعدم علاقة أولفين الفيلسوف الأمريكي أولفين توفلر بفلسفة التاريخ استفزني هذا الرأي ودفعني لكتابة هذا المقال، حيث قال بالحرف الواحد ( أنني لم أجد فلسفة تاريخ في اعمال توفلر وأن توفلر ليس له علاقة بالفلسفة أصلا هو شخص يروج للتكنولوجيا الأمريكية المتفوقة) وهو راي احترمه ولكني أراه تحاملًا غير مبرر على فيلسوف يشهد الفكر المعاصر بأهميته. وأن تكتب طالبة دراسات عليا من جامعة عدن أطروحة عن أولفين توفلر فهذا لوحده يشفع لها كل ما عداه والزميل توفيق يعلم الموضوعات التي يختارها طلاب الدراسات العليا في الفلسفة في كتابة أطروحاتهم جلهم يكررون المكرر، آلاف الإطاريح المكررة العناوين والمحتوى. فل يكن أن توفلر وفلسفة موضوعًا إشكاليا ولكنه جدير بالبحث والدارسة الفلسفية ياصديقي وشيماء من الباحثين العرب القلائل الذين تصدوا للبحث في فلسفة بينما هناك مئات الاطاريح كتبت عنه في الهند والصين واليابان. ولا اعرف ما هي المعايير التي اعتمدها الدكتور توفيق لقياس فلاسفة التاريخ؟! نعم توفلر فيلسوف تاريخ في زمن الهيمنة التكنولوجيا بل هو فيلسوف حضارة الموجة الثالثة ولا ضير في ذلك أبدًا وكما كان ابن خلدون فيلسوف انهيار الدولة العربية الإسلامية في زمانه وفسر ذلك الانهيار بادوات عصره ( القبيلة والغنيمة والعقيدة) فكذلك هو أولفين توفلر فيلسوف ما بعد الحداثة الأمريكية وصاحب نظرية الفلسفة المستقبلية. واليك الدليل والبرهان يا صديقي العزيز. إن السؤال عن المستقبل لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين و الظن و الشطح الصوفي، بل غدا اليوم ضرورة حيوية وجودية واستراتيجية للبقاء والعيش في عالم تعصف به الأحداث و المتغيرات بخطى متسارعة، )فلا مستقبل لمن فقد موقده و ضيع بوصلة اتجاهه( ويرى توفلر أن الأمم التي تجعل ماضيها هو مستقبلها تشبة ذلك الذي راح يبحث عن روح أجداده في رفات الرماد، فأيهما يحكم الآخر عندنا الماضي أم المستقبل ؟!، وبدون تحرير المستقبل من الماضي والماضي من المستقبل لا يمكن لنا أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بينما نتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف، لقد أصبحنا اليوم نهرب إلى الماضي ونقرأ فيه مستقبلنا، فاضعنا الحاضر والماضي والمستقبل ولفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي.
نظرية الموجة الثالثــــة:
على مدى نصف قرن من العمل و النشاط السياسي والتأمل الفكري و الكتابة يحاول توڤلر تفسير الأحداث و المتغيرات التي يشهدها العالم بما يجعلها قابلة للفهم والعقلنة، ويحدد فترة دراسته في مدة بدأت في منتصف الخمسينات، لتنتهي تقريباً بعد خمس وسبعين سنة، أي في العام 2025، كما يقول- وهذا زمن يمكن أن يُعرف بأنه نقطة من أكبر نقاط الفصل في التاريخ، أو فترة يأتي بعدها من خلال سلسلة من الصراعات التي ستهز العالم، حضارة غير الحضارة الصناعية التي سادت العالم، خلال قرون. وهي حضارة جديدة مختلفة بعمق عن الأولى" ويرى توڤلر أن التغيرات السريعة التي نلاحظها في عالم اليوم ليست بهذه الدرجة من الفوضوية والعرضية، التي يهيئوننا لتصديقها، بل أن وراء الأحداث المعروضة بعناوين كبيرة، جملة من البنى ليست ملحوظة فحسب، بل هناك قوى يمكن تحديدها وهي التي تتحكم في تلك البنى و تهبها صورتها ومتى استطعنا أن نفهمها، يكون في وسعنا أن نتبنى تجاهها استراتيجية كلية. بدلاً من أن نتصدى لها كأجزاء متفرقة وبمجرد الصدفة.
وكتاب ( صدمة المستقبل ) ينظر في صيرورة التغير بالطريقة الذي يؤثر فيها هذا التغير في حياة الناس والمنظمات والمؤسسات،  أما كتاب ( الموجه الثالثة ) فإنه ينظر إلى الاتجاهات التي تمضي إليها هذه التغيرات الحالية، أما كتاب ( تحول السلطة ) فإنه يعالج قدرتنا السيطرة على التغيرات التي ستأتي و المشكلة هي أن نعرف من هو الذي يقودها، وكيف يتصرف إزاءها، أما كتاب " بناء حضارة جديدة" فيبسط فيه توقلر نظريته في الموجة الثالثة ويحدد معالم الحضارة الجديدة التي أخذت تبزغ من أحشاء حضارة الموجة الثانية، الحضارة الصناعية الغاربة، أما في كتاب (خرائط المستقبل ) فيعرض توڤلر آخر صورة لمفاهيمه ويتحدث عن سيرته الذاتية ويدافع عن طروحاته ضد منتقديه، ويوضح نموذج الموجه الثالثة. تختلف وجهة نظر توڤلر بشأن أزمة النظام العالمي الجديد، و بشأن طبيعة الصراع الجوهري فيه، إذ هو على العكس من كثير من الكتاب الأمريكيين المتشائمين أمثال: ( جون كينيت جالبريت ) في كتابه ( أزمة الديمقراطية الأمريكية) أو ديفيد هـ. دونالد المبشر بـ ( جدب الحقبة الجديدة ) أو كتاب( يول كيندي ) (قيام وسقوط القوى الكبرى " 1987م وكثير من عنوانات الكتب الجديدة –" الفجر الكاذب"، و"فقدان الأمل"، و"الجمهورية المجمدة"، و"بيع أمريكا" و" إفلاس أمريكا و" الحلم الأمريكي المهدد". وكتاب آرثر هيرمان ( فكرة الاضمحلال في التاريخ الغربي ) الذي قال فيه : " إننا نعيش حقبة أصبح التشاؤم فيها هو القاعدة فقد ظهرت سلسلة طويلة من كتب الأزمات تعدنا لاستقبال القرن الواحد والعشرين كمرحلة من التشوش العميق وعدم الثقة يبدو فيها الغرب – الذي يعني إلى حد كبير الولايات المتحدة، عاجزاً عن التأثير على ما ينتج عنه بأي شكل من الأشكال" إن تفاؤل توڤلر القوي بالمستقبل هو تفاؤل من نمط مختلف عن تفاؤل فرانسيس فوكوي كوياما في كتابه " نهاية التاريخ والإنسان الأخير" كما أنه يختلف عن هنتجتون في تشخيص " صدام الحضارات ".30
إن توڤلر يقر بوجود أزمة عميقة في قلب المجتمع الغربي لكنه لا يرى في الأزمة دلالة انهيار أو أفول الغرب بل بشارة ميلاد جديد لحضارة جديدة أخذت تبزغ لتؤها من هشيم الحضارة الصناعية الغاربة إذ يكتب في مقدمة كتابه ( بناء حضارة جديدة ) البيان الآتي:" تواجه أمريكا ( وهي رمز الغرب ) تجمع أزمات لم يسبق لها مثيل منذ أيامها الأولى: نظامها الأسري في أزمة وكذلك نظام الرعاية الصحية ونظامها القيمي والمدني، أما نظامها السياسي فهو أشدها تأزماً. وهو الذي فقد – من كافة الوجوه العملية – ثقة الشعب به. والسؤال هو: لماذا أصيبت أمريكا بهذه الأزمات في وقت واحد، كما لم يحدث في تاريخنا؟ هل هذه دلائل على اضمحلال نهائي لأمريكا؟ هل نحن في نهاية التاريخ؟ و يجيب توفلر على تساؤلاته بالقول " إن أزمات أمريكا ليست نابعة من إخفاقها، و إنما هي نابعة من نجاحاتها المبكرة. وأحرى بنا أن نقول: إننا لسنا في نهاية التاريخ، و إنما نحن نشهد نهاية ( ما قبل التاريخ )". هكذا نكون مع توڤلر مع التاريخ الذي لما ينتهِ والتاريخ الذي لما يبدأ. ويرى توڤلر أن ذلك الاضطراب الشامل الذي يعم الحياة الراهنة وما يخلفه من إحساس بالارتباك والخوف وفقدان الأمل والاتجاه يمكن أن يكون مصدره المباشر  ذلك الصراع في داخلنا وفي داخل مؤسساتنا السياسية، الصراع بين حضارة الموجة الثانية المحتضرة وحضارة الموجة الثالثة البازغة، القادمة بهديرها لتأخذ مكان سابقتها.ويذهب توڤلر  إلى أن الناس بدأوا متأخرين في إدراك أن الحضارة الصناعية تقترب من نهايتها وإذ تقترب من النهاية فإنها تجلب معها مزيداً من الحروب، وإن تكن حروباً من نوع جديد. وفي نقده لطروحات هنتجتون وبول كنيدي وفوكوياما يرى توفلر أن الصراع الأساسي الذي نواجهه ليس بين الإسلام والغرب، أو " الآخرون ضد الغرب " كما أعلن كنيدي، و لا نحن في نهاية التاريخ، بل نواجه انقسام للعالم على ثلاث حضارات مختلفة ومتمايزة الصدام بينها وارد، ولايمكن رسم حدودها وخرائطها باستخدام المفهومات والتعريفات التقليدية. على هذا النحو الاحتفالي يبشر توڤلر بقدوم الحضارة الجديدة، ( حضارة الموجة الثالثة )، الذي يرى تباشيرها تلوح في الأفق في مظاهر كثيرة رصدها في كتبه ( تحول السلطة ) و ( وخرائط المستقبل ) ( وبناء حضارة جديدة ) أما بداية ميلاد الموجة الحضارية الثالثة فيحددها توڤلر في عام 1955م، الذي يعدُّه نقطة من أكبر نقاط الفصل في التاريخ، إذ شهد لأول مرة زيادة عدد العاملين ذوي الياقات البيضاء وأولئك الذين يعملون في قطاع الخدمات على عدد العمال ذوي الياقات الزرقاء. وهذا هو نفس العقد الذي شهد انتشار استخدام الكومبيوتر، والطيران التجاري النفاث، وحبوب منع الحمل.. وغيرها، من المستجدات بعيدة الأثر. وهذا بالتحديد هو العقد الذي بدأت فيه الموجه الثالثة تستجمع قوتها في الولايات المتحدة، ومنذ ذلك الحين بدأت تصل في أوقات متقاربة إلى غالبية البلاد الصناعية الأخرى واليوم يصيب الدوار كل بلاد التكنولوجيا المتطورة بسبب التصادم بين الموجة الثالثة من جانب، واقتصاديات ومؤسسات الموجة الثانية التي أصبحت جامدة وانتهى زمانها من جانب آخر. إن هذا الفهم هو مفتاح السر الذي يعطي معنى لكثير من الصراعات الاجتماعية والسياسية من حولنا. هكذا يعلن توڤلر بيان البشارة تحت عنوان ( الكفاح الأكبر) فيقول: " تنبثق حضارة جديدة في حياتنا، وفي كل مكان يحاول رجال فاقدو البصر والبصيرة أن يوقفوا بزوغها، تجيئنا هذه الحضارة الجديدة بأساليب عائلية جديدة، وأساليب مختلفة لمزاولة العمل، والحب والحياة، كما تجيئنا باقتصاديات جديدة، وصراعات سياسية جديدة، وفوق كل ذلك: تجيئنا بوعي مختلف تواجه البشرية قفزة هائلة إلى الأمام، تواجه أعمق فوران اجتماعي، واشمل عملية إعادة بناء في التاريخ. ونحن اليوم مندمجون في بناء حضارة جديدة متميزة بدءاً من البداية، وإن كنا غير واعين تماماً لهذه الحقيقة وهذا ما نعنيه بـ ( الموجة الثالثة ) على هذا النحو الخطابي الاحتفالي يقرأ توڤلر أزمة العالم المعاصر، إذ يرى في الأزمة الماحقة التي تجتاح العالم بشائر ميلاد جديد لحضارة جديدة تحمل العالم إلى العصر القادم السعيد !!من الطريف أن نشير إلى أن تلك النبرة المتغطرسة في تبشير توڤلر بالعالم الجديد تذكرنا بخطاب مماثل لكاتب أمريكي من القرن الثامن عشر الميلادي هو (توم بين ) الذي كتب ،على أثر تحقيق الاستقلال الأمريكي عام 1783م يقول:" نحن الأمريكيون نملك القوة و القدرة على أن نبدأ العالم من جديد، وإن العالم لم يشهد موقفاً مماثلاً منذ أيام نوح حتى الآن، ونحن نقف على عتبة ميلاد عالم جديد  " وفي عام 1858م كتبت مجلة ( هاربرز منثلي الأمريكية ) إن كل ماله علاقة بوضعنا وتاريخنا وتقدمنا، يعين الولايات المتحدة أرضا للمستقبل " وإنها من مفارقات القدر أن يعيد توڤلر بعد قرنين من الزمن ترديد هذه الأنشودة الصاخبة بقوله: " إن أمريكا هي البلد الذي عادة ما يأتيه المستقبل قبل غيره وإذ نحن نعاني من انهيار مؤسساتنا القديمة، فإننا أيضاً رواد حضارة جديدة".وإذا كان كتاب " هنتجتون " " صدام الحضارات " قد آثار موجات عاتية من ردود الأفعال الناقدة والرافضة والمستنكرة، فإن توفلر في معظم كتبه هو أخطر بكثير من هنتجتون في تبرير وشرعنة الصدام الحضاري الراهن.إذ يرى أن العالم اليوم يصطف اصطفافاً حضارياً مختلفاً في ثلاثة أقسام متناقضة ومتنافسة في ثلاث موجات حضارية متمايزة.
الموجة الحضارية الأولى:التي كانت ولا تزال، مرتبطة ارتباطاً لا ينفصم بالأرض. و أياً كانت الأشكال المحلية التي تتخذها، أو اللغات التي تتكلمها شعوبها، أو الديانات والمعتقدات التي تؤمن بها، فإنها نتاج الثورة الزراعية. وحتى ايامنا هذه، وما زالت أقوام كثيرة تخربش أديم الأرض بحثاً عن الرزق، كما كان آباؤهم وأجدادهم منذ قرون.
 والموجة الصناعية الثانية:التي تضم كل الشعوب والدول التي لا تزال تتدافع وتتزاحم لتبني مصانع صلب وسيارات ونسيج ومواد غذائية، وسكك حديدية، أي كل الدول التي تحتاج إلى التصنيع بغض النظر عن اختلاف قومياتها ولغاتها ودياناتها وثقافاتها.
والموجة الثالثة: تضم مجتمعات ودول التقنية العالية مثل أمريكا واليابان وأوروبا..        
ثلاث حضارات متصارعة الأولى التي لا تزال يرمز إليها بالفأس، والثانية بالمصنع  والثالثة بالكمبيوتر.
وفي هذا العالم المنقسم على ثلاث موجات حضارية يحدد توڤلر وظيفة كل حضارة في العالم الجديد.
 إذ يرى أن قطاع الموجة الأولى يقدم الموارد الزراعية والمنجمية وكل المواد الخام، ويقدم قطاع الموجة الثانية العمالة الرخيصة والإنتاج الجمعي والثقيل. بينما يصعد قطاع الموجة الثالثة الذي يتوسع بسرعة – ليحقق السيادة المؤسسية على الأساليب الجديدة التي يخلق بها المعرفة ويستثمرها.إذ تقوم أمم الموجة الثالثة ببيع المعلومات و الإعلام والمبتكرات، والإدارة، والثقافة الرفيعة والفنون الشعبية، والتكنولوجيا المتقدمة، ولسوفت وير (برامج العقل الإلكتروني Software و التعليم، و التدريب المهني، والرعاية الطبية، والخدمات المالية وغيرها للعالم. ومن بين تلك الخدمات الأخرى يمكن أن تقدم أيضاً الحماية العسكرية القائمة على امتلاكها لقوات عسكرية متفوقة تنتمي إلى الموجة الثالثة.
( وهذه في الواقع، هي التي قدمتها دول التكنولوجيا المتقدمة إلى الكويت والمملكة العربية السعودية في حرب الخليج، وسوف نلاحظ فيما بعد بعض أوجه الشبه بين توڤلر ومنظري ما بعد الحداثة أمثال ليوتار في كتابه ( الوضع ما بعد الحداثة ).36
خصائص حضارة الموجة الثالثة:
يرصد توڤلر مظاهر وتجليات الحضارة الجديدة في جملة من الخصائص الأساسية يمكن الإشارة إلى أهمها و أكثرها جوهرية  في النقاط الآتية:
أولاً: المعرفة:يعرف توڤلر المعرفة تعريفاً عاماً بعدها تشتمل على البيانات، والمعلومات، والإعلام، والصور، والرموز، والثقافة، والأيديولوجية، والقيم، وهي المورد المركزي لاقتصاد الموجة الثالثة. 37
والمعرفة بهذا المعنى الواسع هي " البديل الجوهري " عن القوة الطبيعية الممثلة في الأرض التي سادت في الحضارة الزراعية، وعن القوة الصناعية الممثلة في  المصنع التي سادت حضارة الموجة الثانية.
إذ يرى توڤلر أن كل الأنظمة الاقتصادية اليوم تقوم على أساس " قاعدة معرفية (معلومات، بيانات، حسابات أرقام ... الخ ) وتعتمد المشروعات المعاصرة جميعها على الوجود المسبق لهذا المورد المبنى مجتمعياً. وإذا ما أدركنا أنه يستحيل أن يدور دولاب عمل إذا لم تكن هناك لغة، وثقافة، وبيانات، ومعلومات، ومهارات وخبرة مدربة وذكية، فإن الحقيقة الأعمق هي أنه من بين جميع الموارد اللازمة لخلق الثروة، تتميز المعرفة بأنها متعددة الجوانب والاستعمالات أكثر من أي شيء آخر.
   لقد تحققت نبوءة فرنسيس بيكون ( بأن المعرفة هي القوة أو السلطة)و إذا كانت قوى السلطة في الماضي تتمثل في العنف والمال والمعرفة، هذه المصادر الثلاثة للسلطة والسطوة والسيطرة، ظلت على مدى التاريخ الإنساني الطويل تحتل المكانة الأرفع بين إمكانات أخرى لا متناهية العدد، و اتخذت صوراً شتى في لعبة السلطة، وكما كانت السينما والتمثيل الغربي عموماً تتمحور حول هذا اليالوث الرمزي " العنف والمال والمعرفة " وكذا يمكن التعرف على تاريخ القوة في الشرق في السيف والمال والقلم، ففي الأسطورة اليابانية تذكر الأشياء الثلاثة المقدسة المقدمة إلى آلهة الشمس الكبرى بالسيف والجوهرة والمرآة، التي لا تزال إلى يومنا هذا رموز السلطة الإمبراطورية وبعد أن يورد توڤلر كثيراً من الشواهد التاريخية بشأن القوى التي استخدمت في الماضي كمصدر جوهري للسلطة ويحلل ويفسر خصائص كل رمز على حده ينتهي إلى أن السلطة ذات الجودة العالية هي حصيلة استخدام المعرفة.. إذ أن المعرفة هي أعظم وسائل السلطة لأنها الأكثر قدرة على التلاؤم، والإسراع إلى رفع قيمة الدولار، وهي تصلح للعقاب كما تصلح للمكافأة، وتصلح للإقناع، كما تصلح لتطوير النفوس. وفي وسعها أن تجعل من العدو صديقاً وحليفاً، ثم إن المعرفة عامل مضاعف للثروة وللقوة.حتى زمن قريب ، كانت القوة العسكرية مجرد امتداد لقوة القبضة، قبضة اليد، أما اليوم فإنها كلها تقريباً في يد " الذكاء المختزن، وما الطائرة المقاتلة الاحاسوب طائر وحتى الأسلحة " الخرساء هي نفسها إنما يتم إنتاجها بفضل حواسيب وعناصرها إلكترونية مؤنقة إلى أبعد مدى.
لقد حدد البتاجون الأمريكي مشروع تصور منظومة من الأسلحة، قادرة على القيام " بمليون استنتاج منطقي في الثانية "
وينتهي توڤلر إلى تأكيد أن الهيمنة على المعرفة، سيكون العنصر الحاسم في التنازع على القوة، على المستوى العالمي، ذلك التنازع الذي سيقوم عما قريب داخل كل المؤسسات الإنسانية.
"كان نابليون يقول ششيئان يحيرانني؛ هما صراع السيف والعقل، فعلى المدى الطويل سينتصر العقل على السيف40
في الواقع أن توفلر لم يكن هو صاحب ذلك الاكتشاف الرائع لوضع المعرفة في العالم الراهن،بل سبقه إلى ذلك الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوتار في كتـــــابه ( الوضع ما بعد الحداثة  تقرير عن المعرفة ) إذ يعد أول من بحث هذه المسألة وشخصها وحللها تحليلهاً ضافياً من وجهة نظر منهجية فلسفية ما بعد حداثية إذ ذهب إلى أن وضع المعرفة قد تغير منذ دخول المجتمعات الصناعية عصر ما بعد الصناعة وما بعد الحداثة منذ نهاية الخمسينات" ومن السهل ملاحظة أن توفلر قد نقل فكرة ليوتار نقلاً حرفياً فكرة " أن المعرفة ستظل تمثل رهاناً رئيساً في المنافسة العالمية على السلطة فمن المتصور أن الدول القومية ستحارب بعضها يوماً من أجل السيطرة على المعلومات، مثلما تقاتلت في الماضي من أجل السيطرة على الأرض وبعدها من أجل التحكم في الوصول إلى واستغلال المواد الخام وقوة العمل الرخيصة" ويضيف ليوتار:" لقد تم فتح مجال جديد أمام الاستراتيجيات الصناعية والتجارية من جهة والاستراتيجيات السياسية والعسكرية من جهة ثانية.وفي تحليله لأنماط المعرفة المتمايزة حدد ليوتار ثلاثة أنماط للمعرفة الإنسانية في ثلاث مراحل تاريخية وبدا وكأنه يعيد صياغة قانون المراحل الثلاث عند عالم الاجتماع الفرنسي اوغست كونت إذ أشار فرانسو ليوتار إلى أن هناك ثلاثة أنماط من المعرفة هي:
- نمط المعرفة الحكائية التي تعود إلى المجتمع القبلي البدائي، وربما الزراعي الرعوي وهي معرفة سحرية أسطورية خرافية.
- نمط المعرفة " الميتا – حكائية " – أي ما بعد الحكاية، وربما قصد بها المعرفة الفلسفية التي تعود إلى المجتمع الحديث إذ تسود فيه ما يسمى بالحكايات الكبرى "العقل – والقومية – والتقدم " وهي المنظومات الفلسفية المتنافيزيقية الشمولية التي شهدها العصر الحديث عند كانت وهيجل وماركس.
- نمط المعرفة العلمية:  التي تميز المجتمع ما بعد الحداثي الراهن إذ تتحول المعرفة إلى سلطة عليا تختفي معها كل السلطات الأخرى، المشروعية المرجعية والغائية والتقدم والتنوير، إذ " تبدو نوعاً من ألعاب اللغة المستندة على قواعد محددة فورية تنبع من طبيعة اللعبة ذاتها وتمنحها عقلانيتها وشرعيتها" هكذا نرى أن الإحساس المتزايد بسطوة التقدم المعرفي العلمي النظري والتطبيقي وما أفضى إليه ذلك التقدم من نتائج مذهلة على صعيد التفوق التقني وثورة المعلومات والاتصالات و الإنترنت كان إحساساً عاماً بين الشرائح المثقفة الاوروأمريكية.إذ يتفق الجميع في المبدأ على أن المعرفة أصبحت على نطاق واسع القوة الرئيسية للإنتاج  و الثروة والتوزيع والمنافسة، ويختلفون في تشخيص هذه الظاهرة في نتائجها القريبة والبعيدة وابعادها المختلفة، و هذا ما يراه الدكتور توفيق مجاهد في أطروحته " التحولات الفكري للعولمة " من اشتراك مجموعة من النظريات والنماذج الفكرية (نظرية ما بعد الصناعة أو " مجتمع المعرفة " عند دانيال بيل، وتصورات توڤلر حول المجتمع عالي التصنيع أو مجتمع المعلومات" وغيرها من التصورات الأخرى، التي تلتقي جميعها في أنها تعتبر التقدم العلمي والتقني المحور الأهم والمحدد لاتجاه تطور البشرية.إذ يرى أن صعود اقتصاد الموجة الثالثة عالية الترميز لا يفسرها الإفراط في استخدام الكمبيوتر أو مجرد المناورات المالية للتأثير في الأسعار، وإنما يجد تفسيره في الفوران الهائل في القاعدة المعرفية للمجتمع  ويرصد توڤلر نتائج ثورة الكمبيوتر في حياة المجتمع ما بعد الصناعي في عدد من المظاهر والتجليات في مختلف أنساق الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والأسرية أي أن كل شيء في حياة الإنسان أخذ يتغير بعنف، وكل من سيقدر له أن يعيش على ظهر هذا الكوكب في هذه اللحظة المتفجرة سيشعر بالصدمة الكاملة للموجة الثالثة في حياة هذا الجيل.
فالموجة الثالثة ستجيء بأسلوب حياة جديدة تماماً، يتأسس على: مصادر طاقة متنوعة ومتجددة، وأساليب إنتاج تجعل خطوط الإنتاج في المصانع أشياء عتيقة انتهى زمانها، وأسر وعائلات جديدة غير نووية، ومؤسسة من نوع جديد يمكن أن نسميها " الكوخ الإلكتروني " ونرى مدارس وشركات ونقابات مختلفة مستقبلية تختلف عن المألوف حالياً اختلافاً جذرياً، وتخط لنا الحضارة البازغة قواعد جديدة للسلوك، وتحملنا إلى ما بعد التنميط والتزامن والتمركز بعيداً عن تركيز الطاقة والمال والسلطة.هذه الحضارة الجديدة لها رؤيتها المميزة للعالم، وطرقها الخاصة للتعامل مع الزمان والمكان والمنطق والسببية ولها مبادئها الخاصة لسياسات المستقبل. بيد أن المثير للفزع في رؤية توڤلر لبزوغ الحضارة الجديدة يكمن في كونه لا يرى في ما يشهده العالم الراهن من صراعات وتمزقات وأزمات وحروب- إلا مظهراً من حالات المخاض و الآم الوضع للجنين القادم، إذ أنه لا يعير أهمية تذكر لمشكلات حيوية متفاقمة كمشكلات: الفقر ومشكلة التخلف والأمية والهيمنة الأمريكية والتسلح النووي، والقيم الاستهلاكية، وتفكك المجتمع والتفسخ الأخلاقي، ونتائج العلم والتقنية لا سيما في الثورة البيولوجية وعلم الوراثة والاستنساخ على حياة الإنسان المعاصر وغيرها، وهي المشكلات التي يرى فيها آخرون أمثال ( روجيه جارودي ) وجاك دريدا، وناعوم توشوفسكي، تهديداً قوياً للحضارة الغربية الأمريكية.والخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.



#قاسم_المحبشي (هاشتاغ)       Qasem_Abed#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة وتثقيفها في صالون بنت البادية الثقافي
- في معنى الثورات العلمية وتغيير الباراديم
- انتحار الشهيد .. قصة واقعية من اليمن السعيد
- ملاحظات أولية في نظرية الاستشارة الفلسفية
- بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة .. وعودة النموذج السقراطي في م ...
- اليونسكو .. الغياب الدائم والحضور المفترض
- حاجة العرب الى تدريس الفلسفة للأطفال أكثر من حاجة الغرب والأ ...
- مدني صالح .. مقاربة الاسم والمعنى
- الثورة التي ادهشت العالم!
- الهُوية إشكالية المفهوم وسياقات المعنى
- وداعا أفلاطون .. الفلسفة والأطفال.. استئناف الدهشة!
- منظمات المجتمع المدني ودورها في بناء السلام باليمن
- حينما يكون الجسد اكثر ادهاشا من الروح


المزيد.....




- لقاء وحوار بين ترامب ورئيس بولندا حول حلف الناتو.. ماذا دار ...
- ملخص سريع لآخر تطورات الشرق الأوسط صباح الخميس
- الهند تشهد أكبر انتخابات في تاريخها بمشاركة مليار ناخب
- هل يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يخرج التدريس من -العصر الفيكتو ...
- دراسة تكشف تجاوز حصيلة قتلى الروس في معارك -مفرمة اللحم- في ...
- تدمير عدد من الصواريخ والقذائف الصاروخية والمسيرات والمناطيد ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /18.04.2024/ ...
- -كنت أفكر بالمفاتيح-.. مؤلف -آيات شيطانية- يروي ما رآه لحظة ...
- تعرف على الخريطة الانتخابية للهند ذات المكونات المتشعبة
- ?-إم إس آي- تطلق شاشة جديدة لعشاق الألعاب


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - قاسم المحبشي - أولفين توفلر فيلسوف تاريخ يا توفيق!