أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية - خليل عيسى - طرابلس أو الوطنية اللبنانية الجديدة














المزيد.....

طرابلس أو الوطنية اللبنانية الجديدة


خليل عيسى

الحوار المتمدن-العدد: 6430 - 2019 / 12 / 6 - 02:36
المحور: ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية
    


من يعرف الطرابلسيين جيّدًا لا يتفاجأ بتزعّمهم الزخم الرمزيّ للثورة خلال أسابيعها الأولى. فوحده العرض المدني يوم الاستقلال، في ساحة الشهداء، خطف الأضواء من «أمّ الفقير»، قبل أن تعود المدينة لتحتلّ موقعها المتقدّم مرّةً أخرى.

من يقضِ يومه في ساحة النور يرَ أنّ شاغليها هم عيّنة أمينة من النسيج الاجتماعي للمقيمين في المدينة. فتتوزّع الطبقات الوسطى على أطراف الساحة بينما تحتشد في قلبها الطبقات الفقيرة، وهي قلّة من العمّال وأكثرية ساحقة من العاطلين عن العمل. وتقع إلى جانب كلّ هؤلاء خِيَم «الحوارات السياسية» وتجمّعات المثقّفين كما لو أنّ تقسيم العمل بين ما هو ذهنيّ ويدويّ يتجسّد في الجغرافيا البشرية للساحة نفسها.

بعكس بيروت التي جرى فيها مَسخٌ قسريٌّ للهوية عند قطاعات واسعة من المقيمين فيها سبّبته حرب أهلية ثم ما عُرف بـ«إعادة الاعمار»، لم تتعرّض طرابلس للمسخ الهويّاتي بالشدّة نفسها، إذ جاء الخراب العمراني والاجتماعي فيها أقلّ هولًا. لذا يمكن المخاطرة بالزعم أنّ طرابلس هي المدينة الكبرى الوحيدة في لبنان التي بقيت تشبه نفسها عمرانيّا وثقافيّا، حتى في أسوأ ايامها. وما يحدث الآن ليس سوى انتقام ذاتٍ طرابلسية حافظت على نفسها قسراً، بعدما فرض زعماء المدينة على سكّانها التكلّس لكي يتمّ استعمال هذا الشعور من قبلهم في المناقصات الزعاماتية والتحاصصية التي كانت تجري في بيروت.
كان فقراء طرابلس، وما زالوا، هم الأجساد التي رسمت خطّ الاستمرارية مع الماضي. لكنّ هذا الماضي شكّل نقمةً عليهم بمقدار ما كان نعمة. فقد واجه الطرابلسيون أسئلةً تكاد أن تكون وجوديّة فيما اعتبرها كثيرون من الأجيال السابقة من المسلّمات. ومن هذه المسائل، كان هناك المكافئ السياسي لفكرة الانتماء العربي عندما نزعوا إلى الوحدة مع سوريا خلال الخمسينيات من القرن الفائت، أو حين أصبح الإسلام الأيديولوجي لاحقًا جسرًا سياسيًا تقاطعت من خلاله علاقتهم مع الدولة كما مع ذاتهم، وهي علاقة التبس فيها مجالا العام والخاص عقب هيمنة تنظيمات تابعة للإخوان المسلمين على نخب المدينة وشرائحها منذ ثمانينيات القرن الفائت.

ولطالما حوّلت فترات الانحطاط الاقتصادي- السياسي هذه الأسئلة الوجودية إلى فخّ يُنتج شعورًا مستديمًا بالشفقة على الذات عند عموم الطرابلسيّين، تتحوّل فيها عملية لوم المركز البيروتي على كلّ مصائب المدينة إلى بديل لانتفاضة مستحيلة على زعمائها، فيتمّ اختبار راهنها كقدر محتوم. تحوّل ذلك إلى تمرين كلاميّ هدفه إثبات العظمة الغابرة لمدينة صار يعتقد كثيرون من مثقّفيها أنّ دولة لبنان الكبير لم يكن اختراعها سوى مؤامرة دؤوبة حيكت ضدّها، في حين أنّه في العام 2011 مثلاً كان ستّة من نوّابها، بينهما مليارديريّان، وزراء في حكومة رئيسها نجيب ميقاتي الطرابلسي.

بعد 17 تشرين الأوّل، تغيّر كلّ ذلك. رفع الفقراء الطرابلسيون العلم اللبناني في ساحة النور ليعلنوا أنّهم مركز. أعلنت لنا «أمّ الفقير» منذ ذلك اليوم أنّها اخترعت وطنيةً لبنانيةً جديدة لها ولباقي اللبنانيين، ترتكز على هويّة فخورة بنفسها لم تُمسَخ يوماً. ترتكز هذه الوطنية اللبنانية الجديدة على مركزيّة دور فقرائها الذين احتقرهم أثرياؤها، وعلى مركزيّة للفقراء في تحديد مصالحها من خلال تحالفهم الذي ما زال يبحث عن تمتين له مع الطبقات الوسطى. كلّ ذلك في حاضرةٍ يعيش أكثر من ثلثيْ المقيمين فيها تحت خطّ الفقر.
لقد اكتشف أهل المدينة على حين غرّة أنّ عظمة طرابلس تستعاد حين يجترحون ثورةً في الحاضر، وفي بيروت نفسها. لهذا نرى أنّه من بين الشعارات الثورية منذ 17 تشرين الأول، طغى التراث المديني الطرابلسي بأمومته مع الفقير: هم من يتكلّم باسم الثورة حين يذهبون لبعبدا لمناصرة المحتجّين هناك أمام القصر الرئاسي. هم أيضًا من تكون ساحتهم الكرنفال المستمرّ الانعقاد في لبنان عندما يحاول زعماء السلطة أن يقمعوا ويُرهبوا الثائرين في بيروت مستخدمين شبّيحة ضواحيها.

منذ 17 تشرين الأوّل، بات الفقراء الطرابلسيّون هم خطّ الدفاع المركزي عن الوطنيّة اللبنانيّة الجديدة.



#خليل_عيسى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنقلاب خميني وفكر ياسين الحافظ بعد أربعين عاماً
- في دعوة رياض الترك إلى انطلاقة ثورية جديدة
- حول تبرير الخطف عند نخبة الإسلام السياسي الحاكم
- إيران والوصفة السلفادورية في العراق
- بورجوازية حزب الله و-السلسلة-
- سقوط القمّة العربيّة الإيراني
- السياسة اللبنانية والعَبَث المتعدد بالمرأة
- نسبيّة-حزب الله-وطريق التحول العراقي
- في نقد نقّاد الترامبية
- نحو إمبرياليّة أميركيّة بجناحين نوويين
- الكسل الفكري السوري بين الضلالة والهدى
- احتضار لبنان بين ثلاثة نماذج
- النرجسيّة السورية بين السوداويّة والخيانة الموضوعيّة
- في نقد الاستراتيجيّة الإعلاميّة السعودية تجاه العراق
- من أجل فهم عربي مطابِق ل -حرب تمّوز-
- -جامبيت- عربي في الانتخابات الأميركية... لم لا؟
- في أصل الصحوات السوريّة وملحقاتها
- المستعمرة اللبنانية ومهام اليسار الراهنة
- عبد الرزاق عبد الواحد أم أحمد الجلبي؟
- الإمبريالية الأميركية ونظام قتلة الأطفال


المزيد.....




- اتهام 4 إيرانيين بالتخطيط لاختراق وزارات وشركات أمريكية
- حزب الله يقصف موقعين إسرائيليين قرب عكا
- بالصلاة والخشوع والألعاب النارية.. البرازيليون في ريو يحتفلو ...
- بعد 200 يوم من الحرب.. الفلسطينيون في القطاع يرزحون تحت القص ...
- فرنسا.. مطار شارل ديغول يكشف عن نظام أمني جديد للأمتعة قبل ا ...
- السعودية تدين استمرار القوات الإسرائيلية في انتهاكات جسيمة د ...
- ضربة روسية غير مسبوقة.. تدمير قاذفة صواريخ أمريكية بأوكرانيا ...
- العاهل الأردني يستقبل أمير الكويت في عمان
- اقتحام الأقصى تزامنا مع 200 يوم من الحرب
- موقع أميركي: يجب فضح الأيديولوجيا الصهيونية وإسقاطها


المزيد.....

- ثورة تشرين الشبابية العراقية: جذورها والى أين؟ / رياض عبد
- تحديد طبيعة المرحلة بإستخدام المنهج الماركسى المادى الجدلى / سعيد صلاح الدين النشائى
- كَيْف نُقَوِّي اليَسَار؟ / عبد الرحمان النوضة
- انتفاضة تشرين الأول الشبابية السلمية والآفاق المستقبلية للعر ... / كاظم حبيب
- لبنان: لا نَدَعَنَّ المارد المندفع في لبنان يعود إلى القمقم / كميل داغر
- الجيش قوة منظمة بيد الرأسماليين لإخماد الحراك الشعبي، والإجه ... / طه محمد فاضل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ملف: الحراك الجماهيري والثوري في العالم العربي، موقف ودور القوى اليسارية والديمقراطية - خليل عيسى - طرابلس أو الوطنية اللبنانية الجديدة