|
قول حول الانتخابات الأخيرة في تونس: الصدمة و الحقيقة التي تأبى النكران
عمران مختار حاضري
الحوار المتمدن-العدد: 6426 - 2019 / 12 / 2 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قول على هامش الإنتخابات الأخيرة في تونس : الصدمة و الحقيقة التي تأبى النكران... ! ... هناك حقيقة يجب أن نعترف بها وهي أن الأشرار دائما يتحدون، ويقفون صفا واحداً، رغم ما في نفوسهم من أنانية و كراهية لبعضهم البعض، أما دعاة الخير فهم عادة متفرقون متنافرون وهذا سر أساسي في ضعفهم ... و هذا ما يمكن استخلاصه كذلك في ميدان السياسة أيضا حيث نجد يمينا بمختلف تمثلاته ، أكثر وحدة وتماسكا رغم ما يضمره من عداء للشعب والوطن... ! و يسارا اغلبه يعاني التشتت و التشرذم و التنافر و الانعزالية و المكابرة ، رغم تنوع تجاربه ومسار نضالاته و تضحياته الجسيمة انتصارا للشعب والوطن و القيم الإنسانية العادلة في كافة مفرداتها... ! و هذا راجع لعدة أسباب بأبعادها الفكرية و السياسية و التنظيمية... لكن ربما أبرزها يعود إلى الترهل الفكري و اللبرلة و الاكتفاء باللعب في المربع المتاح حسب شروط اللعبة الديمقراطية الشكلية دون الحرص على توفير شرطها الاجتماعي و من ثمة الانحسار في الجانب السياسي و إهمال الجانب الاقتصادي والاجتماعي الذي بفضله يتقلص الانفصام على الواقع وتعزز الروابط مع الطبقات الاجتماعية التي تعاني القهر و الظلم و الحيف الإجتماعي ... و ربما لعدم القدرة على فهم الواقع و أولوياته و من ثمة التأخر في اقتناص اللحظة التي تصنع التاريخ و التقدم و ترك باب السماء مفتوحاً ، ليتسلل هذا الكم من الظلام و التخلف و العدوانية في جميع المستويات ... ! فالشعوب تصنع أمجادها و تضرب موعداً مع التاريخ و التقدم و تصنع أجيالا جديدة ... إلا نحن نعيد إنتاج القديم منتهي الصلاحيه من كهنة المعبد و كهنة السوق على حد سواء ، في نسخ رديئة بالية متكلسة مشوهة، معادية لتطلعات الشعب و الوطن، كالتي افرزتها على سبيل المثال الإنتخابات الأخيرة في تونس... !!! والتي خلفت صدمة في أوساط اليسار خاصةً بمختلف أطيافه و مشاربه الفكرية... و هو ما يتطلب من اليسار الثوري و التقدمي الناهض بوجه عام كي ينهض و يتقدم، أن يعي الصدمة و يتحصن باليقظة و الإنتباه على الدوام و رفض الانسياق وراء أنصاف الحقائق و أنصاف الحلول و الأفكار ذات المنحى التبريري و الشائعة باستمرار... ! و هذا لا يحدث دون توسيع المعرفة و التقييم الجريء و البنناء ... و إعادة طرح الأسئلة و تنقيح و ترتيب المواضيع الحارقة وصولا إلى إجابات قد تقود إلى اسىءلة جديدة و حلول جديدة من أجل التقدم و النهوض لأن عدم القدرة على قراءة اللحظة يرتب فشلا جديداً و يفضي إلى صدمة جديدة... !!! العديد من الأسئلة تفرض نفسها منها أساساً : * لماذا لا يتقدم اليسار رغم إخفاقات اليمين المتوالية !؟... * لماذا سبل التوحيد أكثر يسرا في ظل الديكتاتورية منها في مناخ الحرية النسبية و العمل العلني !؟ * لماذا يرهن اليسار نفسه للصندوق على أهميته فيما تكون الأولوية للشارع في ظل ظروف ناضجة موضوعيا !؟ * لماذا عدم تخطي العفوية و المرور من ردة الفعل إلى الفعل و من الدفاع إلى الهجوم !؟ و قيادة الحراك الشعبي صوب التغيير الجذري المنشود الذي يطال كلية المنظومة القديمة...! هذه المنظومة القديمة التي تسعى إلى السيطرة على مفاصل الحكم من خلال " التوافق" بين الإسلام السياسي و حلفائهم من المنظومة القديمة المرسكلة والتي ثار ضدها الشعب و انتهت برحيل بن علي و هذه " الأيديولوجية التوافقية" التي يجري اعتمادها و الترويج لها منذ سنوات و الممعنة في إعتماد نفس السياسات والخيارات المازومة العدوانية التي تذبح المقدرة الشرائية للمواطنين و تعتدي على أسباب عيشهم و تتوخى سياسة" تقشفية" مقيتة، طبقا لاءملاءات صندوق النقد الدولي و تتوغل في المديونية الخارجية و تضرب مؤسسات الدولة المنتجة عبر الخصخصة و تفكك ما تبقى من بعض مكاسب الرعاية الاجتماعية و الصحية... الغرض الاساس من هكذا توافق هو العمل على إجهاض الثورة و مطالبها و تلويث الوعي بشعارات شعبوية تظليلية خاوية من أجل إخفاء الصراع الاجتماعي و تجاهله خدمة لاستراتيجية سيطرة راس المال حيث تسعى إلى نقل الصراع و التناقضات الاجتماعية الحقيقية من مجالها الحيوي إلى مجالات أخرى هاشمية و ثانوية ذات بعد ثقافي عابر للتاريخ مثل الصراعات " الهووية" و التفتيش في ضمائر الناس و غيرها من المساءل الثانوية المتنوعة والتي لا تستجيب لمطالب الشعب و تطلعاته المصيرية في الشغل و التعليم و الصحة و المواطنة والمساواة و السيادة و في مقدمتها السيادة على الثروة... لذلك يتوجب على اليسار المناضل و التقدمي الناهض بشكل عام و اليسار الثوري تحديداً الاستعداد الفكري و السياسي و التنظيمي جعل مسألة التقييم الجاد على رأس جدول الأعمال و الإستفادة من التجارب بسلبياتها و إيجابياتها من أجل وعي ارهاصات الواقع و التحديات الراهنة و تحديد استراتيجية واضحة و تكتيكات و بداءل مناسبة و التهيؤ لقيادة الحراك الشعبي الذي لا مفر منه و توجيهه صوب التغيير الجذري المنشود... لأن منظومة قطبي اليمين الليبرالي لا تملك الحلول للأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المزرية للطبقات الشعبية باعتمادها نفس المنوال التنموي القديم منتهي الصلاحيه و نفس الخيارات القديمة الفاشلة التي اكتوى الشعب باثارها التدميرية لعقود و أن الشعب لن يستكين و يهدأ و لن يكون هناك إستقرار إلا بتحقيق المطالب الشعبية الإقتصادية والإجتماعية أولاً و أخيراً ... و أن الشعب لما يحتج و ينتفض محركه الأساسي هو أوضاعه المعيشية المزرية والأزمة الحادة التي لم يعد يحتمل التعايش معها و هو لا يملك ترف النزول إلى الشارع و لن يهدأ مهما كانت نتائج الصندوق التي تحمل شبهة التزوير في ظل هيئة إنتخابية على المقاس و غياب محكمة دستورية و إعلام موجه و مال سياسي فاسد متدفق و تغول في الجهاز الإداري... لكن باعتقادي المتواضع هناك عوامل أخرى أكثر خطورة و عمقاً جعلت اليسار يتردى في هكذا وضع لا يتناسب و حجمه و تجاربه و نضالاته و تضحياته لعقود...! لكن ومع هذا يبقى اليسار الثوري و التقدمي الناهض طوق النجاة و الامل المشرق للغد الأفضل ... ! المهم أن نطرح الأسئلة دون عقد و نفكر بعمق و جدية و نعترف دون مكابرة و تبرير بعدم القدرة على كسب تحدي الإنتشار و كسب قاعدة شعبية قادرة على كسر الاستقطاب الثنائي بين قطبي اليمين الليبرالي بوجهيه الاسلاموي و الحداثوي الشكلاني المشوه... و أن هناك اخلالات و صدمات و الإعتراف أول طريق للعلاج... ! عمران حاضري 30/11/2019
#عمران_مختار_حاضري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسار التطبيع يتفاقم في تونس ... !
-
الشعب يريد... !
-
على هامش الإنتخابات البرلمانية و الرئاسية في تونس...
المزيد.....
-
?? مباشر: عملية رفح العسكرية تلوح في الأفق والجيش ينتظر الضو
...
-
أمريكا: إضفاء الشرعية على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة ال
...
-
الأردن ينتخب برلمانه الـ20 في سبتمبر.. وبرلماني سابق: الانتخ
...
-
مسؤولة أميركية تكشف عن 3 أهداف أساسية في غزة
-
تيك توك يتعهد بالطعن على الحظر الأمريكي ويصفه بـ -غير الدستو
...
-
ما هو -الدوكسنغ- ؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
-
بالفيديو.. الشرطة الإسرائيلية تنقذ بن غفير من اعتداء جماهيري
...
-
قلق دولي من خطر نووي.. روسيا تستخدم -الفيتو- ضد قرار أممي
-
8 طرق مميزة لشحن الهاتف الذكي بسرعة فائقة
-
لا ترمها في القمامة.. فوائد -خفية- لقشر البيض
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|