أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب القرش - مدينة سميساط ..موطن العلماء والأتقياء والأشقياء..والملائكة















المزيد.....


مدينة سميساط ..موطن العلماء والأتقياء والأشقياء..والملائكة


عبدالوهاب القرش

الحوار المتمدن-العدد: 6422 - 2019 / 11 / 28 - 00:07
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ربما لم يعرف التاريخ الإنساني مدينة صغيرة مثل سميساط في تناقضها الإيديولوجي. فرغم صغر مساحتها فقد ضمت في جنباتها المسلم والمسيحي ، والسني والشيعي ، والمسيحي الموحد والمسيحي صاحب التثليث ، واللص والفقيه ، والأمير والفقير ، والزاهد والمترف ، وزاد من إرباكنا أنه رغم غرق المدينة تحت مياه السد إلا أن تأثير أبناؤها يكاد يمسك باليد على النهضة الأوروبية وأمريكا.
الاسم والموقع:
سميساط بضم السين ، وفتح الميم ، وسكون الياء المثناة من تحتها ، وفتح السين الثانية ، وبعد الالف طاء مهملة ، ويعني اسمها "شط النهر " .. وهي مدينة قديمة صغيرة تقع على شاطئ الفرات من الغرب ، وعندها ينعطف النهر غربًا، في طرف بلاد الروم ويحدها من الشرق جبل اللكام ومرعش ، ومن الجنوب ملطية ، وتحفها الجبال التي تتخللها عدة دروب ..وتشتهر هذه الجبال بخصوبة تربتها وكثرة أشجار الفواكهه مثل الجوز والعنب والتوت والموالح ، وسائر الثمار الشتوية والصيفية. واشتهرت سميساط بخصوبة تربتها ووفرة مياهها وخضرة دائمة في أرضها سواء من مياه الفرات أو من الأمطار.
مختصر تاريخها:
قيل أن بناء سميساط يرجع إلى عهد سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وقد بناها ملك يدعى " كموس ".. ويبدو أن سميساط ارتبطت بعلاقات مع فراعنة في مصر لأنه عثر في زمامها على بعض الأحجار التي تحمل نقوشًا فرعونية ..ضُمت سميساط إلى المملكة السلوقية أواخر القرن الثالث قبل الميلاد.. في عام (162ق م) اشتعلت بها ثورة قادها أحد حكامها ويدعى بطليموس ، وأعلن أن سميساط وما جاورها مملكة مستقلة..وفي عام (17ق م) ضمها تيباريوس إلى الإمبراطورية الرومانية ، وفي عام (38م) انفصلت المدينة ، ثم عادت سميساط ولاية رومانية في عام(72 م) ، ثم ضمت إلى إمبراطورية الروم البيزنطيين في أواخر القرن الثالث الميلادي.
فتح المسلمون سميساط أول مرة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه عام (22هـ /642م) ، وذلك على يد عياض بن غنم، الذي فتحها صلحًا مع الرقة والرها وحران ، ثم ارتد أهل سميساط عن الإسلام فلما علم عياض بذلك عاد إليها وحاصرها حتى فتحها. وتعد سميساط من أهم الثغور الجزرية الإسلامية، التي تخرج منها الجيوش الإسلامية إلى غزو بلاد الروم. ويوجد بها قبر الصحابي الجليل صفوان بن المعطل السلمي رضي الله عنه.
وفى عام (222 ه/832م) تمكن البيزنطيون من مُهاجمة سميساط وما جاورها وأشعلوا النار في المدينة حتى خربت أغلب أحيائها، وفي عام (420ه/1030م) أعاد الروم مُهاجمة سميساط واحتلوها. لكن تمكن الاتراك السلاجقة من استعادتها عام(478 ه/1085م).
برز اسم سميساط في فترة الحروب الصليبية ، وتمكن بلدوين حاكم إمارة الرها من الاستيلاء عليها، ولكن استردها تمرتاش بن ارتق عام (545ه/1150م) ، وظلت بيده حتى سلمها لصلاح الدين الأيوبي الذي أعطاها لأخيه العادل عام(597ه/1200م) ، ثم دخلت تحت سيطرة السلاجقة عام (601ه/1204م) ، وفي عام (634ه/1236م) تعرضت سيمساط لغارة خوارزمية ولكن طردهم منها السلطان " غياث الدين كيسخرو ". وظلت سميساط تحت سيطرة السلاجقة ثم العثمانيين ثم تركيا الحديثة إلى أن غمرتها مياه سد أتاتورك في عام المياه في (1989م) . وقد بُنيت بلدة جديدة بنفس الاسم للسكان المرحـلين لغرق بلدتهم القديمة.
المجتمع السميساطي شعاره الصديق اللدود:
الأرمن هم أصل سكان سميساط ، ومع الفتح الإسلامي توافد عليها المرابطون المسلمون ، ثم انتقلت إليها قبيلة بني تغلب ، ثم قبيلة الزط ذات الأصل الهندي الذين أتى بهم الحجاج بن يوسف الثقفي ، ومنحهم الأراضي لزراعتها . وانتقل إليها بنو حبيب لكنهم ارتدوا عن الإسلام ، وارتحلوا عنها، وقطعوا الحدود ، ولجأوا إلى الروم وتنصروا ، وقيل أن سبب إرتدادهم عن الإسلام يرجع إلى كثرة الضرائب التي فرضتها عليهم الدولة الحمدانية.
منحت الدولة الإسلامية فرق المرابطين في سميساط قطع من الأراضي للزراعتها ، وعلى أطراف سميساط سكنت فرق من الروم البيزنطيين المعروفين باسم الأكريتاي Akritai أي (الحدوديين) ، ومنحتهم دولتهم أراضي زراعية لفلاحتها كما منحتهم عدد من الماشية. وكثيرًا ما تقع مشاكل بين الطرفين حول المراعي أو الاختلافات الدينية بينهم، ودرأً لعدم توريط الدولتين في اشتعال الحرب بينهما ، كثيرًا ما يلجأ المرابطون المسلمون والأكريتاي الروم ليتناقشون في إيجاد وسائل لمعالجة أسباب النزاعات على أراضي المراعي والنشاطات التجارية والتوترات العرقية والدينية بين الجانبين. وكان من نتيجة هذا الاحتكاك والاختلاط أن تم بينهما بعض حالات الزواج بين المسلمين وبنات الروم ، وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد تزوج القائد عبد الله البطال من ابنة أحد البطاركة الروم ، وأصبحت أم أولاده ، وكان عبد الله البطال على اتصال بأبيها البطريرك ، وكـان يكاتبه ويهاديه ، وهذه حالة من حالات المشاهير أما بين عامة الناس فهي موجودة بالفعل ولا تحتاج إلى تأكيد.
قطاع الطرق الأشقياء:
أوت الجبال التي تقع على أطراف سميساط جماعة من الأشقياء الخارجين عن القانون من قبيلة الزط ، وانضم إليهم بعض الخونة والفاسدين من الروم ، وشكلوا عصابات ، وقاموا بقطع الطرق ، وترويع الناس ، وسلب متاعهم وأموالهم ، وسرقة مواشيهم ، وعرفت هذه العصابات عند الروم باسم Apopatai أي الأشقياء ، وسببت هذه العصابات إزعاج كبير للسلطات الحاكمة في سميساط وما جاورها من ثغور الروم ، فكانت السلطات الإسلامية تكلف فرقة من المرابطين بمطاردتهم ، وأحيانًا يتم التنسيق مع الجانب الرومي ممثلاً في فرقة الأكريتاي لعمل كمائن والقبض عليهم ، ومن ثم تسليمهم للسلطات التي يتبعون لها لمعاقبتهم. وكان يتم التنسيق بين فرق المرابطين والإكريتاي ، لمنع بيع الماشية المسروقة عبر الحدود ، وإعادة الحيوانات المسروقة إلى أصحابها.
النفير للجهاد بصحبة الملائكة:
لقد كان للمرابطين المسلمين ، والأكريتاي الروم دور كبير في عرقلة جهود واستعدادات الحربية للطرف الآخر بعد القيام بعمليات التجسس وكشف النوايا ، وكان هؤلاء وأولئك مزودين بنظام الإشارات ، وكان عليهما الإسراع إلى احتلال مراكز مهمة لغلق الممرات والدروب لقطع طريق مرور الجيوش من وإلى أي من الدولتين الإسلامية أو الروم البيزنطيين.
وقد كان للنفير للجهاد ترتيبات طريفة فصلها ابن النديم بقوله أن وقت النفير كان يركب المتولي للحسبة ورجالاته بين يديه ينادون بأعلى أصواتهم يقولون" النفير يا أصحاب الخيل والرجال ، النفير حملكم الله إلى باب معين يعينوه لهم " وتغلق الأبواب في المدينة ، ولا تزال مغلقة حتى يعود السلطان من النفير ، فتفتح الأبواب المغلقة كلها ويطوف المحتسب ورجالاته الشوارع كلها فإذا كان ذلك نهارًا إنضاف إلى رجالاته عدد كبير من الصبيان وساعدوهم على النداء بالنفير وحض الناس على المسير في أثر الأمير ، وإذا طال أمر النفير يتردد المحتسب في الأسواق يحث الناس على التوجه إلى النفير ، فلا يزال الأمر على هذا حتى يعود السلطان إلى دار الإمارة.
وقد كان لخطب الحث على الجهاد أثرها في تهيأة الجو النفسي الملائم للمجاهدين ، ومن ذلك على سبيل المثال تلك الرسالة التي كتبها الشيخ شهاب الدين الحلبي وأرسلها السلطان إلى نائبه على ثغر سميساط والتي أوردها القلقشندي بالتفصيل والتي جاء في بعض أجزائها " يا خيل الله اركبي ، ويا ملائكة الرحمن اصحبي ويا وفود الظفر والتأييد اقربي ؛ والعزائم قد ركضت على سوابق الرعب إلى العدا .. ؛ والجيوش قد كاثرت النجوم أعدادها ، وسايرتها للهجوم على أعداء الله من ملائكة الكرام أمدادها ؛ والنفوس قد أضرمت الحمية نار غضبها ، وعداها حر الإشفاق على ثغور المسلمين عن برد الثغور وطيب شنبها ... والأبطال وليس فيهم من يسأل عن عدو بل عن مكانه ؛ والنيات على طلب عدو الله حيث كان مجتمعه والخواطر مطمئنةٌ بكونها مع الله بصدقها ، ومن كان مع الله كان الله معه ؛ وما بقي إلا طي المراحل ، والنزول على أطراف الثغور نزول الغيث على البلد الماحل ؛ والإحاطة بعدو الله من كل جانب ، وإنزال نفوسهم على حكم الأمرّين : من عذاب واصب ، وهمّ ناصب ؛ وإحالة وجودهم إلى العدم ، وإجالة السيوف التي إن أنكرتها أعناقهم فما بالعهد من قدم".
ولم يُهمل أمر الجهاد في ثغر سميساط وغيره من الثغور الإسلامية إلا فترات ضعف بعض الحكام ، لكنه كانت له المكانة الأولى في تفكير الحكام الأقوياء.
علماؤها:
رغم أن حياة سميساط كان يغلب عليها طابع الحرب والجهاد ، وعدم الاستقرار ، فإنه نسب إليها أكثر من عالم وزاهد وتقي وفقيه.


لوقيان السميساطي صاحب الخيال العلمي:
لوقيان السميساطي Lucian of Samosata (125-180م ) ، الفيلسوف والخطيب الرحالة، درس اللغة اليونانية وأتقنها ، وكتب بها عدة مؤلفات. وكان يلقي المحاضرات في اللغة والبلاغة والنقد الاجتماعي. كان معجباً بالماضي وتراثه الزاخر، لكن هذا لم يمنعه من حب كل ما هو مستحدث كحرية الكلام والتعبير. وتميّز لوقيان بمرونة فكره وحدة ذهنه وسرعة خاطره وقوة حافظته وخصب إبداعه.
قضى لوقيان حياته يتنقل بين بلاد حوض البحر الأبيض المتوسط ، فبعد أن أتم دراسته بسوريا رحل إلى أثينا حيث عمل بها مدرسًا، ثم نجده في مصر يعمل كموظف في الإدارة ومعلم لأبناء طبقة الأمراء والكهان، ويتردد على سوريا مرات عديدة حيث عمل بها كعالم وكاتب وفيلسوف ومعلم ، وغير ذلك في بلاد أخرى.
كتب لوقيان أكثر من (80) مؤلفاً ، منها (27) قصة في " حوار مع الأموات " وكتب (15) قصة في " حوار في البحر " ، وكتب (26) قصة وحوار مع " آلهة الأولمب " ، وكتب " الجلم وزيوس في حوار " ، وعشرات القصص الأخرى ، وله مقالات وخطب كثيرة من أشهرها : " فلسفات للبيع "، و" في مديح ذبابة "، و"الكذّاب"، و" رحلة إلى العالم الأسفل "، و" الآلهة السورية "، و" مذاهب في المزاد "، و" الطفيلي ".. وعمل على إصلاح الناس بنقد العيوب والتشهير بها. وأظهر عيوب العديد من المذاهب الفلسفية القديمة وما فيها من تناقض وتعقيد ، ومخالفة لواقع الحياة. وتميز لوقيان بوضوح الرأي وأصالته ومرونه الأسلوب الإلهائي الدعابي.
يعد الخيال العلمي أهم السمات التي تميز بها لوقيان في مؤلفاته، ويظهر بوضوح في محاوراته التي تأتي غالبًا مغلفة برداء الأسطورة ، وما يكتنفها من تصورات خيالية ، ومثال ذلك "قصة حقيقية" حيث كرر فيها لوقيان عدة مرات قوله: " لن تصدقوني"! لما فيها من خيال واسع ، إذ يمضي لوقيان في القصة عبر البحار ويعرج إلى القمر مع من معه ، ويلتقي بأشخاص ذوي صفات غريبة ، ويستولي عليهم التيه في إحدى القارات!.وبهذا يكون لوقيان السمساطي أول من كتب قصة في الخيال العلمي.
لقد تأثر بأسلوب لوقيان بأسلوبه الحواري الإلهائي كثير من أدباء ومفكري عصر النهضة الأوروبية ، فنجد أن دانتي أليجيري في كتابه الشهير " الكوميديا الإلهية " نقل عن لوقيان في كتاب " محاورات الموتى " وهي عبارة عن رحلة إلى الجحيم والسماء، كما قلد لوقيان كثير من الأدباء في أسلوبه الأدبي الساخر ، مثل فيفيلون في "جزيرة الملذات " ، ورابلييه في" غاغنتوا "، "بانتا غريبي "، سيرانو دي برجراك في " رحلة إلى القمر " وغيرهم أمثال " سويفت الأيرلندي"، و " توماس مور البريطاني "، و " فولتير "، و " رينان "، و " أناتول فرانس"،و" برناردشو". ويعتبر موليار تلميذًا من تلامذته ، لكن شكسبير كان الأسوأ، فقد أخذ كتابًا كاملاً كما هو ونسبه لنفسه وهو كتاب " عدو البشر".


أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى السلمي السميساطي:
ينسب إلى سميساط أبو القاسم علي بن محمد بن يحيى بن محمد بن أبو القاسم السلمي الحبيشي المعروف بالسميساطي ، روى عن أبيه وعبد الوهاب الكلابي ، وحدث عنه:أبو بكر الخطيب وإبراهيم بن يونس المقدسي ، وكان أبو القاسم مقدمًا في علم الهندسة والهيئة . قدم أبو القاسم السميساطي إلى دمشق ، وسكن في درب الخزاعية ، واشترى دار عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، وأوقفها وعرفت بالخانقاه السميساطية.وكان من ضمن ما كتب على حائطها:
يا سالكا طرق التصوف والذي... يبغي نزول خوانك النسـاك
ما مثل منزلة الدويرة منـزل ...يا دار جادك وابل وسـقـاك
توفي أبو القاسم السميساطي يوم الخميس بعد صلاة العصر العاشر من شهر ربيع الآخر سنة 453هـ بدمشق ، ودفن في داره بباب الناطفانيين التي وقفها على فقراء الصوفية وقف علوها على الجامع ، ووقف أكثر نعمة على وجوه البر.
وقد كان من ضمن روادها العلامة أبو حامد الغزالي، وسعيد بن سهيل بن محمد بن عبد الله ابو المظفر المعروف بالفلكي النيسابوري ، و قاضي القضاة بدر الدين بن جماعة وغيرهم الكثير، مدح الخانقاء السميساطية الشيخ علاء الدين الوداعي:
لدويرة الشيخ السميساطي من ... دون البقاع فضيلة لاتنحل
هي موطن للأولياء ونزهة ... في الدين والدنيا لمن يتأمل
كملت معاني فضلها مذ حلها ... العالم الفرد الغياث المتبل
إني لأنشد كلما شاهدتها ... ما مثل منزلة الدويرة منزل
علي بن محمد العدوي السميساطي الشيعي:
ولد علي بن محمد العدوي الشيعي المذهب في سميساط ، وكان لغويًا وشاعرًا وخطيبًا بليغًا، عمل مؤدبًا لابني ناصر الدولة ابن حمدان. ثم نادمهما. قال عنه ياقوت الحموي:" وكان رافضيًا دجالاً، يأتي في كتبه بالأعاجيب من أحاديثهم ". له تصانيف، منها " النزه والبتهاج "، و " الأنوار في محاسن الأشعار "، و "الديارات"، و" أخبار أبي تمام والمختار من شعره "، و " تفضيل أبي نواس على أبي تمام " و " المثلث " في اللغة على حروف المعجم، و "مختصر تاريخ الطبري " حذف منه الأسانيد ، وزاد عليه من سنة(303 ه/915م) إلى زمنه، ورسائله التي كان يبعث بها إلى سيف الدولة الحمداني.
وروى علي بن محمد العدوي الخبر الذي جرى بين الزجاج وثعلب في حق سيبويه ، واستدراكه على ثعلب في الفصيح عدة مواضع. وقد ترك علي بن محمد العدوي كثيراً من أخلاقه عندما تقدمت به السن,,وقد هجاه أبو القاسم الرقي المنجم قائلاً:
حفُّ خديك دل يا شمشاطي ... أنه دائمًا لغير لواط
وانبساط الغلام يعلمني أنـ...ـك تحت الغلام فوق البساط
وشروط صبرت كرهًا عليها ... لا لها بل للذة المشراط
سميساط رباط الزهاد الأتقياء:
معروف أن سكان سميساط يعرفون باسم المرابطين ، وكان الجهاد بمفهومه الشرعي أحد أهم أركان الطريق الروحي إلى الله ، لذا لجأ الزهاد إلى منطقة الثغور لجهاد أعداء الله ، واعتبروا أن الجهاد في سبيل الله أفضل لأنه حقيقة الزهد في الدنيا، ومن اشهر الزهاد الذين ترددوا على سميساط ومنطقة الثغور إبراهيم بن أدهم (ت 161هـ)، والذي يعد إمام المتصوفين الروحانيين ، كان أبوه ملكاً ، لكن الابن تزهد اختيارًا ، وساح في البلاد ، وجعل الثغور الإسلامية له مقامًا ، وكان فارسًا شجاعًا ، ومقاتلاً باسلاً ، رابط في الثغور ، وخاض المعارك ضد الروم البيزنطيين إلى أن مات وهو قابض على قوسه يريد الرمي به إلى العدو .. ومنهم أبو اسحاق الفزاري (ت 183هـ) ، إمام أهل الشام في المغازي ، ترك القصور والجواري ، ونزل الثغور والبراري. قيل عنه : إنه كان إذا قرأ القرآن بكى وأبكى . ومنهم أبو العباس السمّاك ، وكان يرتاد الثغور مع أقرانه، وله مواقف في الدفاع عن أرض الإسلام.
بولس السميساطي.. وأتباعه تأثرهم بالإسلام وتأثيرهم في أوروبا وأمريكا:
استوطنت فرقة البولسية مدينة سميساط ، حيث وجدوا فيها الجو الملائم والملاذ الآمن بجاور المسلمين ، فمارسوا طقوسهم الدينية بعيدًا عن الصراعات المذهبية في إمبراطورية الروم البيزنطيين.. يرجع أصل هذه الفرقة إلى بولس السميساطي أسقف أنطاكية ، الذي آمن بما جاء به المسيح - عليه السلام -، وهو الإسلام في العقيدة، واتباع التوراة في الشريعة ، كما أنكر بولس السميساطي ألوهية المسيح ، وقرر أنه مجرد بشر رسول ، خلقه الله كما خلق آدم ، وتمسك بالإيمان الذي أعلنه الحواريون فيما أخبره عنهم قوله تعالى: {نَحنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشهَد بِأَنَّا مُسلِمُونَ}(آل عمران:52). وبعد عقد ثلاثة مجامع للتباحث في أمره خلال خمس سنوات، كان آخرها مجمع في إنطاكية عام (268م) ، حضره بولس بنفسه ، ودافع فيه عن معتقده ، فقرر المجتمعون طرده وعزله من جميع مناصبه .
على الرغم من أن نشأة فرقة البولسية كانت في القرن الثالث الميلادي, إلا أن عصرهم الذهبي كان في القرن السابع الميلادي مع الفتح الإسلامي للشام عندما أحيا قنسطنطين Constantine أسقف ماناناليس Mananalis مذهب البولسية من مرقده ، و كون جماعته على سفوح الجبال المطلة على سميساط ، وارتبطت فرقة البولسية بعلاقات صداقة مع المسلمين المرابطين في سميساط ، ودارت بينهم حوارات ثقافية تجلت في مجالس الفقه والفكر في ليالي السمر على الحدود، لذا تأثرت فرقة البولسية بالمسلمين في عدد من المسائل الدينية مثل: الإيمان بعقيدة التوحيد بأن الله واحد، وأن المسيح رسول الله، ورفض التثليث والإيمان بالوحي ، ورفض عبادة الأيقونات.. كما طورت فرقة البولسية من أفكارها ومذهبها ، وحرص علماؤها على أن يفسروا عقيدتهم وإيمانهم بما يشبهه الإسلام أو يقاربه ؛ فأعادوا عقيدة التوحيد إلى الديانة المسيحية بعد طول ركود ، وبالشكل الذي جعل رجال الدين البيزنطيين يطلقون على فرقة البولسية اسم "هراطقة محمد الجدد " .
ونتيجة للفكر التوحيدي عند فرقة البولسية ، وتقربهم من المسلمين أن تعرضوا لاضطهاد أباطرة الروم البيزنطيين بين عامي (48 - 79هـ / 668- 698م) حيث أرسلت حملات ضدهم من قبل قنسطنطين الثالث ، وجستنيان الثاني ، وراح ضحيتها زعيمهم الروحي " سلفانوس Silvanus " الذي رجم بالحجارة حتى الموت، وكذلك خليفته "سيميون تيتوس Simeons Titus " الذي أحرق حياً ، ولجأ من نجا منهم إلى المسلمين المرابطين في سميساط حيث نعموا بالملاذ الآمن.
وقد بلغ التأثير الإسلامي ذروته في فكر فرقة البولسية في موقفم المتشدد من عبادة الأيقونات في النصف الأول من القرن الثامن الميلادي في عهد الامبرطور ليو الثالث وأبنه قسطنطين الخامس حيث كانت تربطهما علاقة بفرقة البولسية, ويقال إنهما كانا بوليسيين، وقد وصفت فرقة البولسية بأنهم الجناح الأيسر لمحطمي الأيقونات.
ولم تنعم فرقة البولسية طويلاً بهذا الأمن ، فسرعان ما انقلب الوضع في إمبراطورية الروم حيث تولى الحكم ميخائيل رنجابي وخلفه (811-867م) وهم مناصرون لعبادة الأيقونات لذا شنوا حرب إبادة على كل المعارضين لعبادة الأيقونات ، وقد كانوا عنيفين للغاية مع فرقة البولسية نظرًا لموقفهم المتشدد من عبادة الأيقونات فخربوا معاقلهم وتفرقوا في أنحاء البلاد.
في بداية عصر النهضة تأثر " ميخائيل سرفت " بالموحدين ، ويقول عنه ديورانت: " إن مفهومه عن المسيح قريب جداً من مفهوم محمد "، ويُعد " سرفت " المؤسس الحقيقي للمذهب التوحيدي في عصر النهضة ، لذا ناصبه " كالفن " العداء، ولم يزل عليه حتى حكم عليه بالإعدام حرقًا عام (960ه/1553م)..وفر أتباعة إلى بولندا وهولندا ورومانيا وبريطانيا بعيدًا عن الإصلاحيين .. وتأثر " سوسنيان " (1539-1604م) رجل الدين الإيطالي بأفكار الموحدين ، وظهرت آراؤه في عنفوان الثورة البروتستانتية على الكنيسة الكاثوليكية بقيادة زعيميها الشهيرين " مارتن لوثر " ، و " كالفن " ، فأطلقوا لقب " سوسنيانية " على الموحدين نسبة إلى" سوسنيان " .
خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر وصلت جماعات من الموحدين إلى أمريكا الشمالية حيث وجدوا فيها الملاذ الأمن والأرض الخصبة لإثبات الوجود، فصنعوا لأنفسهم مكانة اجتماعية ، وأصبح لهم ثقل سياسي ، وتولى خمسة منهم منصب رئيس أمريكا وهم: الرئيس الثاني " جون آدمز "(1797- 1801م)، والرئيس الثالث " توماس جفرسُن "(1801- 1809م) ، وكتب الإنجيل المعدل عام (1804م) ، والرئيس السادس " جون قوينسي آدمز "(1825- 1829م)، وهو ابن الرئيس الثاني ، والرئيس الثالث عشر " ميلارد فلمور " (1850-1853م) ، والرئيس السابع والعشرون " وليام تافت "(1909- 1913م) ، الذي ترأس الكنيسة الموحدية عام(1917م) توفي عام (1930م).
د/عبدالوهاب القرش
باحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
- ابن الأثير: الكامل في التاريخ. دار الكتب العلمية . بيروت . ط2 . 1415هـ / 1995.
- ابن النديم : الفهرست, طهران، 1971م.
- القزويني :آثار البلاد وأخبار العباد ، دار صادر ، بيروت ،د.ت.
- المقدسي : أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، المختار من التراث العربي ، رقم:(13) منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي، دمشق، 1980م.
- المقريزي :السلوك لمعرفة دول الملوك ، دار الكتب العلمية،بيروت: 1418ه/1997م.
- ياقوت الحموي : معجم البلدان، بيروت : دار الفكر، د.ت .
- Black, Edwin, Banking on Baghdad: inside Iraq s 7,000-year history of war, profit and conflict, (John Wiley and sons, 2004), 38.
- Burke, Peter. The Italian Renaissance: Culture and Society in Italy Princeton: Princeton University Press, 1999.
- Clement Eaton. The Growth of Southern Civilization ,1961.
- Damascenus . J : De Imaginilus Artianes,ed . migne P.G. Tome. xciv., Paris 1960.
- D.B. Quinn. North America from Earliest Discovery to First Settlement (1977
- Oberdick, S., 71, G. Moss: Jews And Judaism In Palmyra, In: Palestine Exploration Fund Qjuarterly, Vol., 60, 1928.
- Paul of Samosata, Zenobia and Aurelian: The Church, Local Culture and Political Allegiance in Third-Century Syria Author(s): Fergus Millar Source: The Journal of Roman Studies, Vol. 61 (1971).



#عبدالوهاب_القرش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدعاة إلى الله..بين الانتمائية الحزبية وفتاوى الكيل بمكيالي ...
- العرب من عبادة الأصنام إلى تقديس الأقدام!!
- من جرائر الفكر الديني المنغلق!!


المزيد.....




- لاكروا: هكذا عززت الأنظمة العسكرية رقابتها على المعلومة في م ...
- توقيف مساعد لنائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصا ...
- برلين تحذر من مخاطر التجسس من قبل طلاب صينيين
- مجلس الوزراء الألماني يقر تعديل قانون الاستخبارات الخارجية
- أمريكا تنفي -ازدواجية المعايير- إزاء انتهاكات إسرائيلية مزعو ...
- وزير أوكراني يواجه تهمة الاحتيال في بلاده
- الصين ترفض الاتهامات الألمانية بالتجسس على البرلمان الأوروبي ...
- تحذيرات من استغلال المتحرشين للأطفال بتقنيات الذكاء الاصطناع ...
- -بلّغ محمد بن سلمان-.. الأمن السعودي يقبض على مقيم لمخالفته ...
- باتروشيف يلتقي رئيس جمهورية صرب البوسنة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عبدالوهاب القرش - مدينة سميساط ..موطن العلماء والأتقياء والأشقياء..والملائكة