أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طه النوباني - سايكس بيكو، وقصة العرب والنمل














المزيد.....

سايكس بيكو، وقصة العرب والنمل


علي طه النوباني

الحوار المتمدن-العدد: 6414 - 2019 / 11 / 20 - 18:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لاحظت منذ زمن أن النملة لا تتجاوز خطا ً يرسم أمامها، وتعززت الفكرة لديَّ عندما شاهدت مادة فيلمية تتحدث عن نوع من الطباشير يستخدم لقطع مسار النمل ومنعه من إزعاج الناس في بيوتهم.
وكثيراً ما يتحدث الناس عن أحد الزعماء الذين عاشوا هنا في جرش قبل ما يقارب مائة عام، يروون عنه أنَّه كان إذا غضب على شخص؛ يرسم حوله دائرة بعصاه، ويُعلمه أنه محبوس فيها حتى إشعار آخر. ويقول الرواة إن المحبوسين في الدوائر الوهمية كانوا لا يخرجون من تلك الدوائر إلا عِند تَلَقي الأمر بالعفو، بل إن بعضهم كان يرسل من يتوسط له عند الزعيم لإنهاء محكوميته، فكان الزعيم يصفح عن البعض ويطيل العقوبة للبعض الآخر كما يشاء.
بريطانيا وفرنسا لم تبتعدا عما كان يفعله هذا الزعيم، رسمتا خطوطا وهمية في بلادنا؛ فانحبسنا فيها، فدولة بلا وجه على البحر، وبحر بلا دولة، وثروات بلا شعوب، وشعوب بلا ثروات. ولم يراجع النمل في بلادنا العربية نفسه في مدى صحة تلك الخطوط الوهمية وضرورة إلغائها أو تعديلها، بل أخذ يبني عليها هويات محلية وسمات عرقية وتوازنات وتحالفات من أجل حمايتها والذود عنها.
ولكن، هل تشبه الشعوب العربية النمل في كل شيء؟
مع الأسف، إننا لا نشبه النمل إلا بالتزامنا الشديد بالخطوط الوهمية التي رسمها الباشا. النمل يعمل بلا كلل ولا ملل ولا يأكل تعب غيره دون حق، أما شعوبنا المشوَّهة فلا تفوت فرصة لنهب حقوق الناس والركوب على ظهورهم المحنية، بل إنها تقلب الأبيض أسودَ لتحصل على لقمة مريحة دون عمل حتى تشكلت طبقة من العواطلية الذين يعيشون على تعب غيرهم وكدهم، وصار أقصى ما يطمح إليه العربي أن يصبح عواطلياً محظياً لدى السلطات.
والنمل يمتلك نظاما متكاملا وصارما حتى أنه يخصص غرفاً خاصة للنفايات في مملكته، أما كياناتنا المتهالكة فتتميز بأن الإنسان يشبعك حديثاً عن حب الوطن، ويلقي نفاياته في شوارع الوطن حتى إذا ما هبت الريح أصبح الغيم أسود لكثرة أكياس النايلون السوداء المتطايرة في فضائه.
من المعروف أن الفكرة القومية وما انضوى تحتها من مشاريع وحدوية قد نشأت بعد انهيار الرجل المريض/ الدولة العثمانية، فظهرت مشاريع الوحدة العربية كمشروع سوريا الطبيعية ومشروع المغرب العربي الكبير، ونظر بعض الوحدويين إليها على أنها خطوة نحو الوحدة العربية. لكن الإمبريالية كان لها مشروعها أيضاً في المنطقة، وهي تملك من الخبرة والوقت ما يكفي لاختراع آليات تقويض أي مشاريع تهدد مصالحها، وخاصة أنها تتعامل مع شعوب رزحت تحت الاحتلال العثماني مئات السنين. وقد استطاعت الإمبريالية بقيادة بريطانيا بكل دهاء ضرب هذه المشاريع، وكانت أبرز الأدوات التي اخترعتها، وعملت على تنشيطها فكرة الوحدة الإسلامية في مواجهة الوحدة العربية، حيث قدمت خياراً عاطفياً مستحيلاً ودعمته في وجه خيار واقعي ممكن، وقامت كذلك بزراعة جسم صهيوني غريب في فلسطين الساكنة في قلب الوطن العربي.
ومنذ ذلك الوقت التزم النمل داخل خطوط بريطانيا الوهمية محتجاً في الغالب بأولوية اتحاد مسلمي الجزائر مع مسلمي أندونيسيا على اتحاد بلاد الشام مثلاً، ورأت الكوليونالية أنَّ شعوبنا تبلع الطعم بسهولة فائقة، فدعمت الإسلام السياسي في وجه القوى الوطنية التحررية، وذهبت إلى أبعد من ذلك حين استطاعت تجنيد الإسلام السياسي لصالحها كما حدث في أفغانستان، فكان عاملاً رئيسياً في انهيار الاتحاد السوفييتي، وعودة عالم القطب الواحد، قطب الرأسمالية البشعة بكل ما تعنية من قسوة ووحشية، وكان لنا نحن العرب شرف المساهمة الكبرى في دعم الإمبريالية التي حرمتنا من كلّ بارقة أمل لاحت في أفقنا الحزين البائس في واحدة من أغرب المفارقات في التاريخ الإنساني.
وهكذا ذاب عقل النمل في ما قدمه له السيد الأبيض من تعريفات، فمسؤولية تحرير فلسطين تقع على عاتق الفلسطينيين بعد كل الملابسات التي دارت أثناء تسليم فلسطين، وبعد أن أصبح الشعب الفلسطيني مثل ملح الأرض منشوراً في أصقاعها من القطب الشمالي إلى نيوزيلاندا. نعم باسم خطوط سايكس بيكو التي صنعت الوعي العربي التافه المستلب؛ أصبحت فلسطين مسؤولية الفلسطينيين وحدهم، ومن يدري أي بلاد عربية أيضا ستصبح في الأيام القادمة مسؤولية ساكنيها وحدهم.
وعلى الرغم مما وصل إليه الإنسان العربي من ضآلة وفشل ذريع، فهو حتى اليوم لم يحقق أي شكل من أشكال الدولة الحديثة: فلا سيادة للقانون، ولا الحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ولا سعادة ولا رفاه، على الرغم من ذلك كله ما زال العربي يرخي أذنه لذات الأطراف التي أفقدته البوصلة منذ البداية، وبذلت الغالي والنفيس لدفعه إلى تيه الضياع والفشل.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إذا كان كل ما حدث في عالمنا العربي منذ ما يزيد عن قرن غير كاف لإقناعكم بأن الدول الاستعمارية ذاتها ما زالت تواصل الليل بالنهار لسحقنا والاستيلاء على ثرواتنا وتعيين إسرائيل حاكمة لمنطقتنا بأسرها، فما هو الذي يقنعكم؟
وعلى أي حال يا عالم النمل، هذا هو الضابط الإنجليزي والأمريكي يجهز قلمه لإعادة رسم الخطوط، فحضروا أنفسكم لإعادة تشكيل الهويات وبرمجتها كما يريدها السيد الأبيض ذو العيون الزرقاء واللكنة الأجنبية، وحضروا أنفسكم لقتل مثقفيكم ومناضليكم ومبدعيكم، واستعدوا أيها النمل للصلاة على الخطوط التي يرسمها لكم الأبيض لقطع مدنكم وقراكم وحقولكم، فلا حاجة لكم بإنتاج المعرفة، السيد الأبيض سينتجها لكم، لتموتوا بالجملة غوصاً فيها. فهنيئاً لكم.



#علي_طه_النوباني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل يتوقف ثور الساقية عن الدوران ويفكر؟
- الأحزاب السياسية صوت المجتمعات وممثلها الغائب
- العدالة الاجتماعية هي حارسة الإنسانية وصانعة التنمية
- مقاربة الإعلام العربي للسيجارة الإلكترونية
- القبض على أبي العلاء المعري
- مسلسل:- العاشق صراع الجواري، والإعلام العربي
- أنطون سعادة، ومشاريع الوحدة العربية
- الألغاز في قصص البنزين والكاز
- حجب مواقع الانترنت وأخبار الراقصة لهلوبة
- إنتاج المعاقين في الدول المعاقة
- الدراما العربية من القاهرة إلى نيودلهي
- قهر العباد في فن الفساد
- كثرة الشعراء، وقلة العلماء
- الحرية بين الكبت (والانجلاق)
- حرَّم الخمر...، واختار النساء
- تحقيق الصفو العام في بلاد الخوف العام
- بنما دولة بعيدة... ومُشوِّقة جدا
- الأزمة الاقتصادية، ومصالح الطبقات
- معادلة أحادية المقاربة بين التسليم والعقم الحضاري
- الفصل من جروب الفيسبوك، عقوبة ثقافية جديدة


المزيد.....




- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...
- إعلام سوري: سماع دوي انفجارات في سماء مدينة حلب
- البنتاغون: لم نقدم لإسرائيل جميع الأسلحة التي طلبتها


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - علي طه النوباني - سايكس بيكو، وقصة العرب والنمل