أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - اعتذار عائض القرني















المزيد.....

اعتذار عائض القرني


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 6407 - 2019 / 11 / 13 - 12:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


السعودية بين عهدين

أقرت السعودية تغيرات في قوانين الأحوال المدنية المتعلقة بالمرأة، مثل حقها في استصدار جواز سفر، والسفر بمفردها، وإلغاء نظام ولاية الذكر.. وكانت قد سمحت لها في وقت سابق بسياقة السيارة.. وترافقت هذه القرارات مع فتاوى دينية تجيزها.. فهل هي استفاقة على حقوق المرأة كمواطنة وإنسانة؟ أم هو تساوق المؤسسة الدينية مع التوجهات الملكية الجديدة؟ هل اكتشف المشايخ حديثا أن السيدة عائشة سافرت دون محرم؟

قبل أشهر، اعتذر "عائض القرني" للشعب السعودي عن أخطائه السابقة.. فإذا كان اعتذاره توبة من ناحية دينية، فليس لنا الحق في قبول توبته أو رفضها، فهذا شأن رب العالمين.. إما إن كان اعتذاره موجها للناس عن أفكاره السابقة، التي حسب قوله أضرت الشباب المسلم.. فلنا هنا رأي..

مبدئيا، من حق أي داعية أو مفكر أو فيلسوف التراجع عن أفكار سابقة، أو تطويرها، أو حتى الانتقال إلى فكر جديد، ومختلف.. وهذا شيء حسن، ودليل شجاعة ونضج فكري، وهي مسألة شخصية، من صميم اختيار الإنسان الحر.. ولدينا عشرات الأمثلة لمفكرين كبار بدلوا أفكارهم، وأجروا مراجعات جريئة لفلسفاتهم ومعتقداتهم، وبعضهم تحول من دين إلى آخر.. منهم: روجيه غارودي، ومنير شفيق، وناجي علوش، وحسن الترابي، وراشد الغنوشي.. لكن مشكلة هؤلاء الذين يتنقلون من فكر إلى آخر، أنهم في كل مرة يصرون وبتعصب، على أن فكرهم يمثل الحقيقة المطلقة.. وأنهم على الجانب الصائب دائما، بيقينية أحسدهم عليها..

المثقف الحقيقي هو المثقف القلق، الذي يشك حتى في أفكاره، ويبحث دوما عن الحقيقة، بمنهاج محايد، دون تعصب.. وحين يؤمن بفكرة ما، أو بعقيدة معينة يظل إيمانه بها نسبيا، باعتبارها تحتمل الصواب والخطأ.. وحتى لو اطمئن قلبه إليها، سيظل عقله قلقا..

نرجع إلى عائض القرني؛ أشهر الدعاة السلفيين، وأحد رموز فتاوى التطرف في السعودية، وأبرز منظري الوهابية..

اعتذر القرني عن الأخطاء التي بدرت منه خلال فترة نشاطه ضمن "تيار الصحوة"، وعن التشدد والتعصب، وبعض الفتاوى التي اعتبرها مخالفة للقرآن والسنة.. إلى هنا كل شيء تمام، ولكن، هل سيعتذر عن السنوات التي أضاعها دون أن يختبر سماحة الإسلام الوسطي، المعتدل؟ هل سيعتذر للأجيال التي تربت على أفكاره، فحرمها من كل ما هو جميل؟ هل سيعتذر لأصحاب المواهب ممن حـرَّم عليهم الفنون بأنواعها؟ هل سيعتذر عن تحريمه الغناء، والتمثيل، والموسيقى، والنحت، والتصوير؟ هل سيتعذر للنساء اللواتي حـرَّم عليهن قيادة السيارة عقودا طويلة؟ هل سيعتذر للسعوديات عن قوانين الأحوال الشخصية التي كبلتهن بالقهر والتمييز، وجعلت منهن مواطنات درجة ثالثة؟ تحت دعاوى شرعية باطلة؟ هل سيعتذر عن تحريمه الحفلات والفرح والأجواء البهيجة؟ هل سيعتذر (هو والعديد من أقرانه) عن الكثير من الفتاوى الغريبة والمستهجنة والتي لم تكن تتفق مع المنطق والعقل والذوق الإنساني، ولا مع صحيح الإسلام؟ هل سيعترف صراحة بأن كل تلك التحريمات ليست من الإسلام بشيء، وإنما هي نتاج الفكر الوهابي الصحراوي المتزمت؟

هل سيعتذر للشباب العربي الذين أرسلهم للموت في أفغانستان، وسورية، والعراق؟ هل سيعتذر لهم لأن المجاهدين الأفغان الذين كان يمدحهم جاءت طالبان فكفرتهم؟ أم لأن جهادهم كان لصالح الأمريكان؟ بعد أن تبين أنها حرب أهلية؟ هل سيعتذر للعراقيين لأنه كان أحد دعاة ومروجي الفتنة الطائفية؟ هل سيعتذر للسوريين بعد أن دمر بلدهم بفلول الدواعش والإرهابيين؟ الذين ضلّلهم بفتاوى وتحريضات طائفية، ومعه رفيقه العريفي؟

هل سيعتذر معلمه بن باز عن فتوى استقدام الجيوش الأمريكية لتدمير العراق؟ وهل سيقتنع قبل ذلك بأن الأرض كروية؟

كيف سيعتذر لمن زرع في عقولهم التطرف والتعصب، وغرس في قلوبهم الكراهية والبغضاء حسب عقيدة الولاء والبراء الوهابية؟ وما قيمة اعتذاره أمام طوابير المتطرفين والمنغلقين واليائسين والإرهابيين والانتحاريين؟ الذين أنتجهم فكره المتزمت..

هل اعتذر القرني لأنه راجَعَ أفكاره، فاكتشف فسادها، وبُعدها عن وسطية وتسامح ورحابة الإسلام؟ أم لأنَّ النظام تغير، ولم يعد خطابه القديم، وأقرانه من الوهابيين، متوافقا مع خطاب بن سلمان اليوم؟ وبالتالي على كل فقيه أن يدوزن خطابه كل مرة حسب هوى السلطان.

ثمة ملاحظتين أخيرتين حول اعتذار القرني، الذي قال فيه: "أنا الآن مع الإسلام المعتدل المنفتح على العالم الوسطي، الذي نادى به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والذي هو ديننا". مضيفاً: "الأعداء الحقيقيين للأمة الإسلامية هم إيران، وقطر، وتركيا". الملاحظة الأولى: أنه اعتذر للمجتمع السعودي فقط، ولم يعتذر لعموم العرب والمسلمين. والثانية أنه نسي إسرائيل عند ذكره أعداء الأمة..

بقي في الجراب قول أخير: إذا كان هدف حركة الصحوة الإسلامية، التي نشأت في السعودية أواخر السبعينات، "إيقاظ الناس من الغفوة".. فهل أيقظتهم فعلا من غفلتهم؟ هل أيقظت فيهم إنسانيتهم؟ هل وضعتهم على سكة التطور والتقدم؟ هل حلت شيئا من مشاكلهم؟ أم أنّ جل ما فعلته التشدد في تقديم الدين، والتزمت في فهمه، والتعصب في تطبيقه، حتى أخرجت ظاهرة التطرف والإرهاب، وأساءت أول ما أساءت للإسلام نفسه!

القرني لم يكن يمثل نفسه فقط، فقد كان جزءا أساسيا من تيار، كان ركنا مهما في حركة، كان يقول ما تدعو إليه جماعته.. ويفسر الدين من وحي أدبيات الأيديولوجية الوهابية، ما يعني أن هناك عشرات غيره من المشايخ، لا نعلم إذا كانوا يوافقون على توبة القرني؟ أم سيعتبرونه خارجا عن الجماعة؟
قد يكون الرجل صادقا في مراجعاته، ومنسجما مع نفسه؟ وتلك تحسب له.. وقد يكون مجبرا، وقد يكون ما فعله تكيفا مع رغبات السلطان.. وتلك تحسب عليه.. قد يكون مثله العشرات، ممن انحازوا للنظام، وكيفوا فتاواهم مع السعودية الجديدة.. أو ممن عارضوا، وتمسكوا بأفكارهم القديمة.. في كل الأحوال، ما حدث يُسقِط القداسة عن الفكر الوهابي السلفي، وينزله من عليائه السماوي، إلى مكانته الدنيوية؛ كفكر بشري يحتمل الصح والخطأ، واجتهادات لأناس عاديين، لا يتمتعون بأي قداسة.. وبالتالي علينا جميعا أن نتوقف مطولا، ونعيد التأمل والتفكير في كل المنظومة الدينية والفقهية والفكرية التي أنتجها الإسلام السياسي في العقود الخمسة الأخيرة..



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تايه، رواية فلسطينية للأديب صافي صافي
- عن اليسار العالمي والعربي
- أربعة أخطاء في نظامنا التعليمي
- الحرب الطاحنة بين أمريكا والصين
- بريطانيا بين زمنين
- لعنة النفط، وأثره على المجتمعات العربية
- المسيح المخلّص، والمهدي المنتظر، وحروب نهاية التاريخ
- الدين، والضرب على نقاط الضعف الإنسانية
- النكبة، ومستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
- تاريخ النار
- عن تحديث الخطاب الديني
- أسلحة المناخ
- قصة مخطوطات قمران - مخطوطات البحر الميت
- رجل اسمه خوسيه موخيكا
- سفّاح نيوزيلندا
- عقلية المؤامرة
- نيجيريا، والفرص الإفريقية الضائعة
- النوم سنة كاملة
- عن الخلافة العثمانية
- لعنة البترول، في فنزويلا والعراق


المزيد.....




- الاحتفال بشم النسيم 2024 وما حكم الاحتفال به دار الإفتاء توض ...
- قائد الثورة الاسلامية يستقبل جمعا من مسؤولي شؤون الحج
- فتوى في الأردن بإعادة صيام يوم الخميس لأن الأذان رفع قبل 4 د ...
- “أغاني البيبي المفضلة للأطفال” ثبتها الآن تردد قناة طيور الج ...
- القمة الإسلامية بغامبيا تختتم أعمالها بـ-إعلان بانجول- وبيان ...
- قادة الدول الإسلامية يدعون العالم إلى وقف الإبادة ضد الفلسطي ...
- مئات ملايين الدولارات.. واشنطن تزيد ميزانية حماية المعابد ال ...
- بعد مظاهرة داعمة لفلسطين.. يهود ألمانيا يحذرون من أوضاع مشاب ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تستهدف ميناء حيفا بصاروخ -الأرق ...
- يهود ألمانيا يحذرون من وضع مشابه للوضع بالجامعات الأمريكية


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - اعتذار عائض القرني