أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الفت عثمان - جود سعيد .. القصيد السينمائي .. الحرب .. الحب..الحياة















المزيد.....

جود سعيد .. القصيد السينمائي .. الحرب .. الحب..الحياة


الفت عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 6404 - 2019 / 11 / 10 - 19:17
المحور: الادب والفن
    



في ظل التوتر السياسي وتصاعد وتيرة الحرب بسوريا ، وسط الخراب والدمار والقتلي والجرحي أستطاع المخرج السوري الشاب جود سعيد أن يرفع راية السينما السورية لتؤكد وجودها بقوة في الوسط السينمائي العالمي ، فحصدت أفلامه جوائز المهرجانات العربية والعالمية منذ فيلمه الأول " مرة أخري " الذي أنتجته المؤسسة العامة للسينما عام ٢٠٠٩وحتي فيلمه " نجمة الصبح " إنتاج ٢٠١٨. ما الجديد الذي يقدمه المخرج جود سعيد في أفلامه ؟ ولماذا صعد نجمه للعالمية ؟ .. رغم أن الوسط السينمائي السوري يزخر بمخرجين كبار مبدعين أثروا السينما السورية والعربية بأفلام جادة ومهمة علي مدار تاريخ السينما السورية التي بدأت صناعتها في وقت مبكر مواكبا لصناعة السينما في العالم .. لم يكن حصول جود سعيد علي الماجستير في الإخراج السينمائي من جامعة لويس لوميير بفرنسا هو السبب في تميزه كمخرج ، ولكن هناك ما هو أعمق ، فليس من باب المصادفة أن تمنحه المؤسسة العامة للسينما بسوريا فرصة لإنتاج أفلامه ، رغم أنه ليس إبن النظام كما يتضح من أفلامه ، لكنه إبن سوريا ، الفنان والمبدع ، تزامن تكوينه الثقافي والفكري كمخرج وسيناريست مع فترة شديدة الخطورة والتعقيد بسوريا ،.. ورغم أن معايشة الفنان لأحداث مروعة ومتلاحقة كالحروب غالبا ما تعطل خياله ، فلا تترك له مجالا للتأمل والتفكير بتأني ، ، وغالبا ما تخرج الأعمال الفنية المعاصرة للأحداث ضعيفة وسطحية لعدم تكوين رؤية متروية ، فالفنان دائما ما يحتاج لفترة زمنية تبعده عن الأحداث حتي يستطيع إعادة قراءتها وصياغتها فنيا من جديد ، لكن جود سعيد استطاع بمقدرة فنية وموهبة غير عادية أن يصنع أفلاما سينمائية إرتقت للعالمية ، تلك الأفلام التي إنعكست فيها حياة المجتمع السوري الذي يعاني آثار الحرب ، بمختلف طبقاته وفئاته بمعاناته وإحباطاته وآلامه وأماله ، لتفرض السينما السورية وجودها عالميا
أصبحت أفلامه جزء لا يتجزأ من تاريخ سوريا المعاصر ، إستطاع أن يوثق ويسجل الأحداث التي تمر بها بلاده وإنعكاس ما تخلفه الحروب من دمار علي الإنسان البسيط الذي لا ناقه له ولا جمل في هذه الصراعات ، بتقنية سينمائية ولغة بصرية تجبرك علي حبس أنفاسك ، فيجعلك تتوحد مع الشخصيات وينقلك إلي عالمه الواقعي والمتخيل لتعيشه بأدق تفاصيله ، أختار أن يكون وسط الأهل والأصدقاء ، إختار أن يكون بالقرب من الذين يعرفهم ولا يعرفهم من أبناء بلده ، فراقب عن قرب الخوف والرعب وإنتظار المصير المجهول وأثر الحرب ، أستطاع بحس الفنان المرهف المهموم أن يخترق أعماقهم وأن يعاني معاناتهم وأن يضيف إلي همومه كمواطن سوري يقع عليه ما يقع عليهم من آثار الحرب وما تخلفه من خراب ودمار معاناتهم ، فتفجرت بداخله تلك الهموم والإنشغال بقضايا وطنه مختلطة بقضايا الحريات والوجود الإنساني ، لتصنع هذه الخلطة مشروعه الفني الذي تجسد في مجمل أفلامه ، تبلور مشروعه الفني وبدا واضحا مع فيلم " مسافرو الحرب" ثم فيلم " درب السما " الذي تخلي فيهما عن تصوير مشاهد الحرب وأكتفي بالنتائج التي تتركها الحروب داخلنا من تشويه للنفس البشرية وخلق طبقة مستفيدة من هذا الخراب والدمار ، فكان التركيز علي القيم الإنسانية التي تضيع مع جملة ما يضيع وقت الحروب ، والتحدي والصعوبات التي يواجهها المؤمنون بهذه القيم ، ورغم المباشرة في الحوار وحكي الشخصيات لقصصهم المتشابهه أثر الحرب بالمونولوج أو الحوار، لكن إستطاعت كاميرته أن تنفذ لأعماقهم وتحدثنا عن ما هو أبعد من الحكي ، وكيف أن الحرب طالت أرواحهم ، تناثرت وأنقسمت وتبعثرت ، ففقد بعض الناس عقولهم وتحولوا لمجانين يجولون الشوارع باحثين عن أنفسهم داخلهم كما في فيلم " مطر حمص " ، إستطاع بقدرة فنان يمتلك أدواته أن يخلط ما بين الواقع والخيال ، أن تتحول مشاهد المدينة إلي منظر يمثل فوق خشبة المسرح وأن تتحول اللوحه التمثيلية من خشبة المسرح إلي قلب المدينة كما في فيلم " رجل وثلاثة أيام " الذي تبادل به الميت والحي الأدوار، فطرح قضية الوجود الإنساني وفلسفة الموت وإنبثاق الحياة منها ، فنجد شخصية المخرج المسرحي التي لعبها الممثل (محمد الأحمد ) حيث توكل إليه مهمة إستلام جثة أحد أقاربه وتقف الظروف الأمنية حائلا دون توصيل الجثة لأهله ، فيضطر لأخذها معه بالمنزل وهناك يدور بين الميت والحي حوارا يتبادلا فيه الأدوار وتدخل معهم شخصيات أخري تشارك بالمشهد وهي نفس شخصيات المسرحية ، فتخرج شخصية المخرج جود سعيد في لا وعي المشاهد لتقوم بجلد المخرج المسرحي الذي يمثل طبقة المثقفين والنخبة الذين ينظرون لما يحدث وهم أبعد ما يكونوا عن الواقع في حياتهم الخاصة ، ليحمل المشهد رؤي متعددة ، معاناة الموتي ، وإنبثاق الحياة من الموت ، يجعلك جود سعيد تجول في عالم فانتازيا تختلط فيه الشخصيات والأدوار فيمكن لأي منهم لعب دور الآخر ميتا أو حيا ، معبرا برومانسية وحس مرهف عن ضياع الحب الذي غالبا ما تحاول شخصياته القبض عليه بقوة حتي لا يفلت وتضيع إنسانيتهم معه ، ولكن سقوط قذيفة من السماء عليهم كافية لأن يبدأو المعاناة من جديد ، يجعل الجماعة بأكملها تتحول إلي سيزيف الذي يحاول جاهدا أن يصل بالحجر لقمة الجبل لكنه يفشل في كل مرة ويعيد الكرة ، محاولاتهم في الإبقاء علي الحب والسعادة تفشل لإستمرارية وجود السبب ، فالحرب مازالت دائرة وآثارها مستمرة ولا نجاة إلا بإنتهاءها . أفلامه من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وهي مؤسسة حكومية تأسست مع إستقلال سوريا في الخمسينات ، مما يعني أنها مؤسسة تابعه للنظام ومن المفترض أن تنتج أفلاما دعائية تتبني وجهة نظر الدولة إلا أن المخرج جود سعيد استطاع أن يبتعد عن الفن المؤدلج ، ويطرح فكرا إنسانيا معاديا للحروب أيا كانت أطرافها ، لم ينتصر لفئة أو طائفة ضد أخري ، بل إنتصر للإنسان ، في إفتتاحية فيلم " درب السما " تجول الكاميرا لتصور حطام ودمار مدينة بأكملها يلوح فيها الخراب والحطام ونسمع بها صوت أنات الحجارة المتراكمة تنعي أصحابها ، ترتفع الكاميرا عاليا لنري المشهد بأكمله ومع صعود الكاميرا يصعد البطل " أيمن زيدان " متخطيا أطلال الحرب ، صاعدا بأقدام ثابتة فوق مركبة محترقه ليصبح في الأعلي والدمار في الأسفل ، فنشعر بعلو الإنسان وسموه ومقدرته علي تخطي العقبات والأزمات مهما كانت بشاعتها ، وتصرخ الصورة لتقول " انا هنا .. انا الانسان " ، يتخلي في كثير من المشاهد عن الموسيقي التي تعتبر في أعماله عنصر متجانسا ومنسجما مع نسيج الفيلم ، لكن الصمت الذي يلف الصورة هو أبلغ تعبير عنها ، لم يفتعل أغان وطنية حماسية بل تغني شخصياته للحب والحياة لتصنع السعادة المفتقدة في الظرف الحزين ، تتميز لقطاته الكبيرة بالتركيز علي الفراغ الذي يرمز للفراغ الإنساني الذي تخلفه الحروب ، يكرر مشاهد المهجرين المنتظرين تقرير مصيرهم أمام الحواجز الأمنية ، أو السائرون المحملون بالهموم الذين لا يعرفون لأي وجهه يتجهون ليخلطهم بشخصياته فكلهم سواء ، يختار مواقع التصوير بعناية ، وإن كانت متشابهه في الدمار لكن بداخلها دفء إنساني وحياة وتفاصيل تعلن تحديها وصمودها ، إستطاع في أفلامه السبعة أن يعزف قصيد سينمائي متصاعد ليقدم لنا في كل فيلم جملة موسيقية تتشابك مع ما قبلها وما بعدها فتنسج حالة سينمائية تحمل جنون الفنان وأحلامه وطيشه ومبالغاته منتصرا للإنسان ، بفيلمه الثامن " نجمة الصبح " الذي حصل علي جائزة الجمهور بمهرجان قرطاج السينمائي ٢٠١٩، يدخل المخرج جود سعيد بمشروعه الفني مرحلة جديدة ،
فخرج فيلم "نجمة الصبح" من بوتقة المباشرة والمونولوج والحكي الفردي إلي الدراما المحبوكة والرمزية والرؤية الأعمق لمجتمع تفكك إلي مجموعات متناحرة تتصارع به ثلاثية " الأرض ، الوطن ، الحب" وإستمرت معه قضيته حول الوجود الإنساني وعبث الموت والحياة ، فطرح سؤاله الأبدي ماذا لو عاد الميت إلي الحياة؟



#الفت_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جود سعيد .. القصيد السينمائي .. الحرب .. الحب..الحياة


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - الفت عثمان - جود سعيد .. القصيد السينمائي .. الحرب .. الحب..الحياة