أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة الحادية عشرة-حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكارثة















المزيد.....



الحلقة الحادية عشرة-حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكارثة


منذر خدام

الحوار المتمدن-العدد: 6366 - 2019 / 10 / 1 - 08:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل الرابع
قضايا الحوار من وجهة نظر النظام
6- قراءة متأنية في خطاب بشار الأسد بتاريخ20/6/2011(32).
يقع الخطاب الثالث للرئيس بشار الأسد بعد تفجر الأزمة، الذي ألقاه على مدرج جامعة دمشق بتاريخ 20/6/2011 في نحو ست عشرة صفحة من القياس الكبير، وقد كرسه للشأن الداخلي
السوري بكل تفرعاته مع بعض الإشارات للعوامل الخارجية.
لقد بني الخطاب أساسا، كما قال الرئيس، من حيث " الجوهر والمضمون" على لقاءاته مع الوفود الشعبية التي التقى بها خلال الشهرين الماضيين، حتى " لا يكون منبراً دعائياً"، بل حديثا في " المضمون لا الشكل". ويعلم السوريون جميعا كيف تم تشكيل الوفود التي كانت تدعى لمقابلته، وما هو تمثيلها، وما هو الخطاب الذي يمكنها أن تنقله إليه. كان عليه بدلا من ذلك أن يقول مباشرة: هذا خطابي استوحيته من مطالب المتظاهرين، من صرخاتهم المدوية " نريد الحرية نريد الكرامة، نريد دولة مدنية ديمقراطية"، أعرض فيه رأي، أو رأي السلطة، للخروج من الأزمة التي تعاني منها سورية، هاتوا رأيكم. لو فعل ذلك لوقع في نفس المحتجين موقعا حسناً، ولشكل بداية جيدة على طريق الحل للخروج من الأزمة البنيوية التي يعاني منها النظام السياسي في سورية، وتعاني منه سورية وشعبها.
من الجيد أن يقول الرئيس :" نلتقي اليوم في لحظة فاصلة في تاريخ بلدنا" ومن الجيد أيضا أن يشير إلى أننا نريد هذه اللحظة أن تكون فاصلة "بإرادتنا وتصميمنا"، لحظة فاصلة بين " أمس مثقل بالاضطراب والألم... وغد مفعم بالأمل". لكنه كان سيكون معبرا وحقيقيا أكثر لو قال بين " أمس استبدادي مثقل بالألم والمعاناة.. وغد ديمقراطي مفعم بالأمل"، عندئذ لكان قد رسم فارقا جوهريا من عيار تاريخي. هذا الأمس الذي لا يزال ممتدا في حاضرنا هو وحده المسؤول عن " حوادث الشغب، وأعمال القتل، وترويع المواطنين، وتخريب الممتلكات العامة والخاصة"، هل علينا أن نذكر بما قاله احد أعضاء مجلس الشعب من درعا في مجلس الشعب وأمام عدسات المصورين، أم علينا أن نذكر بما صرح به محافظ حماه عن المجزرة الرهيبة التي ارتكبها عناصر الأمن ضد المتظاهرين في حماة. ثم ما هذه المعادلة المستعصية على الحل: عندما يغيب الأمن عن الشوارع التي يتظاهر فيها المحتجون، تغيب العصابات المسلحة، وعندما يظهرون بأسلحتهم تظهر هذه العصابات. ثم لماذا تختفي هذه العصابات عندما تكون المسيرات تملأ الشوارع، وتظهر مع خروج المظاهرات؟!!. مع ذلك ورغم "أحجية" السؤالين السابقين كان متوقعا منذ البداية أن يتم استغلال المظاهرات الاحتجاجية للشعب من قبل بعض المتضررين، وقسم كبير منهم من النظام وحواشيه، أو من قبل بعض الجماعات المتطرفة. لقد كان من المفيد بدلا من توجيه اللوم كله للعصابات والمندسين، تحميل بعض المسؤولية عن العنف الذي حصل وعن سقوط الشهداء للأجهزة الأمنية.
نعم إن خسارة آلاف الشهداء هي خسارة للوطن والشعب، وكان يمكن تلافي كل ذلك لو تمت قراءة ما يجري في الوطن العربي بصورة صحيحة، وهذا ما نبهنا إليه في وقت مبكر، وناشدنا في حينه السلطة السورية بان ترسم فارقا جوهريا عن السلطات العربية التي كنستها شعوبها، فذهبت صرختنا سداً. وإذا كان الزمن " لا يعود للوراء" كما ذكر الرئيس، وإن الخيار الوحيد المتاح هو " التطلع إلى المستقبل"، فإنني أرجو أن لا يحتاج تكوين هذا المستقبل إلى مزيد من الدماء لرسم ملامحه، وتحديد مكوناته.
ثمة الكثير من السلبيات التي يمكن التحدث عنها في خطاب الرئيس، وكنا قد ذكرنا بعضاً منها في قراءتنا الأولية له، وهي عموما سلبيات غير جوهرية تتعلق بقراءة الحراك الشعبي وأسبابه ومظاهره. لكن ونحن نتطلع إلى المستقبل الديمقراطي الذي صار ممكنا بفضل دماء وتضحيات الشهداء، وعزيمة وإصرار المتظاهرين في الشوارع احتجاجا على نظام فقدوا ثقتهم به، نود التوقف عند إيجابيات الخطاب وهي مهمة.
1-لقد اعترف الخطاب بشعور المواطنين بأن " دولتهم ابتعدت عنهم سواء ببعض السياسات، أم ببعض الممارسات"، وهذا يشكل مدخلا للبحث في الأسباب لا في المظاهر والأعراض. فـ "انحدار الأخلاق"، وما نتج عنه من "تفشي الفساد، والمحسوبيات، وغياب المؤسسات"، سببه طبيعة النظام القائم، وإن القضاء عليها ليس ممكننا إلا بتغيير النظام.
2-إن تركيز الخطاب على فكرة "الحوار الوطني"، هو أمر جيد في ضوء الاصطفافات القائمة حاليا، وموازين القوى المعبرة عنها على الأرض، وهي موازين متحركة متغيرة، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، باتجاه تعزيز جبهة التغيير. ويبدوا لي، من خلال قراءتي للخطاب، أو من خلال الحوارات اليومية التي أجريها مع المؤيدين للنظام، خصوصا في المؤسسة الأكاديمية التي أعمل بها، أن بعض قوى السلطة صارت أقرب إلى تقبل فكرة التغيير، سواء عن "اقتناع" أو تحت تأثير الضغط المتزايد من قوى الشعب الاحتجاجية، ويصل الأمر ببعضهم إلى حد المطالبة بحل حزب البعث.
3-لقد أزال الخطاب الغموض الذي رافق الإعلان عن تشكيل لجنة الحوار عندما أشار إلى أن " مهمتها وضع الأسس والآليات الكفيلة بقيام حوار شامل لمختلف القضايا..". هذا يعني ببساطة أنها ليست طرفا في الحوار، فهي " لا تحاور بل تشرف على الحوار" وترعاه وتديره ريثما يتشكل المؤتمر الوطني للحوار الذي أتوقع أن تدعى للمشاركة فيه جميع القوى السياسية في المجتمع السوري في الداخل والخارج، وكذلك ممثلين عن المجتمع المدني والأهلي، وآمل أن يتم دعوة ممثلين عن الحراك الشعبي الاحتجاجي في الشارع للمساهمة فيه. وعموما بدون مشاركة ممثلين عن الحراك الشعبي الاحتجاجي السلمي في الشارع سوف يفقد الحوار الكثير من مصداقيته وجديته.
4-يسجل للخطاب في باب الايجابيات أيضاً بأنه رحل كل القضايا إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي هو وحده المخول " بمناقشة مسودات القوانين المطروحة في هذه المرحلة"، ويساهم في " صياغة مستقبل سورية بمعناه الشامل للعقود والأجيال المقبلة" ويدفع " الحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي في وطننا ريثما تأخذ الأحزاب دوراً أوسع في الحياة العامة". مؤتمر يناط به هذا الحجم من المسؤوليات الكبيرة والخطيرة، ينبغي التفكير جديا في تكوينه بالتشاور مع جميع القوى الاجتماعية والسياسية في البلد وخصوصا، مع القوى المعارضة بما فيها الحركات الاحتجاجية في الشارع.
5-من الجيد أيضا أن الخطاب لم يقطع في " الصيغ الممكنة للحوار" وتركها لهيئة الحوار الوطني" للتشاور مع مختلف الفعاليات" من أجل الوصول للصيغة الأفضل التي تسمح بتنفيذ المشروع الإصلاحي(التغيير ) ضمن "برامج محددة...وآجال محددة". وهو لم يقطع أيضا بمن سوف " يشارك في الحوار، وما هي المعايير، وكيف تضع المحاور، ومن يشارك في كل محور" وغيرها من التفاصيل التقنية التي تركها لهيئة الحوار أيضاً.
6-لقد أشار الخطاب إلى تعقيد عملية الحوار، لذلك طالب بأن تعطى "فرصة" لأن "كل مستقبل سورية" سوف يبنى على هذا الحوار، وبالتالي لا خيار سوى النجاح، ولكي ينجح ينبغي أن " يشارك فيه مختلف الأطياف الموجودة على الساحة السورية". من غير المقبول على حد قول الخطاب أن نتوقع دائما " رؤية تظهر من الدولة والحكومة فبضع عشرات من الأشخاص لا يمكن أن يخططوا لعشرات الملايين، وهنا تكمن أهمية الحوار".
7-أشار الخطاب إلى التجاوزات التي تحصل فيما يتعلق بموضوع التوقيف وطالب بضرورة التقيد بعدم اعتقال أي شخص إلا بإذن من " النائب العام" وخلال المدد المحددة بالقوانين المختصة.
8-أشار الخطاب إلى تشكيل لجنة لإعداد مسودة قانون انتخابي جديد، وقد أنجزت اللجنة عملها ونشرت مشروع القانون للنقاش العام. لقد قرأت مسودة مشروع القانون وأستطيع القول بأنه جيد، يحتاج للتعديل في القليل من مواده، وخصوصا، تلك التي تستند إلى الدستور الحالي. وعموما سوف يكون للمؤتمر الوطني للحوار كلمة الفصل فيه.
9-ربط الرئيس في خطابه بين "النزاهة" وحسن تمثيل المواطنين، وجعل من النزاهة عنواناً من عناوين " المستقبل الذي ننشده"، وسوف ينظم كل ذلك قانون مقترح لهيئة الحوار.
10-أشار الرئيس إلى وجود " ورشة كبيرة لتحديث وعصرنة الإعلام وتوسيع نطاق حريته.." وسوف يطرح القانون للنقاش العام بعد إنجاز مسودته، وأيضا سوف يكون لمؤتمر الحوار القول الفصل فيه.
11- فيما يخص المواطنين السوريين الأكراد فقد أشار الرئيس إلى بدء منح الجنسية لطالبيها، مع أنه كان من الواجب الإشارة إلى حقوقهم القومية والثقافية كمواطنين سوريين. وعلى كل حال لا يمكن تجاهل مناقشة هذه القضية في مؤتمر الحوار الوطني.
12- أما فيما يخص مسودة مشروع قانون الأحزاب الذي أشار إليه الرئيس، والمنشور على موقع التشاركية(33)، فهو مشروع جيد، يحتاج إلى تعديلات طفيفة. وعلى كل حال سوف يكون لمؤتمر الحوار الكلمة الفصل فيه.
13- وفي إشارة الرئيس إلى الدستور قال " ربما الأفضل تغييره كاملا" وفي هذه الحالة نحن بحاجة إلى " هيئة تأسيسية" تعده وتطرحه على " الاستفتاء الشعبي". أما في حال تطلب الأمر في المرحلة الأولى الاكتفاء بتعديل بعض المواد ومنها المادة الثامنة، فهذا يتطلب إقرار هذه التعديلات في مجلس الشعب. بكلام آخر أحيل القرار النهائي إلى مؤتمر الحوار الوطني.
14-وقال الرئيس" سنعمل على ملاحقة ومحاسبة كل من أراق الدماء أو سعى إلى إراقتها فالضرر الحاصل أصاب الجميع والمحاسبة على ذلك حق للدولة بمقدار ما هو حق للأفراد"
15 -في خطاب الرئيس إيجابيات أخرى كثيرة تتعلق بمحاربة الفساد، والإصلاح الإداري وتحديد النهج الاقتصادي الذي سوف تسير عليه سورية.
في نهاية هذا الاستعراض لما وجدناه في خطاب الرئيس من إيجابيات، لا بد من طرح السؤال الآتي مباشرة: ماذا بعد؟ والجواب المسؤول الأكثر احتمالاً هو أن العبرة في الأفعال لا في الأقوال؟ وفي تعليق الرئيس على من يشككون بجدية السلطة فيما يتعلق بالإصلاح يقول الرئيس " عملية الإصلاح بالنسبة لنا هي قناعة كاملة ومطلقة.."، ويتابع " ما نقوم به الآن هو صناعة المستقبل....سيؤثر على الأجيال المقبلة لعقود قادمة.." لذلك كله فهو يؤكد على " أهمية الحوار الوطني".
لقد قالت السلطة، بلسان رئيسها، كلمتها، وفي اليوم التالي قال وزير الخارجية " جربونا " هذه المرة، و"اختبروا" جديتنا. بقي على المعارضة بكل أطيافها أن تجيب وهي تجيب. لقد جاءت إجابات بعض المعارضين في الخارج انفعالية، مبنية على رفض أي حوار مع السلطة، بدعاوى وذرائع مختلفة، يتقدمها في الغالب الأعم سقوط الشهداء برصاص الأمن. والبعض الآخر لا يزال يشكك في مصداقية السلطة، وهو على حق في الغالب الأعم. فالسلطة لم تقدم أي شيء جدي ومقنع سواء فيما يتعلق بخطابها، أو ممارساتها، تجاه المعارضين وتجاه الحراك الشعبي على وجه الخصوص، فنزيف الدم لم يتوقف. وهناك البعض الذي عد ما جاء في الخطاب إيجابياً وهو وينتظر ما سوف تكون عليه لجنة الحوار. وهناك أيضا موقف الحراك الشعبي في الشارع الذي رفض الخطاب، وخرج في بعض المدن للتظاهر في رد مباشر عليه.
أنا هنا لست في وارد تقويم هذه المواقف والحكم عليها، مع ذلك لا يستطيع أحد من المعارضة التهرب من الإجابة عن السؤال الآتي: ما العمل؟ لأن المقصود هو وجود سورية ودورها ونمط حياة شعبها ومستقبلها، سؤال بهذه الخطورة لا يترك أحدا خارج دائرة الاهتمام به، ولا يعفيه من المسؤولية.
بودي التذكير بمسألة في غاية الأهمية كنت قد تحدثت عنها مرارا، وهي أن الحوار مع
السلطة له معنى سياسي فقط، ولا يجوز تحميله أية حمولة أخلاقية، لأنه بطبيعته لا يستطيع حملها أو تحملها. وينبغي أن يكون واضحا أيضاً أن الحوار لا يكون إلا بين أطراف مختلفة سواء في مصالحها، أم في رؤيتها لهذه المصالح، أم في طريقة دفاعها عن هذه المصالح. والحوار لا يهدف بالضرورة للوصول إلى حلول وسط، بل مساعدة "المهزوم" موضوعيا على تحقيق "هزيمته" فعلياً بأقل ثمن يمكن أن يدفعه الطرف المنتصر، وربما الطرفين معاً.
إذا، نحن هنا أمام عملية إنقاذية، المدخل إليها هو الحوار، فإما نتحمل المسؤولية ونشارك فيها بقصد النجاح، أو نبقى خارجها، وهو الخيار السهل، وفي هذه الحالة لا نستطيع إعفاء أنفسنا من المسؤولية. انطلاقا من ذلك، ومن تقديري لخطورة المرحلة التي تمر فيها سورية كنت دعوت جميع القوى المعارضة في الداخل والخارج، بما في ذلك ممثلي الحركات الاحتجاجية للنظر في إيجابيات الخطاب والمبادرة للاستعداد للحوار لإنقاذ سورية من براثن الاستبداد، وممن يتربصون ببلدنا وشعبنا شرا، إلى فضاءات الحرية والديمقراطية. وهي إذ تشارك في الحوار فهي تشارك من موقع القوة لا الضعف، قوة تستند إلى حركة الاحتجاج الشعبي في الشارع، وإلى طابع العصر وضروراته.
لقد أخطأت المعارضة في رهانها على إسقاط النظام في الشارع بالقوة، بدلا من اختبار جديته في الحوار في حينه، فهو رهان غير واقعي، وهو مكلف جداً، ربما لا تستطيع سورية تحمله، فالنظام يمتلك عناصر قوة كثيرة محلية وإقليمية لا تسمح بسقوطه الحر. لذلك كان من الأفضل التفكير في تغييره بصورة جذرية وشاملة، من خلال التوافق على دستور جديد، وتحكيم صناديق الاقتراع.
لقد استفاد النظام من رفض المعارضة للحوار في ذلك الوقت، وربما هو كان يراهن على ذلك، فقام بإلغاء التحضيرات إلى المؤتمر الوطني للحوار، ليلغيه لاحقا، محملا المعارضة كامل المسؤولية عن ذلك.
7-قراءة في خطاب بشار الأسد بتاريخ 10/1/2012(34)
قد أكون واحدا من قلة من الذين عدوا الخطاب الرابع لبشار الأسد بتاريخ 10/1/2012 دليل ضعف، وليس دليل قوة، رغم عبارات التهديد والوعيد التي تضمنها، ورغم الهدوء ورباطة الجأش اللتين حاول الظهور بهما طيلة المدة التي استغرقهما إلقاء الخطاب، والتي قاربت الساعتين.
يصر الرئيس السوري على منعة سورية وصمودها في وجه الخارج إذ يقول" لتبقى سورية قلعة حصينة، وحرة ضد الارتهان للأجنبي"، في حين يعلم القاصي والداني أن سورية صارت في أضعف حالاتها بفضل النظام الاستبدادي الفاسد، وهي اليوم عرضة لتدخلات جهات دولية كثيرة، منها العربي، والاقليمي، والبعيد.
وإذ يصر الرئيس السوري على أن سورية تتعرض إلى "مؤامرة كونية" فمن الطبيعي أن لا يعترف بالأسباب الحقيقية للأزمة الراهنة التي تعصف بالكيان السياسي السوري. فنظام الحكم الذي يقوده اليوم لم ينظر إلى الشعب السوري، طيلة نحو خمسة عقود من الزمن، إلا كرعايا أشبه بالكائنات البيولوجية، يمكن أن يتكرم عليهم بين الحين والآخر، بمكرمة من هنا أو من هناك.
لقد تابع السوريون بشغف ما كان يجري في تونس ومصر، وكانوا في أعماقهم يرغبون بأن يشاهدوا ذلك في شوارع المدن السورية وبلداتها. فهم يدركون جيدا، وقد اختبروا ذلك طيلة خمسة عقود، بأن النظام السوري هو من طبيعة الأنظمة السياسية العربية التي انتفضت شعوبها ضدها؟. الذي يحصل في الوطن العربي هو ثورة في التاريخ على أنظمة سياسية استبدادية لا مثيل لها في العالم، وليس "مؤامرة " ، وكان واضحاً إن سورية لن تكون بمنجاة منها وهذا ما حصل. والمفارقة هي أن أجيال البعث هي التي تمردت على نظام البعث ولن تقبل، على ما يبدو، أقل من تغييره بصورة جذرية وشاملة.
من بين قضايا كثيرة أشار إليها بشار الأسد في خطابه الرابع بعد تفجر الأزمة السورية أشار إلى أن " المنصب ليس له قيمة، ومن يسعى للمنصب لا يُحترم"، لكنه ليس ممن يتخلى عن"المسؤوليات". ومن الطبيعي أن لا يتخلى الرئيس عن مسؤولياته، لأن سورية على حد قوله تتعرض إلى "مؤامرة كونية" تشارك فيها بعض الدول العربية كمنصات للانطلاق. ما هذه المؤامرة الدولية التي تدفع بجماهير كبيرة من الشعب للخروج إلى الشوارع مطالبة بالحرية والكرامة والديمقراطية؟. فإذا كانت هذه هي أهداف المؤامرة فنعم بها، وهي أفضل ألف مرة من النظام الاستبدادي القمعي الفاسد القائم. الشعب السوري لا يستحق ما يتهمه به رئيسه من أنه " مطية لمتآمرين عرب وأجانب" ، وهو يعلم جيداً من استعبده طيلة عقود خمسة، ونهب ثرواته وأفقره.
لا بد من الاعتراف أن الرئيس تحدث عن ضرورة الإصلاح منذ أن تسلم الرئاسة خلفا لوالده في عام 2000، وأعاد التركيز عليه في عام 2005، وكثيرون صدقوا ذلك، حتى قامت أجهزة النظام بوأد ما صار يعرف بـ "ربيع دمشق ". واليوم بعد كل هذه السنين التي مرت على حديثه الأول عن الإصلاح لا يزال يعد الشعب بالشروع بالتنفيذ، ولا يريد لأحد أن يتساءل عن سبب التأخير، لأن هذه " مسألة أخرى"؟!!.
بعد اكثر من عشرين عاما على حكم زين العابدين بن علي يخاطب شعبه الثائر عليه ليقول لهم " الآن فهمتكم"، والرئيس السوري الشاب بعد نحو اثني عشر عاماً على استلامه الرئاسة يشرع بالتنفيذ، فلماذا العجلة؟!. أما الحقيقة التي لا شك فيها فهي أن النظام السوري شديد الحساسية، ولا يزال، تجاه أية أطروحات إصلاحية حقيقية، لأن القائمين عليه يدركون أن السير الحقيقي على هذا الطريق سوف يؤدي إلى انهياره. لطالما طالبنا مع كثير من النخب السورية بضرورة الإصلاح السياسي كمدخل ضروري للإصلاح الاقتصادي والإداري عندما كنا ضمن فريق من الباحثين نشتغل على مشروعات حكومية، فكانت السلطة تتجاهل ذلك بعناد لافت.
لقد عمد النظام منذ بدء الانتفاضة ولا يزال إلى تجاهل المعارضة السياسية السورية، في كل ما أقدم عليه من "إصلاحات"، فأصدر جملة من القوانين المتعلقة بالانتخابات، وبتكوين الأحزاب، وبتنظيم الإعلام، وغيرها وهو اليوم يعد دستورا جديدا يحل محل الدستور المعمول به اليوم، وهذا يستحق التثمين. وإن كان من معنى لهذه الإصلاحات فهو يدل على أنه صار من المستحيل الحكم بالطريقة السابقة. غير أن هذه الإصلاحات التي يقوم بها النظام لها هدف وحيد للأسف، وهو إعادة إنتاجه بما يحافظ عليه بحلة مختلفة بعض الشيء. نظام محكوم بعقلية اقصائية هو بطبيعته لا يمكن أن يقبل بوجود معارضة حقيقية، لذلك يمكن تفهم قول الرئيس "لا نريد معارضة تجلس معنا وتبتزنا". من يبتز من؟. وماذا يبقى في هذه الحالة من جهوزية حزب الرئيس وسلطته للحوار مع المعارضة، حتى مع أولئك الذين مارسوا "العنف في السبعينات والثمانينات"، لكن السؤال هو عما ينبغي أن ينعقد الحوار عليه؟ ما هي موضوعاته؟ وهل النظام جاهز لتقبل النتائج التي تعبر عنها موازين القوى الفعلية في الشارع؟. إذا كان النظام يقبل، وهذا ما أشك به، أقترح عليه اقتراحاً بسيطا وهو أن يتم سحب الجيش و عناصر الأمن من الشوارع، وأن يتم السماح بالتظاهر السلمي للمؤيدين والمعارضين لمدة شهر بحيث يخصص لكل منهما ساحة أو شارع، تحت رقابة إعلامية محلية وعربية ودولية، وبإشراف مراقبي جامعة الدول العربية، والمنظمات الحقوقية المحلية والعربية والدولية، لكي يتم الكشف عن موازين القوى الشعبية، والخاسر يسلم الغالب السلطة لتطبيق السياسات التي يرتئيها لإجراء التغيير الديمقراطي المنشود. بذلك يمكن صون وحدة سورية أرضا وشعبا، والمحافظة على دورها التاريخي، ويفوت الفرصة على المتربصين بها شراً ، فالشعب لن يتراجع عن انتفاضته حتى يحقق أهدافه، وهذا ما ينبغي إدراكه قبل فوات الأوان.
في الخامس من شهر آذار من عام 2011 ، أي قبل بدء الانتفاضة، وفي حوارية مع ما كتبته المستشارة بثينة شعبان في جريدة تشرين السورية في حينه كنت قد طالبتها بان تنصح بإجراء الإصلاحات الضرورية لوضع سورية على طريق التغيير الوطني الديمقراطي، لأن الشعب سوف ينتفض ضد النظام مستلهما ثورة الشعب التونسي والمصري خصوصاً، وهذا ما حصل، فتم تجاهل ذلك. واليوم وبعد كل الذي حصل فإن الحكمة والمسؤولية تقتضيان تجنيب سورية الكارثة الآتية، من خلال تنفيذ المبادرة العربية بدقة وأمانة. ومن الأهمية بمكان في هذا السياق أن يبادر النظام ودون تأخير إلى تشكيل فريق مفاوض يتمتع بالمصداقية والتمكين ممن لم يشاركوا في لعبة الفساد والإفساد، وهم كثر في حزب البعث، ليتفاوضوا مع ممثلي الحراك الشعبي والمعارضة السياسية والثقافية على أفضل الطرق وأسلمها من أجل انجاز التغيير الوطني الديمقراطي المنشود. كل المؤشرات للأسف تشير إلى أن سورية تدفع دفعاً باتجاه حرب أهلية طويلة الأمد سوف قد تؤدي إلى انهيار الكيان السياسي السوري، فهل من بقايا حكمة لإيقاف هذا المسار.
8- قراءة في خطاب بشار الأسد بتاريخ 3/6/2012(35)
ألقى الرئيس بشار الأسد خطابه الخامس منذ أن انتفض الشعب السوري ضد نظامه بتاريخ3/6/2012، وذلك بمناسبة افتتاح الدور التشريعي الأول لمجلس الشعب الذي تم "انتخابه" مؤخراً كتتويج لحزمة "الإصلاحات" التي أنجزها خلال الخمسة عشر شهرا الماضية. من هذه الزاوية أراد الرئيس السوري أن يبدو خطابه خطاب رجل منتصر قد أنجز جميع الإصلاحات التي وعد الناس بها. لقد حاول بشار الأسد في أكثر من موضع في الخطاب أن يوحي لمستمعيه بأنه في كل ما يقوم به منذ بدء الأزمة في سورية يهدف إلى تحقيق مصلحة المواطن، فالمواطن بالنسبة إليه هو " المنطلق" وعليه لا بد أن يكون "رأي المواطن هو البوصلة" التي يسترشد بها. وهو أيضا بحسب ما جاء في الخطاب، يتعلم من الشعب إذا أرد أن يواجه مشكلة معينة . غير أن المواطن الذي يسترشد الرئيس برأيه، والشعب الذي يتعلم منه قد قالا كلمتهما وهي أنهما يريدان " إسقاط النظام".
لكن بعيدا عن الجوانب الشعبوية في الخطاب، وهي جوانب قصدها الرئيس لذاتها، وبعيدا أيضا عن الدروس التعليمية التي تعود أن يلقيها علينا وعلى غيرنا في جميع خطاباته، فإن أقل ما يمكن أن يوصف به الخطاب هو أنه جاء مخيبا للآمال، وبعيدا جداً عن الواقع، وبالتالي فهو لا يتناسب مع طبيعة الأزمة التي تسبب بها نظامه الاستبدادي للشعب السوري ولسوريا. لقد شكل الخطاب صدمة كبيرة لكثير من مناصري النظام، ولأولئك الواقفين على " الحياد" أيضاً، والذين بدأوا يتساءلون بأصوات مسموعة عن مخرج من الأزمة يأتيهم بها الرئيس بالدعوة للحوار الجاد مع ممثلي الحراك الشعبي والقوى الوطنية الديمقراطية لوضع خارطة طريق لإنقاذ البلد، ترتكز اساسا على تفكيك النظام الاستبدادي وفتح الطريق لإنشاء نظام ديمقراطي حقيقي مشبع بقيم الحرية والعدالة وحكم القانون، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تنفذ هذه الخارطة. أو في الحد الأدنى أن يعلن عن اتخاذ إجراءات جريئة وحقيقية لتطبيق خطة كوفي عنان. فبعد كل هذه الدماء التي سالت في سورية، من غير المنطقي أن يبشرهم رئيسهم بمزيد منها.
وحتى بالنسبة لمعارضي النظام السوري، وللعالمين بطبيعته الاستبدادية، لم يكونوا يتوقعون هذه المغالاة والمكابرة في تجاهله حقيقة ما وصلت إليه الأوضاع في سورية. فهو يصر بعد كل ما حصل في سورية من قتل وتدمير وتهجير للسكان على أن ما يجري في سورية ليس أكثر من مؤامرة خارجية، وهجوم إرهابي شامل، بهدف إحداث "فتنة" بين السوريين. بل ذهب بعيداً هذه المرة إذ اتهم قسما من الشعب بالإرهاب، وأنه صار أداة من أدوات المؤامرة الخارجية على البلاد.
يقول بشار الأسد في خطابه: تتصارع في سورية قوتان" الأولى تدفع للوراء بما تحمله من محاولات لإضعاف سورية وانتهاك سيادتها" بما تقوم به من " قتل وتخريب وجهل وتخلف وارتهان البعض للخارج" في إيحاء واضح الدلالة إلى الجماهير المنتفضة. والقوة الثانية تدفع باتجاه الأمام بما تحمله من تصميم على الإصلاح تجلى بحزمة القوانين والدستور الجديد"، التي نجحت في صد " جزء كبير من الهجمة الخارجية الدولية على سورية"، في تعظيم واضح ومستهدف لدور النظام في صد هذه الهجمة الدولية. لقد تجاهل الرئيس أن النظام السوري يحكم سورية منذ نحو خمسة عقود، وأنه المسؤول الرئيس عما وصلت إليه الأوضاع فيها من تأزم وتعقيد، فهو المتسبب بها بداية، وهو الذي عمقها وزادها حدة ثانية، وهو الذي يصر على تجاهل رؤية المخرج الوحيد منها، والمتمثل في اجراء تغيير جذري وشامل للنظام من اجل بناء نظام ديمقراطي حقيقي، كما يطالب بذلك الشعب السوري.
لم ينس الرئيس السوري أن يتحدث عن الحوار مع المعارضة للبحث في حل سياسي للأزمة، ولذلك خصها بجزء مهم في خطابه. لكن السؤال عن أي معارضة يتحدث بعد أن استثنى من الحوار معارضة الخارج بذريعة أنها تدعو للتدخل العسكري الخارجي في سورية، وبعد أن استثنى المعارضة التي وصفها بأنها تنتظر "توازنات الخارج" أو "تتلقى الأوامر" منه، ويقصد بذلك جميع فصائل المعارضة الداخلية التي رفضت المشاركة في لعبة الانتخابات لمجلسه البرلماني، وبتوصيفه هذا فإنه يتهمها بالعمالة. في هذه الحالة لم يبقى من يحاوره سوى تلك "المعارضة" المضبوطة التي أغراها ببضعة مقاعد في برلمانه على أمل أن يمنحها بضعة مناصب وزارية في حكومته القادمة. ثم على ماذا سوف ينعقد الحوار؟ إذا كانت الإصلاحات قد أنجزها نظامه، وكانت "انتخابات" مجلس الشعب تتويجا لها، ولم يبقى سوى أن تقبل بها المعارضة والشعب!! إن من يفكر بهذه الطريقة واضح انه لا يريد أي حل للأزمة التي تسبب بها لسورية، وانه مصر على الاستمرار في خياره العسكري الأمني حتى تدمير البلد. لقد قلنا أكثر من مرة إن من يرفع شعارات " الأسد أو لا أحد"، "الأسد أو نحرق البلد" صدقوه، فهو يعني ما يقول، وغير ذلك لا يعدو كونه حشوات إنشائية.
لقد اعترف الرئيس في خطابه بان سورية تعيش في أزمة ، واعترف أيضاً بان الإنتفاضة السورية كانت إنتفاضة شعبية سلمية حتى شهر رمضان من عام 2011، في مخالفة صريحة لما جاء في خطاباته السابقة، ولكل آلته الإعلامية، وبالتأكيد سوف يكون لذلك مفاعيله على صعيد جمهور لا يزال مترددا في مواقفه، مأخوذا بدرجات مختلفة بإعلام السلطة ودعايتها. إضافة إلى ذلك فقد ترددت كلمة "حوار" كثيرا في خطابه، في علامة دالة على الحالة غير المريحة التي وصل نظامه إليها. وعلى الرغم من أن الرئيس السوري وجه خطابه إلى الداخل كما قال، واجتهد أن يكون هادئا أثناء إلقائه، ومتشددا تجاه خصومه، ومبشرا السوريين بمزيد من الدماء، في مقاربة ذات دلالة لعمل الطبيب الجراح، الذي "لا يكترث للدماء التي تسيل أثناء إجراء العملية"، فإن ما بين كلمات الخطاب المنطوقة رسائل واضحة للخارج وبصورة خاصة للروس حلفاء النظام، بأنه باق ولن تجدي المطالب الجديدة حول إمكانية مناقشة الخيار اليمني، وتطبيقه في سورية في المؤتمر الدولي القادم الذي تعد له روسيا بموافقة أمريكية وأوربية. لكن ما يريده النظام يختلف عما يريده الشعب السوري ، فالغلبة في آخر المطاف سوف تكون لخيار هذا الأخير.
9-بين الواقع والوهم-قراءة في خطاب بشار الأسد بتاريخ7/1/2013(36)
قبل نحو سبعة أشهر كان الرئيس السوري بشار الأسد قد ألقى خطاباً حسبناه في حينه أنه ربما يكون الأخير، وذلك لكونه كان يحلق في عالم الخيال والتوهم بعيدا عن الواقع ومجرياته، مراهنا على جدوى الحلول الأمنية العسكرية التي انتهجها نظامه في تعامله مع انتفاضة السوريين في سبيل حريتهم وكرامتهم. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم طرأت تطورات كثيرة على الواقع جعلته في نظر السوريين، وفي نظر المراقبين والمتابعين للشأن السوري أكثر إقناعا في عدم جدوى هذه الحلول التي دمرت كل شيء من شجر وحجر وبشر فعمت " المعاناة أرض سورية" ولم تبق"مكانا للفرح في أية زاوية من زوايا الوطن"، إضافة إلى أن " الأمن والأمان غابا عن شوارع
البلاد وأزقتها" باعتراف صريح من المسؤول الأول عن أمن وأمان السوريين. نعم " من رحم الألم يجب أن يولد الأمل" لكن ليس بوجود سلطة تسد كل المنافذ لولادة هذا الأمل بحسب ما جاء في خطاب رئيسها، وليضع السوريين أمام خيار وحيد هو " شبيحة للأبد كرمال عيونك يا أسد" بحسب ما ردد الهتافون في قاعة الأبرا والتي تعني في ترجمتها العملية إما "الأسد أو نحرق البلد" وهم ماضون في حرقها بكل عناد للأسف.
لقد جاء الخطاب متوتراً ، وهو في منطلقاته كما في خواتمه لا يخرج عن كونه خطاب يرتكز على وهم انتصار غزته بعض نجاحاته العسكرية في بعض المناطق رغم كل ما سببته من دمار وقتل وتهجير، وغاب عنه تماما هاجس إنقاذ الوطن والشعب. فيما يخص منطلقات الخطاب من غير المجدي مناقشتها فهي مكررة ، فما يجري في سورية بحسب رأيه مؤامرة كونية، وهي تستهدف خطها السياسي الممانع، وإخضاعها للهيمنة الخارجية. ولم يكن غريبا أيضا عليه توصيفه للمعارضة بوضعها جميعها في خانة العمالة واللاوطنية، بحيث لم يبق منها من سوف يحاوره سوى تلك التي تدور في فلكه. وكان من الطبيعي أن يسمي ما يجري في البلاد حرباً يخوضها إرهابيون وتكفيريون وعملاء الخارج ضد النظام، ولذلك فهو قد ركز على الطابع الإرهابي بحسب رأيه للثورة في سورية في رسالة واضحة للدول الغربية وعلى رأسها أمريكا التي صنفت جبهة النصرة كمنظمة إرهابية. باختصار يحسب الرئيس أن سورية في "حالة حرب بكل ما تعنيه الكلمة من معنى" تهدف إلى إضعاف سورية ليسهل السيطرة عليها من بعض الدول القريبة والبعيدة وتغيير نهجها السياسي الممانع، بل والسعي إلى تقسيمها. وهو في كل هذا الجانب من خطابه كان يركز بصورة لافتة على استنهاض الوطنية السورية ودغدغة مشاعر السوريين الأصيلة، فسورية " كانت وستبقى حرة سيدة لا ترضى الخنوع ولا تقبل الوصاية" وإن بعض الدول المعروفة تريد " استغلال أحداث داخلية لإخراج سورية من المعادلة السياسية للمنطقة " والقضاء على " فكر المقاومة"، هذه الوطنية التي اجتهد النظام للقضاء عليها بكل الوسائل خلال عشرات السنين.
الجديد في الخطاب هو تلك "الرؤية" للحل السياسي التي طرحها وطالب الآخرين بالحوار معها وحدها، أو على أساسها، فهي تؤسس لحوار " بين أبناء سورية.. وبقيادة سورية " بحسب رأيه، لكنه من الناحية العملية فهو يسد المنافذ أمام أية مبادرة أخرى يطرحا السوريون المعارضون له، أو ما يمكن أن يطرح دوليا وبالأخص مبادرة الأخضر الإبراهيمي. وبدون الخوض في تفاصيل رؤيته للحل السياسي، فهي معلنة ومعروفة، مع ذلك نود تسجيل الملاحظات الآتية عليها:
أولا ترفض المبادرة وقف العنف المتزامن إذ تطالب المعارضة المسلحة بوقفه أولا ، بالتزامن مع وقف الدول الداعمة لها عن تقديم الدعم. وفي مجمل الأحوال يحتفظ لنفسه بحق الرد بل الاستمرار بالعنف حتى القضاء على أخر إرهابي بحسب رأيه. في هذا المطلب يريد الرئيس أن يقول أن المشكلة برمتها تعود إلى تدخل الدول الإقليمية في شؤون سورية، فهي البادئة في الصراع المسلح من خلال تشجيعها للمسلحين المحليين ولذلك يطالبها " بوقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين". بحسب منطوق الخطاب لا توجد أسباب داخلية للأزمة السورية، وإن مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والديمقراطية لا تعدو كونها حق يراد به باطل، فليس هناك ثورة ولا ربيع بل "فقاعات صابون".
ثانيا؛ على الحكومة الحالية أن تقود الحوار بين السوريين، مما يعني عمليا تحديد مساراته وموضوعاته ومصادرة نتائجه.
ثالثا لم تحدد الرؤية من هي " أطياف المجتمع السوري" وبالتالي أحزابه التي سوف تتوجه الحكومة إليها بطلب الحوار، خصوصا وان الخطاب جاء واضحا في إخراجه لجميع المعارضات الجادة من دائرة الحوار.
رابعا تدعو الرؤية إلى عقد مؤتمر " الحوار الوطني الشامل " للتوصل إلى ميثاق " سيرسم المستقبل السياسي لسورية ويطرح النظام الدستوري والقضائي والملامح السياسية والاقتصادية والاتفاق على قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية وغيرها..." وهذا بلا شك تطور مهم في اعتراف السلطة بان كل الأسس الدستورية والتشريعية والقانونية للنظام الاستبدادي القائم قابلة للمراجعة والتغيير. لكن من جهة أخرى ثمة شك كبير في إمكانية حصول مراجعة جدية لها في ظل هيمنة السلطة على الحوار، وفي ظل غياب أية معايير لحسم الاختلافات في الرؤية بين أطراف الحوار. إضافة إلى ذلك لم تتطرق المبادرة إلى إمكانية مراجعة الأسس القانونية للقوى الأمنية والعسكرية وبالتالي إمكانية إعادة هيكلتها لتكون فعلا في خدمة الشعب وليس أداة من أدوات السلطة لقمع الشعب.
خامساً؛ تجاهلت الرؤية أن جوهر الأزمة هو في النظام الاستبدادي القائم، وبالتالي فإن الهدف من الحوار ينبغي أن يكون هو الانتقال من نظام الاستبداد القائم إلى النظام الديمقراطي، وليس الانتقال من " حالة اللااستقرار إلى حالة الاستقرار" كما جاء في الخطاب.
سادساً؛ ركزت الرؤية على فكرة المصالحة الوطنية الشاملة، متجاهلة أن هناك جرائم ارتكبت
بحق الشعب ينبغي أن يحاسب عليها من ارتكبها. القضية تتعلق بالتسبب بوفاة عشرات الآلاف من السوريين عداك عن اختفاء أكثر من هذا العدد، إضافة إلى تهجير الملايين من السوريين وتدمير مساكنهم ،وتدمير البنية التحتية والاقتصادية للبلد. هل يعقل أن يتم التغاضي عن كل ذلك وكأن شيئا لم يكن.
سابعاً؛ ركزت الرؤية على ضرورة استفتاء الشعب في ما يتوصل إليه المتحاورون، لكنها تجاهلت تحديد معايير الاستفتاء والرقابة عليه، فالشعب السوري اختبر استفتاءات النظام وانتخاباته ويعرفها جيداً.
ثامنا؛ وفق منطوق الخطاب فإن الرؤية موجهة لكل "من يريد الحوار"، لكنها من الناحية الفعلية موجهة فقط لجمهور النظام ولمن يدور في فلك السلطة، لأن الخطاب منذ البداية رفض الاعتراف بوجود معارضة لديه بل عصابات وإرهابيين وعملاء.
تاسعا؛ الخطاب كما الرؤية جاءتا لترفع من معنويات مناصري السلطة بعد أن كادت تنهار، ولتسد الأبواب في وجه أي حل سياسي محتمل، ولتبقي على خيار الحسم العسكري كخيار وحيد رغم أنه قد صار واضحا كم هو مستحيل، عداك عن نتائجه المدمرة على الوطن والشعب. ربما لو طرحت هذه الرؤية قبل قيام الشعب السوري بإنتفاضته كما طالبنا بذلك في السادس من آذار من عام 2011 ، أو تلبية لنداء وجهه أكثر من أربعمائة من الشخصيات الوطنية السورية التي وقعت على بيان صدر في 22 آذار من عام 2011 أيضا لاعتبرت مبادرة تاريخية، لكنها اليوم لا تعدو كونها تعبير عن انفصال تام عن الواقع، وتحليقا في عالم الوهم والخيال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
32-خطاب بشار الأسد بتاريخ 20/6/2011 ،www.baath-party.org تاريخ الدخول 29/10/2018
33- التشاركية السورية،www.discover-syria.com تاريخ الدخول 29/10/2018
34- خطاب بشار الأسد بتاريخ 20/1/2012، http://www.voltairenet.org تاريخ الدخول 29/10/2018
35-أنظر نص الخطاب في http://www.parliament.gov.sy تاريخ الدخول 29/10/2018
36-انظر نص الخطاب في http://www.syriacp.com/12878/ تاريخ الدخول 29/10/2018



#منذر_خدام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحلقة العاشرة.حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكار ...
- الحلقة التاسعة. حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة الثامنة..حراك الشعب السوري من الأمل بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة السابعة..حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكا ...
- الحلقة السادسة-حراك الشعب السوري من الحلم بالتغيير إلى ال كا ...
- الحلقة الخامسة-طبيعة النظام السوري وقابليته للاصلاح
- الحلقة الرابعة...حلم التغيير للدولة والسلطة في سورية
- الحلقة الثالثة..حلم التغيير للدولة والسلطة في سورية
- حلم التغيير في الدولة والسلطة في سورية
- نحن العرب قوم نجيد الانحطاط
- خارطة طريق للحوار من أجل الخروج من الأزمة السورية
- من أجل مزيد من الوطنية في المادرة الوطنية السورية
- سأظل أمانع حتى آخر سوري
- كان عليها ان تفشل
- ثمان سنوات من عمر الأزمة السورية والمستقبل لا يزال مجهولا
- لماذا اللامركزية والعلمانية ضروريتان لسورية
- عقدة ادلب
- السياسة الأمريكية الجديدة في سورية
- قراءة متأنية في المرسوم (16) الناظم لعمل وزارة الأوقاف
- من -أبو طشت - إلى - ابن العم - إلى - مانديلا سورية- ألقاب تب ...


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - منذر خدام - الحلقة الحادية عشرة-حراك الشهب السوري من الحلم بالتغيير إلى الكارثة