أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - جورج حداد - المسرحية الكراكوزية المعادية للشيوعية في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني















المزيد.....



المسرحية الكراكوزية المعادية للشيوعية في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 6339 - 2019 / 9 / 2 - 10:53
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


في كل وثائق الحزب الشيوعي اللبناني بعد عام 1968 يشار الى ان المؤتمر الثاني للحزب الذي عقد في تموز 1968 يمثل نقطة تحول في مسار الحزب للاسباب التالية:
ـ1ـ ان المؤتمر انعقد بعد 25 سنة من الانقطاع، اي بعد 25 سنة من انعقاد المؤتمر الاول في اخر سنة 1943 ـ اول سنة 1944. وبذلك تم تجديد الحياة الدمقراطية الداخلية للحزب وانتخاب قيادة شرعية، بعد ان كانت القيادة السابقة غير شرعية وتقوم هي ذاتها باختيار ذاتها بالتعيين والاستنساب.
ـ2ـ انه تم التخلص من عبادة الفرد البكداشية، بالانتخاب الدمقراطي للقيادة وبتأكيد انفصال واستقلال الحزبين في سوريا ولبنان، وهو ما يعني عمليا التخلص نهائيا من سطوة خالد بكداش التي كان يمارسها على الحزب في لبنان.
ـ3ـ تأكيد تصحيح موقف الحزب من القضية القومية، اي تبني القضية الفلسطينية وتخطئة الموقف السابق المتعلق بتأييد تقسيم فلسطين واقامة الدولة الاسرائيلية، وتأييد الوحدة العربية مع معارضة نظام الحكم البوليسي الدكتاتوري.
ـ4ـ التأكيد على استقلالية الحزب في التعامل مع الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية، والتأكيد على عدم التبعية للقيادة السوفياتية، و"تعريب" و"لبننة" الخط السياسي للحزب.
ـ5ـ تأييد الثورة الفلسطينية وتبني خط الكفاح المسلح ضد اسرائيل.
ـ6ـ سحب "رسالة سالم" (رسالة "النقد الذاتي" التي اجبر فرج الله الحلو على كتابتها سنة 1952) من الوثائق الرسمية للحزب، وهي الرسالة المتعلقة بمسألة معارضة فرج الله الحلو لتأييد الحزب للاعتراف السوفياتي ـ الستاليني بتقسيم فلسطين واقامة الدولة اليهودية.
واخيرا تم انتخاب قيادة جديدة "شرعية" و"منتخبة" للحزب، ضمت عددا من "الشيوخ الذهبيين" من القيادة السابقة "غير الشرعية" مثل نقولا الشاوي وارتين مادويان ويوسف خطار الحلو، وعددا من "شباب الديسكو" مثل المرحوم جورج حاوي ونديم عبدالصمد وكريم مروة.
ولا شك ان عقد المؤتمر بحد ذاته وطرح هذه القضايا في الحزب الشيوعي اللبناني "الرسمي" كان شيئا جديدا ومهما جدا.
ولكن هذا في الظاهر اما الواقع فهو مغاير تماما وكان يهدف الى تفريغ هذه القضايا المطروحة من محتواها الحقيقي وتشويهها وحرفها عن مسارها الصحيح وحرف الحزب من جديد عن الخط الصحيح، اي المحافظة على التبعية للقيادة البيروقراطية السوفياتية، وخنق الدمقراطية الحزبية الحقيقية، والتلاعب بالقضية القومية والكفاح المسلح ووضعهما ووضع الحزب كله في خدمة البازارات السياسية، الداخلية والخارجية، للقيادة الحزبية الانتهازية الجديدة، ولو على حساب دماء المناضلين الشيوعيين الشرفاء وابطال وشهداء جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
وفي رأيي المتواضع ان المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني لم يكن اكثر من مسرحية كراكوزية لتضليل الحزب وتحويله الى واجهة لشركة تجارية (بالمعنى الحرفي للكلمة) ومطية لزمرة من المغامرين والانتهازيين والوصوليين السياسيين واللصوص والمهربين والمضاربين بالدولار في السوق السوداء في الدول الاشتراكية السابقة، والاعداء الحقيقيين للشيوعية المكشوفين والسريين.
وقد نجحت زمرة الكراكوزات في تحقيق هذه المسرحية بعد استبعاد المعارضة الحزبية الحقيقية و"تطهير" الحزب منها. وكان على رأس زمرة الكراكوزات المرحوم جورج حاوي.
ولنأت الى التفاصيل كما اتذكرها شخصيا واذكرها للتاريخ وعلى مسؤوليتي الادبية:
في اوائل 1963 ونظرا لتجربتي النقابية السابقة ارسلتني القيادة من بيروت الى طرابلس لاقود حزبيا اضراب عمال وموظفي شركة IPC النفطية. وقد شكلت لجنة سرية لقيادة الاضراب، بالاشتراك مع بعض الرفاق العاملين في الـ IPC، ويمكن ان اقول اننا نجحنا في الاضراب. وحينذاك قررت القيادة ان ابقى في طرابلس (بصفة عضو في اللجنة المنطقية للحزب في طرابلس والشمال) لاقود العمل الحزبي في القطاع النقابي للعمال والعمال الزراعيين في طرابلس والشمال. وكنت في الاجتماعات الحزبية اتحدث انطلاقا من قناعاتي ومفاهيمي، وليس من خلال الاطروحات الخشبية للقيادة الحزبية المفلسة تاريخيا. وبدأ الرفاق الذين اجتمع بهم يتحدثون بايجابية عن "الخط الجديد للحزب!". وهذا ما شجعني على المضي في اطروحاتي. وفي خريف السنة ذاتها 1963 استدعتني القيادة الى بيروت مجددا للعمل كمدير اداري لجريدة "النداء" اليومية بالاضافة الى المساهمة في تحرير الشؤون النقابية والمعيشية. وكان المسؤول العام الحزبي عن الجريدة المرحوم صوايا صوايا. وكان للجريدة بضع مئات المشتركين في بيروت ومحيطها الاقرب. وكانت الاعداد ترسل يوميا الى المشتركين بواسطة الفروع والفرق الحزبية، مما كان يربك المنظمة الحزبية من جهة، ولا تصل الجريدة الى المشتركين بانتظام واحيانا كثيرة لا تصل ابدا من جهة ثانية. فقررت شراء عدد من الموتوسيكلات الصغيرة VESPA وتوظيف عدد من الموزعين لايصال الجريدة للمشتركين. وفي احد الايام (لا اتذكر التاريخ) عينت موزعا جديدا فسألني المرحوم صوايا صوايا: هل هو شيعي؟ فقلت له: يبدو من اسمه (ولا اتذكره الان) انه شيعي. فنفر في وجهي قائلا: "يا رفيق... أكلونا الشيعة!" فطار صوابي (طائفية في الحزب الشيوعي؟!!!) وصودف انني انا اورثوذوكسي وهو كذلك، ولا يستطيع اتهامي بالطائفية، فرددت عليه بحدة، وانفجر بيننا نقاش حاد تناولت فيه كل الخط السياسي للحزب ولاشرعية القيادة و"قَتَلة فرج الله الحلو" و..و..و.. فدخل غرفته واغلق الباب. وبدأ المحررون يتوافدون فطرحت ما جرى امام كل واحد منهم. وانفجرت الجريدة في النقاش الذي اخذ يمتد ويتوسع ليشمل كل الحزب. وتبلور في الحزب تياران:
ـ1ـ تيار المعارضة الذي طرح مواضيع: ضرورة عقد مؤتمر للحزب، رفض التبعية للبيروقراطية السوفياتية، القضية الفلسطينية، قضية الوحدة العربية، الالتصاق بالجماهير و"تعريب" و"لبننة" الحزب والصحافة الحزبية التي لا ينبغي ان تستمر بوصفها لا اكثر من ترجمة عربية لوكالة تاس السوفياتية، ضرورة تبنّي خط الكفاح المسلح الى جانب خط النضال البرلماني والسلمي، وضرورة نقد واسقاط البكداشية وعبادة الفرد مع الاحتفاظ بوحدة الحزبين في سوريا ولبنان وعدم الفصل بينهما، وصولا الى طرح قضية تسليم فرج الله الحلو الى الموت وضرورة التحقيق التاريخي في هذه القضية لتحديد المسؤوليات من موسكو الى دمشق الى بيروت. (وطبعا طار صواب القيادة وانصارها لهذه الطروحات). وللتاريخ اذكر اسماء من اتذكرهم من الرفاق المعارضين (صحفيين مرموقين وكوادر حزبية) الذين اسهموا في الحوار الشاق داخل جدران الحزب مدة سنتين: اوهانس اغباشيان، نسيب نمر (وكانا عضوين في المكتب السياسي للحزب)، نخلة مطران، ادمون عون، كسبار دردريان، احمد الحسيني، الشهيد حسن فخر، امين الاعور، حسيب نمر، الشهيد حسيب فخر، كامل المر، سهيل يموت، الشاعر الدكتور ميشال سليمان، ماري ثابت، جاد ثابت (نقيب المهندسين حاليا اطال الله عمره)، الفنان التشكيلي المرموق المرحوم ميشال المير، المحامي مصطفى مراد، عبدو مرتضى الحسيني، البطل الوطني المرحوم مرشد شبو، رياض كيال وجورج حداد.
ـ2ـ التيار الثاني: انصار القيادة وكان يتمثل في فريقين:
ـ الاول: فريق "الشيوخ" اعضاء القيادة التاريخية "الذهبية" حسب تعبير احد افرادها المرحوم "ابو وضاح" يوسف خطار الحلو. واذا استثنينا خالد بكداش والرفاق السوريين، فالقياديون اللبنانيون "الذهبيون" كانوا الرفاق: نقولا الشاوي، ارتين مادويان، حسن قريطم، صوايا صوايا، يوسف خطار الحلو، طنوس دياب وبطرس عيد.
والثاني: فريق "شباب الديسكو" (وقد اطلقت عليهم شخصيا هذه التسمية لانهم كانوا غالبا ما يلتقون مساء في جريدة "النداء" ويذهبون الى اي ديسكو لا اعرف لممارسة هواية الرقص والفرفشة) وهم: جورج حاوي، جورج بطل، نديم عبدالصمد، كريم مروة وخليل الدبس. وليعذروني اذا نسيت احدا منهم.
وكان "شباب الديسكو" من المتحمسين للقيادة "الذهبية" وخطها السياسي، وتبعيتها السوفياتية، اكثر من "الشيوخ" انفسهم. وتفسيري الشخصي لهذا الحماس حينئذ هو ان "الشباب" كانوا "مستقتلين" للصعود الى القيادة الحزبية، بما لها من امتيازات مادية ومعنوية خصوصا على صعيد العلاقات مع الاتحاد السوفياتي والدول الاشتراكية الاخرى.
وقد دار بين التيارين (المعارضة، ومخلوطة "القيادة الذهبية" و"شباب الديسكو") نقاش حاد شمل كل الحزب وتناول كل خطة الحزب السياسية الداخلية والخارجية والتنظيمية، وتمحور النقاش بشكل خاص حول نقطتين: التبعية للسوفيات، ولاشرعية القيادة وضرورة عقد مؤتمر للحزب وانتخاب قيادة جديدة.
وكانت حجة تيار القيادة ضعيفة، فأقروا بأن مسألة عقد المؤتمر هي صحيحة مبدئيا، ولكنهم اتهموا المعارضة انها بطرح موضوع عقد مؤتمر للحزب انما تريد ان يتم اعتقال القيادة من قبل اجهزة الدولة، ولكن في ردهم على المعارضة طرحوا ـ على لسان المرحوم حسن قريطم ـ موضوعة "المؤتمر بدونكم" اي بدون المعارضة. وبالفعل هذا ما حدث فعلا، فالمؤتمر الثاني كان فعلا مؤتمر مخلوطة "شباب الديسكو" مع "الشيوخ الذهبيين" بدون المعارضة. وللوصول الى هذه النتيجة فإن المرحوم جورج حاوي، الذي كان لولب "شباب الديسكو" و"المدفعية الثقيلة" بيد "الشيوخ الذهبيين"، طرح الوسيلة للتوصل الى التخلص من المعارضة بشعاره "لكم حق النقد، ولنا حق الطرد" اي للمعارضة حق النقد ولمخلوطة القيادة حق الطرد. وبدأت مجزرة طرد المعارضة من الحزب في اذار 1964 واستمرت حتى تشرين الثاني 1965. وباعتبار انني كنت الاصغر سنا في كوادر المعارضة ولم اكن شخصية حزبية معروفة فقد كنت اول "ضحية سهلة" اي اول المطرودين في اواسط اذار 1964، وكان اخر المطرودين الرفيق المحامي المرحوم نخلة مطران في تشرين الثاني 1965. وقد طرد حينذاك مئات الكوادر والمناضلين في الحزب بأسره وجرت عملية "تطهير" للحزب من كل "معارض" او "معترض" من القمة الى القاعدة، على الطريقة الستالينية تماما.
وبعد ان تخلصت مخلوطة "الشيوخ الذهبيين" و"شباب الديسكو" من المعارضة تخلصا تاما، ونفضوا غبار المجزرة عن رؤوسهم واحذيتهم، وعن وجوههم وأقفيتهم، اتجهوا معا نحو عقد مؤتمر حزبي "نظيف" وانتخاب قيادة جديدة تدخل فيها مخلوطة "الشباب" و"الشيوخ" بحيث تعتبر هذه المسخرة والعملية المنحطة لتضليل الحزب تجديدا تاريخيا للحزب.
ولكن قبل ان يبدأ التحضير العملي للمؤتمر، برز خلاف حاد بين "الشيوخ" و"الشباب" في نقطتين:
الاولى ـ ان "الشباب" كانوا متحمسين جدا للاستفراد بقيادة الحزب و"تجديده"، واستبعاد "الشيوخ" بهذا الشكل او ذاك.
والثانية ـ كان "الشيوخ" و"الشباب" مجمعين على تحميل آلية عبادة الفرد لخالد بكداش كل المسؤولية عن الوضعية المتردية للحزب والانحرافات والاخطاء السياسية والتنظيمية. ولكن "الشباب" كانوا يريدون ان يحسموا هذه القضية عن طريق الفصل التام بين الحزبين في سوريا ولبنان. في حين ان "الشيوخ" كانوا اقل حماسة لمسألة فصل الحزبين.
واحد اسباب تمسك "الشيوخ" او بعضهم على الاقل بالعلاقة مع الحزب الشيوعي السوري هو ان العلاقة التقليدية مع السوفيات (والدعم "الاممي") تمر اولا عبر خالد بكداش، وكرديف احتياطي عبر ارتين مادويان.
وبلغ صراع الديوك بين "الشيوخ" و"الشباب" اشده حينما اصدرت القيادة (اي "الشيوخ الذهبيون") نشرة داخلية "سرية جدا!" ورد فيها اتهام للمرحوم جورج حاوي بأنه عميل للمخابرات الاميركية والحلف الاطلسي. وورد الاتهام على لسان المرحوم نقولا الشاوي استنادا ـ حسب قوله ـ الى "مصدر موثوق" وقيل شفاهيا ان "المصدر الموثوق" هو سوفياتي (اطلعت شخصيا بطريقة ما على تلك النشرة ولكنني لم اصدق تلك التهمة على المرحوم جورج حاوي مع علمي انه كان "مولعا بالبنات" و"يحب لعب القمار". وهذه نقاط ضعف يمكن للمخابرات المعادية ان تستفيد منها لتجنيد العملاء) واعتبرت ان التهمة هي للشانتاج السياسي والضغط على المرحوم جورج.
وقد رد المرحوم جورج حاوي على هذه التهمة بأن سافر الى موسكو ووضع نفسه في تصرف السوفيات للتأكد من بطلان التهمة. وطبعا انني لا ادري ماذا جرى في موسكو، ولكنه من المعلوم انه بعد ذلك عاد جورج حاوي الى لبنان وبسحر ساحر عادت المياه الى مجاريها الطبيعية بينه وبين المرحوم نقولا الشاوي وكأن شيئا لم يكن. مما يدل على ان الطرف الذي اطلق تهمة العمالة على المرحوم جورج حاوي استنفد الغرض منها وهو تطويع المرحوم جورج، فعاد ذلك الطرف وسحب التهمة و"يا دار ما دخلك شر".
من المعروف تاريخيا ان المجرم قاتل لينين وخائن الشيوعية الاكبر يوسف ستالين حينما شرع في "تطهير" الحزب الشيوعي السوفياتي والجيش الاحمر من عشرات آلاف الكوادر الحزبية والعلماء والمصممين العسكريين للاسلحة والضباط والجنرالات وحتى المارشالات، مما ادى الى تسهيل الاجتياح الهتلري للاتحاد السوفياتي، كان يلجأ تارة الى تبني الشعارات اليسارية لاعدام الكوادر بتهمة "اليمينية"، وطورا الى تبني الشعارات "اليمينية" لاعدام الكوادر بتهمة "التطرف اليساري". وهذا التاكتيك الستاليني ذاته اتبعه "شباب الديسكو" في حملتهم على "الشيوخ الذهبيين". اذ انهم، اي "الشباب"، بعد ان تخلصوا تماما من المعارضة استنادا الى الخط التقليدي لـ"الشيوخ"، انعطفوا 180 درجة وتبنوا كل اطروحات المعارضة التي اصبحت خارج صفوف الحزب كي يهاجموا "الشيوخ" الذين كسرت شوكتهم تماما. وحينذاك انقسم "الشيوخ" الى قسمين: ـ1ـ قسم ظل على ولائه البكداشي (حسن قريطم، صوايا صوايا، طنوس دياب، بطرس عيد ولواحقهم) فتم فصلهم من الحزب. وـ2ـ قسم سار في ركاب "شباب الديسكو" ودعمهم. وهم نقولا الشاوي، ارتين مادويان ويوسف خطار الحلو، الذين احتفظوا بمواقعهم في الحزب الشيوعي اللبناني جنبا الى جنب "شباب الديسكو".
وفي هذه الاجواء عقد المؤتمر الثاني الذي اعتبر منعطفا في تاريخ الحزب. وهو لم يكن سوى مسرحية كراكوزية وبهلوانية تم فيها توزيع ادوار الرقص على الحبال بين خونة الشيوعية: "شباب الديسكو" والقسم الداعم لهم من "الشيوخ الذهبيين" الذين تخلوا عن البكداشية (ليس بدون ايعاز من طرف ما سوفياتي).
ومن الضروري التوقف هنا عند نقطة مهمة وهي: انه بالرغم من انعقاد المؤتمر الثاني للحزب في 1968 اي بعد 3ـ4 سنوات فقط من اكبر انشقاق في تاريخ الحزب، فإن المؤتمر لم يأت على ذكر المعارضة والانشقاق الكبير بل طمس الحديث عنهما تماما. لانه لو جرى الحديث عنهما لانفضح "شباب الديسكو" تماما بأنهم ساهموا في طرد كوادر المعارضة دفاعا عن "القيادة الذهبية" ثم تبنوا شعارات المعارضة حول ضرورة عقد المؤتمر وعدم التبعية للسوفيات وضرورة تعريب الحزب. وقد تبنوا هذه الشعارات ليس لايمانهم بها بل لاستخدامها لاجل قصقصة اجنحة "الشيوخ" والقفز الى القيادة وفصل الحزبين في سوريا ولبنان وهو ما كان السوفيات يريدونه بشكل خاص. واكثر من ذلك: فقد جرى طرد او فصل المرحوم حسن قريطم والمرحوم صوايا صوايا وشركاهما بتهمة البكداشية، وفي الوقت ذاته ـ وبطريقة ستالينية تماما ـ "غسلوا ايديهم من دم يوسف" بأن اشاعوا في المؤتمر وفي القواعد الحزبية (شفاهيا وبالوشوشة) ان اركان المعارضة في 1964 ـ 1965 هم بكداشيون ومن اتباع حسن قريطم وصوايا صوايا. فعلوا ذلك بالوشوشة لانهم كانوا يعلمون انهم لو اصدروا اي قرار حزبي من المؤتمر ضد المعارضة لكانوا انفضحوا تماما وانفضحت كل مسرحيتهم وانتهازيتهم وخيانتهم للشيوعية كحزب وكمبادئ.
ماذا كان موقف السوفيات من الازمة المركّبة للحزب في 1964 ـ 1968؟
طبعا انه لم يصدر اي موقف رسمي من السوفيات حول هذه الازمة "الداخلية" للحزب الشيوعي اللبناني. ولكن السوفيات كانوا على صلة مباشرة مع كل اطراف الازمة: مع المعارضة التي اصبحت خارج الحزب؛ ومع القيادة البكداشية في سوريا؛ ومع جناح حسن قريطم وصوايا صوايا البكداشي في لبنان، ومع "الشيوخ" المنسلخين عن البكداشية (نقولا الشاوي وارتين مادويان ويوسف خطار الحلو في لبنان)؛ ومع "شباب الديسكو" (جورج حاوي وشركاه في لبنان). اي ان السوفيات لعبوا على كل الحبال.
ما هو تفسير هذا الموقف السوفياتي الحربائي؟
ـ في تلك المرحلة كان قد دب الخلاف ايضا في قيادة الحزب الشيوعي السوفياتي وتم عزل خروشوف من قيادة الحزب، وصار من الضروري السؤال تبعا لكل حالة: اي فريق سوفياتي؟ ومن مع من؟ ومن ضد من؟
واذا اخذنا بالقرائن الواقعية يمكن القول ان فريق "شباب الديسكو" و"الشيوخ" الذين انضموا اليهم حصلوا على دعم فريق سوفياتي قوي يؤيد "تجديد" نمط العلاقات الخارجية مع الاحزاب الشيوعية الاجنبية، ويؤيد فصل الحزبين الشيوعيين في سوريا ولبنان احدهما عن الاخر، ويؤيد تحويل الحزب الشيوعي السوري الى كومبارس لدى النظام البعثي السوري، ويؤيد تحويل الحزب الشيوعي اللبناني الى كومبارس وفي احسن الحالات ديكور الى جانب الحركة الوطنية اللبنانية وقيادة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان.
وبدافع من حوافزهم الانتهازية والوصولية التقطت انتينات "شباب الديسكو" هذه "الموجة" السوفياتية الجديدة وسارت معها. وفي تقديري المتواضع ان كل مسرحية المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني لم تكن سوى سيناريو سوفياتي اخرجه ومثّله "شباب الديسكو" و"شيوخهم" بقيادة جورج حاوي وارتين مادويان ونقولا الشاوي. وزواج المرحوم جورج حاوي من السيدة المحترمة الدكتورة سوزي مادويان لا يخرج عن هذا الاطار.
وشحنة الثقة الجديدة والكبيرة التي حصلت عليها القيادة الانتهازية الجديدة للحزب كانت وبالا على الحركة الشيوعية في لبنان وسوريا والبلدان العربية جميعا. ويكفي ان نعرض النقاط التالية:
ـ1ـ كان من الضروري تحرير الحزب من آلية عبادة الفرد للقائد الفاسد والمفسد عميل الـ كا غي بي السافل خالد بكداش. ولكن هذه الضرورة هي شيء، وشيء آخر تماما هي عملية القضاء على وحدة الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان. وقد جاءت جميع الاحداث التاريخية (من هزيمة حزيران 1967 وتسليم الجولان بدون قتال، وانبثاق وسيطرة الدكتاتورية في سوريا، واجتياح النظام السوري لمناطق الحركة الوطنية في لبنان ببركة اميركا واسرائيل والسعودية، واسقاط مخيم تل الزعتر وبرج حمود والنبعة والكرنتينا، وانقاذ الطابور الخامس الاسرائيلي = عصابات الكتائب وشركائها ـ من الهزيمة المؤكدة، واغتيال كمال جنبلاط وتغييب الامام موسى الصدر، الى حرب تموز ـ اب 2006 ضد اسرائيل والمقاومة الشعبية البطولية بقيادة حزب الله، الى المؤامرة الدولية الكبرى ضد سوريا والمشاركة التاريخية للمقاومة الشعبية اللبنانية بقيادة حزب الله في صد تلك المؤامرة على الاراضي السورية ذاتها، الى وقتنا الراهن حيث يواجه لبنان المقاوم الهجمة الامبريالية ـ الاسرائيلية ـ السعودية للتطبيع وتصفية القضية الفلسطينية) ـ كل هذه الاحداث وغيرها تؤكد ان فصل الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان كان خطأ فادحا ينحط الى مستوى الجريمة والخيانة ضد الحركة الشيوعية والتقدمية والوطنية في لبنان وسوريا والوطن العربي والعالم.
ـ2ـ في 1968 كان قد مضى أقل من عشر سنوات فقط على جريمة قتل فرج الله الحلو، الذي كان المقصود به توجيه ضربة قاتلة للخط السياسي والحزبي الذي كان يمثله فرج الله الحلو، ان لجهة الموقف الشيوعي من القضية الفلسطينية خاصة والقضية القومية العربية عامة، او لجهة موقفه من عبادة الفرد والدمقراطية الداخلية في الحزب. وفي تقديري ـ ومن خلال قرائن عملية الاغتيال والظروف السياسية التي احاطت بها ـ ان الجريمة تمت بايعاز "سوفياتي" وبتنفيذ من قبل الاجهزة القذرة للنظام الفاشستي لعبدالناصر، وبالمشاركة من قبل خالد بكداش وشخصيات القيادة الشيوعية اللبنانية الذين توافقوا على ارسال فرج الله الحلو الى الموت المحتم ومن ثم التستير على قتله مدة اشهر طويلة واخراج مسرحية الحملة الدولية للافراج عنه بزعم انه لا يزال حيا ومعتقل مع انهم كانوا يعلمون علم اليقين انه كان قد قتل على الفور لدى اعتقاله و"خلصوا منه!". وجاء في مذكرات المرحومين عزيز صليبا ويوسف خطار الحلو ان خالد بكداش تلفن الى بيروت من الخارج عدة مرات متسائلا "ألم يذهب فرج الله الى دمشق بعد؟" في حين تقول المرحومة وصال فرحة زوجة خالد بكداش ان "الرفاق اللبنانيين" هم الذين كانوا يصرون ان يذهب فرج الله الحلو الى دمشق. وان خالد بكداش كان معترضا على ذهابه. من الصادق ومن الكاذب؟ كلاهما صادقان عن الطرف الاخر وكلاهما كاذبان عن انفسهما. لقد كان من اوجب واجبات المؤتمر الثاني للحزب ان يبحث في موضوع اغتيال فرج الله الحلو ومن خطط لقتله ومن قرر ارساله الى الموت. ولكن المؤتمر الثاني للحزب (الذي يتاجر بدم فرج الله الحلو ويدعي انه "حزب فرج الله الحلو") اغفل تماما قضية اجراء محاكمة تاريخية حول اغتيال فرج الله الحلو وارساله الى الموت. لماذا؟ لان "شباب الديسكو"، ومن اجل ضمان مستقبلهم والاحتفاظ بمصالحهم المادية والمعنوية، لم يكونوا يريدون كشف الخيط السوفياتي في الجريمة ولا دور "شيوخهم". واستمر هذا الطمس في كل المؤتمرات الحزبية التالية منذ 1968 الى اليوم. وبهذا السكوت المريب والطمس المتمادي للجريمة فإن جميع الكوادر الذين احتلوا مراكز قيادية في الحزب، واينما كانت مواقعهم اليوم، من فاروق دحروج الى خالد حدادة وكريم مروة ونديم عبدالصمد وموريس نهرا وسعدالله مزرعاني والياس عطالله وغيرهم، انما هم شركاء في طمس جريمة اغتيال فرج الله الحلو وما كان يمثله من مبادئ شيوعية حقيقية، اي انهم هم انفسهم اعداء للشيوعية ولكنهم يتسترون بمسوح شيوعية. وانا شخصيا أربأ بالمناضل النقابي والشعبي المخلص الرفيق حنا غريب (امين عام الحزب الشيوعي حاليا) ان يتابع طمس جريمة اغتيال فرج الله الحلو وينضم الى هذه اللائحة السوداء من اعداء الشيوعية المكشوفين والمتسترين.
ـ3ـ ان "شباب الديسكو" و"الشيوخ الذهبيين" الذين ساروا معهم، اي كل طاقم ما بعد المؤتمر الثاني للحزب، لم يكونوا صادقين في ادعاء التحرر من التبعية الذيلية للسوفيات... بل العكس هو الصحيح: انهم قاموا فقط بـ"تجديد" و"تحديث" نمط واشكال التبعية. وهذا ما كان يريده "السوفيات ما بعد خروشوف" انفسهم. وفي هذا الصدد نشير الى نقطتين جوهريتين:
الاولى ـ ان "حزب ما بعد المؤتمر الثاني" تابع خط مقاطعة الدولة العظمى التي اسمها الصين. ولا تزال هذه السياسة العمياء سارية المفعول الى اليوم. فما هي مصلحة الحزب الشيوعي اللبناني والشعب اللبناني من استمرار مقاطعة الصين، حتى بعد ان تغيرت الاوضاع جذريا في روسيا؟
والثانية ـ ان هذا الحزب ايد بشدة الخط الخياني للغورباتشوفية المسمى "البريسترويكا" الذي دمر الاتحاد السوفياتي. اي عمليا ان "حزب ما بعد المؤتمر الثاني" هو حزب تابع للبيروقراطية السوفياتية الى درجة انه هو نفسه حزب معاد للشيوعية كغورباتشوف وان كان لا يزال يحمل اسم حزب شيوعي. وبعض رموز هذا "الحزب"، مثل الياس عطالله وكريم مروة ونديم عبدالصمد، نزعوا جميع الاقنعة وانتقلوا على المكشوف الى صفوف الحريري والسنيورة.
ـ4ـ منذ ما كان ستالين حيا كانت التبعية للسوفيات تمر في خط مخابراتي سري ضيق عبر خالد بكداش، وارتين مادويان في لبنان، كما تدل القرائن. ولدى انعقاد المؤتمر الثاني للحزب، كان قد جرى الكثير من مياه التغيير في الاتحاد السوفياتي ذاته، وظهرت ضرورة تغيير اشكال واساليب التبعية. وفي تقديري ان كل تمثيلية المؤتمر الثاني للحزب كانت بايعاز من السوفيات بالذات. واعطي دور "البطولة" الاولى في هذه التمثيلية لـ"شباب الديسكو" ومعهم بعض "الشيوخ الذهبيين" لتأكيد الاستمرارية التاريخية للتبعية. وبعد هذه التمثيلية جرى استبدال خط التبعية المخابراتية السرية الضيقة، بتبعية مفتوحة على مصاريعها لكل "شاطر زمانه"، اذ حولوا الحزب الى واجهة ووسيلة سياسية و"نضالية" لشركة تجارية ـ مافياوية مفتوحة، وصار جميع قادة الحزب وكوادره والعديد من الطلاب اللبنانيين في الدول الاشتراكية تجارا وسماسرة وقومسيونجية ومهربين (بالاتجاهين من والى لبنان والبلدان العربية وخاصة "التقدمية" كسوريا ومصر والجزائر واليمن الجنوبية سابقا) وصار الحزب مافيا حقيقية يفيد ويستفيد، "تجاريا" وبيزنسمانيا وسمسراتيا وقومسيونيا، من العلاقات مع الدول الاشتراكية. والكثير من الكوادر الحزبية صار "بيتهم" بالطيارة "يتروقون" في موسكو و"يتغدون" في بيروت و"يتعشون" في برلين او اي عاصمة اشتركية اخرى، وبالعكس. وصار للكثير منهم بيت (مع صديقة او اكثر طبعا) في اكثر من عاصمة اشتراكية الخ الخ الخ. وهذا كله مع التأكيد طبعا على "العلاقة الندية" مع السوفيات وعدم التبعية للسوفيات، وربما على العكس صار "السوفياتي" تابع لبعض "الرفاق" اللبنانيين الذين صاروا هم "واجهة" او لولب السمسرات والصفقات المشبوهة او غير المشبوهة وهم الذين "يدفعون الاكرامية" او القومسيون للسوفياتي وليس العكس. انه زمن الليبيرالية والبريسترويكا الذي دخله الحزب الشيوعي (جدا شيوعي!!!) اللبناني بالبعد التاريخي للمؤتمر الثاني سنة 1968. "صحتين على قلب الشاطر" و"الشاطر ما يموت" و"صيت غنى ولا صيت فقر" كما قال مرة المرحوم جورج حاوي... و"عين الحاسد تبلى بالعمى"! يا شرفاء!!! ويا اوادم...!!! ويا... شيوعيين!!!
ـ5ـ بعد ان اجتاح الاسرائيليون صيدا في طريقهم الى بيروت في صيف 1982، قامت اول عملية منظمة ضد الجيش الاسرائيلي في صيدا في اليوم الرابع للاحتلال. وفي بيروت، وبعد خروج قوات منظمة التحرير الفلسطينية ودخول اسرائيل الى بيروت الغربية بموجب الاتفاق الدولي، لم يتوقف اطلاق النار ضد الاسرائيليين ولا ليلة واحدة في عمليات فردية غير منسقة.
وفي هذا الجو النضالي والضغط من القواعد على القيادات، وجدت قيادة الحزب الشيوعي نفسها بقيادة جورج حاوي مضطرة للاعلان عن تشكيل "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" بالاشتراك مع منظمة العمل الشيوعي بقيادة محسن ابراهيم. والسؤال هو: هل كانت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني (المنبثقة عن المؤتمر الثاني) مخلصة في تبني خط الكفاح المسلح؟
ـ في رأيي الشخصي: طبعا لا!
لقد بدأت المقاومة بعمليات فردية، وهذا شيء طبيعي، كبداية، ولكنها استمرت بعمليات فردية، واخيرا انتهت بعمليات فردية!
لو كانت قيادة الحزب الشيوعي مخلصة وجادة وجدية في تبني خط الكفاح المسلح لكان يتوجب عليها ان تطور "جبهة المقاومة" بالتدريج من عمليات فردية الى عمليات اوسع واكبر للتوصل الى تشكيل جيش تحرير شعبي حقيقي وشن حرب تحرير شعبية واسعة ضد الاحتلال وعملائه، كما هي التجربة الثورية في كل مكان في العالم، وكما فعل حزب الله لاحقا.
وقد اثبتت التجربة ان كل الظروف الموضوعية في لبنان كانت ناضجة للتحول من العمليات الفردية الى حرب التحرير الشعبية. ولكن قيادة الحزب الشيوعي، مثلها مثل قيادات اخرى تعرف نفسها لم تكن تريد سوى تسويق نفسها كـ"قيادة ثورية" وتثبيت مكانتها لدى افرقاء النظام الطائفي اللبناني، ولدى النظام الالعباني السوري، ولدى القيادة السوفياتية في البازار السياسي الدولي. وكلامنا هذا لا يقلل ابدا من اخلاص ووطنية وشيوعية وبسالة المناضلين الشيوعيين الذين قدموا حياتهم في عمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية. ولكنه يؤكد على انتهازية قيادة الحزب الشيوعي وانها كانت تتاجر بدماء المناضلين الشيوعيين الشرفاء من اجل مطامحها الانتهازية.
لقد عينت قيادة الحزب الشيوعي الرفيق الياس عطالله كقائد لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية كي يكون كاسترو لبنان، او غيفارا لبنان، او فو نغوين جياب لبنان او ربما ماو تسي تونغ لبنان وفلسطين والوطن العربي الكبير. ولننظر في بعض "اليوميات الثورية" للرفيق الياس عطالله (اطال الله عمره). كان الرفيق الياس يقيم في بلدته الساحلية الرميلة شمالي نهر الاولي على طريق صيدا. وفي بعض الايام قبل المساء كان الرفيق الياس "يتقنزح" وينزل الى الشاطئ مع مرافقيه المسلحين ويمتطي معهم زورقه البخاري "السبور" الذي يطير بهم في عرض البحر حيث يشنون غارة او اكثر، بالقنابل اليدوية، على رفوف السمك، ويعودون بعد نصف ساعة او ساعة مع كمية كافية من السمك الدسم. وطبعا ان الزوارق الحربية الاسرائيلية لم تكن على درجة من قلة الذوق كي تعكر مزاج الرفيق الياس في نزهاته السمكية البريئة مع مرافقيه المسلحين. وفي المساء كان يبدأ شوي السمك في منزل الرفيق الياس، وتشق رائحة السمك المشوي عنان السماء وتصل الى خياشيم الطيارين الحربيين الاسرائيليين الذين لم يكونوا يفارقون الاجواء اللبنانية. وفي هذه الاثناء يبدأ قادة الحزب الشيوعي اللبناني بالتقاطر، ويجلسون الى مائدة عرمرمية ويبدأون في اكل السمك المشوي (او المقلي ايضا) مع ما لذ وطاب، ويكرعون العرق البلدي واخواته (كل حسب ذوقه) ويتنادمون ويتسامرون، ولا ينسوا طبعا ان يشربوا نخب الرئيس حافظ الاسد، والرئيس بريجنيف او غورباتشوف، وقيادة الحزب الشيوعي الاسرائيلي "الشقيق"، كما لا ينسوا ان يدقوا الكاس بالكاس ويحيوا بطولات شباب جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية،الذين يقيمون هذه السهرات العامرة على شرفهم. وفي ساعات الفجر الاولى وقبل شروق الشمس يعودون ادراجهم كل الى حيث يريد. وكانت هذه السهرات "الكفاحية" العرمرمية تتكرر مرتين او ثلاث مرات في الشهر. وكان من الواضح، حتى للبلهاء، انه كان بامكان اسرائيل ان تتخلص من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بضربة صاروخ واحدة. فلماذا لم تفعلها اسرائيل؟
ـ لقد كان من مصلحة اسرائيل ان تقضي على قادة مقاومة كالشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي والقائد عماد مغنية والمناضل سمير القنطار. ولكن اسرائيل لم تكن تتصف بالهبل والغباء الى درجة ان تقضي على قادة كالياس عطالله. ليس خوفا من اي شيء، بل لان الموساد الاسرائيلي لم يكن ليجد افضل لاسرائيل من تفريخات المؤتمر الثاني، لقيادة الحزب الشيوعي اللبناني.



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضرورة تقويض نظام الهيمنة العالمية للدولار
- السياسة العدائية لاميركا تدفع روسيا والصين الى التحالف ضدها
- ظهور المسيحية وانشقاقها من منظور اجتماعي قومي تاريخي
- العثمانو اتاتوركية الجديدة المأزومة تبحث عن دورها الضائع
- المبادرة الصينية الكبرى وتقويض الدور الاميركي
- الصين الشعبية تتقدم لاحتلال مركز الصدارة في الاقتصاد العالمي
- الصراع بين كارتيلات صناعة الاسلحة لاميركا والاتحاد الاوروبي
- السياسة الاستفزازية الاميركية ستؤدي الى تدمير الاقتصاد الامي ...
- التحالف الستراتيجي الروسي الصيني سيغير وجه العالم
- افريقيا: من صيد البشر الى نهب الذهب والموارد الطبيعية
- الابعاد الجيوستراتيجية للمواجهة المصيرية بين اميركا والصين
- اوكرانيا على عتبة تحول مصيري جديد
- فشل سياسة العقوبات الاميركية
- تصدع العلاقات بين الاتحاد الاوروبي ودول اوروبا الشرقية
- العلاقات الصينية الاوروبية الى أين؟
- آفاق المواجهة بين اميركا والغرب وبين روسيا والشرق
- تباطؤ الاقتصاد العالمي وحرب تجارية اميركية ضد اوروبا
- بدأ زمن العد العكسي لهيمنة الدولار
- روسيا تعمل بثبات لنزع السيادة السياسية الدولية لاميركا
- روسيا قوضت السيادة العسكرية العالمية لاميركا


المزيد.....




- شاهد.. مبادرة طبية لمعالجة الفقراء في جنوب غرب إيران
- بالفيديو.. اتساع نطاق التظاهرات المطالبة بوقف العدوان على غز ...
- الاحتجاجات بالجامعات الأميركية تتوسع ومنظمات تندد بانتهاكات ...
- بعد اعتقال متظاهرين داعمين للفلسطينيين.. شكوى اتحادية ضد جام ...
- كاميرا CNN تُظهر استخدام الشرطة القوة في اعتقال متظاهرين مؤي ...
- “اعرف صلاة الجمعة امتا؟!” أوقات الصلاة اليوم الجمعة بالتوقيت ...
- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية


المزيد.....

- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى وقواعد العمل السرى فى ظل الدولة ال ... / سعيد العليمى
- نِقَاش وَثِيقة اليَسار الإلِكْتْرُونِي / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - جورج حداد - المسرحية الكراكوزية المعادية للشيوعية في المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي اللبناني