|
الإعلام العربي إلى أين
فوزي نصر
الحوار المتمدن-العدد: 1549 - 2006 / 5 / 13 - 10:52
المحور:
الصحافة والاعلام
الإعلام هو الوسيلة التي تعبر عن سياسة الدولة وطرق معالجتها للأزمات ، ونشر برامجها وخططها ، فهو بحق يعتبر الأداة التي تعبر عن الرأي العام ، ورأي المجتمع ومؤسساته 0 والإعلام لا بد له من إدارة وتوجيه فمن الذي يوجه الإعلام ؟؟ : ـ في الدول والأنظمة الشمولية : قد يكون الإعلام موجها من قبل الدولة تزرع في حقوله جميع إنتاجها العلمي والأدبي والسياسي ، وقد تحصره فقط لإنتاج السياسة والبرامج التي تخصها وبذلك يكون الإعلام مسيطرا عليه من قبل الدولة وأجهزتها ، لا تسمح له بنشر وقائع ما يجري على الحياة السياسية والإجتماعية 0 ويكون رجل الإعلام موظفا يعمل حسب توجيهات رؤسائه 0 خطورة رجل الإعلام أن يكون موظفا يتلقى فقط ، ولا يبدع أو ينتج أو يدخل خيطا في النسيج الإجتماعي، ولكنه يقدم ما يوحى له به أو ما يملى عليه 0 فالإعلام العربي بشكل عام ينساب بشكل رأسي من الأعلى إلى الأسفل من الحكام إلى المحكومين توجهه الدولة وتسيطر عليه وتسخره لحماية الأوضاع السياسية والإجتماعية 0 كما تسخره لنشر سياستها ومشاريعها الإقتصادية والثقافية في هذه الأحول يكون الإعلام تعبيرا عن رأي السلطة ، موجها من قبلها ، تغذيه من معلوماتها ، ويكون ساقية تصدر عن ينابيع السلطة وتجري حسب الإتجاهات المخصصة لها ، ومن الملاحظ أن السلطات تفرض رقابة قوية على الإعلام حتى لا يخرج عن الخطوط المرسومة له بحيث يبقى دائما تحت رقابة الأعين الساهرة ، لكنه حين يحاول قول الحقيقة يحرم من حقوقه في العمل 0 الإعلام في الدول ذات الأنظمة الحرة : يستمد الإعلام سلطته من الدولة التي ترعاه ومن المؤسسات التي يتعامل معها، وهو ليس سوى وعاء حامل للمعلومات ، ناشر للثقافة يخدم مطامح الرأسمالية وتوجهاتها ، ويعمل بأساليب وتقنيات عالية بحيث يكون لها تأثيرات نفسية مع دراسة علمية تؤثر على المتلقي وتجذبه إلى قيمها ونظم السياسية والإقتصادية 0 وتعمل على إختراق شعوب العالم الثالث ومنها العالم العربي 0 ما هو دور الإعلام الرئيسي : الإعلام مادة تنتج من قبل المجتمعات ، من الوقائع والظروف السياسية والمادية والإجتماعية ، ومن مجموعة الأحداث التي تحصل في نطاق هذا العالم ، إذن مفردات الإعلام متناثرة ضمن هذا العالم ، وواجبه جمع هذه المفردات وترتيبها وتقديمها صحيحة كما هي ، دون تزييف أو تضليل 0 فآلية عمل رجل الإعلام هي الوقائع والمعطيات التي يراها ويدونها ويقدمها للجمهور بالثوب الأنيق الواقعي ، وباللون الطبيعي دون أي تزييف 0 لكن الدول الكبرى في عالمنا هي التي تسيطر على مصادر المعلومات ، وهي القادرة على ضخ هذا الإنتاج إلى العالم بالطريقة التي تستطيع كسب الرأي العام العالمي فيه ، وإن الآلة الإعلامية الأمريكية تتصرف على نحو إزدراء ثقافات شعوب وأمم العالم الثالث وتعتبرها ثقافات بدائية يتوجب القضاء عليها ، لأنها تعارض وتقف في طريق الجديد من الثقافات 0 هنا مؤشر واضح للسيطرة الإعلامية للقوى الكبرى ، وغزو للثقافة عبر الإعلام ، وإختراق للجماهير لتحطيم الذات الثقافية والهوية الإعلامية للمجتمعات 0 هنا يطرح سؤال كبير عبر موجة النهوض العربي ، ومن خلال الحكومات والأنظمة في وطننا بصفتها مسؤولة عن الإعلام وتعتبره أحد مكوناتها 00 ـ هل كان الإعلام العربي يخدم الجماهير وقضايا العرب ؟؟ : الحقيقة لم يكن نمط الإعلام العربي سوى نوعا من الركض خلف مراكز الإعلام الغربي لنقل التحولات التي تصيب تلك المجتمعات ، مع إهمال كامل لما يصيب المجتمع العربي من تمزق وتشرذم والبعد عن دراسة الظواهر الصحية في هذا المجتمع ، وباتت القضايا العربية مهملة ينتظر المواطن العربي الإعلام الغربي حتى يزوده ببعض المعلومات التي تكون موجهة فعلا وبنوع من المصداقية حتى تتمكن من إختراق العقل العربي، وتجريح ثقافته 0 والنتيجة الحتمية التي نتوصل إليها بأن الإعلام العربي لم يستطع الوصول إلى جماهيره ، كما لم يستطع الإرتقاء بالوعي إلى درجة التحرر الفكري بل بقي الإعلام خادما للسلطة ، وتابعا لها ، وأحد مكوناتها الرئيسية ، وبما أن الوعي مرتبط بحرية الإنسان ، والحرية هي المرتكز الفعلي للوعي فانعدام الحرية يعني فقدان الوعي ، وبالتالي يبقى الإعلام في مستوى متدن لا وعي يسنده ، ولا حرية تدعم وجوده ، وقد بقي الإعلام بعيدا عن الأمة وغريبا عن تطلعاتها خادما للسلطة ، ومؤسسا لمشاريعها ، وعاملا على إرضائها ، مطيعا حتى لا يحرم من لقمة عيشه 00 مجتمعاتنا تسبح في بحر متلاطم من أمواج الإعلام ، تعيش مرحلة خطرة تهدد وجودها وهويتها ، لا تسعفها النظم إن لجأت إليها ، ولا تستطيع الإعتماد على الإعلام لأنه غارق في بحور لا يعلم أين طريق الخروج منها ، ولا سبيل إلى الوصول للطريق الذي يقودها للخروج من مواقع الأزمة 0 ـ لماذا لم يلحق هذا الإعلام بالظروف والأحداث الهامة ؟؟ : الإعلام العربي لا ينطق باسم الشعب العربي بل يتكلم عن النظام وعن إنجازاته ، ومن هنا فقدت الجماهير الثقة بوسائل الإعلام وما تقدمه من أخبار وبدأت تشكك بكل ما تسمعه ، بسبب إن الوقائع التي تراها غير التي تسمعها ، وإذا كان الإعلام نافذة يطل منها على المجتمع لبعث تيارات الوعي ، ولصد التيارات المعادية التي تصفع بلادنا ، وكان سبب تخلف الإعلام هو عدم القدرة المهنية والتخصص للبعض منهم ، وكذلك ملازمة مسار السلطة ، والإفتقار إلى الحرية ، مما جعل الإبداع الإعلامي متدنيا ، فكثرت السلبيات ، وتراكمت الأخطاء ولم يهتد أحد إلى طريق المعالجة الصحيحة ، وبات الإعلام يرزح تحت عبء ضربات الماضي وتخلف الحاضر ، وقيود السلطة ولم يستطع أن يرى بصيص أمل في آخر الكهف 0 كل هذه الظروف أنتجت العجز الإعلامي وهو بدوره ناتج عن عجز النظام العربي الذي وعد جماهيره بالإصلاح ومازالت الوعود تتراكم لكنها لم تصل إلى جماهير الشعب 0 مما سبب تخلف الإعلام عن ركوب تيار التقدم والواقعية 0 ولم يستطع رؤية الأحداث التي تصيب الأمة كما لم ينبه للظروف الصعبة التي لحقت بالوطن 0 ـ من هو المسؤول عن الإعلام وعن دوره الثقافي ؟؟ النظم الحرة تنتج إعلاما حرا غير مقيد ، فهي تعطيه مساحة واسعة للتحرك ، وتقدم له كل مجالات الإبداع حتى يتطور لأنه يقود المجتمع إلى مناهل التقدم والثقافة الواسعة0 لذلك تعتبر الدول العربية هي المسؤولة عن إعلامها وعن تطوره، وأحيانا عن خضوعه لتبعية الإعلام الغربي حيث تنساق الجماهير إلى ما يبثه هذا الإعلام من أفكار وقيم تبعدنا عن واقعنا وعن حضارتنا لأننا أمام إعلام غير متكافئ 0 فتحصل التبعية والهيمنة الثقافية والإعلامية التي لا قبل لإعلامنا بمواجهتها 0وقد قال فيكتور هيغو عبارة مشهورة هي " قد تستطيع مقاومة غزو السلاح ولكنك لا تستطيع مقاومة غزو الأفكار " ولا بد من الإشارة بأن على جميع الدول العربية أن تنتج إعلاما متطورا ، يستند إلى ثقافة العصر يتمتع بالمصداقية الأكيدة وصحة المعلومة، وسلامة النقل، واستثمار العقل العربي ودفعه للإشتراك في معركة التطور الحضاري والإعلامي والثقافي لهذه الأمة، حتى لا نبقى فريسة الأطماع والغزو 0 وعلينا أن ندرك أن الثقافة والإعلام معادلة تكّمل بعضها فالعجز في واحدة يؤدي إلى الفشل في الثانية 0
ـ لماذا فقد الإعلام العربي مصداقيته ؟؟ وذهب المواطن يستمع ويستقي المعلومات من جهات أخرى ؟ إن الإعلام يتيح الفرصة للتعرف على آراء الآخرين وأفكارهم، وثقافتهم ، كما يتيح الفرص للتفكير والإطلاع والحوار وتبادل المعلومات (1) مجلة شؤون عربية ص129 عدد/121 ـ فالإعلام هو فن وصناعة تقديم المعلومة بشكل يتقبلها المتلقي ويشعر بأن ما يراه أو يسمعه قريبا للعقل ومطابقا للواقع 0 إن غياب صناعة الإعلام من قبل رجاله والمهتمين به وعدم الإهتمام بهذه المؤسسة من جانب الدولة ، بل تسخيرها لصالح السلطة والنظام الحاكم جعل الإعلام العربي ذو محور واحد، يعاني السلبية والبعد عن الجماهير 0 والتمحور حول بعد واحد بدلا من تعددية الأبعاد 0 ـ هل كان الإعلام وسيلة ثقافية فعلية ؟؟ لقد كان الإعلام وطنا من أوطان نشوء الديموقراطية وحلقة من حلقات تطورها بل يعتبر " سليل الديموقراطية " وهو يتجلى في مفاصل السياسة "" حرية القول والتعبير والإنتماء " ومفاصل الثقافة " حرية التفكير والإبداع والتعبير عن الهوية " ومفاصل الإقتصاد " كحرية الإستثمار وتحويل البضائع ورؤوس الأموال الثقافة " (2) ذات المصدر ص123 ـ نتساءل لماذا من بين ألف مواطن عربي ( 20 ) منهم فقط يقرأون الصحف، في حين أن المعدل الدولي ( 130 ) هل لأن المواطن فقد المصداقية بصحف الوطن ؟؟ أم لأن آلية وأداء مؤسسات الإعلام العربي لا تصل إلى المستوى الإعلامي المطلوب 0 إن مجتمع المعرفة تبنيه المؤسسات الإعلامية، والثقافية فعدد الصحف في البلدان العربية يقل عن 53 لكل 1000 شخص مقارنة مع 258 صحيفة لكل 100 شخص في البلدان المتقدمة 0 ـ ص137 المرجع نفسه ـ فلا بد من القول بكل وضوح : إن الإعلام هو الوسيلة الوحيدة لدعم الثقافة ، وهو محور جوهري من محاور صناعة الحضارة وللخروج من النفق لا بد من برامج إعلامية مدروسة تستند إلى خطة مرسومة وواضحة الأهداف ورغم أن الإعلام قوة فعالة ، تعادل القوة العسكرية تقريبا لم يكشف إعلامنا العربي ذلك ، ولم يعمل بمبدأ " الدعاية نصف الحرب " ولم توحد الدول العربية منظومتها الإعلامية وترتفع عن تبادل التهم ، رغم وفرة الأموال فيها والتي تصرف بدون حساب ، وتهدر وتستباح من قوى الغرب الإمبريالي ونحن نعي كل ذلك ، لكن نلتزم الصمت بسبب فقدان عوامل المحبة والتعاون لأن العربي لا يحب أخاه 0 ولذلك سيبقى إعلامنا متخلفا ولا أدري ؛ هل سأبقى أردد لإعلام العربي إلى أين ؟؟ في 11/5/2006 المحامي فوزي نصر
#فوزي_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإعلام السلطة الرابعة
-
المثقف وادارة الوعي 2 2
-
الثقافة وإدارة الوعي 1 2
-
الثقافة وإدارة الوعي (1 2)
-
الثقافة والوعي
-
امتلاك الثقافة مؤشر لإمتلاك القوة
-
لقاء مع العدالة
-
الثقافة بين الحركة والجمود
-
هل الشفافية ضرورة للقضاء على الفساد
-
لماذا لا نرفع راية الإصلاح
-
في الوطن العربي الفساد هل يتقلص أم يزداد
-
الديموقراطية الأمل المفقود لدى الأنظمة العربية
-
القطب الواحد ( عالم اليوم ) إلى أين يسير
المزيد.....
-
بغداد تحاول النأي بنفسها عن الحرب
-
الشرطة التركية تفرج عن طلاب وعمال مصريين بعد أيام من اعتقاله
...
-
كيم كارداشيان تثير ضجة بارتدائها قطعة مجوهرات تاريخية تعود ل
...
-
عالم الأقطاب.. نهاية الهيمنة
-
ملايين الدولارات وممر آمن.. موقع عبري ينشر تفاصيل عرض قدمه ن
...
-
هآرتس: بايدن سيتخذ قرارات حازمة لإنهاء حرب غزة
-
ترامب وهاريس.. سباق -الأمتار الأخيرة- في الولايات المتأرجحة
...
-
انتخابات الكونغرس.. من يربحها؟
-
الولايات المتحدة.. الانتخابات الرئاسية في ساعات الحسم
-
ماذا يحدث إذا تعادل ترامب وهاريس في الانتخابات الرئاسية الأم
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|