أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - لا تسرقوا فرحة أحد














المزيد.....

لا تسرقوا فرحة أحد


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 6280 - 2019 / 7 / 4 - 17:33
المحور: الادب والفن
    


إذا لم تعرف مكان البذور التي بذرتها يوما ما.. سيخبرك المطر أين زرعتها .. لذا أبذر الخير فوق أي أرض وتحت أي سماء ومع أي شخص، فأنت لاتعلم أين تجده ومتى تجده. ازرع جميلاً ولو في غير موضعه، فلن يضيع جميل أينما زرع .. فما أجمل العطاء، فقد تجد جزاءه في الدنيا أو يكون لك ذخراً في الآخرة. لَا تسرق فرحة أحد وَلا تقهر قلب أحد، أعمارنا قصيرة، والبصمة الجميلة تبقى حتى وإن غاب صاحبها. أسعد الله صباحكم.
هكذا جائتنى رسالتها ذات صباح باكر عبر "الواتس"، وكم سعدت أن أستفتح يومى بها، وقررت أن تكون موضوع مقالى لكم. نعم رحلة الحياة على طولها فهى قصيرة، ولكنه محظوظ من جعلها رحلة جميلة، فتخفف فيها من كل الشرور والآثام، ومشى بين الناس بخير، فما أجمل العطاء، ومهما كان بسيطاً فربما كان وقعه لدى الآخرين أكبر مما تتصور وأعمق مما تحسب. وهنا أسوق لك واحدة من الحكايا تذكرتها بينما أعمل تفكيرى فى الرسالة السابقة، وصاحبتها الجميلة التى شبت عن الطوق بينما لا أزال احسبها هذه الطفلة الرقيقة وأنا آخذ بيديها الصغيرة، أحمل عنها شنطة الكتب حيث تدلف من السيارة إلى فناء المدرسة فى سعادة وفرح تسابقها ضفائرها وابتساماتها.
تقول الحكاية: فى أحدى المستشفيات كان هناك مريضان هرمان فى غرفة واحدة، كلاهما متعب مكدود، أحدهما كان مسموحاً له بالجلوس فى سريره لمدة ساعة يومياً بعد العصر، وكان سريره بجانب النافذة الوحيدة فى الغرفة، أما الأخر فكان عليه أن يبقى مستلقياً على ظهره ناظراً إلى السقف. مع طول العشرة، نشأت ألفة وتحدثا معاً عن كل شئ .
وفى كل يوم بعد العصر، كان الأول يجلس فى سريره ينظر إلى النافذة، ويصف لصاحبه العالم خارج الغرفة وحول المستشفى، بينما الآخر ينتظر هذه الساعة لأنها تسرى عنه، وتجعل حياته مفعمة بالحيوية وهو يستمع لوصف صاحبه، ففى الحديقة كانت هناك بحيرة كبيرة يسبح فيها البط، والأولاد صنعوا زوارق من ورق أخذوا يلعبون بها داخل الماء، وهناك رجل يؤجر المراكب الصغيرة للناس يبحرون بها فى البحيرة، وآخرون يمشون على الشاطئ، وهناك من جلسوا فى ظلال الأشجار أو بجانب الزهور ذات الألوان الجميلة، ومنظر السماء كان بديعاً يسر الناظرين. وفيما يقوم الأول بعملية الوصف هذه ينصت الآخر فى ذهول لهذا الوصف الدقيق الرائع، ثم يغمض عينيه ويبدأ فى تصور ذلك المنظر البديع للحياة خارج المستشفى. وفى أحد الأيام وصف له عرضاً عسكرياً. ورغم أنه لم يسمع عزف الموسيقى إلا أنه كان يراها ويحسها من خلال وصف صاحبه. مرت الأيام والأسابيع وكل منهما سعيد بصاحبه. وفى أحد الأيام جاءت الممرضة صباحاً كعادتها، فوجدت المريض الذى بجانب النافذة قد قضى نحبه خلال الليل. ولم يعلم الآخر بوفاته إلا من خلال حديث الممرضة عبر الهاتف وهى تطلب المساعدة لإخراجه من الغرفة، فحزن على صاحبه أشد الحزن.
ذات يوم وجد الفرصة مناسبة فطلب من الممرضة أن تنقل سريره إلى جانب النافذة. ولما لم يكن هناك مانع فقد أجابت طلبه. ولما حانت ساعة بعد العصر وتذكر الحديث الشيق الذى كان يتحفه به صاحبه انتحب لفقده، وحاول الجلوس ليعوض ما فاته فى هذه الساعة. تحامل على نفسه وهو يتألم ورفع رأسه رويداً مستعيناً بذراعيه، ثم اتكأ على أحد مرفقيه وأدار وجهه ببطء شديد تجاه النافذة، وهنا كانت المفجأة! إذ لم ير أمامه إلا جداراُ أصماً من جدران المستشفى، فقد كانت النافذة على ساحة داخلية. نادى الممرضة وسألها إن كانت هذه هى النافذة التى كان صاحبه ينظر من خلالها، فأجابت إنها هى، فالغرفة ليس فيها سوى نافذة واحدة. ثم سألته عن سبب تعجبه، فقص عليها ما كان يرى صاحبه عبر النافذة وما كان يصفه له. كان تعجب الممرضة أكبر، إذ قالت له: ولكن المتوفى كان أعمى، ولم يكن يرى حتى هذا الجدار الأصم، لعله أراد أن يجعل حياتك سعيدة حتى لاتصاب باليأس وتتمنى الموت فقد كان يعرف صعوبة مرضك ويشفق عليك.
يا الله! إلى هذا الحد كان رفيقاً بصاحبه، ومن قال إن فاقد الشئ لا يعطيه؟ كان فاقداً للبصر، لكنه لم يفقد البصيرة، وبها أعطى صاحبه وقتاً يستمتع به ويسرى عنه. كان يعرف أن صاحبه يحتاج لفرحة فأعطاها له بينما هو لايملكها، ونحن الذين نغبط الناس ونبخثهم أشيائهم.
ابذروا الخير فى كل مكان، وكونوا طيبين كما أوصتنى د. جهاد ابنتى فى رسالتها، ولا تسرقوا فرحة أحد، ولا تقهروا قلب أحد.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الليبرالية الجديدة نظام شمولى - فلسفة معقدة لقارئ عابر
- الواشنطون بوست: عن مصر والخليج وترامب
- تفجيرات سيريلانكا ولعبة الأمم
- د.عثمان الخشت: عندما تسقط القيم الجامعية
- توماس فريدمان وقراءة خاطئة للشرق الأوسط
- فانتازيا السرد فى لاحكاية فتاة أحبها ولامسها
- ترامب وموسيقى الفك المفترس
- معلوماتكم خاطئة: بريتون تارانت لم يقتل المصلين فى نيوزيلاندا
- حوار مصرى أوروبى فى حزب المحافظين
- فنزويلا: غطرسة أمريكية وسفور أوروبى
- من الكون الفسيح إلى عالم -الرُبع فلامانك-
- رئيس تضع سياساته بلاده فى وجه العاصفة
- -شذوذ تاريخى- يعرض العالم للفوضى والخطر
- أنا النموذج ولاشئ غيرى
- الأسئلة وحدها هى المبصرة
- عالم مابين الحمار والفيل
- عمل حاجات معجزة .. وحاجات كتير خابت
- لسنا قردة .. لكننا نحب العدل والحرية
- الإسكندرية وجدار الفصل العنصرى
- كل الصباحات .. باردة


المزيد.....




- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد السعدنى - لا تسرقوا فرحة أحد