أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - تأملات في الثورات والمصائر (10) الحلقة الأخيرة















المزيد.....

تأملات في الثورات والمصائر (10) الحلقة الأخيرة


منذر علي

الحوار المتمدن-العدد: 6272 - 2019 / 6 / 26 - 16:45
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


و) اليمن: 3 الانتفاضة الشعبية (ج)


لمعرفة خلفية الأوضاع القائمة في اليمن اليوم ، بعد بضع سنوات من الانتفاضة الشعبية المجيدة في فبراير 2011، ينبغي العودة إلى مرحلة حكم الرئيس إبراهيم الحمدي ( 1974-1977) ، وحكم الرئيس أحمد حسين الغشمي ( 1977-1978) ،و حكم الرئيس علي عبد الله صالح ( 1978-2012) في الشمال ، وكذالك إلى المراحل السابقة للحكم في الجنوب، بين 1969-1990 ، بغية تتبع الأحداث السياسية، وإدراك المسار الانحداري الذي آلت إليه الأوضاع في اليمن في الوقت الحاضر.

لقد أنطلق الرئيس الحمدي في حكم الشمال من رؤية عصرية ، ومن أفق وطني ، ونزعة استقلالية وإصلاحية واضحتين، مقارنة بمن حكموا قبله ، وخاصة عقب انقلاب 5 نوفمبر 1967 ، وحتى 1974. و لقد عمل الرئيس إبراهيم الحميدي ، أثناء توليه السلطة السياسية بين 1974- 1977 ، على وضع اللبنات الأولى للدولة العصرية؛ من خلال بناء أجهزة التخطيط المركزي، و التعداد العام للمساكن والسكان ، وكبح الفساد المالي والإداري، والبدء في وضع الخطط الإنمائية، و تدشين مشروع التشجير ، والنهوض بالتعليم ، وتشجيع ودعم المبادرات الأهلية للتعاون والتطوير، والنهوض بالاقتصاد الوطني.

كما عمل الرئيس إبراهيم الحمدي على أضعاف هيمنة الكيانات القبلية على مؤسسات الدولة ، عبْر إزاحة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر من مجلس الشعب وبعض أتباعه من محافظتي حجة وعمران ، وبيت آل لحوم من محافظة الحديدة، وبعض المواقع الأخرى في الجهاز العسكري.
ولم يقف الرئيس الحمدي في سياسته الإصلاحية عند هذا الحد ، بل سعى، بشكل تدريجي ، لتحرير المؤسستين العسكرية والأمنية، من سطوة القبيلة، ، التي كانت قد اخترقت جهاز الدولة عقب انقلاب 5 نوفمبر 1967 ، وبشكل أكبر بعد اتفاقية جدة بين الجمهورية العربية اليمنية والمملكة العربية السعودية سنة 1970م.
من جانب آخر عمل الرئيس إبراهيم الحمدي على تطبيع الأوضاع مع المعارضة المسلحة اليسارية في المناطق الوسطى ،وتحسين العلاقات مع النظام الوطني التقدمي في الجنوب ، ومع المحيط الإقليمي القريب ، ومع العالم العربي والأفريقي ، فضلًا عن المجتمع الدولي.

لقد كان من الطبيعي أن تعترض القوى القبلية في الداخل ، و مسانديها في الخارج ، وبشكل خاص المملكة العربية السعودية على سياسية الرئيس الحمدي الوطنية والإصلاحية المستقلة ؛ فتم التخلص منه بانقلاب دموي، بقيادة المقدم أحمد حسين الغشمي وغيره من العسكريين وشيوخ القبائل المواليين للسعودية في 11 أكتوبر 2017م. وبمجرد تولي أحمد الغشمي للسلطة في صنعاء ، خرج عن الخط الوطني والإصلاحي للرئيس الحمدي ، وعزز علاقاته بالسعودية وبالمؤسسة القبلية، فسمح بعودة القوى القبلية إلى أجهزة الدولة ، وتقوية علاقات التبعية بالمملكة العربية السعودية، على حساب العلاقات مع النظام الوطني في جنوب الوطن ، ولكن الرئيس الغشمي لم يدم في الحكم سوى ثمانية أشهر وبضعة أيام، إذْ لقد تم التخلص منه، هو الأخر، بشكل دموي في 24 يونيو 1978 م. وبعد مرحلة انتقالية قصيرة، تولى الرئاسة خلالها القاضي عبد الكريم العرشي ، رئيس المجلس التشريعي، أصبح المقدم علي عبد الله صالح رئيسًا للجمهورية في 17 يوليو 1978م.
***
و خلال وجود الرئيس علي عبد الله صالح في السلطة بين 1978- 2012، عَمِدَ إلى تقويض منجزات الرئيس إبراهيم الحمدي، و أضعاف مؤسسات الدولة، وتعزيز علاقاته بالسعودية، وتصفية الوجود العسكري و السياسي والتنظيمي لقوى اليسار ، والاصطدام بالنظام التقدمي في الجنوب. وقد استعان الرئيس علي عبد الله صالح بالمؤسسة القبلية ، وخاصة حاشد وسنحان ، كقاعدة اجتماعية لحكمه، و سمح للقبيلة أنْ تعود إلى بنيان الدولة ، وتمارس نفوذها بقوة مرة أخرى . كما عمل ، بالإضافة إلى الارتكاز على القبيلة، على تعزيز مكانة القوى الدينية المتطرفة في مواجهة تنامي القوى اليسارية ، وخاصة في المناطق الوسطى، ثم أعتمد ، لفترة قصيرة على القوى اليسارية ، وخاصة بين 1986-1994 ، قبيل الوحدة وبعدها ، ثم أصطدم بها وأزاحها ، و لكنه ما لبث، في وقتِ لاحق ، أنْ أصطدم بالقوى الدينية والقبيلة والعشائرية . و عوضًا عن الاعتماد على القوى السياسية الحديثة ذات التطلعات الوطنية ، والتوجه لبناء الدولة الوطنية ، Nation state ، كما حاول الشهيد إبراهيم الحمدي ، فقد أضفى الرئيس علي عبد الله صالح على السلطة صبغة عائلية، وأحاطها بإطار مزركش من المطيعين والضعفاء و الانتهازيين والمنتفعين والجهلة والقتلة والتافهين، الذين لا شأن لهم بالوطن وهموم الشعب اليمني.

و لقد غدت الدولة في زمن علي عبد الله كبيرة ومتضخمة، ولكنها هشة ومهلهلة وسهلة الانكسار والتفتت. إذْ تكونت داخل السلطة ، خلال فترة حكمه الممتد لأكثر من 33 عامًا ، مراكز قوى متعددة، لها روابط أخطبوطية، متصلة بالأنشطة الأمنية والتجارية، الداخلية والخارجية. ومع الزمن بدأ ينشأ تعارض في المصالح وتضارب في التوجهات بين تلك القوى ، التي نعتها الرئيس علي عبد الله صالح في وقت من الأوقات ب":رؤؤس الثعابين"، وتبجح حينها بأنه يستطيع الرقص على رؤوسها بمهارة.

و ما فتئ أنْ أنتقل الصراع، بين فئات الحكم المتعارضة ومحيطها القبلي والجهوي، من شكله المُستتر إلى شكله الظاهر؛ واستقوت جماعات سياسية في السلطة بقوى دينية داخلية متطرفة ، وبدول خارجية طامعة ومتنافرة ، طمعًا في الفتك بمعارضيها ، دون التفكير بالمصلحة الوطنية الجامعة. وتمكنت القوى الخارجية الطامعة أنْ تخترق السلطة السياسية في اليمن، عبر بعض عناصر السلطة ذاتها، وعبر القوى الداخلية المناهضة للسلطة، في آنٍ واحد، وتلعب بالوطن ، وتوجه الأحداث ، بما يتوافق مع مصالحها السياسية والإستراتيجية.


و لئن كان صعود عبد الله صالح إلى السلطة عقب مقتل الرئيسين، الحمدي والغشمي، قد شكل انتكاسة كبرى، فلم يكن تربعه على السلطة، على أية حال، بأسوأ من سقوطه ، الذي نتج عنه ، سيطرة القوى الطائفية ذات الميول الشيعية، المرتبطة بإيران ، و سيطرة القوى الطائفية والانفصالية ذات الميول السلفية المرتبطة بالإمارات والسعودية ، و من ثم انتعاش وتمدد القوى الدينية المتطرفة ، وهيمنتها على المسرح السياسي ، أثناء الانتفاضة وبعدها ، وخاصة بعد العدوان الخارجي ، وإدخال اليمن في أتون صراع سياسي وطائفي وقبلي داخلي ، متشابك مع التدخل الخارجي ، وخلق أفق مسدود لا أمل في الفكاك منه في المستقبل المنظور.


***
كما أنَّ الأوضاع التي مر بها النظام التقدمي في الجنوب أسهمت إلى حد كبير ، وإن بشكل غير مباشر، فيما هو قائم اليوم على صعيد الوطن. وهنا تقتضي الأمانة التاريخية أنْ نقول أنَّ الكارثة الوطنية التي نعيشها اليوم لم تكن فقط من صنع علي عبد الله صالح والقوى الدينية والقبلية وحدها. إذ لقد ساهم "اليسار القبلي" في الجنوب ، وإنْ بقسط أقل، في هذه الانتكاسة، بسبب أفعاله الخرقاء ، ونزعاته الطفولية، وصراعاته العمياء المُدمرة. فاليسار حينما تبنى الفكر الاشتراكي في الجنوب ، وتسنم مقاليد الحكم هناك في 1967 ، وخاصة عقب 22 يونيو 1969 ، نجح بمقتضاه، في توحيد الأقاليم الجنوبية والشرقية من الوطن، و تمكن من إحداث تحولات اجتماعية عميقة في البنية الاجتماعية، وتكوين دولة فتية ، وتعد إنجازات تاريخية بكل المقاييس، لكنه توهم أنه أمسك بتلابيب التاريخ ، وأنه سيبقى في السلطة إلى الأبد، وسيرتقي بالمجتمع إلى أعلى مراحل التطور الإنساني، و سيحرر الشمال و الجزيرة العربية والقرن الأفريقي ، وعزز تلك الأوهام بالأناشيد الحماسية، ثم ما لبث أن آكل نفسه.

لقد أنشغل النظام في الجنوب بالبعد السياسي والأيديولوجي ، وإنّ بشكل سطحي، على حساب البعد المعرفي ( الإبستمولوجي ). ذلك أنَّ النظام الفتي لم يهتم بالتأصيل الفكري ، كما لم يلتفت إلى الواقع الموضوعي، ولم يسع ، بشكل جدي ، من أجل تطوير البنية الاقتصادية، كشرط جوهري للتطور الاجتماعي بأبعاده المختلفة . ومن جانب آخر لم يُولِ أهمية حقيقة لمعالجة التباينات السياسية في إطار نخبة الحكم، و الانقسامات القبلية الموروثة في المجتمع ، وترسيخ الهوية الوطنية اليمنية، والاعتناء بقضايا التعليم والثقافة ، كما كان ينبغي.
وعلى صعيد العلاقات السياسية الداخلية مع القوى الاجتماعية الأخرى، فشل النظام في خلق تحالف وطني عريض ، وتعزيز القيم الديمقراطية في المجتمع والاعتراف والقبول بالتنوع الاجتماعي والسياسي، وبكل ما من شأنه أنْ يخدم النظام الفتي مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية . أما على صعيد العلاقات الخارجية فلم يفلح النظام في إقامة علاقات متوازنة مع المحيط الإقليمي، وغرق في سياسية المحاور قبل أن يتمكن من الوقوف على قدميه كمشروع تقدمي فريد في المنطقة.

ولئن كانت علاقات النظام في الجنوب بالمُعسكر الاشتراكي ذات طابع ايجابي، وخاصة على صعيد بناء المؤسستين العسكرية والأمنية والمنح الدراسية ، إلاَّ أنها اتخذت شكل التبعية الأيدلوجية والسياسية المطلقة بين النظام الوطني وبين المركز الاشتراكي الأول في العالم. وبالتالي لم يجرِ تأصيل للفكر الاشتراكي في واقع التجربة الوطنية ، كما كان عليه الحال، مثلًا ، في كوبا وفيتنام والصين الشعبية ، وهي البلدان التي تصدت للحصار والعدوان الامبريالي ، وصمدت عقب سقوط المعسكر الاشتراكي في أواخر الثمانينيات و مطلع التسعينيات من القرن المنصرم.

ولذلك برزت إلى سطح الحياة السياسة ، وخاصة في قمة الهرم السياسي، جملة من التناقضات والتعقيدات التي هددت النظام من الداخل والخارج. إذْ وجد النظام نفسه ، بعد بضع سنوات على الاستقلال ، يسير في طرق معتمة ، وأحيانًا مظلمة. إذْ لقد انبعث التعصب القبلي ، على حساب المعايير القانونية والعقلانية ، وطفت المخلفات التاريخية على السطح ، واصطدمت بالوعي الجديد ، وبرزت التناقضات السياسية ، والمعضلات الاجتماعية والاقتصادية، وسعى البعض للاتكاء على القيم القديمة في مواجهة القيم الجديدة ، والتصدي للمشكلات المتنامية بخلق مشكلات جديدة ، وانتقلت التناقضات من الحزب إلى الجيش والمليشيات الشعبية والمنظمات الجماهيرية ، فتراكمت الصراعات واشتدت وحُقنت بمشاعر قبلية ومناطقية متخلفة ، و لكن أضفي عليها صبغة أيديولوجية زائفة ، وغُرر بالأبرياء في الصراع ، و جُذب الأثرياء والقوى الطفيلية للدخول في لعبة العبث والضياع ، وتشابكت كل تلك الصراعات مع المؤامرات الخارجية، فتكومت التناقضات وتورمت ، وانفجرت بشكل مأساوي في 13 يناير 1986، ، وتم تصفية القيادات التاريخية للحزب والدولة ، فضلًا عن تصفية أبرز الكوادر المدنية والعسكرية. ولم تؤدِ تلك الأحداث إلى أضعاف مكانة الحزب الاشتراكي في المجتمع فحسب ، بل كانت إيذانا بالانتكاسات اللاحقة، التي عصفت بالتجربة الثورية في جنوب الوطن، وفتحت المجال واسعًا لسقوط الوطن اليمني في هاوية الخراب والموت.

وبعد سقوط المعسكر الاشتراكي في أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، دخل الحزب الاشتراكي في الوحدة، وهو منقسم ومهشم. وحينما تبنى التعددية السياسية ، أعتقد ، بسذاجة ، أنَّ مجرد الإعلان عن تبني الديمقراطية يمكن له أن يغدو ، في غمضة عين، ديمقراطيًا أصيلًا ، بل وتوهم أنَّ اللعبة الليبرالية الناشئة في اليمن، الغارق في التخلف حتى أذنيه ، قد غدتْ مُكتملة ، وأنَّ الديمقراطية فيه ، يمكن أنْ تُمارس كما تمارس في الغرب الليبرالي.

وخلال فترة الوحدة ، وخاصة بين 1990-1994، لم يتمكن اليسار من لملمة شتاته، وحشد طاقاته، وقراءة الواقع السياسي بشكل موضوعي ، متجاوزًا الانفعالات البدائية والثارات العدمية بين أطرافه المختلفة ، فأرتبك أمام خصم ماكر ، واشتبك في صراعات المصالح ، المتصلة بتقاسم المناصب والمكاسب ، ودخل في سياسية المناكفة والاعتكاف، فتورم الجسد السياسي الجديد ، للنخبة السياسية الموحدة ، الملفلفة من هنا وهناك، المعطوبة بالتناقضات ، فكانت أحداث 1994، وتلاها مرحلة التفتت والتوجهات العدمية . ومنذ ذلك الوقت، باستثناء قلة مكافحة من أعضاء مابرحت صامدة ، مستأنسة بالأمل ، يمكننا القول دون تجنٍ ، أنَّ الحزب الاشتراكي تقهقر، كقوة فاعلة أولى في الواقع الوطني ، وأفسح المجال للدراويش والمليشيات القبلية ، العاملة بالأجر اليومي لحساب دول الخليج ، و للقوى الدينية المتطرفة التي ارتقت المنابر ، وتحالفت مع شيوخ النفط والأكابر ، وسارت بالشعب نحو المقابر.
***
إنَّ نشاط القوى الرجعية في الداخل ، بكل ما أسفر عنه من خراب سياسي، لم يكن بمعزل عن توجهات وتوجيهات القوى الرجعية في الخارج ، وفي تناغم كامل مع المشروع الامبريالي والصهيوني، الساعي إلى الهيمنة على المنطقة العربية . إذْ عمدت القوى السياسية الرجعية المحلية والقوى الخارجية المُوجِهة و المساندة لها إلى تقويض المشروع التحرري ، الذي أرست أسسه ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، والخطاب السياسي للحركة الوطنية التقدمية، وهدفَ إلى قيام دولة يمنية ديمقراطية مركزية موحدة، عادلة ومستقلة ، تفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتدير الأقاليم، فيما يخص الشؤون غير السيادية ، من خلال المجالس المحلية المنتخبة.
وعمدت القوى السياسية ، بدلًا من ذلك، بفعل الإرث المتخلف للسلطنات والإمامة الزيدية ، و أخطاء النخب التي هيمنت على الحكم خلال وجود النظامين السابقين في شطري الوطن ، وخلال النظام الموحد، وتحت التأثير السياسي الكبير لدول الخليج الرجعية، وخاصة السعودية ، إلى خلق دولة مهلهلة ، ذات كيانات متعددة ، سَهُل اختراقها من قبل القوى الإقليمية ذات النزعة التوسعية، حيث نرى اليوم التجسيد القبيح لملامح لتلك الدولة المُفككة والشائنة.

ولقد أمكن للدول الإقليمية ، المتربصة باليمن ، أن تُغذي الصراعات المحلية ، كما أمكنها ، عبر الاختراقات السياسية أنْ تعزز النزعات المذهبية المتنافرة لدي الأطراف المتصارعة في الداخل ، وعبر الفجوات الجغرافية المتعدد، البرية والبحرية و الجوية، أمكنها أن تسلحها ، ومن ثم البحث لنفسها عن موطئي قدم في اليمن ، تحت ذرائع متعددة وماكرة. في البدء كان تدخلها تحت مبررات مساعدة الأشقاء ، ومن ثم حل الأزمة السياسية بين "الأشقاء" ، وفي وقت لاحق تحت ذريعة الدفاع عن الأشقاء "أو الشرعية". و هكذا باشرت، احتلالها التدريجي للمناطق الجنوبية والشرقية من اليمن، وسحق "الأشقاء" من خلال الأشراف علي تمويل وتنفيذ مشروع الخراب والموت، الذي يعصف بوطننا اليمني اليوم.

وخلاصة القول فأنَّ الانتفاضة الشعبية، ذات الأهداف النبيلة في جوهرها ، قد أسفرت عن إبعاد علي عبد الله صالح من رئاسة الدولة ، بسبب الرفض الجماهيري الواسع والمتنامي لسلطته العائلية ، و للأوضاع الفاسدة، التي نجمت عن حكمه الطويل، الذي أمتد لأكثر من 33 عامًا؛ إلاَّ أنَ الثورة فشلت في تحقيق أهدافها المأمولة، بسبب جملة من الأسباب، منها: تعقيدات الظروف الموضوعية ، ومحدودية الوعي السياسي للجماهير الشعبية، واختراق المليشيات المسلحة الدينية المتطرفة للانتفاضة الشعبية ، التي دشنها طلاب الجامعات ، و تخلف النخب الفكرية ، وانتهازية القيادات السياسية للأحزاب ، وتخاذلها وجبنها، وتدخل الدول الإقليمية الطامعة في الأرض اليمنية.


وكانت المفارقة المُحزنة هي أنَّ ما نتج عن التثوير الخالي من التنوير ، هو نوع من التزوير السياسي، الذي جعل السلطة ، في المحصلة الأخيرة، تؤول في البدء إلى قيادات هشة من ذات الجسد السياسي المتعفن ، ثم سرعان ما هوت إلى الحضيض ، ووقعت بيد جماعات متعددة : طائفييه وسلفية وانفصالية وتابعة للدول الإقليمية، وهذه الجماعات وإنْ كانت المحصلة المنطقية للنظام علي عبد الله صالح وحلفائه ، إلاَّ أنها أسوأ من حكمه في توجهاتها السياسية المتعارضة وارتباطاتها الخارجية.


لقد أصبح الوطن منكوبًا، أرضه ممزقة، بفعل تعدد مراكز القوى ، المتدثرة بالمذهبية، والنزعات القبلية والجهوية ، وانتشار المليشيات المسلحة والمتنافرة ، المسنودة من قبل القوى الإقليمية، وخاصة من إيران والسعودية والإمارات وقطر وتركيا ، وإنْ بنسب متفاوتة . ونتج جراء ذلك أنَّ اليمن لم يعد قائمًا ، ككيان وطني جغرافي موحد ، والسيادة مفقودة ، والشعب يموت بأعداد متزيدة ، و يتأرجح بين الوجود والعدم.


والسؤال، الذي يحوم في الأفق اليوم، هو كيف يمكننا أن نتعلم من التجارب السابقة ، و نوقف الحروب ،الداخلية والخارجية ، ونخرج من مأزق الموت ، ونحرر وطننا وشعبنا من قبضة القوى المتخلفة ، ونستعيد كياننا الوطني الموحد، ونواصل العمل بحماس وطني برؤى عقلانية جديدة ، ذات أفق إنساني ، من أجل تجسيد الحلم بالعدالة والحرية والمواطنة المتساوية والتقدم في واقع حياة شعبنا.



#منذر_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الثورات والمصائر (9)
- تأملات في الثورات والمصائر (8)
- تأملات في الثورات والمصائر (7)
- تأملات في الثورات والمصائر (6)
- تأملات في الثورات والمصائر (5)
- تأملات في الثورات والمصائر 4
- تأملات في الثورات والمصائر (3)
- تأملات في الثورات والمصائر (2)
- تأملات في الثورات والمصائر (1)
- خطأ الرئيس اليمني وخطيئة المثقفين!
- هل التسوية بين القوى المتحاربة في اليمن ممكنة ؟
- اليمن ضحية الولاية الكهنوتية والنزعات الجهوية والأطماع الرجع ...
- العرب بين الغزو الامبريالي والجنون الديني (3)
- العرب بين الغزو الامبريالي والجنون الديني [2]
- العرب بين الغزو الامبريالي والجنون الديني (1)
- اللعبة الكبرى في سوريا !
- ما بعد العدوان الغاشم على سوريا!
- العالم العربي قُبَيْلَ العدوان المرتقب !
- كفى صراعًا : علي ومعاوية تصالحا، يا جماعة!
- أبشركم: اليمنيون سينتصرون!


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - منذر علي - تأملات في الثورات والمصائر (10) الحلقة الأخيرة