أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الجواهري - لقطة من الحرب - الموت بنيران صديقة غير الموت















المزيد.....

لقطة من الحرب - الموت بنيران صديقة غير الموت


حمزة الجواهري

الحوار المتمدن-العدد: 440 - 2003 / 3 / 30 - 14:37
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    




28 آذار 2003 
كانت سيدة بصراوية خمسينية قد نجحت بالهرب من جحيم النظام وقسوة الحرب إلى بر الآمان، وهي تجر رجليها كخامصات الدوابي، متعبة ولا تدري إلى أين تذهب بالتحديد بعد أن اجتازت الجسر. لم يفاجئها مراسل أبو ظبي الفضائية وهو يسألها عن الوضع في داخل البصرة، تحاشته أولا بعد أن كانت قد لمحته متوجها نحوها، ولكن لم يكن لها بدا من الإجابة على أسئلته. لم تكن السيدة تعرف من يكون السائل ولا تعرف بالضبط أين هي، هل مازالت تحت سماء آخر الفراعنة أم هي فعلا قد بلغت بر الآمان وقد خرجت من تحت تلك السماء الملبدة دماء وكرها وحقدا على كل ما دب على الأرض؟
ما الذي يجري هناك في الجانب الآخر من الجسر؟ سألها المراسل ثانية
 كانت الإجابة لا تحمل أي شيء يمكن أن يفهم، لكن عينيها الخبيرة بمعرفة الوجوه المحبة أو تلك المملوءة كرها وحقدا كانت تحاول قراءة كل شيء، تيقنت السيدة من أن السائل ليس منهم. آن ذاك، كان السائل قد وجه سؤاله الثاني.
هل هناك قتلى كثيرون؟
توكلت على الله وأطلقتها قنبلة تفجرت بوجهه، لا يا بني، إنهم محررين ولابد للتحرير من ثمن.
إنها استعملت مفردة تحرير بالتحديد لأنها ربما كانت ترغب أن ترضي السيد الجديد إذ إن هذه المفردة ستنزل على قلبه بردا وسلاما، ربما أيضا تكون قد شعرت بالحرية فعلا بعد أن تيقنت إنها تحت سماء أخرى غير تلك التي كانت ترزح تحتها.
وأنا أكتب سمعت أحد المحللين في التلفاز من خلفي يقول ""إن من الصعب جدا المراهنة على أي دعم من العراقي في الداخل بالانتفاض أو التمرد على النظام"" فعلا فالنظام الذي خبرناه عبر ثلاثة عقود ونصف، لا يمكن لأحد أن يتمرد عليه خصوصا في هذه الأيام، هذا من جانب ومن جانب آخر فإنه  قد فقد الثقة بالأمريكان والإنجليز بعد تجربة الانتفاضة القاسية في العام 1991 . لذا فإن من يراهن على ذلك لا يعرف قسوة النظام وحقيقته الهمجية والبهيمية ولا رذائله، وكذا لا يعرف مدى الخيبة التي أحس بها العراقي يوم أثبت للعالم إنه كبير وإن هذه الفرصة هي التي يجب أن يستغلها، وقد خذلوه بعد أن فعل ما فعل.
إن تلك السيدة التي تغيرت سحنتها وانفرجت أساريرها بعد أن عرفت السائل، لم تكن تجيب بهذه الإجابة لو إنها مازالت تحت سماء النظام، بل وسوف لن تر لها دما يجري بالعروق. إن الخشية من الهمجية المطلقة ستشل كل ما فيها من حركة. إنها الأصدق بمشاعرها من الذين يدعون الوطنية من أولئك الذين يزايدون بسذاجة تكاد تفضح ما وراء القصد.
نعم، كيف لنا أن نتصور إن هناك من يستطيع الحديث حتى ولو بشق كلمة ضد النظام؟ إن تلك السيدة كانت غاية بالصدق حين حددت ما يجب أن تقول وما هي الأولويات بتلقائية ووعي وحس شعبي عميق. صدام ونظامه أولا ومن ثم السيد الجديد، ربما أيضا وبالحس الشعبي، من أن الحلفاء يحققون لنا الآن ما لم نستطع أن نفعله على مدى عقود، ويقولون أنهم سيتركون العراق بعد التحرير. كل هذا جيد، ولكن ماذا لو طاب لهم المقام؟ سنكون إذا قد خرجنا من سجن صدام إلى سجن جديد. لم يكلف السيدة التلقائية التفكير أكثر من لحظة واحدة لتدرك إنه من السهل علينا إخراجهم لأنهم ليسوا صدام، ذلك الذي بلا دين.
بالتأكيد إنها لم تقرأ كمفوشيوس الفيلسوف الهندي العظيم حين قال "" لا يهمني ما هو دينك، المهم هو أن لك دين"" ولكنها لو كانت قد سمعتها بتلك اللحظة لأدركت إنها بالضبط ما تريد أن تقول. إنها تعني، من إني سأستطيع التعامل معك لو عرفت ما هو دينك أو بالأحرى ما هي مبادئك. ولابد إنها عرفت بالحس الإنساني أيضا إن من له مبدأ يمكن التعامل معه على كل المستويات، بيعا وشراء ورفقة وصراعا وحتى حربا، ألم يقولوا بوجوب معرفة العدو قبل الحرب؟ لو إن الأمريكان قد غيروا رأيهم فإننا إذا نستطيع أن نتعامل معم صراعا أو حتى حربا ولا بد سيكتب لنا النصر، لأنهم ليسوا صدام، ذلك الكافر. تساؤلات كثيرة، بل عاصفة من الأسئلة قد ضجت برأسها في أخر محاولة لها لفهم ذلك المخلوق،  أي دين لهذا التكوين البهيمي الشرس "صدام"؟ إي مبدأ له؟ ما الذي لم يستبيحه من قيمنا لحد الآن؟ من الذي استطاع أن يحد له مبدأ لكي يتعامل معه؟ ألم يغدر بكل رفاقه وحتى أهل بيته؟ رغم إنها لم تصل إلى تعريف دقيق له إلا إن السيدة الخمسينية استطاعت أن تحدد الأولويات، أيهما أولا، وقف الحرب ومن ثم النظام؟ أم صدام أولا؟
سؤال كبير استعصت الإجابة عليه من قبل السياسيين والأدباء والأحزاب ومنظريها والمحللين السياسيين الكبار والحكومات وخصوصا العربية منها، استعصى الجواب على الجميع. الأعلام العربي وجميع العرب الذين وقفوا صامتين على مدى أكثر من أربعة عقود إزاء جرائم النظام المريعة ضد أبناء الشعب، يتفرجون علينا ونحن نذبح ونسجن ونعذب وتنتهك حرمتنا بلا اكتراث، وها هم يقفون اليوم وباسم الدفاع عن الشعب العراقي يرفعون عقيرتهم ضد الحرب التي نموت نحن بها ونحرق ونصد القنابل اتقاء أن تصيب دبابة عراقية أو بعثيا ذلك الذي كان بالأمس واليوم أيضا يحمل سكينا لذبحنا. ترى هل هم على حق؟ وهل عرفوا الحق يوما من الأيام؟ أليسوا هم من يذبحون شعوبهم أو يقفون صامتين وهم يتفرجون على الأطفال الفلسطينيين وهم يذبحون كل يوم؟ وها هم اليوم يتظاهرون ويحملون صور صدام الذي يفتدونه بالدم، وهل هو بحاجة إلى دم بعد كل الذي سفكه؟ شعوبهم هي الأخرى وغم إنها تذبح ولكنها تقف اليوم مع ذلك المخلوق البهيمي صدام ويفتدونه أيضا بالدم، أية مفارقة هذه؟ هل هم حقا سذج إلى هذا الحد؟!
تذكرت أحدهم حين كان يهتف من أنه يقف ضد كل من يقتل عراقيا وهو يدافع ضمنا عن ذلك المخلوق البهيمي وهمجيته التي يعتبرها أمرا لا يجب أن نتحدث عنه الآن. حقا إنها سذاجة سياسية مطلقة، ويبقى يردد بهتاف حماسي ""أنا ضد كل من يقتل عراقي"". عجبا‍! وكأننا نريد لأهلنا في العراق أن يموتواّ! أو إن الموت أنواع، وهذا من ذلك النوع الذي تسميه قوات التحالف ""الموت بنيران صديقة"" ذلك الموت الذي تتذوق طعمه كل يوم على يد النظام! المسألة الأكثر غرابة هو إن بعض هؤلاء من السياسيين المخضرمين والمثقفين، لم يستطيعوا أن يدركوا ما أدركته تلك السيدة من أن صدام ونظامه أولا ومن ثم لكل حادث حديث. إن السيدة الخمسينية كانت قد حسمت الأمر وأدركت
إن النظام هو المسؤول أولا عن الحرب،
وإن أمر إزالة النظام من قبل العراقيين أمر مستحيل،
وأدركت إن السيد الجديد ربما سيطيب له المقام فاستعملت مفردة التحرير لتستميله إليها وهي السيدة التي لا حول لها ولا قوة فلاذت بمبدأ التقية،
إن السيدة أدركت إننا نموت كل يوم على يد النظام ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهو موت هنا موت هناك، لم لا وفي الأمر بارقة أمل.
ربما هناك من يقول إني قد حملت الموضوع ما لم يحتمل، أبدا، كلنا له بهذه السيدة نصيب، فهي الأم والأخت والأرض.
أنا أكلم العراقيين فقط لأن الآخرين, وإن هم ليسوا بعيدون عن الحقيقة لكنهم ليسوا ملومين لأنهم لم يكتووا فعلا بنار النظام، نحن فقط وهذه السيدة من اكتوى ومازال يحترق، فهذه أولى كلمت الحرية بالنسبة لها، والتي ربما ستغيرها لو إنها عاشت أكثر من الدقائق التي أمضتها تعانق الحرية.  

 



#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة ما بين السطور للقمم المتلاحقة حول الوضع العراقي
- الحقائق والاستنتاجات في المحنة العراقية الكبرى
- الدوافع الحقيقية وراء الموقف الفرنسي و الروسي - حوار مفتوح م ...
- الفتنة الكبرى – حوار هادئ مع الركابي المغرد خارج السرب
- للجانب المظيء من القمر جانب آخر مظلم - ثورة تموز 58 - الأخطا ...


المزيد.....




- كوليبا يتعرض للانتقاد لعدم وجود الخطة -ب-
- وزير الخارجية الإسرائيلي: مستعدون لتأجيل اجتياح رفح في حال ت ...
- ترتيب الدول العربية التي حصلت على أعلى عدد من تأشيرات الهجرة ...
- العاصمة البريطانية لندن تشهد مظاهرات داعمة لقطاع غزة
- وسائل إعلام عبرية: قصف كثيف على منطقة ميرون شمال إسرائيل وعش ...
- تواصل احتجاج الطلاب بالجامعات الأمريكية
- أسطول الحرية يلغي الإبحار نحو غزة مؤقتا
- الحوثيون يسقطون مسيرة أمريكية فوق صعدة
- بين ذعر بعض الركاب وتجاهل آخرين...راكب يتنقل في مترو أنفاق ن ...
- حزب الله: وجهنا ضربة صاروخية بعشرات صواريخ الكاتيوشا لمستوطن ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الجواهري - لقطة من الحرب - الموت بنيران صديقة غير الموت