شكر حاجم الصالحي
الحوار المتمدن-العدد: 6220 - 2019 / 5 / 4 - 13:18
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بوابات بابل
شكر حاجم الصالحي
لا اظن أحداً من مجايليه وأقرانه سبقه في تقديم هذا الجهد المعرفي المهم الذي أمتد على ثلثمائة وستة وأربعين صفحة مزينة بالرسوم والتخطيطات التوضيحية, وقد شيد مادته على ثلاثة وثمانين مرجعاً ومصدراً تعارف الملأ الثقافي على رصانتها ودقة مضامينها, ولا شك أن الدكتور المهندس نصير علي الحسيني (دكتوراه عمارة – نظرية العمارة وترميم الآثار) قد بذل جهداً كبيراً وفق منهج بحث أكاديمي في عرض موضوعته في مؤلفه (بوابات بابل) مما جعلنا كعرب وعراقيين وبابليين نعتز بهذا الأرث الحضاري المجيد الذي أرسى أسسه امتداد العصور السحيقة حتى يومنا الراهن, وبذا فإن (بوابات بابل) فتحت لنا آفاقاً واسعة في معرفة ما انجزه ابن هذه الأرض وجسد بأفكاره وراءه معطيات التأسيس الأولى في هذه الأرض المباركة وما قدمه الحسيني في هذا الجهد ليس منقطعاً عن سلسلة اصداراته في هذا التخصص إذ سبقه : مقالات في العمارة/ العولمة/ 2017,.. صور ناطقة/ 2018, .. التطور في الفكر المعماري وأسس التصميم/ 2019.. ومن هنا يتضح للقارئ المتابع مدى حرص الحسيني ومدى اهتمام المؤلف وجديته في البحث والتنقيب والكشف عن مخبوءات الأبداع العراقي وتجلياته وصفحاته المشرقة ولا بد لنا ونحن نقدم هذه القراءة الآن طباعية عن (بوابات بابل) أن ننوه قبل كل شيء إلى أن الدكتور المهندس نصير الحسيني قد آل على نفسه أن يسخّر كل امكاناته ومعارفه في إضاءة ما يستدعيه الظرف في إماطة اللثام وازاحة غبار الزمن عن اللقى والآثار والشواهد التي تؤرخ لإنسان هذه البقعة من بلاد ما بين النهرين, ويؤكد أن نشوء الحضارة الانسانية هنا من هذه الأرض برغم ما تعرضت له من غزوات وحروب واحتلالات واطماع إلا انها ما زالت تمنح الإنسانية نسخ التطور والتقدم والاشعاع.
يضم كتاب (بوابات بابل) المحتويات بعنواناتها :
المقدمة, اللعنة, بوابات بابل, البوابات, الآلهة, العلاقة مع المعبد, العلاقة مع القصر, العلاقة مع الناس, بوابة اوراش, بوابة زبابا, بوابة مردوخ, بوابة عشتار, بوابة آنليل, ثم المصادر والمراجع... ولكل عنوان مساحته عن الإضاءة والكشف بحسب أهميته, إلا أن مبحثه عن الابواب امتد على ما يقرب من مائتين وثلاثين صفحة (108-329), وهو بهذا أوفى العنوان الرئيسي حقه من الاهتمام والفحص والتفصيل مستعرضاً من خلال ذلك كل ما يمت للأبواب من وشائج تضيء وتقدم عرضاً مسهباً يدلل على جدية البحث والباحث ويدعونا للإشادة بما حققه من ثروة معلوماتية عن بابل وأبوابها كنا وما زلنا بمسيس الحاجة إلى المزيد من اكتشاف ما يعنينا على توظيف ذلك في خدمة حاضرنا ومستقبلنا وسأحاول عبر هذه القراءة تقديم إشارة تعين القارئ على ملاحقة (بوابات بابل) وقراءة مضامينها بصورة تفصيلية لمعرفة المزيد الذي لا توفره هذه القراءة الانطباعية لجهد ضخم فيه من الثراء والغنى ما يقصر عنه الكلام...
في مقدمته يشير الدكتور نصير علي الحسيني إلى بداية الاهتمام بهذا الموضوع إذ يقول : استهوتني فكرة بوابات بابل وبدأت البحث لسنوات احاول أن أعثر على البوابات واسباب تشييدها ورموزها وغير ذلك من الاسباب مما جعلني اجمع ما تيسر من معلومات عن هذه البوابات في هذا المنجز البسيط رغبة مني في تعريف غيري بالمنجز الحضاري لوادي الرافدين للأجيال القادمة أو لمن لا يعرف أن هذه الحضارة هي أم الحضارات... ص7
ولمن يجهل تاريخ بابل وعظمتها أذكرّه بوصف النبي أرميا لها :
بابل كأس ذهبية بيد الرب أسكرت كل الأرض
وفي تناول الحسيني لموضوعات البوابات سأختار واحدة منها لمعرفة منهجية المؤلف في بحثه التفصيلي وستكون بوابة عشتار إنموذجاً لذلك وقبل هذا لا بد من الاشارة إلى أهمية الأبواب كما يرى الحسيني بقوله :
وتلعب الأبواب دوراً مهماً في صد الشر القادم من خلف الأبواب وتؤمن الاستقرار في النفس البشرية, وتعتبر التعاويذ والمعلقات المختلفة على الابواب وما رسم أو وضع من اشكال شتى وسيلة لطرد الشياطين والاشرار واخافة المارين, أو العيون التي تحمل الحسد وكثيراً ما نرى قطعاً كثيرة تحمل نصوصاً قرآنية أو أدعية أو أم السبع عيون توضع على الأبواب أو الدور قيد الانشاء لأبعاد العدو...
وفي التفصيل عن بوابة عشتار والذي امتد على اثنين وأربعين صفحة (205-247) يفيدنا المؤلف بما يضيء معرفتنا بالقول :
تقع على الجهة الشمالية (السور الشمالي) لمدينة بابل, واحتلت الآلهة عشتار اهمية خاصة من خلال الأساطير المتعددة في التراث البابلي, والآلهة عشتار هي آلهة الزهرة, وعشيقة كبار الآلهة (انو- آنليل- آشور) وهي الملاك الحارس لقواتها, وهي البوابة الوحيدة التي عثر عليها صامدة, فقد نقلت اجزاء كبيرة منها إلى برلين في متحف البرغامون في الماني, وفي مدينة بابل عمل نموذج لغرض احياء المدينة, ويضيف الحسيني : ويرجع الآثاريون أن الشارع المرتبط بها هو شارع الموكب وينقسم إلى قسمين, الشمالي أطلق عليه اسم (لن يعبر العدو), والجزء الجنوبي منه أطلق عليه اسم الموكب ويسمى ايضاً (ايبورشابو) ويعني بابل, وهو مخصص للإله مردوخ والإله نابو...
ومن الجدير بالذكر أن بوابة عشتار اكتشف من قبل المهندس المعماري الالماني والآثاري روبرت كولديفاي من شباط حتى كانون الأول 1902م, وقد عثرَ قبلها على كتلة صخر جبرية عليها نقش بوابة عشتار, وتعتبر هذه البوابة من أروع الآثار العراقية التي عثر عليها في بابل... ولك أن تقيس أيها القارئ الكريم حجم الاعتناء ومهارة البناء رغم مرور الفترة الزمنية الطويلة وإذا ما احتسبنا المدة من 539 ق.م حيث سقوط بابل إلى 1902م تاريخ الاكتشاف يعني انها بقيت صامدة بحدود 2430 سنة, فيا لعظمة هذا البناء وقدرته على البقاء رغم كل الذي جرى لهذه المدينة.
ويشير المهندس الحسيني إلى لوح سومري يحمل قصيدة جميلة, يعتقد انها من قصائد الحب الأولى, وهي عبارة عن مناجاة بين الكاهنة التي تمثل دور عشتار والملك البابلي, باعتبار أن عشتار آلهة الحب والخصب والانجاب ووفرة النسل... ولرقة هذه الأغنية رأيت أن أضعها بين ايديكم لتتعرفوا على حجم وصدق المشاعر في ذلك الزمن :
أيها العروس حبيب أنت إلى قلبي
وسيم أنت, جميل, أن كالعسل
أيها الأسد, حبيب أنت إلى قلبي
وسيم أنت, جميل, حلو كالعسل
لقد ملكتني, فدعني أقف أمامك واجفة,
أيها العروس, هلا حملتني معك إلى المخدع
لقد ملكتني فدعني أقف أمامك واجفة
أيها الأسد, هلا حملتني إلى المخدع
أيها العروس, دعني أضمك إلي,
أن حضني أشهى من العسل.
وفي نهاية هذه القراءة أبارك للدكتور المهندس نصير علي الحسيني اصداره الرصين هذا الذي أضاف لنا الكثير من المعلومات التي نفتقدها عن إرثنا الحضاري, منوهين بود إلى ما شاب هذا المؤلف القيم من هفوات طباعية لا تفوت القارئ اللبيب كما يقال. وادعوا المهتمين والقراء إلى تفحص محتويات (بوابات بابل) لما فيه وفيها من إضافة نوعية تدعونا جميعاً للاحتفاء بها... وبمنتجها القدير...
26/3/2019
#شكر_حاجم_الصالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
