أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - مسرحيات فريدريش ديرنمات بين الكوميديا السوداء وإختلاف الشخصية















المزيد.....



مسرحيات فريدريش ديرنمات بين الكوميديا السوداء وإختلاف الشخصية


صباح هرمز الشاني

الحوار المتمدن-العدد: 6220 - 2019 / 5 / 4 - 03:58
المحور: الادب والفن
    


مسرحيات فريدريش ديرنمات بين الكوميديا السوداء
وإختلاف الشخصية
صباح هرمز

1- رومولوس العظيم:

الزمن: من صباح 15 مارس الى 16 مارس سنة 476 ميلادية .
المكان: المقر الريفي للأمبراطور رومولوس .
تتكون من ست عشرة شخصية وأربعة فصول، وتدور أحداث الفصل الأول في المقر الصيفي للأمبراطور رومولوس بمنطقة كمبينا، تحديدا في مكتبه، حيث يصل ضابط الفرسان (أسبوريوس تيتوس ماما) على ظهرجواده المنهك، وأحداث الفصل الثاني في حديقة فيللا الأمبراطور، والفصل الثالث في غرفة نومه، والرابع في مقره .
يشتغل ديرنمات في بناء الهيكل الفني لمسرحيته هذه على تقنية، أختلاف الشخصيات بعضها مع البعض الآخر، بحيث يجعل هذا الأختلاف، الشخصية مادة الحبكة، موظفا معظم شخصيات المسرحية بهذا الأتجاه، وموزعا إياها على قسمين لا يلتقيان ويسيران في خط متواز، متمثلا القسم الأول بشخصية (رومولوس) بأعتبارها شخصية محورية، تقابله وتختلف معه ثلاث شخصيات هي (أسبوريوس، أميليان، وزوجته جوليا). وهذا الأختلاف جعل الشخصيات الأربع مادة الحبكة، وذلك من خلال إرتياب الشخصيات الثلاث الآنفة الذكر، بقيادة الأمبراطور روما نحو الهلاك. ورفضا للوضع الكارثي الذي تمر به الأمبراطورية، تطلق كل واحدة منها جملة، توحي الى إدانة الأمبراطور، وإنهيار أمبراطوريته. وأول من يطلق هذه الجملة الدالة على هذين المعنيين زوجته وهي تقول له:(إ ذن من العار أن أكون زوجتك). يليها أميليان في نهاية الفصل الأول، بجملة: ( أيها الأمبراطور أنت عار على روما). وأميليان في نهاية الفصل الثاني: (يسقط الأمبراطور).
وتختلف زوجته معه، في رغبتها زواج أبنتها ببائع البنطلونات، إنقاذا لوطنها من إحتلال الجرمان، وإيثاره هو الزواج بخطيبها السابق والعائد من الحرب (أميليان). أما أسبوريوس فيختلف معه، لمنع اللقاء به تحت ذريعة كونه مرهقا وجريحا، وأميليان لنفس ذريعة زوجة الأمبراطور، بينما يختلف الأمبراطور مع زوجته لرغبتها زواج أبنتها ببائع البنطلون، ومع أسبوريوس لتضحيته بنفسه من أجل جثة، مع أن روما من وجهة نظر الأمبراطور ماتت منذ وقت طويل. ومع أميليان لأتهامه بخيانة الأمبراطورية.
وحبكتها تنبني على التناقض القائم بين فهم الشخصيات للوضع السائد في الأمبراطورية، وهذا الفهم هو السمة التي تخضع فيها حركة الشخصية للتنظيم العام للحبكة المسرحية، بين شخصيات حاشية الأمبراطور وحراسه، وبين قواته التي تحارب على جبهات القتال، أي بين الشخصيات التي تعيش في الداخل وبين القوات التي تعيش في الخارج. وتنتمي شخصية بيراموس وأكليس وتوليوس وروليوس وروبف الى الحبكة القائمة الى التناقض الأول، وشخصية أسبوريوس وأميليان وجوليان الى الثاني، مولدة هذه الحبكة عنصر المفارقة الذي يبعث على الضحك والبكاء في آن. أو بما تسمى ( الكوميديا السوداء).
ويتضح هذا في أكثر من مكان في المسرحية. كما في الحوار الدائر بين أسبوريوس والحاجبان في بداية المسرحية، وأسبوريوس ينقل الى الحاجبين أخبارا سيئة، اللذين لا يصدقان به، بذريعة أن نظاما هائلا مثل الأمبراطورية لا يمكن أن ينهار كله بهذه البساطة. وكذلك عندما يمنعانه من اللقاء بالأمبراطور، ويطلق جملته ( يا لتعاسة روما. . .) ردا على موقفهما هذا، ويفهمانه، على أنه (كلما تقدمنا نحو نهاية القرن أنهارت الأخلاق). أو كما يأتي على لسان بيراموس (أن الذي يسيء فهم قيمتنا يحفر قبر روما).
وإذا كان الحاجبان في بداية الفصل الأول لم يقتنعا بأنهيار روما، إلآ أنهما في نهاية الفصل الثالث يقتنعان بأنهيارها، ذلك أن المتحدث معهما، لعشرين سنة خلت، يتلقيان منه الأوامر، وهو الأمبراطور الذي يوعز إليهما، أن يتركا الجرمان بالدخول الى مدينة روما، عندما يأتوا.
ويتكرر هذا التناقض القائم بين عدم فهم الشخصيات بعضها للبعض الآخر حتى بالنسبة للشخصيات السلبية، كعدم فهم (توليوس) وهو وزير الدولة، تأجيل الأمبراطور اللقاء بأسبوريوس لحين نيل الأخير قسطا من الراحة، على أنه هروب متعمد من عدم سماع الأخبار، لأنه على يقين بسقوط أمبراطوريته عاجلا أم آجلا. أو كأعتقاد أحد حاجبيه أن المؤرخين سيبكون في المستقبل على خسارة وثائق الأرشيف، داحضا الأمبراطور هذه الخسارة، بأختراع وثائق أفضل مما كان موجودا في الأرشيف.
يقول ديرنمات: (إذا لم يشعر المتلقي بدهشة أميليان الهائلة لرؤية الأمبراطورية وقد تهدمت، وأصبحت مجرد حظيرة للدجاج، فأن موقفه سيصبح خطابيا لا أكثر ولا أقل.)1 .
ولم يشر ديرنمات الى أصابة المتلقي بنفس الدهشة الى أسبوريوس، مع أنه مثل أميليان مضى أياما في الطريق وعاد من الحرب متعبا، ولم يعد يعرف فيللا الأمبراطور، وأكتفى بالقول عنه: ( وفي الفصل الأول يجب أن يكون واضحا لماذا يلعن ضابط الفرسان الأمبراطور رومولوس ويصفه بأنه عار. .)2. مع أنه يلعب دورا أكبر من دور أميليان في المسرحية من خلال شروع المسرحية وأنتهائها به، وتكراره لجملة (أنا ميت من التعب ) أكثر من عشر مرات.
(بداية المسرحية):
أسبوريوس: ليس عندي وقت . كدت أظن أن هذا المكان منقطع عن العالم . . أنني ميت من التعب.
(نهاية المسرحية):
أسبوريوس:إذن فقد نام آخر ضابط في عهد الأمبراطورية بينما كانت بلاده تنهار...
وحتى إذا كان مسوغ ديرنمات، قد جاء تحت غطاء، (كون أميليان عكس الأمبراطور، ولذلك يجب أن ننظر الى نهايته بعين الأمبراطور )3، فأن أسبوريوس هو كذلك عكس الأمبراطور، فقد ظل من بداية المسرحية الى نهايتها يطالب اللقاء بالأمبراطور، ولكن دون جدوى، لا بل أسكتوا صوته، وجعلوه أن يغط في نوم عميق، بينما روما تسقط بيد الألمان. كما أن الأمبراطور مثلما يعرف مدى إخلاص أميليان لأمبراطوريته، كذلك فهو لديه نفس الأنطباع عن أسبوريوس، بدليل أن أسبوريوس، وعندما يعرف بدخول الألمان أراضي روما، يسعى الى قتل الأمبراطور، إلآ أن ملك أوكودور يتقدم نحوه بوقار شديد قائلا له : ضع سيفك الى جوارك. لم يعد هناك أمبراطور.
ويتضح إخلاص أسبوريوس للأمبراطور، إبتداء من الفصل الأول، وهو يدعوه للنوم، لأن هذا العصر قد جعل بطولته مجرد وهم. لينهض أسبوريوس مضطربا ويلقي الرسالة التي بعثها معه أورستيس للأمبراطور على الأرض ويدوسها بقدميه، وهو يطلق عبارته المعروفة (أيها الأمبراطور أنت عار على روما).
وإذا كان أسبوريوس قد وصف الأمبراطور بالعار على روما، فأن زوجته جوليا تصفه بالعار أن يكون زوجها، ذلك أنه يرفض كل الحلول، ولا هم له سوى أكل الدجاج، إبتداء من إستقبال أسبوريوس، ومرورا برفض التعبئة العامة والزحف لمواجهة العدو، وإنتهاء بعدم إعطاء إبنته للرجل الذي يستيطع إنقاذ الأمبراطوية.
والأمبراطور يرفض كل هذه الحلول، لأنه لا يريد أن يتدخل في حتمية التأريخ. أي أن الأمبراطورية، بفعل الأزمات التي شهدتها عبر حقبات طويلة من الزمن، هي بنفسها أصدرت حكم الأعدام على نفسها، ولكنه في الوقت ذاته يسرع بـتنفيذ هذا الحكم، وأتخذ هذا القرار من بداية أستلامه للحكم، قبل عشرين عاما، لقناعته بأن روما قد ضعفت وشاخت، وأراقت دماء الأبرياء، لذا فما عليها إلآ أن تدفع ثمن أخطائها بدماء شعبها.
وبقدر إختلاف الشخصيات بعضها مع البعض الآخر، وجعل الشخصية مادة الحبكة، بنفس القدر، تتشابه الشخصيات بعضها مع البعض الآخر، لتؤدي نفس النتيجة، وبتقاطعهما، تقاطع إختلاف الشخصيات وتشابهها، تحدو الحبكة المسرحية شكلا لها. إذ مثلما تختلف شخصية الأمبراطور عن شخصيتي أميليان وأسبوريوس، تتشابه شخصيتي الأمبراطور وأودوكور حاكم الجرمان.
ووجه التشابه بين الحاكمين، يصب في قراءتهما لمستقبل بلديهما، فأذا كان الأمبراطور قد قرر منذ أستلامه حكم روما، قبل عشرين سنة، قيادة الأمبراطورية نحو السقوط، فلأنه توصل الى قناعة بأنها جثة متعفنة، لا بد من دفنها، وحاكم الجرمان هو الآخر توصل الى هذه القناعة، ولكن بطريقة أخرى، أكثر جنونية عن طريقة الأمبراطور، وهي أنه جاء غازيا لروما ليستسلم هو وشعبه للأمبراطور، تحت ذريعة أن أبن أخيه سيقتله، وإذا لم يستسلم للأمبراطور سيقع العالم كله فريسة بيده، وستنهض روما أخرى وأمبراطورية جرمانية دامية مثل هذه الأمبراطورية.
ولأن حبكة المسرحية جيدة الصنع وتتمثل بالدرجة الأساس في شخصية الأمبراطور، كونه محور الأحداث، فأنه يتحاور مع كل شخصيات المسرحية بدون إستثناء، وبقياس زمني يكاد أن يكون موزعا بالتساوي بينها. بينما نادرا ما يجري الحوار بين الشخصيات المحيطة به، ما عدا في بداية الفصل الثاني، وحتى إذا ما جرى، فهو غالبا ما يكون قصيرا وغير مؤثر في الأحداث. ولعل هاتين الميزتين، منحت شخصيته القوة التي تؤهله لأن يمزج الجد بالهزل وبالعكس، ولا يفهم هذا المنحى سوى المقربين جدا منه، وفي صدارتهم زوجته، والمخلصين للأمبراطورية، أمثال أميليان وأسبوريوس وحتى زينو أمبراطور الأمبراطورية الشرقية.
يقول سام سمايلي بخصوص شخصية البطل ( في الحق تركز معظم المسرحيات على شخصية واحدة تمثل البؤرة في الدراما، وهي إحدى التحديات المهمة في القرن العشرين. فالروح الجماعية لدى الأنسان في المجتمع المعاصر تقلل من أهمية الفرد، وجعل شخصية واحدة أكثر هيمنة وبروزا من الشخصيات الأخرى وأكثر أهمية من المجتمع نفسه يثير مشكلة)4. شأن بطل مسرحيتنا هذه الذي يجد المؤلف صعوبة أداء دوره، لأيهام المتلقي أن الأمبراطور شخصية كوميدية، بينما هي شخصية جادة جدا، وبين هذين النقيضين، تظهر مشكلة تجاوب الجمهور مع الأمبراطور الذي يسعى المؤلف الى عدم إظهاره الى الفصل الثالث، ذلك أن تجاوبه معه من الفصل الأول، سيجعل منها مسرحية تهريجية.
ولا يظهر الأمبراطور جادا إلآ في نهاية الفصل الثاني، لا لأنه الشخص الوحيد الذي يعرف أميليان فحسب، بل وإنما أيضا لأنه يؤاثر زواج أبنته بأميليان الفقير العائد من الأسر، على زواجها بروبف إنقاذا لروما.
وفي خضم الهرج الدائر لضجيج الدجاج وصياح الديكة، يظهر الأمبراطور لأول مرة على حقيقته، ويخرج عن طوره السابق التهريجي، ليكشف عن مشاعره الأنسانية النبيلة تجاه أبنته وخطيبها الأسير، ويضاعف الحوار الدائر بين أميليان وريا، دفق المشاعر السائدة في نهاية هذا الفصل.
وتتجلى هذه المشاعر النبيلة، في إتخاذ الأمبراطور وأميليان موقفا غير متوقع منهما، تجاه زواج ريا بروبف، إنقاذا لللأمبراطورية، ويناهض هذا الموقف الهدف الذي يسعيان تحقيقه. فالأمبراطور الذي يبيع آثار أمبراطوريته، ويصبو بفارغ الصبر، دخول الجرمان مدينة روما، لا يتوانى أن يرضى زواج أبنته ببائع البنطلونات، مقابل بضعة ملايين، ولكن لأن الأمبراطور يعرف أن الأمبراطورية لا تجديها هذه الطريقة نفعا، ولا تساعدها على البقاء، لأنها ميتة أساسا، وأنه يعرف ما يعمله عندما يلقي بها في النار، لهذا كله، يقف حاجزا دون زواجها. بعكس أميليان الذي يحض خطيبته ريا على الزواج بروبف، إنقاذا لروما من السقوط، مع أنه في الوقت نفسه، يحثها للدفاع عن روما بالسكين، رغم حبه الكبير لها، وإنتظارها له لثلاث سنوات وهو أسير في أحد سجون العدو.
أميليان: وتحبينني؟
ريا:أحبك.
أميليان:من كل قلبك؟
ريا:من كل قلبي.
أميليان:وتفعلين كل شيء أطلبه منك؟
ريا:أي شيء.
أميليان:وتحملين سكينا؟
ريا:أذا أردت.
أميليان:وهل حبك كبير يا أبنة الأمبراطور؟
ريا:أكبر من أي شيء.
أميليان: إذن تزوجي هذا الرجل صاحب الكرش الكبير وأنجبي له أطفالا.
زينو: وأخيرا وجدنا رومانيا عاقلا.
وإذا كان الأمبراطور في الفصل الثاني، قد ظهر على بعض من حقيقته، متمثلا بمشاعره الأنسانية، فهو في الفصل الثالث، وإن كان يحاكم العالم كله، فلم يفصح عن حقيقة مشاعره هذه كلها فحسب، وإنما عبرأيضا عن مدى وعيه وإدراكه للأوضاع التي مرت وتمر ببلده. وهذا التغيير في شخصيته، تبدأ في الفصل الثاني من جملة (أن الأمبراطور لا يوافق على هذا الزواج). أما في الفصل الثالث يبدأ هذا التغيير من جملة (أبعد هذه المنضدة وهاتين الكأسين).
لا يختلف منحى وزير المالية بسوء إدارته لثروة البلاد وهروبه منها الى صقلية ليعمل كاتبا في محل لتصدير النبيذ، بهدف أن يغطي الأفلاس المالي إنقاذا لوطنه عن منحى الأمبراطور في عدم دفاعه عن وطنه قناعة منه لأنهياره، وإنقاذا له فقد تجنب مقاومة العدو وبالتالي سمح له الدخول الى روما بكل سهولة، حيال أن يتلقى معاشا سنويا قدره ستة الف قطعة ذهبية.
والفرق الوحيد بينهما هو أن منحى الوزير جاء في بداية المسرحية ومنحى الأمبراطور في نهايتها، وجاءت أسبقية الوزير تمهيدا لقيام الأمبراطور بنفس الشيء والأعلان عن عظمة الأمبراطور المعروفة بالخيانة .
ولأن رومولوس يسمي الأشياء بأسمائها، فقد سمى كل دجاجة بأسم أحد الأباطرة الذين تولوا الحكم في روما، لذلك فهو عندما يتناول طعام الأفطار وهو البيض، يسأل حاجبيه عن أسم الأمبراطور الذي باض البيضة التي هو بصدد تناولها، كبيض أوغسطس وبيض تيبريوس وجوليان وفيلافيوس ودومسيان، ومن عادته أنه لا يأكل البيوض التي تبيضها الأباطرة الأشرار كدومسيان مثلا، ولكنه يأكل البيوض التي باضتها الأباطرة الأقل شرا كماركوس أوروليوس، لأنها كما يقول: دجاجة ممتازة إذا قورنت ببقية الأباطرة وإن بدوا جميعهم تافهين .
وهذا الأستخفاف بأباطرة روما بقدر أقترانه بتنبوءه الى إنهيار هذه الأمبراطورية منذ نشأتها، بنفس القدر مثله مثل تنبؤ أسبوريوس وهروب وزير المالية وضجيج الدجاج يقترن بنهاية المسرحية، ولعل ما يعزز هذه القراءة إعلانه بروعة أمبراطور الجرمان (أوكودور) لأنه باض بيضتين، في إشارة الى هروبه من مصيره من جهة ومن جهة أخرى رغبته في نهاية جرمانيا بسبب خوفه من مستقبلها. وإن دل إعلان رومولوس موقفه بأكودورعلى شيء فأنما يدل على إتفاقه في الرأي معه تجاه بلدانهما، بينما القائد الأعلى لقواته الذي من المفروض أن يقهر أوكودور لم يبض، وهذا ما كان يتوقعه منه لأنه كان مخلصا لخدمة وطنه، ولم ينظر بواقعية الى الأحداث التي مرت به عبر الحقب التأريخية المتتالية عليه، بعكسه وعكس أوكودور تماما اللذين أستطاعا بنظرتهما الثاقبة للتأريخ أن يقرآه بعقلانية.
ويصب عدم إباضة الدجاج التي تحمل أسمه وأسم أورستس في نفس الأتجاه من حيث ضرورة الأتيان بمثل هذه النماذج الى نهايتها، متمثلة هذه النهاية بذبح الدجاج الرامز الى إنهيار الأمبراطورية الرومانية. رومولوس: إذا لم تبض الدجاجة فيجب أن تؤكل، قل للطاهي أن يعد الدجاجة التي على أسمي للعشاء ومعها أورستس.
وتزداد عبثية الأمبراطور وتتضح منحى قيادته للأمبراطورية نحو الهلاك كلما تقدمت أحداث المسرحية بخطوة الى أمام، فقد عمد الى عدم اللقاء بأسبوريوس الذي ركب جواده يومين وليلتين ليحمل لجلالته أنباء من الشمال، تحت ذريعة تعبه الشديد وحاجته الى الراحة، وكون أكثر الأنباء سوء تبدو مقبولة عندما تخرج من فم إنسان قد أستراح وأستجم وحلق لحيته وتناول طعامه وحدا هذا التعمد بضابطه ألآ يستفيق من نومه إلآ بعد دخول الجرمان بلاده، إلآ أنه بأقدامه على بيع تماثيل الأمبراطورية يبلغ أوج عبثيته، ويصور ديرنمات هذه العملية بشكل ساخر ورومولوس يعاتب تاجر التماثيل، إيثاره مزاد دولة أخرى على الأمبراطورية الرومانية، ولترويج بضاعته يضرب له مثلا بتمثال شيشرون المعروف بتحفته الثمينة الذي باعه له الى جانب خمسمائة قطعة أخرى أرسلت الى الأكاديميات التي أنشئت في كل مكان من غابات جرمانيا القديمة.
ما من جملة تاتي على لسان رومولوس تخلو من الأشارة الى إنهيار روما وعبثية الحياة والأشادة بأمجاد الجرمان وبطولاتهم، فهو لايقول عبثا أن هؤلاء الجرمان في غاية النشاط، وإنما إدراكا منه أن دخولهم بلاده ليست إلآ مسألة وقت، والغريب أنه من بداية المسرحية الى نهايتها قد تهيأ لأستقبالهم، لا بل فهو سعيد بدخولهم هذا، ذلك أنه قررسلفا ومن أول يوم توليه الحكم قبل عشرين عاما بأن هذه الأمبراطورية ستموت لأنها قد تعفنت ولا جدوى منها، أو كما يقول أنيس منصور: (وقراره نهائي لأنه آخر أمبراطور، لأنه مصر على أن يكون الأمبراطور الأخير، وقرر شيئا هاما جدا وهو أن هذا المريض يجب أن يموت)5.
يخطأ من يظن أن هذه المسرحية كوميدية، ذلك أن التعويل على الضحك للجمل والعبارلت التي يطلقها رومولوس بشكل سطحي، قد يقودنا الى هذا الفهم، فالضحك الذي يثيره روموس والكوميديا التي يشيعها ما هما كذلك إلآ ظاهرا، ويثيرها ويشيعها بوعي وبهدف السخرية من الأحداث الجارية حوله والشخصيات التي تتملقه وتسعى البحث عن شيء لا وجود له، لذلك فأن الجمل والعبارات التي تأتي على لسانه تتسم بقدر كبير من العمق، ولعل الجملة التي يطلقها بوجه زوجته لئلا تثور أدل نموذج على ذلك وهو يقول لها أن أناسا مثلنا فقط هم وحدهم القادرون على فهم الكوميديا، ما يعني أنهم لا يضحكون الناس عبثا أو بدون وعي، وإنما لمغزى وهدف، أو كما يقول ديرنمات (هذه كوميديا صعبة وصعوبتها في أنها تبدو سهلة)6.
كما هو معروف عن ديرنمات أنه غالبا ما يكسب مخرجي مسرحياته ملاحظات قد تساعدهم أكثر فهما لها، ويقترح في هذه المسرحية على الممثل الذي يقوم بأداء دور رومولوس بألآ يتجاوب بسرعة مع الجمهور، أي ألآ يظهر له المعنى الحقيقي من الضحك الذي يحدثه عنده، وهذا المطلب وإن يبدو مستحيلا برأي ديرنمات غير أنه يمكن معالجته بأتباع النهج البريشتي، ويدعوه الى إظهار هذا المعنى في الفصل الثالث، إذ في منتصف هذا الفصل تحدث إنعطافة في شخصية روموس بأتجاه وضوح ما ينطق به، تحديدا من جملة: أبعدا هذه المنضدة وهاتين الكأسين فهذه لحظة تأريخية.
وتستمر هذه النبرة التهكمية لرومولوس بالتصاعد كلما زاد خناق قواده وزوجته وأبنته عليه، سيما (مارس) وزير الحربية وهو يدعوه الى اللقاء بضابط فرسانه أسبوريوس لأنه ليس من اللائق أن ينام جندي وهو يعلم أن الأمبراطور بحاجة إليه، ورده على هذه الدعوة أن أحساس رجالي بالواجب بدأ يضايقني، ونهره من قبل زوجته التي تصر على إستقباله فورا الذي يتنصل من القيام بهذه المهمة تحت ذريعة أن أودوكر قد وضع بيضة ثالثة، أي أنه دخل المدينة، وعندما تضغط عليه أكثر من أجل إيجاد حل فوري لأنقاذ بلاده لا يجد حلا أفضل من أن يعين أغبى ضباطه وزيرا للحربية لخلو الأمبراطورية من رجل عاقل واحد يتسلم هذا المنصب.
كما ويتظاهربعدم معرفته إشتراكه مع (زينو) وهو أمبراطور الأمبراطورية الشرقية في حرب السبع سنوات الماضية ضد جرمانيا، وأخذ زينو منه منطقة دلماسيا وأستولى عليها مع أنها في التقسيم الأخير كانت تابعة له، ويدعوه زينو الى تكاتف الأمبراطوريتين معا للوقوف بوجه تجاوز الجرمان على أراضيهما برفع شعار يواجه شعارها مقترحا أن يكون من أجل العبودية والسماء. ومع أن هذا الشعار يبعث الى السخرية من صاحبه ويوميء الى إستهتاره في قيم وآداب السياسة والحروب، لا يتفق رومولوس عليه في سعي منه لتسفيه دعوة زينو حول تكاتف الأمبراطوريتين بشعار أكثر أستهتارا من شعاره ألا وهو نحو زراعة أفضل ودجاج أكبر.
يبدو أن وزير دولته (توليوس) قد أكتسب بعض صفات أمبراطوره لزيارته بهدف عقد صفقة بينه وبين بائع البنطلونات (روبف)، لأنه لم يأته ليتحدث معه بصدد لقاء أسبوريوس وإنما للقاء هذا التاجر، والمفارقة أنه يقبل لقاء الأخير ويأبى بضابط الفرسان الذي يحمل رسالة تحتوي على معلومات مهمة وخطيرة بأنهيار قوات روما أمام زحف الجرمان، ولا يكترث رومولوس في كون هذه البنطلونات تغطي سيقان الجنود أوتكشف عنها، أو هكذا يتظاهر، بقدر ما يهمه أن لديه ثروة جنونية، عليه فلأول مرة كما يقول جاءنا رجل له معنى، وبناء على هذا التفرد فمن حق هذا الرجل الذي له معنى أن يبتاع الأمبراطورية الرومانية، سيما أن الأمبرطور أودوكر قد وافقه على الجلاء عن إيطاليا كلها مقابل عشرة ملايين. أي أن أودوكر قبل أن يحتل أيطاليا عرضها للبيع، وسيدفع بائع البنطلونات لرومولوس نفس المبلغ ولكن شريطة أن يتزوج أبنته (ريا)، ومع أن زوجته (جوليا) والأمبراطور زينو يلحان عليه بالموافقة على هذا الشرط لأن بعكس ذلك سيؤدي الى نهاية العالم، إلآ أنه لا يوافق بدعوى أنه لا يريد أن يتدخل في حتمية التأريخ.
ويترك الفصل الثاني نفس الأنطباع الذي تركه الفصل الأول من حيث الفوضى السائدة في البلاط وعبثية رجالات الدولة الكبار، وبالمقابل مصداقية الضباط الصغار والجنود، ولبلوغ هذه المقاربة هدفها، يعمد ديرنمات الى إستخدام أسلوب التكرار في ثلاث جمل وهي: (أنني متعب) التي تأتي على لسان أسبوريوس،و( الجرمان يزحفون ) و( حتى المرأة بأستطاعتها أن تقاتل بسكين)، موظفا الأولى بحدود سبع مرات والثانية أربع مرات بنصيب مرتين في الفصل الأول ومرتين في الثاني، وخمس مرات في الثالثة .
وجاء إستخدام الجمل الثلاث التي تتسم بالمصداقية وعلى لسان الضباط الصغار والجنود لمواجهة الجمل التي تتسم بالعبثية وعلى لسان رجالات الدولة الكبار، إذ كلما جاء الطرف الثاني بحركة أو تفوه بحديث غير منطقي، يواجه من لدن الطرف الأول بأحدى جمل من الجمل الثلاث الآنفة الذكر، كما في الحالة المرسومة لوزير الحربية في بداية هذا الفصل وهو ينام جالسا، والعدو يكاد أن يطرق أبواب بلاده، بينما أسبوريوس مغطى بالتراب وهو يردد جملة أنني متعب جدا أكاد أموت من التعب، وترديده لنفس الجملة لمواجهة وزير الدولة أثناء تنبيهه لوزير الحربية من التكلم بصوت مرتفع لئلا يوقظ مارشال الأمبراطورية أو كقول أميليان لريا أربع مرات على التوالي أذهبي وأحضري سكينا حتى المرأة تستطيع أن تقاتل بسكين، يقولها ليقينه بقدوم الجرمان، وتأتي جملة الجرمان قادمون أو يزحفون لا فرق في المرة الثانية على لسان الجندي رداعلى وزير الحربية وهويقول لأميليان القادم من الأسر بأنهم قد تعذبوا مثله في القصر.
إذا كان الفصل الأول قد بدأ في صباح الخامس عشر من مارس، والفصل الثاني دون أن يحدد المؤلف عدد الأيام التي مرت على الفصل الأول مكتفيا بالأشارة الى يوم من أيام مارس، أي في نفس الشهر، فأن الفصل الثالث يبدأ ليلة نفس اليوم من الفصل الثاني بدخول رومولوس غرفة النوم وهو بملابس النوم، وهذا يعني أنه ما زال مصرا على أداء دور المهرج، بدليل أنه يفضل إرتداء هذه الملابس على إرتداء التاج، مع أن التاج كان على رأسه وهو يستحم، ويرفض أن يوقع على البيان المفروض توقيعه والموجه الى الشعب الليلة، مؤجلا إياه الى يوم غد، وتدخل زوجته في هذه الأثناء لتبلغه بهروب كبير الياوران الذي حذرته منه الى بلاد الجرمان، وتطلب منه أن يهربا هما كذلك الى صقلية، لأنها مصممة على مواصلة مقاومة العدو بأي ثمن، لكنه يرفض طلبها بدعوى أن المقاومة هي أكبر سخافة في العالم، وأن الأمبراطور لن يهرب حتى أن كلفه ذلك رأسه لأنه أصبح أمبراطورا بذكائه السياسي، فتستهزأ زوجته من جملته الأخيرة وتشن عليه هجوما عنيفا تعري من خلاله كل مثالبه المشينة أبان فترة حكمه التي دامت عشرين سنة، حيث في هذه الحقبة الطويلة لم يفعل أكثر من أن يأكل ويشرب وينام ويقرأ ويربي الدواجن، وتستطرد: ولم تغادر قصرك ولم تدخل أية عاصمة وأستهلكنا كل أحتياطي الدولة. . . وهذا الذي تسميه ذكاء سياسيا ليس إلآ أكذوبة ضخمة .. . وبذكائك السياسي كانت تصرفاتك كلها غبية حمقاء. فيرد عليها وبكل برود: بالضبط فذكائي السياسي هو الذي جعلني غبيا ودفعني الى عدم فعل شيْء، وتعتقد زوجته أما أنه مجنون أو العالم، وفي تصوره ليس هو مجنونا إنما العالم .
إن الحوار الدائر بينهما في بداية الفصل الثالث تمهيد لعودة الأمبراطور الى شخصيته الحقيقية في منتصف هذا الفصل .
جوليا:إذن أنت تزوجتني فقط لكي تحطم الأمبراطورية .
رومولوس:لا يوجد سبب أخر
جوليا:ومن البداية لم تصمم على شيء أخر سوى إنهيار الأمبراطورية.
رومولوس:صح.
جوليا:تظاهرت بالسذاجة والبلاهة طول الوقت.
رومولوس:في إستطاعتك أن تصفيني هكذا أذا شئت.
جوليا:وخدعتني .
رومولوس:أنت التي أنخدعت . .
جوليا:وأنت لم تخطيء في الحساب.
رومولوس:لم أخطيء فروما تنهار.
جوليا:أنت خائن لروما.
رومولوس:لا. . إنما أنا قاضيها.
والطريف أن رومولوس يأبى أن يناقش حاجبه أكيليس في الموقف العسكري ومدن أيطاليا تتساقط الواحدة تلو الأخرى، ويرتأي أن يناقشه مع الحلاق، ذلك أنه الوحيد الذي يفهم في المشاكل الحربية، ويوعز إليه ألآ يفسد عليه النبيذ الذي يحتسيه في إثارة مثل هذه الأمور، ويستغرب والأصح يتظاهر بالأستغراب عندما تبلغه أبنته ريا بأن روما في خطر، في تصور منه أن كل الناس يريدون أن يتحدثوا في السياسة، مع أن أنسب وقت بأعتقاده للكلام في السياسة هو أثناء الغداء وليس في الليل، وتحاول أن تقنعه أن يوافق على زواجها من تاجر الأقمشة التي لا تحبه إنقاذا لبلادها من الغزو، إلآ أنه يرفض لأنها تحب أميليان، ويدعوها أن تعود إليه مهما كلفها ذلك، لتتعلم أن تنظر الى الأشياء بلا خوف مثله، إذ ظل يتمرن على هذا الفن طوال عمره.
ومن الجملة التي يعود فيها رومولوس على حقيقته يسعى توليوس ومارس وأميليان أسترجاع الولاية وجيوشها والأمبراطورية، إلآ أن رومولوس يرفض أن يناقش هذا الموضوع مع الأثنين الأولين ما عدا أميليان لأنه تألم وتعذب كثيرا ويمثل بالنسبة له أقوى دليل ضد هؤلاء الذين يرفضون الدفاع عن أنفسهم، مثله، أما توليوس ومارس فلا شأن له بهما لأنهما كما يقول كالفراش يرقصان على ضوئه كالظلال ستتلاشى عندما ينطفيء، متهما إياه أميليان بخيانة الأمبراطورية، الأمر الذي يدفع به لأن يلقي ديالوجا طويلا يقارب على الصفحتين، يقدم فيهما مسوغاته التي لا يقتنع فيها أميليان ليرفع خنجره عليا وهو يهتف : تحيا روما، وهكذا بالنسبة للكل أيضا يسحب خنجره ويتقدمون ناحية رومولوس الذي ما يزال في هدوء والخناجر تعلو رأسه وقريبة منه.
ويبدأ الفصل الرابع صباح اليوم التالي للفصل الثالث بنهار جميل ومنعش، بعكس ما يحدث فيه حيث ينتهي العالم، سواء بسقوط الأمبراطورية أو بغرق الزورق الذي يقل أفراد حاشية الأمبراطور وهم في رحلتهم الى صقلية هربا من زحف الجرمان، بما فيهم الوزير والمارشال والطاهي، وإذا كان أكيليس لا يثق بالطبيعة، فأن رومولوس يثق بوحشة المكان، وبالنتيجة فثقة الثاني وعدم ثقة الأول تؤدي الى توقع الأثنين حدوث شيء غير طبيعي.
قد تقترن عدم ثقة أكيليس بروما، إلآ أن ثقة رومولوس عبر مفردة (رحلوا) تكسب معنيين، أولهما بسفر أبنته وزوجته وأميليان، والثاني بموتهم جميعا، و كلا الأحتمالين واردين، فالأول لخلو سؤاله من علامة التعجب، والثاني لأشارته وبألحاح الى أسماء أفراد أسرته الواحد تلو الآخر لمعرفة مكان تواجدها، ومع هذا لا يبكي، ولكنه يوميء الى موته .
ويطلب أن يستقبل الجرمان عندما يعلن أكيليس دخولهم، ويظن أن سيفه الذي يريد بيراموس أن يتقلده قد بيع في المزاد، ولكن أكيليس يبلغه أن سيفه لا يمكن لأحد أن يشتريه لأعلائه الصدأ. وبعد أن يسمح للأثنين بالأنصراف وهما في غاية الخوف، يفاجيء بدخول حاكم الجرمان (أودوكر) وكلاهما لا يعرف أحدهما الآخر، ولكن لتقارب أرائهما وعدم أختلافهما مع بعضهما الآخر، يغدوان بشكل سريع أثر الأعلان عن هويتهما صديقين حميمين. ويتبين وهنا تكمن المفارقة أن حاكم الجرمان الذي جاء غازيا يريد الأستسلام لرومولوس بدعوى أنه إذا لم يستسلم له سيقع العالم كله فريسة في يد أبن أخيه وستنهض روما أخرى وأمبراطورية جرمانية دامية وإذا حدث ذلك سوف لايبقى أي معنى لكل خطط رومولوس الحريصة على أنهيار روما. لذا فما عليهما إلآ أن يعودا الى رشدهما ليجعلا من العبث الذي عاشاه معنى من خلال قيادة أودوكور لجرمانيا وأيطاليا بأخلاص وبدون إراقة دماء وإحالة رومولوس على التقاعد.
وما أن يعلن الأثنان عن قرارهما هذا حتى ترتفع صيحات الجرمانيين وهي تهتف: يحيا رومولوس العظيم.
وقبل نهاية المسرحية بقليل يدخل أسبوريوس حاملا سيفه لقتل الأمبراطور، إلآ أن أودوكور يردعه بقوله له: لم يعد هناك أمبراطور وأنحلت الأمبراطورية، فيرد عليه قائلا: إذن فقد نام آخر ضابط في عهد الأمبراطورية بينما كانت بلاده تنهار.
ويسقط على مقعد الأمبراطور في حالة من الخزي والأنهيار، بينما يخرج الأمبراطور ببطء وقد أحنى رأسه حاملا التمثال تحت ذراعه والجرمان يقفون في غاية الأحترام .

2- زيارة السيدة العجوز:
تتكون هذه المسرحية من ثلاثة فصول، وخمس وثلاثين شخصية . وتجري أحداثها في الوقت الحاضر، في بلدة جوللين الصغيرة، حول زيارة كلارا فيشر لبلدتها جوللين التي غادرتها قبل أربعين عاما، لأنجابها طفلة، لم يقر والدها(آل) بأنها أبنته، متخليا عنها وعن والدتها التي تقيم دعوى ضده، ليأتي بشاهدي زور مرتشيين، يحلفان بأنهما كانا على علاقة بكلارا، لترفض المحكمة دعوتها هذه. وأثر ذلك تلملم حقائبها، وتبرح البلدة وأهلها الذين نكلوا بها وغدروها الى مكان غير معروف، ليقف الحظ بجانبها ويناصرها، عقب المحنة التي مرت بها، وتصبح صاحبة الملايين وأزواج أثرياء، يتجاوز عددهم الحد المعقول. وها هي الآن تزور بلدتها التي أصابها الخراب، وتعرض أهلها للفقر والجوع، وجاءوا لأستقبالها في محطة السكك الحديدية، علها بما تمتلكه من ثروة، تعينهم على الخروج من الوضع المأساوي الذي يعيشونه.
إن السيدة العجوز كما يبدو، كانت قد خططت بشكل دقيق ومرسوم، أهداف زيارتها لمسقط رأسها، وتأتي في مقدمة هذه الأهداف، إشاعة العدل والمساواة بين الناس، مع أنها لا تخلو من الشر، ورد الحيف الذي لحق بها، من خلال شراء كرامة أهل البلدة بنقودها، مقابل نيل ( آل ) قصاصه العادل بشنقه، وإن رفض العمدة في نهاية الفصل الأول مطلبها هذا، إلآ أنه عاد فيما بعد، ومعه كل أهالي البلدة بالموافقة عليه، ويأتي في المرتبة الثانية، أتخاذها لقرار تقديم المساعدة لأبناء بلدتها، والثالثة لأستعادة ذكريات الطفولة والشباب فيها.
وجلبت معها في زيارتها هذه، نعشا، والشخصين اللذين شهدا عليها زورا وبهتانا، فبعد أن عرفت مكان إقامتهما، أستطاعت أن تضعهما تحت نفوذها، وتحظر عليهما البصر وتسلبهما من الرجولة. والأشخاص الأربعة الذين يحملون هودجها، كانوا محكومين بالأعدام، وأطلقت سراحهم بمالها، بالأضافة الى أزواجها وحاشيتها ومدير أعمالها الذي كان قاضيا، ورفض دعواها المقدمة ضد آل، فما كان منها لأهانته، أن أبتعته بمالها الوفير ليترك وظيفته وينضم الى حاشيتها.
يقول الدكتور مصطفى ماهر:( زيارة السيدة العجوز تراجيديا وكوميديا في آن واحد، هي نوع أدبي مسرحي ليس ديرنمات أول من عالجه، ولكنه في معالجته له على هذا النحو مجدد فيه من ناحية أصوله الفلسفية، ذلك أنه متأثر بالفيزياء والفيزياء النووية تأثرا مختلطا بتأثره بالأدباء الأقدمين والحديثين. وأظهر ما أدى إليه أشتغاله بالفيزياء هو رفضه الأبطال ورفضه التراجيديا البحتة. . .)7.
وبناء على هذا الرأي، فأن هذه المسرحية تخلو من الأبطال، (وبديل البطل عند ديرنمات وكثيرين غيره هو الرجل الشجاع)8. ويضرب الدكتور ماهر شخصية (كلير تساخاناسيان) أنموذجا:( فهي لا تمثل العدل ولا تمثل مشروع مارشال ولا الرؤيا اليوحنية، لتكن ما هي، أغنى أمرأة في العالم، تمكنها ثروتها من التصرف كبطلة من بطلات التراجيديا الأغريقية تصرفا فظيعا كميديا مثلا. .)9.
ويضيف: (في كل مسرحيات ديرنمات توتر بين العالم التقليدي وبين قوى خارجية تندفع فيه. . . هذه الشخصيات الممثلة للقوة المندفعة الى قلب عالم التقاليد شخصيات متناقضة لا تمثل البطولة بل تمثل عدم المسؤولية. كلير تساخاناسيان تضرب بالمعايير الأنسانية عرض الحائط وتنفذ خطة الأنتقام غير عابئة لاتوقفها رحمة ولا تهزها توسلات . . . )10.
وشخصية رومولوس في مسرحيته ( رومولوس العظيم)، هي الأخرى تمثل عدم المسؤولية، لتعمدها بقصد إشاعة الفوضى في البلاد لجرها نحو الهاوية، ثم السقوط النهائي. وكذا الحال بالنسبة لشخصية الملاك في مسرحيته ( هبط الملاك في بابل)، التي بفعل تخليها عن الفتاة، تتحلى بهذه الصفة.
ولأن شخصية كلير تساخاناسيان شخصية متناقضة، لذا فلا تطلق عليها شخصية البطل. أو كما يقول سام سمايلي: ( تطلق تسمية البطل على الشخصية الموجبة في الميلودراما)11. وحسب تعريف سام سمايلي لمصطلح( الشخصية الموجبة)، فأن هذا المصطلح، أكثر توافقا وإنسجاما وتعبيرا عن شخصية كلير، من المصطلحات الأخرى. لأنه كما يقول: (الشخصية الموجبة هي الشخصية التي تمتلك إرادة أكثر من غيرها وهي التي تحدث الأحداث وتنفذ الفعل، ومشكلة الشخصية الموجبة تتجه أكثر من مشكلات الشخصيات الأخرى نحو المركز بالنسبة للتنظيم الكلي للمسرحية، وتعتبر مفتاح القصة أيضا . . .)12.
وإذا كانت شخصية كلير هي الشخصية الموجبة، فأن شخصية ( آل) سالبة، وبحسب تعريف سمايلي للشخصية السالبة:(أنتاغوست، أو الخصم هو الشخص المهم الثاني في أغلبية المسرحيات. وبرغم أن المسرحية يمكن أن تستغني عنه إلآ أن الخصم يمنح البناء الدرامي الوضوح والقوة. المهمة الأولى للخصم هي معارضة الشخصية الموجبة وهو خير ممثل للعوائق)13.
أما الشخصيات المرافقة للشخصية الموجبة، أو لشخصية كلير، فهي الشخصيات الأربع، حاملو هودجها، فأذا كانوا في السابق لأقترافهم الجرائم، ضد كلير، فهم الآن لأطلاق سراحهم من قبلها، يقفون
الى جانبها، وهذا هو حال الشخصيتين اللذين شهدا عليها، وكذلك بقية الشخصيات الذين يمثلون أبناء مدينة جوللين، كالعمدة والمعلم، تنتمي الى الشخصية المرافقة الموجبة للشخصية الموجبة.
ولو حاولنا تطبيق الصفات الأربع للشخصية الموجبة على شخصية كلير، ووفق طروحات سمايلي، لوجدنا أنها تنسجم معها الى حد كبير، ولعل الصفة الأخيرة المتعلقة، في كون الشخصية الموجبة، (وما يهمنا هنا هو شخصية كلير)، مفتاح القصة، أكثر الصفات الثلاث الأخرى، تطبيقا على هذه الشخصية. لا وبل أن بقية الصفات، تعتمد عليها وتتبعها، وبدونها تشل قدرتها على حركة الفعل وتقدم الحدث ولو بخطوة الى أمام.
تعتبر كلير مفتاح القصة، لأنها ببساطة هي التي تثير المشكلة التي تعرضت إليها قبل أربعين سنة، وليس أهل المدينة، وذلك من خلال مبادرتها لزيارة مسقط رأسها، بعد أن هيأت كل المستلزمات لها. وعلى هذا الأساس، أساس الخطة التي رسمتها بدقة وعناية فائقين للأنتقام من(آل)، وإستغلال الفقر المدقع لأهالي المدينة، بهدف إهانتهم، فمثل هذه المميزات لا تمنحها، قدرة فرض إرادتها على كل الشخصيات فقط، عبر شراء ذممها بالمال الذي تملكه، كما حدث في المسرحية، بتغيير رأي أهل البلدة من رفض شرط السيدة الى القبول به، وإنما أيضا على التحكم في تنفيذ حركة أفعالها وأنتقالها من حدث الى آخر، كما حدث أيضا بالتغير الذي حصل في معيشتها من سيء الى أفضل من السابق، بالأضافة الى البت في مصير الشخصيات المناوئة، كما حدث لآل في النهاية.
وبهذه المناسبة، أستغرب من الأستاذ أنيس منصور، بالذهاب الى قوله،
إعفاء السيدة كلير لآل من عقوبة الأعدام في آخر لحظة، ولا أدري من أين جاء بهذا المصدر، مع أنه في النص الذي قام بترجمته وتقديمه الدكتور مصطفى ماهر، يموت آل في نهاية المسرحية.
الطبيب: نوبة قلبية.
العمدة: مات من الفرحة.
بالأضافة الى إحتواء النص على فيض من التراكيب اللغوية التي توحي الى نهاية آل الحتمية، وتأكأد دورينمات على موت آل، ( بأن له معناه ولا معنى له في وقت واحد معا)14.
وعلى الرغم من أن شخصية كلير لا ترتقي الى مستوى البطولة، ويرتأي الأستاذ أنيس منصور، أن يطلق عليها هذه التسمية، فأن ديرنمات يسعى من خلال تعزيز المسرحية بشخصيات المواطنين الأربعة، وبأسماء ربات الفنون عند الأغريق كالموسيقا وبارسة وميديا، أن تنحو منحى المسرح الأغريقي، بالتعويل على الكورس في الشخصيات الأربع التي تقوم بنقل ألأحداث، كما حدث في بداية الفصل الأول ونهاية المسرحية للشخصيات الأربع وهي تتصدى لكل ما يتعلق بالمدينة وأهلها، أثناء إستقبال السيدة كلير في المحطة، وعقب دخول آل بين صفي الرجال اللذين ينطبقان عليه في قسوة، ليخر على قدميه. وتشبيه كلير بربة من ربات الفنون عند الأغريق، بالأضافة الى ما جاء قبل نهاية المسرحية بقليل، مؤكدا صحة ملاحظتينا الآنفتي الذكر، تحديدا في هذه الجملة: ( جوقتين قريبتي الشبه بكورس التراجيديا الأغريقية).
ولأن يشتغل ديرنمات في بناء الهيكل الفني لمسرحيته هذه على تقنية الشخصية المحورية، فقد حدا هذا المحور، الشخصية مادة الحبكة، مثله مثل شخصية ( رومولوس)، موظفا إياها، بحض الحدث بشكل تدريجي نحو نهاية الشخصية السلبية، وذلك بالتعويل على التراكيب اللغوية التي توحي الى القلق، أو القريبة من هذا المعنى، وهي: الموت، المثاليات، التغيير، رنين الجرس، السيجائر، أكتب على الحساب، الخوف، وإدارة الرؤوس. وتعبر كل تركيبة من هذه التراكيب على رمز معين، وتأتي البعض منها في أكثر من أربع عشرة جملة، كالتغيير والموت والسيجائر ورنين الجرس، بينما تأتي المثاليات وإدارة الرأس، كل واحدة منهما في جملتين، وأكتب على الحساب عشر مرات، والخوف خمس مرات.
1- الموت: إن مغزى هذه المفردة اللغوية، واضح بما لا يقبل التأويل، وتستمد هذا المعنى من إيحاء الحوارات الدائرة بين الشخوص، كما هو مبين أدناه، وهذا ما ينسحب على بقية المفردات:
أ- مواساة المحتضرين: تطلق هذه الجملة السيدة كلير بوجه القس، تمهيدا لموت أحد من أهل المدينة، وتقصد طبعا (آل)، وعندما يرد عليها بأنه سيجتهد في ذلك، توضح معنى سؤالها الأول في السؤال الثاني الذي تطرحه عليه وهو: ومواساة أولئك الذين حكم عليهم بالأعدام أيضا؟ فيخبرها بألغاء عقوبة الأعدام، لتجيبه السيدة كلير: ربما تعاد ثانية. أي لا محال نجاة آل من قبضة الموت.
ب- النعش: جلبت السيدة كلير النعش معها، أثناء زيارتها للمدينة لوضع جثة آل فيه، ويتضح هذا في الحوار الدائر بين كلير والعمدة :
كلير: أنقلوا المتاع والنعش الى الفندق الذهبي.
العمدة:( مذهولا) النعش؟
كلير: لقد أحضرت نعشا معي. ربما أحتجت إليه.
ج - شهادة الوفاة: ما أن ترى كلير الطبيب قادما نحوها، حتى تطرح عليه هذا السؤال: هل تصدر شهادات الوفاة ؟
الطبيب:شهادات وفاة؟
كلير: ألا يموت بعض الناس؟
الطبيب: طبعا . .
كلير: توقع حدوث سكتة قلبية في المستقبل.
وهذا ما يحدث فعلا، أذ يموت آل نتيجة خوفه بالسكتة القلبية، وليس بضيق الخناق عليه من قبل الصفين اللذين أندفعا نحوه للأطباق عليه.
د- ألعب مرة أخرى: ولم تكتف كلير بما تهدف إليه من إجابة الطبيب، فأنتقلت لتشفي غليلها بالقضاء على آل، الى الرياضي، لتطرح عليه نفس السؤال ولكن بصيغة أخرى: هل سبق لك أن أستعملت قوتك هذه في خنق أنسان؟
الرياضي: خنق إنسان؟
كلير: طوح ذراعيك مرة ثانية الى الخلف أيها اللاعب ثم أطرح جسمك على الأرض. هل مات ؟: وتأتي هذه الجملة على لسان كلير، ردا على قول المعلم أنه قد جاء اليها بخصوص آل.
ه - باقات: في كل صباح يأتي الشخصان اللذان شهدا على كلير الى الفندق، وهما يحملان باقات من الزهور الى النعش الذي جلبته كلير معها:
آل: باقات.
الأبن: كل صباح يأتون بمثلها من المحطة.
آل: للنعش الفارغ .
الأبن: وهذا لا يثير الرعب في نفس أي فرد
آل: البلدة في صفي.
( الأبن يشعل السيجارة)، إشارة على قلقه، وعدم قناعته برأي والده. بدليل أنه وأخته يرفضان مشاركة الأكل معه، بحجة ذهاب الأبن الى المحطة لوجود عامل مريض، ربما أحتاج إليه، والأبنة الى مكتب العمل للحصول على وظيفة.
و- النمر الأسود: تتكرر الأشارة الى النمر الأسود، أكثر من مرة، وهو رمز لشخصية (آل)، في المرة الأولى يأتي على لسان كلير: وهو يزأر.
بناء على المشاجرة الجارية في المحل التجاري على ثمن اللحم الذي بدأ أهل البلدة يتوافدون عليه، لتحسن وضعهم المعيشي، وهذا ما يخشاه آل ولا يرضى به، خوفا من إنقلاب أهل البلدة ضده، وإنضمامها الى إغراءات كلير. ومفردة ( يزأر)، إيماءة واضحة الى وقوع آل، بالمصيدة أو الفخ.
وهكذا بالنسبة لبقية التراكيب، على سبيل المثال: (هذا حق كما أن الموت حق)، (وأنا الذي ستقتنصونني)، (ونمر السيد يتسلل الى مكان آخر)، (وسوف يقتلني أحدهم)، (والبلطة). إذ أن كل هذه التراكيب تصب في نفس المعنى، وهو الموت.
2- التغيير:
أ- والآن سوف يتغير كل شيء: تأتي هذه الجملة على لسان آل، قبل أن تطرح السيدة كلير شرطها بالقضاء على آل مقابل دفع النقود لأهالي البلدة، وترد عليه : (بكل تأكيد). وهذا يعني، أن كلا منهما يقولها من منطلق يختلف عن الآخر. فأذا كان آل من منطلق حبها القديم له، سوف تساعد أهل البلدة، وبذلك سيتغير وضعهم نحو الأحسن، فأن السيدة كلير تؤكد على هذا التغيير عبر الأنتقام منه. أي من آل.
ب- لبن كامل الدسم: يحدث التغيير في الوضع المعيشي لأهل البلدة في الفصل الثاني، حيث يبدأ الناس بالأقبال على شراء الحاجيات الضرورية وحتى غير الضرورية (الكماليات) كالسيارات مثلا، ولعل هذا الحوار الدائر بين المرأتين وآل، يوضح هذا التغيير أكثر.
المرأة الأولى: وزبدة مائتي غرام.
المرأة الثانية: وخبزا أبيض كيلوين.
آل: لعل السيدتين قد ورثتا، لعلهما قد ورثتا.
المرأتان: الكل للفرد والفرد للجميع.
المرأة الأولى: وشوكولاتة ماركتين وخمسة فنكات.
المرأة الثانية: ولي بأربعة ماركات وخمسين فنكا.
ج - فترة الجو الصحو مستمرة: تأتي على لسان الأول، ردا على تشاؤم الثاني من الجو الحار، وكلا الجملتين، إشارتين واضحتين الى الوضع المعيشي لأهل البلدة. فأذا كان الثاني، يرى من الصعوبة، أن يحدث تغيير في هذه الوضعية، فأن الأول بعكسه، يرى أنه أمر لابد منه.
د- عندي زبائن هذا الصباح:
يخاطب آل زبائنه بهذه الجملة، لا لأنه جذل بالمبلغ الذي سيدر له الربح، وإنما خوفا من التغيير الذي ستحدثها الوعود التي قطعتها على نفسها السيدة كلير، بدفع كل ما يبتاعه أهل البلدة الى أصحاب المحلات التي أستدانت منها، الأمر الذي يؤدي الى أتخاذ موقف مغاير منه.
وجملة : لأننا نقف في صفك. في صف عزيزنا آل صامدين كالصخرالتي يوجهها الأول لآل، وتؤكد عليها المرأتان وهما يأكلان الشيكولاتة، ويكررانها كالببغاء: صامدين كالصخر يا سيد آل، صامدين كالصخر، تخلو من الجدية، وتشي الى التهكم والسخرية، وهاتان الصفتانان ، تبرزان أكثر أثناء نعته بأحب الشخصيات، وأنتخابه عمدة. إلآ أن قول الأول والمرأتين: هذا حق كما أن الموت حق. في هذه الجملة، تجتاز الشخصيات الثلاث، المعنى الأول، وصولا الى التغييرالذي سيحدث في البلدة بعد موته. وقس ذلك على الحذاء، ولا يستطيع الأنسان أن يسير الى الأبد في أحذية قديمة، والزبائن يشترون البيرة، والرفاه يعم، والمعلم يشرب مشروبا غاليا.
3- رنين الجرس: يتكرر خمس عشرة مرة، في المرة الأولى إحتجاجا على الوضع البائس الذي يعيشه أهل البلدة، وإقتراب موعد وصول السيدة الى محطة القطار، والثانية لعدم إهتداء أهل البلدة الى السبب الحقيقي لتدهور الأقتصاد في جوللين، بينما الدولة كلها مزدهرة. والثالثة أثناء الأشارة الى أن جوللين كانت من أولى المدن الثقافية في أوروبا، بدليل أن جوته أمضى فيها إحدى الليالي، وألف برامس إحدى رباعياته، بينما أخترع فيها برتولد شفارتس ملح البارود. والرابعة رد القس على خشية آل من أستعداد أهل البلدة لقتله، وحضه على التفتيش في ضميره ويسلك سبيل الندم، وإلآ زادت الدنيا خوفه تأججا. وهكذا الخ. . .
4- السيجارة: تتكر ست عشرة مرة. تأتي للأعلان عن تحسن الوضع الأقتصادي لأهل البلدة، والقلق، والشك، والخوف، لأزالة الخوف، واللحظات الأخيرة من الحياة.
5- أكتب على الحساب : تتكرر عشر مرات. وتأتي على لسان أهل البلدة الذين يبتاعون كل ما يتعلق بحاجياتهم المنزلية على حساب كلير التي وعدت بدفع ديونهم، مقابل الشرط الذي فرضته عليهم.
6- المثاليات: تأتي في المرة الأولى ردا من السيدة كلير على قول آل، بأن أولاده ليس لديهم أي أحساس بالمثاليات، بردها: سيكون لديهم ذلك.
ما معناه إذا كانوا لحد الآن يناصرونه، إلآ أنهم وبعد أن تغدق الأموال عليهم سوف يغيرون رأيهم، بأتجاه التخلي عنه. وفي المرة الثانية، عندما تترجم وجهة نظرها على أرض الواقع، بفهم أولاد آل للمثاليات، عبر رفضهم لتناول الغذاء مع والدهم، وأبتياع أبنه للسيارات الفارهة وقيادتها بسرعة جنونية.
7- الخوف: يخاف آل من إستدانة المدينة، لأنه بذلك يزداد الرخاء، وبالرخاء تزداد الحاجة الى قتله، ويتكر خوفه من أزدياد الرخاء.
العمدة: تبدو شاحبا. أأنت مريض؟
آل: خائف.
العمدة: ما أغرب هذا. المفروض أن يكون ذلك مصدر سرور.
آل: أنا أطلب حماية السلطة.
وتتكرر مفردة أنا خائف للمرة الثانية من الناس والمرة الثالثة من رخاء الناس.
القس : خائف ممن؟
آل: من الناس.
القس: أتخاف أن يقتلك الناس؟
آل: أنهم يطاردونني كما لو كنت حيوان وحشيا.
القس: لا ينبغي للمرء أن يخاف الأنسان بل الله.
آل: الأمر يتعلق بحياتي.
القس: حياتك الخالدة.
آل: الرخاء يعم.
وفي المرة الخامسة في جملة ( يلف ويدور) نتيجة خوفه من إنزال القصاص العادل به، لأن الله عاقبه.
8- تحويل الرأس: وتدل هذه الحركة على إنتظار أهل البلدة من جهة وصول قطار السيدة كلير، ومن جهة أخرى على معاناتهم من إستشراء البطالة فيما بينهم.
في تنويه لديرنمات، لملاحظة التطور في شخصيتي كلير وآل وحكمهما على الأشياء، يرى من المفيد، (إجراء وجه المقارنة بينهما في المقابلة الأولى في الغابة وبين المقابلة الثانية)15.
وبقدر ما يوحي هذا التنويه الى إستخدام ديرنمات لتقنية حبكة التماثل، بين شخصيتيه كلير وآل، من خلال تبادل المواقف، لمرتين في الغابة، بنفس القدر، أستخدم هذه التقنية بين شخصية كلير والشخصيات الأخرى من جهة، وبين شخصية الثاني والمرأة الأولى والثانية، بالتعويل على البصاق.
يسبق لقاء كلير وآل في اللقاء الأول في الغابة، مشهد يتحول فيه الأول والثاني والثالث والرابع، الى أشجار، وهؤلاء الأربعة يمثلون أهل البلدة، بأعتبارهم يؤدون دور الكورس. ولكن ديرنمات، ينبه القاريء على (أن تمثيل أهل جولين للأشجار، ليس ذلك إتباعا للسريالية)16 وبمعنى آخر أن مشهد اللقاء الجاري بين كلير وآل، ليس مشهدا سرياليا، وأنما هو أقرب (الى مجال مسرحي شعري)17.
ولعل إسترجاعهما لذكريات الصبا بشكل حلمي أخاذ، يؤكد ذلك.
وإذا كانت الشجرة في اللقاء الأول التي رسم عليها القلب وبداخله خط أسميهما، قد بهتت كتابتهما وأبتعدا الواحد عن الآخر، وكبرت وأمتلأ جذعها وفروعها مثل ما أمتلأ جسم كلير وآل، فأن نفس الشجرة في اللقاء الثاني لهما تموت. أي أنها رغم فراقها الطويل عنه، وتقدمها في العمر ما تزال تتذكر حبهما، وهي تتجه نحو مجموعة من الأشجار، وتجلس على المقعد الذي تبادلا فيه القبل، بينما في اللقاء الثاني، بالرغم من إشارتها الى موت الشجرة، الرامز الى موت حبها، فأنها ترحب بقدوم آل، عندما تلقاه قادما نحوها. وفي اللقاء الأول وفي الوقت الذي يسعى فيه آل، أن يبدي تذمره من الخراب الذي حل به، لأفلاسه بقالا في بلدة مفلسة، وأنه يعيش في الجحيم ولا تكف عائلته عن لومه على فقره، ولا يستطيع أن يسافر الى دول العالم متى ما شاء، وليس لأولاده أي أحساس بالمثاليات، تفتخر كلير بأن لها مالا وفيرا، وقد أصبحت الجحيم له، وتعرف العالم كله، لأنها زارته، وصار ملكا لها. بينما في اللقاء الثاني، يتحسن الوضع الأقتصادي لآل، لشراء أبنه سيارة، وأخذ أبنته دروسا في الأدب وتعلم اللغتين الأنكليزية والفرنسية.
ولا تتوانى أن توعده بتلبية مطلبه، عندما يطلب منها مساعدة أهل البلدة بالملايين، لأنها لن تترك مهد صباها كالمعلق.
ومثلما يقدم مدير أعمالهما سيجارا لها، في اللقاء الأول بالغابة، ويخرج الأول من جيب بنطلونه غليونا قديما ومفتاح بيت صديء ويقرع الغليون بالمفتاح، في إيماءة الى تصلب أعضاء جسم كلير، يحدث نفس الشيء في اللقاء الثاني. ويأتي رد فعل الأول، نتيجة معرفة آل، بأن الفخذ الأيسر لكلير صناعية، بعد أن يربت عليها، وما يلبث أن يبعد يده متألما، لذا سرعان ما يخطر ببال كلير الطائر النقار، مشبهة آل به، حيث مثلما( يستخرج هذا الطائر بمنقاره القوي الحشرات واليرقات من قشر جذوع الأشجار ويحفر لنفسه بواسطتها تجاويف عميقة يعشعش فيها= المترجم). كذلك فأن آل، آل بها كذلك، إذ رغم أنه جردها من المشاعر الأنسانية، فهي ماتزال تحبه. ولأنها تحبه سوف تقتله، ولكن ليس بأمكان أحد أن يقتلها. ولكن في اللقاء الثاني، يأتي رنين المفتاح على الغليون، بعد شراء آل السجائر من عند(ماتيلدة)، وسرقتها. ما يعني خيانتها بالزواج من ماتيلدة، وكونه لصا.
ونفهم من خلال هذين اللقائين، أن تغييرا ما قد حدث لكلا الشخصيتين،
فشخصية آل في اللقاء الأول، وإن بدا أحيانا يتملق لكلير عبر تدليلها والعودة بها الى الماضي، غير أن شخصيته لا تظهر على حقيقتها، إلآ بعد أن يعرف، بأن معظم أعضاء جسمها صناعية. لذلك فهو يبعد يده عن فخذها في المرة الأولى، وفي المرة الثانية يقول: اليد الباردة بعينها، والثالثة يترك يدها تهوى وقد تملكه الذعر.
وفي اللقاء الثاني، يبدو أكثر واقعية وعقلانية من اللقاء الأول، وهو يطلب من كلير أن تحدثه عن الطفل الذي أنجبته منه، وإذا كان ذكرا أو أنثى، والأسم الذي أطلقته عليها (لأنها كانت أنثى) وعن عينيها وشعرها وأسباب موتها. وتبلغ مدى واقعيته وعقلانيته الى درجة شكرها على باقات الزهور التي هيأتها لوضعها على نعشه.
أما كلير، ربما حنينها للمكان الذي غادرته منذ فترة طويلة، وحبها لآل، فقد أتسم لقاء الغابة الأول به، بالشاعرية والود، بعكس اللقاء الثاني الذي لم يخل من التهديد وتوجيه الأتهامات وتذكيره بماضيه الكالح.
إن كلير أول ما تصل الى البلدة، تقوم بالتطواف فيها، فتلقى المبنى الصغير، وهو المراحيض التي بناها والدها، فتسرد حكايتها مع هذا المبنى، عندما كانت طفلة قائلة: كنت وأنا طفلة أجلس ساعات طوال على سطحها وأبعث ببصاقي الى أسفلها. لكن كنت أبعث به الى الرجال فقط.
وتوظف من جانب الثاني، عبر حديث المرأة الأولى والثانية عن زوج كلير الثامن، الممثل السينمائي الجميل والذي رأته أبنة المرأة الثانية، وهو يمثل دور سارق الصيد، بينما رأته المرأة الأولى يمثل دور القس.
وما أن تنتهي الأولى من حديثها، يقبل الزوج الثامن كلير، ويصدح لحن القيثارة، منبريا الثاني وهو يقول: بالمال يستطيع الأنسان أن يحصل على كل شيء. ويبصق.
إن رسالة كلير في أول جولتها بالبلدة، تأتي على ذكر بصاقها في وجوه الرجال واضحة، وهي أنها لم تأت إلآ لأهانتهم وتصفية الحساب معهم، أوكما تقول في الفصل الثالث للمعلم : لقد جعلت مني الدنيا عاهرة فلأجعلن منها دارا للفجور.
وبقدر وضوح رسالة كلير، بالقدر نفسه، تتضح الرسائل الثلاث للمرأتين والرجل الثاني، فأذا كانت رسالة المرأتين، تعبر عن إنتهازية زوج كلير الثامن، لأجادة لعبه دوري الشر والخير معا، فأن بصاق الثاني، موجه لكلير ومالها، وهي إشارة الى أن الشر مثلما هو مستشر في البلدة، فهو كذلك دفين، يجتاح أعماق كلير.

3- هبط الملاك في بابل
تتكون من ثلاثة فصول وأربع وعشرين شخصية ما عدا شخصية الجماهير، إلآ أن الشخصيات الرئيسة فيها هي على التوالي : عاقي الشحاذ، كوروبي الفتاة، ملك بابل، نمرود ملك بابل السابق .
تدور حوادثها في مدينة بابل، حيث يهبط الملاك من السماء ومعه الفتاة كوروبي التي خلقها الله منذ لحظات من العدم على هيئة كائن غير إنساني ولكنها روحية كالأنسان، وقد أمر الله الملاك أن يقدمها لأفقر الناس ، وأن أفقر الناس في هذه المدينة هو عاقي الشحاذ. ولأن الملك يريد أن يقوم بأجراء بعض الأصلاحات في البلاد وفي مقدمتها حظر الشحاذين على التسول، فقد جاء متنكرا بزي الشحاذين للمكان الذي يأتيه عاقي لأقناعه التخلي عن هذه المهنة لأنه الشحاذ الوحيد الذي بقي يمارس هذه المهنة ولم يستجب للمرسوم الذي أصدره ، بالرغم من أن رئيس الوزراء عينه مع كل الشحاذين موظفا في الدولة، لذا فقد قرر الملك أن يبزه عليها من خلال إنتحاله هذه الشخصية لكي يشعر بأن الفقر هو نهايته ، وإذا لم يقتنع سوف يشنقه.
يخطأ الملاك عندما يظن أن الشحاذ الذي رآه أنه الشحاذ عاقي، لذا يقول لكوربي لقد قابلت الرجل الذي نريده يا أبنتي، بينما هو ليس إلآ الملك المتنكر بثياب الشحاذين، فيضطرب الملك عند رؤية الملاك قائلا له إنني شحاذ آخر من مدينة نينوى، لينعكس هذا الأضطراب الى الملاك لأنه لم يعد يعرف أيهما أكثر فقرا، شحاذ بابل أم شحاذ نينوى ليقدم الفتاة كوروبي كما أمره الله له، لذا فقد عقدت هذه المفاجأة المهمة التي نزل الأرض من أجلها، وما عليه إلآ أن يتحرى عن هذا الموضوع بدقة وحرص شديدين .
إن أول جملة يطلقها عاقي بوجه الملك هي: (أنت رديء جدا)، وهذه الجملة لا تدل فقط أن آراء الملك من الناحية الشحاذية خاطئة فقط، وإنما على غبائه أيضا، وذلك بالعودة الى الحوار الجاري بينه وبين الملاك حين يخبره الأخير، أن الخريطة التي معي خاطئة .فهناك شحاذان في نينوى، حيث ينسى الملك أنه الشحاذ الثاني، وهو يقول مع نفسه: سأشنق وزير الداخلية هناك أثنان من الشحاذين في أمبراطوريتي. وللتأكيد على صحة غبائه، لا يتوانى عاقي أن يوصمه بهذه السمة، بأعتباره أغبى ملك عرفه في حياته ،لأنه يجد صعوبة في أن يكون ملكا.
وإذا كان الملاك قد جاء الى بابل بدعوى أن يتعلم فن الشحاذة من عاقي، وكذبت كوروبي دعواه، فأن الملك قد جاء لأقناع عاقي بأن يستجيب للقرار الصادر بتحريم ممارسة مهنة الشحاذة. وحبكة المسرحية تنطلق من رد الملاك على تكذيب كوروبي بجملة إن السماء لا تكذب يا أبنتي. ولكن السماء من حين الى حين تجد صعوبة في أن تكون مفهومة عند البشر. ومثل مسرحية (رومولوس العظيم) ترتبط هذه الجملة التي تأتي في البداية بنهاية المسرحية، حيث ترفض كوروبي من قبل جماهير مدينة بابل لأنهم لم يفهموا مرد رفضها الزواج بالملك، وهم بهذا رفضوا هبة السماء .
وعندما يعجز الملك من إقناع عاقي بالعدول عن ممارسة هذه المهنة، يدخل معه في مباراة، تمنح الغلبة لمن يستطيع أن يكسب قدرا أكبر من النقود، فأذا كسب الملك، يلتحق كلاهما بالوظيفة الحكومية، أما إذا كسب عاقي فكلاهما يستمر في عملهما السابق، وفي هذا الرهان غير المتكافيء لأن عاقي خبير في هذه المهنة والملك بعكسه يفتقر إليها، يكسب الأول الرهان ويخسره الثاني، وبموجب وصية السماء تصبح كوروبي من نصيب الملك لأنه أفقر الناس في مدينة بابل .
وقبل نهاية الفصل الأول بقليل، تتحقق نبؤة الملاك وهويقول لكوروبي، أن السماء لا تكذب يا أبنتي، ولكنها من حين الى حين تجد صعوبة في أن تكون مفهومة عند البشر، تتحقق من خلال رفض الملك الشحاذ لكوروبي بذريعة إن السماء لا تعلم أن تعطي لكل أنسان ما يستحقه، وتتكرر نبؤة الملاك للمرة الثالثة وهو يقطع الحوار الدائر بين الملك وكوروبي كما لو كان صوته قادما من السماء، أو كما لو كانت السماء هي التي تتحدث وهويقول لكوروبي بعد أن يرفضها الملك بسبب حبك هذا سيمزق الناس أنفسهم عند قدميك، وهذا ما يحدث في نهاية المسرحية أيضا، إذ بسبب هذا الحب، يختلفون عليها، ويرمونها كما يتنبأ الملك هو الآخر في الصحراء.
وتسعى كوروبي أن تنفذ وصية السماء وهي أن تحب أفقر الناس وتهتم به وتتسول معه، إلآ أن الملك وبعد أن تقبله نزولا عند رغبته، ومع أنه يحبها أكثر من أي إنسان آخر، يضربها ويلقي بها الى الأرض مخاطبا إياها بهذه الجملة، وهكذا أرد على الحب بالضرب وسترى السماء كيف يعامل الشحاذ هبة السماء وكيف أن أحقر الناس الى التي لو عرفها ملك بابل لأحاطها بالحب وأغرقها بالذهب.
ويتفق الملك وعاقي على أن يعطي الأول كوروبي لعاقي ويعطي الثاني الملك السابق (نمرود) للملك الشحاذ.
وبالرغم من أن كوروبي تحب الملك ولا تستطيع أن تنساه، غير أنها تطيع عاقي وتذهب معه على أمل أن تلقاه في فرصة أخرى، بيد أن عاقي بتجربته الطويلة في الحياة يحاول أن يغشي الأمل الذي تحلم به من أمام عينيها لأن ما دام الأنسان لا يستطيع أن يعيش على الأرض، فما عليه إلآ أن يعيش على هامشها كما يعيش هو، وهذه الجملة هي الأخرى تصب في معنى رفض الأرض للأنسان أن يعيش في سعادة. وبعد أن يعود الملك الى قصره، يصدر قرارا بتعيين عاقي رئيسا لمجلس إدارة الأفلاس، ذلك إعترافا من الدولة بمقدراته الفائقة، ويبلغه رجل البوليس بهذه الوظيفة ، غير أن عاقي كما يبدو لا تبهره مثل هذه الوظائف، ويصر أن يبقى فنانا حرا يمارس مهنة الشحاذة، ويطلب من رجل البوليس أن يقتاده الى قسم الشرطة، بيد أنه يخبره سيحضر الجلاد بنفسه الى هنا لأعدامه، لذا فأن أول خطوة يقوم بها عاقي لأغراء الجلاد للعدول عن إعدامه هي الثروة التي يخفيها في نهر الفرات، ولأن الجلاد كما يدعي، ثروته لاتهمه بدليل أن الناس تطلق عليه الرجل النزيه، يحاول عاقي في الخطوة الثانية أن يغريه بتقديم الحساء له، ولكن بالرغم من إعجاب الجلاد بنكهته اللذيذة، يهدده بالأعدام، ثم ما يفتأ أن يقدم له اللحم فالنبيذ، وما أن تلعب نشوة النبيذ برأسه حتى يتصور أنه يقضي أسعد الأوقات على مأدبة باخوس، فيبدأ الأحتفال بذكرى المرة المائة على تحريم مهنة الشحاذة والمرة العاشرة لمحاولة شنق عاقي ، مشيدا بالأنسان وذاما الأمبراطوريات، إنطلاقا من أن الثانية تذهب وتجيء غيرها والأول يتغير فقط من ناحية الملبس والوظيفة والعلاقات الطبقية، ما عدا عاقي الذي لا يتغير، لذا فأنه يرفع الكأس ويشرب في صحته.
ولأن الجلاد أقصى ما يتمناه هو أن تكون له مكتبة، فلم يبق لعاقي غير هذا الأغراء سبيلا لنجاته، عليه عندما يلف الجلاد الحبل حول عنقه ويدعوه الى رغبته الأخيرة، فيبادر الى إسداء كل ما يتركه هدية الى الشعراء ولكن ما يحيره هو ما الذي سوف يصنعون بمكتبته، وهنا كمن لم يسمع أو يصدق الجلاد بأن كلمة المكتبة قد ترددت على لسان عاقي حتى يطرح عليه هذا السؤال :لديك مكتبة؟ ، ليتأكد أن لديه فعلا مكتبة ليتخذ قراره الحاسم، ربما قبل أن يفاتحه عاقي بتبادل مكتبته بمهنة الجلاد الذي لا يتوانى بطرح هذه المبادرة على الجلاد الذي بدوره هو الآخر ولكن بتردد يسأل عاقي إذا كان يريد أن يصبح جلادا، وهكذا يتبادل الأثنان أدوارهما، فيصبح الجلاد بائعا للكتب وعاقي جلادا.
إن شخصية عاقي كثيرة الشبه بشخصية رومولوس من حيث ذكائها وعبثيتها ونظرتها بشكل عام الى الحياة، ولكنهما يختلفان في شيءواحد فقط وهو أن ذكاء رومولوس لايظهر إلآ في نهاية المسرحية بينما ذكاء عاقي يظهر من البداية، والصفحات الأخيرة من نهاية الفصل الثاني سواء في حورات عاقي مع الجلاد أومع الشعراء يتجاوز شبهه برومولوس بلوغا حد التطابق معه. وهذا التطابق يتجلى في تجريد جنوده عندما كان قائدا للجيش من كل شعور بالرجولة والشهامة، ليخرج من المعركة خاسرا دون إراقة دماء عبرعدم إصداره أي أمر بالهجوم، أو كما يقول للجلاد ألا ترى أن كل إنسان فيه جوانب طيبة لا تظهر إلآ في المناسبات الكبرى ،لتذكرنا هذه الجملة بطيبة رومولوس، بالأضافة الى مخاطبته للشعراء بهذه الجملة إذا أردت أن تعيش طويلا تظاهر بالغباء ، كما تظاهر رومولوس لجهله لكل الأمور بما فيها عدم معرفته لدخول الجرمان أبواب مدينة بابل.
يشتغل ديرنمات، في بناء الهيكل الفني لمسرحيته هذه، كما أشتغل في مسرحيته السابقة (رومولوس العظيم) على تقنية إختلاف الشخصيات بعضها مع البعض الآخر، بحيث يجعل هذا الأختلاف الشخصية مادة الحبكة، وأتبع نفس النهج الذي سار عليه في المسرحية الآنفة الذكر، من حيث توزيع شخصياتها على قسمين لا يلتلقيان ويسيران في خطين متوازيين، متمثلا القسم الأول بعاقي والفتاة كوروبي والملاك، والجماهير والقسم الثاني بملك بابل الحالي وملك بابل السابق(نمرود) ورئيس الوزراء وأوتنا بشتم (كبير الكهنة). ولكنه لم يذهب كما ذهب في رومولوس الى الشخصية المحورية، بل أختار طريق البطل الجماعي، متمثلة في عاقي وكوروبي والملك. وذلك من خلال رفض عاقي التخلي عن مهنة الشحاذة التي يمارسها بحرفية، وإصرار كوروبي على الزواج بالملك الشحاذ وليس الملك الحقيقي، وعدم إستطاعة الملك إقناع عاقي على التخلي عن ممارسة الشحاذة، رغم تعيينه وزيرا للخزينة، ورفض هذه الوظيفة من قبل عاقي. ليؤدي هذا الأختيار الى تصاعد الصراع بشكل تدريجي بين قطبيه، ولم يحتدم ويظهر هذا الصراع على سطح الأحداث إلآ في نهاية الفصل الأول بقليل، تحديدا في ضرب الملك لكوروبي، وهو يلقي بها الى الأرض، عندما تنتهي من تقبيله، ويضع قدمه فوقها. ولعل وصف قبة السماء لمكان الفصل الأول، بوضوحها، وتألق النجوم فيها كمرصد كبير، ومكان الفصل الثاني، مغطى بناطحات السحاب والقصور، ومكان الفصل الثالث في قاعة العرش وفيها مظاهر القسوة والوحشية، يؤكد بأن الصراع بدأ تدريجيا. كما أدى هذا الأختيار الى أن يناقض البطل الجماعي نفسه، ويتضح هذا كالمنحى الأول في الصراع الدائر بين القطبين، ولكن بشكل أعم وأوسع منه، في نعت أمكنة الفصول الثلاثة . ففي الفصل الأول، تجتمع قبة السماء الواضحة، بنجومها المتألقة مع الشوارع الكثيرة المتداخلة المزدحمة بالمباني التي يعيش فيها الملايين من الناس وواضح فيها القذارة والقصور العالية. أما في الفصل الثاني، فتجتمع فيه كل التناقضات السائدة في المجتمع، من حركة المرور وأصوات التراموايات وصوت العمال والنشالين الى التوابيت والتماثيل والمجرمين والشعراء، وفي الفصل الثالث، يجتمع السلاح والملك السابق المربوط بكرسي العرش، مع ثلاثة أبواب، أحدهما على اليسار في داخل الستارة، والآخران في الجدران على اليمين واليسار.
ولو حاولنا فك شفرة الجمل والعبارات الواردة في أمكنة الفصول الثلاثة في المنحى الذي أفرزه البطل الجماعي في عنصر الصراع ، لوجدنا أن المؤلف، يأتي على ذكر المفردات التي توحي الى التفاؤل والهدوء والأستقرار، كوضوح قبة السماء، وتألق النجوم، ما يدل الى أن هذا الفصل، حتى وأن ظهر الصراع في نهايته، إلآ أنه لم يرتق الى المستويات المحتدمة، بقدر دلالته الى أنه تمهيد لوقوع الصراع لاحقا. بينما تشير المفردات غير المتجانسة، والمجتمعة معا في الفصل الثاني، الى أن الصراع الحقيقي، يبدأ من هذا الفصل، ويتتهي في الفصل الثالث، حيث تخرج القسوة والوحشية من الأبواب الثلاثة في قاعة العرش، وقد لا تخرج، لأختلال التوازن بين مديات معنى المفردتين الموظفتين. ولكن المؤلف يشتغل على الثانية وليس الأولى. وهنا يكرر عنصر التناقض نفسه مرة أخرى، ولكن في هذه المرة في متن عنصر الصراع.
أما إذا حاولنا فك شفرة منحى التناقض، لوجدنا أن نوعا من الفوضى وعدم الأنسجام، سائدين بين المفردات الموظفة في أمكنة الفصول الثلاثة، كقبة السماء المتألقة بنجومها، وتناقضها مع قذارة الشوارع والقصور. بالأضافة الى التناقض الذي أشرنا إليه قبل قليل في الفصل الثاني. زائدا التناقض القائم في مكان الفصل الثالث، بين ربط الملك على المقعد، ووجود ثلاثة أبواب في هذا المكان التي كما أسلفنا، قد توحي الى إطلاق سراحه، أو إعتلائه العرش مرة ثانية، بدلا عن الملك الحالي. أي تفاقم وضع المدينة من سيء الى أسوأ، لرفض الأرض هبة السماء.
إذا كان الصراع، كما أسلفنا سابقا، يبدأ في نهاية الفصل الأول بقليل، فأنه يبدأ في الفصل الثاني، من رفض عاقي قرار تعيينه رئيسا لمجلس إدارة الأفلاس، ورجل البوليس يبلغه بأن الجلاد، سيجيء بنفسه الى هنا، وعاقي بحركة لا شعورية يضع يديه حول عنقه. أما الصراع الثاني في هذا الفصل، يدور بين طمطم العاهرة وبين كوروبي، لهجر كل بابل للأولى من أجل الثانية، وهي تحاول أن تشد كوروبي من شعرها، ناهرا أياها العامل الأول: أبعدي عنها أيتها الفاجرة. والصراع الثالث، بدعوة النساء لطرد كوروبي من المدينة، لهيام أزواجهن بكوروبي، ورغبتهم الزواج بها.
ويشرع الصراع في الفصل الثالث، إبتداء من هبوط الملاك في الحديقة الى نهاية المسرحية، ذلك أنه أدى الى زيادة الأيمان بالكنيسة، متمثلا هذا الصراع بين الملك الحالي، مصطفا الى جانبه الملك السابق ورئيس الوزراء، وبين رئيس الكهنة والجماهير.
ومن جملة :( إن هذه الأمبراطورية متعفنة الى أقصى درجة. . ويجب ألآ أدخر وقتا في تطهيرها)، التي يطلقها الملك، يبدأ التناقض، لأن العدل كما يظن الملك، هو بقيام رئيس الوزراء بواجبه من خلال بصقه على وجه الملك السابق، لأنه هو الآخر كان يكلف رئيس الوزراء أن يقوم بالمهمة نفسها، عندما كان ملكا، والملك الحالي مداسا تحت قدميه. فيظهر التناقض هنا في النزعة الأنتقامية للملك، بدلا عن الأندفاع الأصلاحي الظاهر عليه.
أن يصبح الشحاذ جلادا، مسألة طبيعية جدا، أما أن يغير الجلاد مهنته بالكتب، ليصبح شحاذا، فهذه مسألة غير طبيعية، وهو تحول كبير في الشخصية، ولعل هذا التحول، يكسب شخصية الجلاد، سمة التناقض.
عاقي: . . . ما رأيك في أن أبادلك ؟ أعطيك مكتبتي في مقابل وظيفتك ؟
الجلاد:( مترددا) هل تريد أن تكون ؟
عاقي: هذه هي المهنة الوحيدة التي لم أتسولها من أحد !
الجلاد: كوب من الماء أرجوك. . . بعض الماء ! أن أزمتي القلبية قد عاودتني.
عاقي:هل لك في كأس من الويسكي ؟ أنه أفضل شيء للقلب !
الجلاد:. . . أين هو شرفي. . .
عاقي:ولكن ما علاقة شرفك بالحياة تحت هذا الجسر؟
الجلاد:أين شرفي؟ أنني سأتخلى الآن عن عملي . . .
والتناقض الثالث، يظهر في مشاعر الملك تجاه كوروبي التي ركلها بقدميه في الفصل الأول، ويجاهر علانية في الفصل الثالث، بحبه لها.
الملك: أحب كوروبي.
نمرود: في هذه الحالة أنت تحب فتاة قد ركلتها بقدميك من قبل.
ومع أن الملك يرفض كوروبي في الفصل الأول ويضربها غير أنه يعود في الفصل الثالث هائما في حبها، وقد أنسحب هذا الحب الى كل فئات مجتمع بابل، وبلغ حدا أن بات حتى الخدم يتغنون بجمالها، الأمر الذي دفع بالملك ونتيجة غيرته عليها، أن يأمر بالقضاء على كل من يحبها.
إذا كان ديرنمات قد عرى الأمبروطوريات في رومولوس العظيم من خلال قادتها الهشة ، فهو في هذه المسرحية يعريها عبرملوكها بالدرجة الأولى وأبناء ملوكها بالدرجة الثانية ، الأول بممارسة العملية الجنسية بشكل مقرف، والثاني في كون ولي عهد الأمبراطورية أبلها، وهو الأبن المشترك للملك السابق (نمرود) والملك الحالي لمدينة بابل، أو كما يقول نمرود للملك أبننا الوارث لكل سلطاننا، لا أحد يعرف من هو أبوه بالضبط فنحن الأثنين قد ألتقينا في فراش أمه في لحظة واحدة عندما كنا مخمورين الى أقصى درجة.
ويأمر الملك عاقي الذي أصبح جلادا أن يشنق علماء الجغرافيا والفلك ويقضي على المتسولين والشحاذين، ويقوم بتعليق عاقي من عمود النور، وعندما يرد عليه عاقي أنه أرتفع الى أبعد من ذلك . . فوق . . أنه في أعلى الدوائر الآن، يفهم الملك خطأ، بالأحرى لأن المؤلف يريد أن يظهره بمظهر الأبله، يفهم أنه قد أعدمه وصعد الى السماء، لذلك يقول له أن حامي الشعراء من الصعب أن يدخل السماء. وبلاهته تبدو أكثر بأقتناعه أنه بأعدام عاقي قد قضى على الفساد، بينما الماثل أمامه هو نفسه عاقي بلحمه ودمه، والجلاد الحقيقي أصبح بائعا للكتب. وهو مثلما يأمر عاقي بشنق العلماء والشحاذين، كذلك يأمر(أوتنا) وهوكبير الكهنة أن يبصق في وجه الملك نمرود، إلآ أنه يرفض، وفي هذه الحالة يأمره أن يلعنه، وهنا يرد عليه قائلا (أنني أصلي من أجل خلاص الأنسانية).
وبعد أن يعدل عن إعدامه لأيمانه بأن السماء دائما على حق، ويسأله إذا كان من الضروري الزواج بكوروبي، يدخل رئيس الوزراء ورئيس الكهنة ليخبره الأول بهبوط الملاك في حديقة المدينة، والثاني بأن التحول الى الأيمان بالكنيسة قد تجاوز كل التوقعات، وللضجة الذي أثارها حضور كوروبي وتزاحم الناس داخل القصر مطالبين زواجها بالملك، يقترح رئيس الوزراء تتويجها ملكة فورا، ذلك من وجهة نظره أن هذا التتويج، سيزيل فكرة الجمهورية من بال المواطن لفترة طويلة، ولكنها تأبى أن تتزوج الملك ذلك أنها تحب شحاذ نينوى ولا تستطيع أن تنساه وتأمل أن تلتقي به في يوم ما، وفي هذه الأثناء يخلع الملك ونمرود قناعيهما، فتعرفهما وتخاطب الملك بجملة (شحاذي الحبيب) وهي إيماءة الى أنها تحب الملك الشحاذ وليس الملك الحقيقي، ورغم الأغراءات التي يقدمها الملك لكوروبي لتقبل أن تكون زوجته إلآ أنها لا ترضى إلآ بشحاذ نينوى، وتطلب منه إذا كان يحبها بحق أن يدع عرشه ويعود الى مهنته السابقة من جديد، وعندما يعجز من إقناعها يستعين بأوتنا عله يخرج بنتيجة معها، ويستطيع أوتنا بأسلوبه المنمق أن يلين كوروبي وتتنازل تدريجيا عن أرائها السابقة بلوغا حد أن يتصافحا لو لا دخول رئيس الوزراء وهو يقول يجب أن نتفاوض مع الثوار أنهم يلقون الطوب على تمثال صاحب الجلالة . . وغطوا تمثال أوتنا بالورود. فيشكر أوتنا السماء لأن الناس أفواجا سيدخلون الى الكنيسة، وينتهز نمرود هذه الفرصة ويجلس على العرش قائلا: أن جيوشي ستغزو فورا، بينما يخاطب رئيس الوزراء الملك بدخول الجيش قرى لبنان ولم يبق منه سوى خمسين من حرس القصر.
وحل إشكالية ظهور الملاك ورغبة الناس في زواج كوروبي بالملك، يكمن في إنكار الملاك بصفة رسمية، والأعلان أن كوروبي هي أبنة أحد ألأغنياء وكانت مفقودة ثم تم العثور عليها، ويبلغها رئيس الوزراء بأنهم سيعلنون هذا للشعب، وبدون أن يذكروا أن الله خلقها وأن الملاك قد أتى بها الى هنا من السماء، ولأن ليس بوسعها أن تخون السماء تطلب من الملك أن يدعها تخرج من بابل بحثا عن الشحاذ الذي أحبته، وعندما ييأس من إقناعها يدع الشعب أن يدخل القصر الذي سرعان ما يهتف بسقوطه، ومطالبة في الوقت نفسه أصوات الرجال زواجهم منها ولاسيما صاحب البنوك(نجيب)، ونزولا عند رغبة الزوجة الأولى يقترح الملك إعطاء كوروبي للجلاد لأعتقاده أن عاقي قد مات ولا يعرف لحد الآن بأن الجلاد هو نفسه عاقي، ووسط هذه الفوضى وعدم جدوى إستنجادها بالجمهور الذي بالعكس يهددها بالقتل والطرد، تلجأ الى أوتنا ليبتعد عنها هو الآخر، وفي هذه الأثناء يظهر الملاك الذي تدعوه أن يأخذها معه الى السماء لأن الكل قد تخلوا عنها، ولكنه لايعير لندائها أذنا صاغية ويطير وهويحمل معه معلومات قيمة عن الأحجار الملونة.
وبعد أن يثور الشعب على الملك وحاشيته وتفتح السجون أبوابها ويهرب الشعراء وتختفي مكتبة الجلاد ويظهر أبن الملك ماشيا على حبل مشدود ويخفي الملك وجهه، تبدو السماء حمراء بلا حدود وفي هذه الصحراء يظهر عاقي وكوروبي معا .
ويرى الأستاذ أنيس منصور: (أن هذه المسرحية مستوحاة عن القصة التي جاءت في الكتاب المقدس، تحت عنوان (نشيد الأنشاد) الدائرة عن فتاة راعية غنم، تدعى( شالوميث)، قالت لأقوى ملك في العالم وهو (سليمان): لا. كما يرى، أن رواية الأخوة كرامازوف لدوستوفسكي، تتناول المعنى نفسه لهذه المسرحية. وكذلك قصة اللؤلؤة لجون شتاينبك)18.

المصادر:
1- هي وعشاقها وثلاث مسرحيات كوميدية، فردريش ديرنمات، ترجمة وتقديم أنيس منصور. الهيئة المصرية للتأليف والنشر1971.
2- المصدر السابق نفسه.
3- زيارة السيدة العجوز، فريدريش ديرنمات، تقديم وترجمة الدكتور مصطفى ماهر، منتديات مكتبة العرب.
4- كتابة المسرحية، سام سمايلي، ترجمة سامي عبدالحميد، دار المدى.
5- هي وعشاقها وثلاث مسرحيات كوميدية، فريدريش ديرنمات، ترجمة وتقديم أنيس منصور. الهيئة المصرية للتأليف والنشر 1971.
6- المصدر السابق نفسه.
7- زيارة السيدة العجوز، فريدريش ديرنمات، تقديم وترجمة الدكتور مصطفى ماهر، منتديات مكتبة العرب.
8- المصدر السابق نفسه.
9- المصدر السابق نفسه.
10- المصدر السابق نفسه.
11- كتابة المسرحية، سام سمايلي، ترجمة سامي عبد الحميد، دار المدى.
12- المصدر السابق نفسه.
13- المصدر السابق نفسه.
14- زيارة السيدة العجوز، فريدريش ديرنمات، تقديم وترجمة الدكتور مصطفى ماهر، منتديات المكتبة العربية.
15- هي وعشاقها، فردريش ديرنمات، ترجمة وتقديم أنيس منصور، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر 1971.
16- نفس المصدر السابق.
17- نفس المصدر السابق.
18- نفس المصدر السابق.








#صباح_هرمز_الشاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسرحيات يوسف العاني بين الرمز والموروث الشعبي . .
- في مسرحيتين لفيليمير لوكيتش
- بين شفرات الحافلة
- مسرحيات سترندبيرغ . . . بين الخيانة الزوجية وإقتران البداية ...
- مسرحيات أبسن= إسترجاع الماضي + المناقشة + الشخص الثالث.
- مقاربة بين مسرحيات سترندبيرغ وأبسن
- جدلية الانتماء والخيانة في مسرحيات يوسف الصائغ
- مسرحيات توفيق الحكيم....والمسخ
- مقاربة بين روايتي الكافرة و حجر الصبر
- الرجع البعيد بين تقنية الأيحاء وعملية التطهير
- وحدها شجرة الرمان . . بين تقنية المكان. . وعملية التناص
- الآنسة جوليا.. وحلم التحرر من السلطة
- السمات المشتركة في مسرحيات ابسن
- مناطق التغريب في مسرحيات بريخت
- تينيسي ويليامز.. والكوميديا السوداء
- هل مسرحية ايفانوف فاشلة...؟..!
- مسرحيات محي الدين زنكنة في توظيف الرمز للبناء الدرامي
- مسرحيات جليل القيسي : الانتظار + الحلم + اليأس = الموت او ال ...
- الغواية بين روايتي عزازيل و الوسوسة الاخيرة للمسيح
- قراءة في صنعة مسرحيات تشيكوف الاربع الطويلة


المزيد.....




- تابع مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 22 .. الحلقة الثانية وا ...
- بمشاركة 515 دار نشر.. انطلاق معرض الدوحة الدولي للكتاب في 9 ...
- دموع -بقيع مصر- ومدينة الموتى التاريخية.. ماذا بقى من قرافة ...
- اختيار اللبنانية نادين لبكي ضمن لجنة تحكيم مهرجان كان السينم ...
- -المتحدون- لزندايا يحقق 15 مليون دولار في الأيام الأولى لعرض ...
- الآن.. رفع جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024 الشعبتين الأ ...
- الإعلان الثاني.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 158 على قناة الفجر ...
- التضييق على الفنانين والمثقفين الفلسطينيين.. تفاصيل زيادة قم ...
- تردد قناة mbc 4 نايل سات 2024 وتابع مسلسل فريد طائر الرفراف ...
- بثمن خيالي.. نجمة مصرية تبيع جلباب -حزمني يا- في مزاد علني ( ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صباح هرمز الشاني - مسرحيات فريدريش ديرنمات بين الكوميديا السوداء وإختلاف الشخصية