أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - مسبة فقير انقلبت بركة















المزيد.....

مسبة فقير انقلبت بركة


حسيب شحادة

الحوار المتمدن-العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 22:47
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


مسبّة فقير انقلبت بركة
ترجمة ب. حسيب شحادة
جامعة هلسنكي


في ما يلي ترجمة عربية لهذه القصّة، التي رواها الكاهن عاطف بن الكاهن الأكبر ناجي الحفتاوي (ليڤي بن أبيشع هحڤتئي، ١٩١٩٢٠٠١، كاهن أكبر ١٩٩٨٢٠٠١، مثقّف، شاعر، مرنّم ومرشد في الشريعة السامرية) عام ١٩٩٢ بالعربية على مسامع الأمين (بنياميم) صدقة (١٩٤٤ )، الذي بدوره ترجمها إلى العبرية، نقّحها، اعتنى بأسلوبها ونشرها في الدورية السامرية أ. ب.- أخبار السامرة، عدد ١٢٤٢١٢٤٣، ١٦ تموز ٢٠١٧، ص. ٥٧٦٠. هذه الدورية التي تصدر مرّتين شهريًا في مدينة حولون جنوبي تل أبيب، فريدة من نوعها ــ إنّها تستعمل أربع لغات بأربعة خطوط أو أربع أبجديات: العبرية أو الآرامية السامرية بالخطّ العبري القديم، المعروف اليوم بالحروف السامرية؛ العبرية الحديثة بالخطّ المربّع/الأشوري، أي الخطّ العبري الحالي؛ العربية بالرسم العربي؛ الإنجليزية (أحيانًا لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإسبانية) بالخطّ اللاتيني.

بدأت هذه الدورية السامرية في الصدور منذ أواخر العام ١٩٦٩، وما زالت تصدر بانتظام، توزَّع مجّانًا على كلّ بيت سامري في نابلس وحولون، قرابة الثمانمائة سامري، وهناك مشتركون فيها من الباحثين والمهتمّين في الدراسات السامرية، في شتّى أرجاء العالم. هذه الدورية ما زالت حيّة تُرزق، لا بل وتتطوّر بفضل إخلاص ومثابرة المحرّريْن، الشقيقَين، الأمين وحسني (بنياميم ويفت)، نجْلي المرحوم راضي (رتسون) صدقة (٢٢ شباط ١٩٢٢ــ٢٠ كانون الثاني ١٩٩٠).

” بين أسياد مدينة نابلس ومعارضيهم

أنا ابن ثلاث وسبعين سنة اليوم. ما زلت أتجوّل بين أبناء جِلدتي والحمد والشكر لله على ما أنعم عليّ وعلى طائفتي. مرّت علينا جميعًا أيّام عصيبة والآن ننعم بأيّام طيّبة وعلينا أن نتضرّع لله من أعماق قلوبنا بألّا ترجع تلك الأيّام الرديئة من جديد. نظرة إلى الوراء، بعد مرور كلّ هذه السنين وبسبب أعاجيب الدهر، لا تبدو لنا اليوم أن تلك الأيّام كانت قاسية لهذا الحدّ (كلّ هلقدّة). وما تسعف في هذا هي الذاكرة القصيرة المتوفّرة لدى كلّ واحد منّا بشكل طبيعي، أضف إلى ذلك الحقيقة بأنّ فترة حلوة تمُرّ على طائفتنا.

لدى كلّ واحدة من المائة وستين عائلة سامرية اليوم منزلان، واحد في نابلس أو في حولون والآخر على جبل جريزيم. وهذه المنازل بمعظمها كبيرة واسعة، وفي بعض الأحيان تجد أن البيت في قرية لوزه أكبر. في مثل هذه الأحوال يطيب للمرء تذكّر أيّام خلت وأشخاص قادوا سفينة نوح السامرية عبر مياه الطوفان السياسي المتمثلة بالأحداث التي حلّت بالطائفة في نابلس.

لنبدأ إذن بقصّتنا. في سنوات كهنوت عمّي الكاهن توفيق بن خضر (متسليح بن فنحاس) بن إسحق كاهنًا أكبر، ١٩٣٣١٩٤٣ للطائفة السامرية الصغيرة، كان سكّان مدينة نابلس منقسمين لمعسكرين سياسيين، ووجهاؤها أي الائتلاف كما يسمونه اليوم. المعسكر الآخر أو المجموعة الثانية حملت اسم ”المعارضين“ وضمّت أيضا أولائك الوجهاء الذين لم يكونوا في عِداد ”الفاعلين/النافذين“ في المدينة، أي ”المعارضة“ في قاموسنا اليوم.

كاهن السامريين الأكبر كان عضو شرف في المجلس البلدي، وعليه فاعتبر كرجل ”المجلسيين“. ويذكر أن كلّ كاهن سامري أكبرَ كان يحرِص على النأي بالنفس من التدخّل بأيّ شكل من الأشكال في الصدامات المتكرّرة بين المعسكرين بخاصّة وبالحياة السياسية في نابلس بعامّة. لا بدّ أن نشير إلى أنّ عضوية عمّي في المجلس البلدي كانت بمثابة استمرار لتقليد، تبنّاه وجهاء مدينة نابلس في تخصيص مكان شرف في المجلس لكاهن السمرة الأكبر، تعبيرًا عن تقديرهم الخاصّ للطائفة.

لست متأكّدًا فيما إذا كانت بداية هذا التقليد عائدةً إلى عهد كهنوت الكاهن الأكبر يعقوب بن هارون بن سلامة (شلمه) ١٨٧٤١٩١٦، حيث كان عضوًا في المجلس البلدي في نابلس، وكانت كلمته تُسمع وتُبحث باحترام شديد وتقدير، وقلِ الأمر ذاته بالنسبة لرجال ”المجلسيين“، وجهاء المدينة، أعضاء مجلسها البلدي، موظفيه وقضاته. وهذه المعاملة حظي بها عمّي الكاهن الأكبر أبو واصف أيضا.

مكيدة لإذلال الكاهن الأكبر

مكانة الكاهن الأكبر لدى أعضاء المجلس البلدي لم تُحسِّن حياة طائفة السامرة بأيّ شيء، ولكنّها ساعدت الطائفة برمّتها في صراعها اليومي من أجل البقاء. إضافة إلى ذلك، كُرّم الكاهن السامري الأكبر بالتوقيع على أحكام قضاة المجلسيين. التنويه بهذه الحقيقة هامّ جدا لقصّتنا.

ذات يوم تآمر المعارضون مع عربي نابلسي فقير معروف بمعارضته الشديدة للمجلسيين، واتّفقوا معه مقابل دفع مبلغ محترم من المال أن يجمع ألفاظه الفاحشة البذيئة التي كان يُطلقها عادة نحو أعضاء المجلس البلدي، ويصوّبها هذه المرّة نحو الكاهن الأكبر السامري. وقد أحاط المتآمرون المكايدون على الكاهن ذلك الفقير علمًا بالمسار اليومي الذي يسلكه أبو واصف، ليكمن له في إحدى قُرن الشارع. وحالما يمرّ أبو واصف به يقوم وينقض عليه بالهراوات والشتائم وألفاظ الإهانة والإذلال؛ كل ذلك لذمّه والقدح فيه على الملأ.

ذلك العربي الفقير المتمرّس جيدًا بألفاظ الإهانة والشتائم، تسلّم ما عرض عليه من مال وفير بحماس موافقًا على القيام بذلك الفعل المشين. أبو واصف، عمّي الكاهن الأكبر، كان مديد القامة، ضخم البدن، شعر رأسه ذهبي ومغطّى بقلنسوة/بعمّة ملفوفة بلفة من نوع أغباني (يبدو من الاسم آغا، وليس غرباني أو راغباني كما ورد في الأصل، أشكر صديقي العزيز الكاهن عزيز بن الكاهن الأكبر يعقوب أبي شفيق على هذا التصحيح) [شريط حريري بأشكال زهور، زهور مذهبة على خلفية حرير أبيض؛ أما الكاهن عزيز فيقول: رداء أبيض قطني ومطرز بخيوط ذهبية أحيانا استخدم كعمّة أو قلنسوة] وذقن ذهبي كبير يتدلّى إلى أعلى صدره، زد إلى ذلك أُبّهة وجهه حيث العينان الزرقاوان الواسعتان الثاقبتان لدرجة استحالة التغاضي عن حضوره الرائع المدهش حقّا.

كان شيوخ نابلس يقصّون لي أنهم أحسّوا غير مرّة بقوّة سريّة تقيمهم على أرجلهم احترامًا للكاهن أبي واصف عند مروره بهم، وهكذا احترموه وقدّروه. لذلك استغربوا الأمر، لأنّهم كانوا على علم بأنّ المعارضين أيضًا قد احترموه وعليه فكيف يخرج نابلسي من قرنة الشارع ويبدأ بشتم وإهانة الكاهن الأكبر السامري.

مخصَّص بدلًا من عقاب

لم يردّ الكاهن على الشتائم وتابع سيره. شرطيان عبرا من هناك بالصدفة، أمسكا الرجل وأودعاه السجن ريثما يحاكم أمام قاض. حلّ يوم المحاكمة، ووَفق الإجراءات المعمول بها آنذاك، لا بدّ من حضور ثلاثة قضاة. وحقّا، حينما أُحضر الشاتم ومثُل أمام القضاة وشهد عليه الشرطيان بأنّه شتم وأهان الكاهن أبا واصف، حكم القضاة عليه غرامة قدرها عشرون ليرة، وهذا مبلغ ضخم في تلك الأيّام، وكذلك السجن الفعلي مدّة شهرين. قاضيان وقّعا على هذا الحكم، وبحسب النظام حُوِّل هذا الحكم للكاهن الأكبر أبي واصف للتوقيع عليه كقاض ثالث. فوجىء القاضيان جدًّا عند سماعهما من عمّي الكاهن الأكبر أبي واصف هذه الجملة: ”لست مستعدًا للتوقيع لأنّ الحُكْم في نظري قاسٍ أكثر من اللزوم“.
”ولكن، يا سيّدنا الكاهن الوجيه، كيف تزعم أنّ الحكم الذي أنزلناه على الشاتم أثقل من اللازم، فهو مسّ بشرفك أمام الجميع؟ “ سأل القاضيان الآخران.

بقي عمّي متمسّكًا برأيه. فهم القاضيان أنّ هذه هي رغبته، مزّقا ورقة الحكم وكتبا حكمًا آخرَ : ١٥ ليرة وشهر ونصف الشهر في السجن. وعلى هذا الحكم رفض عمّي التوقيع. مزّق القاضيان ثانية ورقة الحكم الجديدة وكتبا حُكمًا جديدا: عشر ليرات وشهر في السجن. رفض عمي التوقيع مجدّدا، وهكذا فعل مرة تلو المرة ، غرامة عشر ليرات بدون سجن، غرامة خمس ليرات، ليرتان لا غير.

يئس القاضيان من رفض عمي المتكرّر وأُصيبا بالذهول. قالا له: ”ليكن إذن الحكم لك، ما عقاب الرجل فعلينا الانتقال للمتّهم التالي“! تابع المتهم بعينين كلهما دهشة وتعجّب ذلك الأخذ والردّ الذي دار بين الكاهن الأكبر أبي واصف والقاضيين. وكلّما طال زمن التفاوض بين الطرفين قلّ إدراك المتهم لما يجري.

في النهاية، قام الكاهن أبو واصف وقال للقاضيين وللجمهور الغفير الذي حضر لمشاهدة المحاكمة: ”ليكن معلومًا لكم أنّ المتّهم رجل مدقَع، وكلّ مبتغاه كان الحصول على بعض ليرات إضافية لإعالة عائلته الكبيرة. أرسله أُناس ينوون الشرّ لي. إذا قاصصناه فلن تكون في ذلك فائدة لأحد لأنّنا نعرف أنّ لا مال له لدفع الغرامة وعليه سيبقى في الحبس وأسرته تصبح بدون معيلها الوحيد. بناء على ذلك أقترح على القاضيين أن يعطيا تعليمات للمجلس البلدي يقضي بتخصيص ليرتين شهريًا للرجل لإعانته في إعالة عائلته“.

لم يصدّق القاضيان والجمهور آذانهم. هذا حقًّا كان اقتراح عمّي. إنهار المتّهم في مكانه فاقدًا الوعي، وبعد أن استعاد وعيه، ارتمى على رِجلي الكاهن مٌُقبّلًا إياهما وهو يتمتم كلماتِ الشكر والتبريكات: سامحني يا سيّدي الكاهن الأكبر، إنّك حقًّا الإنسان الطاهر النقي الذي عرفته في حياتي. لا ريب عندي بأنّك نبيّ الله.“



#حسيب_شحادة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (٤)
- الكتب التي أفادت خليل السكاكيني
- تربية ذقن كعلامة على العمر والاحترام
- هل ترجم القس الفلسطيني إلياس مرمورة التوراة السامرية إلى الع ...
- خُلق الإنسان للعمل
- الوزير ياريف لفين يشكل خطرا على الجمهور
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (٣)
- ما معنى أن تكون عربيًا في إلْ-عال؟
- العُنوان على قانون القومية
- طبعة ثانية لكتاب عن بيت صفافا
- خلاصة ما أدلى به الكاهن صدقة بن إسحق عام ١٩£ ...
- ونشلتم الماء بفرح
- جواب صائب على الدوام
- شهادة من مصدر ثان
- كيف يمكن إيجاد الزوج- قصّة جميلة
- حِكَم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (٢)
- عيد مساخر اللصوص
- صداقة على المحكّ
- حِكم، أقوال وأمثال في كلّ مجال (١)
- الرجُل والمرأة - مقارنة جميلة


المزيد.....




- أحد قاطنيه خرج زحفًا بين الحطام.. شاهد ما حدث لمنزل انفجر بع ...
- فيديو يظهر لحظة الاصطدام المميتة في الجو بين مروحيتين بتدريب ...
- بسبب محتوى منصة -إكس-.. رئيس وزراء أستراليا لإيلون ماسك: ملي ...
- شاهد: مواطنون ينجحون بمساعدة رجل حاصرته النيران داخل سيارته ...
- علماء: الحرارة تتفاقم في أوروبا لدرجة أن جسم الإنسان لا يستط ...
- -تيك توك- تلوح باللجوء إلى القانون ضد الحكومة الأمريكية
- -ملياردير متعجرف-.. حرب كلامية بين رئيس وزراء أستراليا وماسك ...
- روسيا تخطط لإطلاق مجموعة أقمار جديدة للأرصاد الجوية
- -نتائج مثيرة للقلق-.. دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت
- الجيش الإسرائيلي يعلن استهداف أهداف لحزب الله في جنوب لبنان ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - حسيب شحادة - مسبة فقير انقلبت بركة