أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - والقول ما قالت الأمعرية















المزيد.....

والقول ما قالت الأمعرية


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 04:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


والقول ما قالت الأمعرية

جواد بولس

يحتفل الشعب الفلسطيني، في السابع عشر من نيسان/ابريل من كل عام، بيوم الأسير الفلسطيني؛ وتشهد جميع محافظات الوطن، على مدار أسبوعين كاملين، سلسلة من الفعاليات والنشاطات الشعبية والرسمية التي تقام ليؤدي المشاركون فيها تحية المجد لأبناء الحركة الأسيرة، وليتوّجوهم بأكاليل الغار عرفانًا بما قدّموا ويقدّمون من تضحيات في سبيل نيل الحرية الفلسطينية وكنس الاحتلال الاسرائيلي.

تعيش فلسطين، في هذه الأيام، كما في كل عام، حالة من الفرح العذري الملتبس، وتحتضنه، كما تحتضن الأم ضفائر ابنتها العروس، برفق وبحفنة دموع، وتزنّره بنور وبحناء وبنار.

إنه نيسان الفلسطيني، فيه تنفتح أبواب السماء فينهمل منها الحنين ويهوي الجوى، ليزهرا، على عتبات البيوت، شوقًا شفيفًا وأملاً مؤجلاً.

لن يفهم البعيدُ عن أرض الوجع كيف تكون تباريح السواسن في نيساننا، ولن يستوعب من لا يعيش في أرض الأساطير ، قاتلة الأنبياء، معنى رجفة الفلّ على شرفة "أم يوسف، الأمعرية"، وهي تجلس فوق ركام بيتها وتعدّ نجوم "السماء السبعة" وتقسم أن تقهر عدوّها ببسمتها المعذبة الشقية فحسب.

قد لا يناسب " الأدب" مقالًا يعالج "تردد أبريل" في هذه الذكرى ويداوي لواعجها، وقد لا تفيد الكتابة عنها بمباضع البديع وبالزخرف؛ فالواقع في الأراضي الفلسطينية رماديّ كالصخر، والمعطيات عليها مستفزة كمرض عضال، والقهر مستفحل واحتلال الغريب مستحكم بعربدة وبخبث لم نعهدهم مذ وطئ ذلك الحزيران اللئيم حرير خواصرنا.

كل بيت في فلسطين المحتلة شرَق بدمع الشهادة أو بكى على وداع أعزائه، حين كانوا يمضون على طريق الجمر ويدفعون ضريبة العز والوفاء، سجناءَ وراء قضبان القهر وتحت سياط الجلّاد.

تشير احصائياتنا إلى أن قرابة المليون أسير دخلوا سجون الاحتلال منذ العام 1967 ، بينما يصل عدد من يقبعون اليوم فيها إلى قرابة خمسة آلاف وسبعمائة أسير، من بينهم مائتان وخمسين طفلاً / حدثاً، علاوة على ستة وثلاثين طفلا مقدسيًا نُقلوا للاعتقال المنزلي، وخمسة قاصرين محتجزين فيما يسمى بالاصلاحيات أو "مراكز الايواء" ؛ وكذلك هنالك سبع وأربعون أسيرة وما يقارب الخمسمائة أسير اداري، وعدد كبير من المرضى، بينهم بضع عشرات ممن يخشون غفوة القدر ويعيشون كشهداء على "همزة" الريح وجنونها ..

لن استرسل بتزويدكم بالأرقام وبتصنيف الفئات وبالمسميات، عِلمًا بأننا شعب يحب الإحصائيات ويجيد مضغها في المناسبات ومن على المنابر؛ ولكنّ واقع الحركة الأسيرة، بمجملها، مقلق ومريض، فهي تمر بمرحلة حرجة وتواجه مؤامرة مصيرية خطيرة.

ليس من الصعب أن نفهم لماذا يحاول قادة اسرائيل وساستها بذل هذه الجهود الجبارة في محاولات مستمرة منهم لكسر شوكة الحركة الأسيرة وملاحقة أفرادها المحررين ؛ فمن يفتش عن الأسباب الحقيقية سيجدها مطوية في صفحات تاريخ هذه الأجيال التي اختارت طوعًا، رغم فداحة الثمن، أن تناضل ضد الاحتلال وتؤكد بخيارها وعبر مواجهاتها المباشرة - وهنا العبرة والخلاصة - على أن العدو الأول للشعب الفلسطيني ولمصالحه كان، ولمّا يزل، الاحتلال، وهو فقط؛ وعلى جميع الفلسطينيين، بدون أي استثناء، تحييد كل التناقضات وكل المناكفات القائمة بينهم، ومواجهة الخطر الأساسي الكبير ؛ فبدون كنس الاحتلال ستبقى كل المسارات الفئوية/الفصائلية مجرد فذلكات سرابية وجرعات مخدرة، وبدون الوحدة النضالية الحقيقية الجامعة ستكون كل أنماط الحياة المقترحة مشوهة ومنقوصة، وستتحول جميع الزيجات "العرفية" مع الاحتلال مصدرًا للذل وللهزائم.

للحقيقة وللأمانة لم تتخلّ فلسطين الرسمية عن أبناء الحركة الأسيرة وقد احتضنت منظمة التحرير الفلسطينية تاريخيًا، ولا زالت، جميع كوادر الأسرى وحاولت أن تنصفهم بشتى الوسائل وعلى جميع المستويات؛ فقادة المنظمة آمنوا بأهمية وبدور الحركة الأسيرة التاريخي وبما يمثله وجودها، وطنيًا وسياسيًا، وبكونها النقيض الواضح والحاضر دومًا لوجود الاحتلال ولهدوئه ولاستقراره.

لقد تبنّت السلطة الفلسطينية، منذ انشائها، أبناء الحركة الأسيرة، وتصرّف قادتها بما يمليه واجب وضمير "السيادة السياسية" الوطنية، حتى ولو كانت منقوصة، تجاه أبنائها وتجاه أفراد عائلاتهم، وتمسّكوا بموقفهم، وما زالوا، رغم شراسة هجمة الحكومة الاسرائيلية الأخيرة وموقف الولايات المتحدة الأمريكية وعناصر دولية أخرى؛ فقادة السلطة على قناعة صحيحة بأن أي تنازل أمام المطالب السياسية الإسرائيلية المهينة يعني في الواقع هزيمة رواية "الثورة الفلسطينية" أمام "الرواية الصهيونية" بما يفضي اليه ذلك من عبث، فالمناضل الفلسطيني سيتحوّل إلى ارهابي ومجرم، وسيصير المستوطن اليهودي الغاصب صاحب البيت الشرعي.

كنت أراجع تداعيات الأزمة والانقسامات التي يواجهها الأسرى في سجون الاحتلال وانا في طريقي إلى مكتب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، د.صائب عريقات، لحضور لقاء، دعا إليه ممثلي الدول الأجنبية لدى فلسطين بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني.

هاتفت، وأنا بمحاذاة مخيم الأمعري، أم "يوسف أبو حميد"، وهي التي أسميتها قبل سنوات "وردة من الأمعري"، كي أطمئن عليها في هذه المناسبة.

كان صوتها كصوت الورد الناتيء في شقوق المخيمات، ينبض بالقوة ويشحنني بالثقة وبالحزم. شكرتني على الاتصال وشكرت قبلي ربها ورجته أن يبقى رحومًا. طمأنتني عن صحتها وذكّرتني بما قالته لي في زيارتي السابقة لبيتها : "المهم يا استاذ ألا تُظهر ضعفك وألا تدع عينيك تدمع أمامهم ؛ فنحن سنبقى أقوياء إذا تبسمنا في وجوههم حتى وهم يهدمون بيوتنا ويقتلون أبناءنا؛ نحن سننتصر على جبروتهم بصمودنا وبتضحياتنا، لأنهم الضعفاء، فأصحاب الحق أقوى من الطغاة، وأولادي وكل ما أملك فداء للكرامة ولفلسطين".

لم أجبها. صمتّ كمن عقل لسانه. خفت أن أدمع وخفت أن تخذلني حنجرتي، فهي أم "لعبد المنعم"، الذي سقط شهيدًا في العام 1994 ولستة أبناء أسرى : "ناصر" و "نصر" و"شريف" و "محمد ناصر" ؛ وجميعهم محكومون في محاكم عسكرية منذ سنوات بالسجن المؤبد لعدة مرات؛ و"اسلام" الذي اعتقل في أيار المنصرم ويواجه تهمة قتل جندي إسرائيلي حضر وكتيبته ليعتقلوا اخاهم السادس "جهاد" اعتقالا اداريًا، من بيتهم في الأمعري، الذي بات، بعد أن هدمه جيش الاحتلال في كانون الأول / ديسمبر المنصرم، ركاما.

لم ينتظر سكوتي طويلًا اذ سمعتها تقول برقة الأم الحزينة "طبعًا أنا أبكي .. البسمة سلاحي أمامهم فقط، لكنني أم وأحب أولادي، وأموت شوقًا لرؤيتهم وأتمنى أن أحتضنهم في كل لحظة... هذا قدرنا وهذه خياراتنا، فمن ينشد العيش بدون احتلال سيدفع نصف قلبه للأسى، ويربّي في نصفه الآخر الوعد بفرح مؤجل لكنه آتٍ ذات يوم ."



دخلت قاعة الاجتماعات في مبنى منظمة التحرير. حضر عن الجانب الفلسطيني ممثلون عن معظم المؤسسات الرسمية والأهلية التي تدافع عن الأسرى، وحضر كذلك معظم ممثلي الدول الاجنبية.

تمنيت لو كانت "أم يوسف الأمعرية" حاضرة لتختصر بحكايتها كل زيف التاريخ وتخاطبهم "ببسمتها" وبنصف قلبها الدامي، عساهم يفهمون كيف سيزهر الحق في نيسان، وكيف سيغلب صوت الحرية أزيز الرصاص.

لا أعرف اذا كانت علامات الدهشة لا زالت بادية على وجهي ؛ لكنني وقفت أمامهم ورفعت رأسي، كما أوصتني تلك الأم الأمعرية، وأطلقت لساني في الفضاء فجاء وقع نداه على ايقاع ابريل وتنهيدة أم سرمدية.

لم نسمع منهم اعتراضًا على ما قلناه ، فلقد أصغوا الينا "بهدوء ديبلوماسي" مزعج وواضح، ثم انسحبوا ببرود بروتوكولي مألوف. بعضهم يعرف مثلنا أن التاريخ سيتذكر "وردة الامعري" ولن يسامح من داس على قلبها، وبعضهم سيتجاهل الحكمة في الربيع ليبقوا غارقين في عارهم وأسرى لمصالحهم ولموازين قوى دولية وهمية مدفوعة بقوانين المداهنة والرياء.

فهل سيكون القول ما قالت الأمعريّة؟



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخابات الكنيست هل من مفاجأة؟
- سأصوت،لن أقاطع
- كان في القدس سوق للخواجات
- الحركة الكسيرة الفلسطينية
- خاطرتان والطريق الى النجاة
- لا تتركوا الصناديق وخيدة
- الانتخابات، هواجس من اجازة مرضية
- القائمة المشتركة، بقايا نيزك
- أوقاف القدس في رعاية ملكية وحماية رئاسية
- القائمة المشتركة، نهاية مغامرة
- القائمة المشتركة: الحزب في مواجهة - النجم-
- ويكفي الناخب شر تجربة واحدة
- بين مسيح حيفا وعذراء فاطمة
- هل تطلّق القائمة المشتركة النائب أحمد الطيبي
- هل ينجح الوزير اردان بتوحيد اسرى فلسطين؟
- رسالة الى محمد صلاح
- خواطر جليلية من - الراين-
- قتل النساء وأزمة الهوية
- شرف العربي معلق على خاصرة وردة
- فتشوا عن - المشترك- وليس عن -المشتركة-


المزيد.....




- أوروبا ومخاطر المواجهة المباشرة مع روسيا
- ماذا نعرف عن المحور الذي يسعى -لتدمير إسرائيل-؟
- من الساحل الشرقي وحتى الغربي موجة الاحتجاجات في الجامعات الأ ...
- إصلاح البنية التحتية في ألمانيا .. من يتحمل التكلفة؟
- -السنوار في شوارع غزة-.. عائلات الرهائن الإسرائيليين تهاجم ح ...
- شولتس يوضح الخط الأحمر الذي لا يريد -الناتو- تجاوزه في الصرا ...
- إسرائيليون يعثرون على حطام صاروخ إيراني في النقب (صورة)
- جوارب إلكترونية -تنهي- عذاب تقرحات القدم لدى مرضى السكري
- جنرال بولندي يقدر نقص العسكريين في القوات الأوكرانية بـ 200 ...
- رئيسة المفوضية الأوروبية: انتصار روسيا سيكتب تاريخا جديدا لل ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - والقول ما قالت الأمعرية