أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - خواطر جليلية من - الراين-















المزيد.....

خواطر جليلية من - الراين-


جواد بولس

الحوار المتمدن-العدد: 6090 - 2018 / 12 / 21 - 03:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خواطر جليلية من "الراين"

جواد بولس

التقينا صدفةً بعد وجبة العشاء في بهو السفينة التي كانت تقلنا من مدينة "رودسهايم" الألمانية الرابضة على حافة نهر الراين، إلى مدينة "شباير".

"هل أنت معهم ؟ " سألني مصوّبًا عينيه نحو مجموعة من الإسرائيليين الذين كانوا معنا على ظهر السفينة وشكّلوا بعشراتهم أكثرية مسافريها.

كان رجل أعمال هولنديا وسيما، تخطى عامه السبعين ، كما وشت حروف السنين على كفيه، وبجانبه جلست زوجته الهوكنغية التي أبدت بدورها اهتمامًا بالمحادثة بيننا وبدت أصغر منه بكثير.

لا أعرف ماذا دفعه "للتحرش" بنا، أنا ورفيقي ؛ فلقد كنّا نتحدث حول البار بصوت خفيض وكما يليق بمسافريْن يركبان الراين ويقصدان مدنه الجميلة التي تستعد لاستقبال عيد الميلاد بحفاوة لم يعرفها الشرق إلا مؤخرًا وبشكل محدود وفي بعض المواقع الرائدة أو "المتمردة" .

قد تكون لغتنا هي سبب توجهه إلي، خاصة وقد أفهمنا، لاحقًا، أنه زار إسرائيل والمنطقة في الماضي لغرض أعماله .

حاولت أن أتجنب الدخول معه في التفاصيل؛ فلقد علّمتني التجربة أنّ ما يبدو لمعظم مواطني العالم طبيعيًا وبسيطًا سيصبح ، مع أول إستفهام، بالنسبة لنا، نحن العرب الفلسطينيين المسيحيين المواطنين في اسرائيل ، ورطةً قد تفسد علينا متعة الرحلة وتطيّر "الكيف" من رؤوسنا .

يأتي سؤالهم عفويًا وبسيطًا، ولكن كيف سيستوعب أصحاب العيون الزرقاء وأهل النعمة تعقيدات وجودنا في تلك البلاد التي "يختلف فيها الرواة على كلام الضوء في حجر" ؟ وكيف سيتفهمون "طباقات" هويتنا والارتعاشات الدائمة في انتماءاتنا؟

فنحن، يا صديقي الهولندي الوسيم، لسنا "معهم" حتى ولو حملنا جواز سفرهم ؛ ولسنا "منكم" حتى إذا جئنا لنرشف من مباهج " كريسمسكم" لأنه كان "ميلادنا" قبل أن يصير لكم ؛ ونعم نحن عرب ولكننا لسنا من هؤلاء العرب الذين فجّروا الأمل في الشوارع وفي سوق "شتراسبورغ"، حيث سنرسو بعد يومين ؛ ونحن، الفلسطينيين الأقحاح، ولكننا لسنا من جماعة غزة ولا من جماعة رام الله بل نحن ممن بقوا على أرضهم وسيبقون "يغنون ويناضلون" كما علّمنا الفجر ووعود العاصفة.

حاولت أن أوجز له الإجابة، فهز رأسه وطمأنني أنه يعرف معظم هذه التفاصيل ، ربما ليس بحذافيرها لكنه أكد على أنه زار بلادنا عدة مرات وتعامل فيها مع فلسطينيين ومع إسرائيليين وتعرّف إليهم. ثم نظر إلي وأضاف بصوت حزين وقال: أعرف..أعرف ولكن، مع هذا فأنا ما زلت لا أفهم كيف ..

لم أدعه يكمل جملته التي بدت لي "طُعمًا" لمحادثة قد لا تنتهي، فرفعت كأسي وواجهته ببسمة صارمة فأدرك معناها وسكت.

يأتي فرح الفلسطيني في الغربة بغتة كالرعد ويختفي مثله مع التنهيدة الأولى. نسافر ، نطير، نبحر، ونحاول أن نضم في الغيم البعيد وسادة من ورد فتوقظنا مسامير أحلامنا. همونا في صدورنا لا تنام، وحياتنا كما وصفها "لاعب النرد" كانت وستبقى ضربة أو ضربتين على خاصرة العدم .

أدرت رأسي نحو رفيقي الذي كان يجلس على يساري فتبسم وقال : يجب أن تجيبه فالرجل كان لطيفًا وعلى ما يبدو فهو متعاطف معنا كفلسطينيين.

ماذا سأقول له وأنا أعرف أنه محق، فنحن، الفلسطينيين، نملك أعدل قضية لكننا لم ننجح في انصافها وفي إنقاذها من الخيبات، والآتي أمامها، كما تنذر جميع أبراج السياسة، سيكون أوخم وأقسى وأخطر . وحالنا ، نحن العرب في إسرائيل قد لا يكون أفضل لاننا ننام في فوهة البركان. لقد جئنا إلى هنا لنمارس بعضًا من النسيان وكثيرًا من لذة الوحدة.

مررنا ، أنا ورفيقي، كما يليق في هذه الليالي، على مسلسل النكسات في عصرنا الحديث فأحسسنا بالعطش وبوجع يشبه وجع "المارّين بين العتبات".

لقد تمنينا، على طريقة المتفائلين البسطاء، أن تنتهي العشرة الأخيرة الباقية بسرعة ، مع أننا لم ندر كيف ولماذا سيكون العام المقبل أفضل لنا؟

كانت سنة 2018 رمادية على جميع العرب وكسابقاتها كانت سنة عجفاء، عزّزت فيها أنظمة الحكم "طبائع استبدادها" ضد مواطنيها، في حين أخفض الحكام وبطاناتتهم رقباتهم أمام الغطرسة الأمريكية غير المسبوقة والعنجهية "النتنياهيه" السافرة ؛ وكانت كذلك قاسية على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، الذين ما زالوا يواجهون أعتى صنوف الغطرسة الاحتلالية الإسرائيلية العسكرية ومقارف سوائب المستوطنين الفالتة وهم يعيثون في الأرض فسادًا وإرهابًا وبطشًا ، ويعيشون كذبة الأوهام الكبيرة؛ فرغم وعود "الاخوة الأعداء" بالمصالحة، ما زال الشعب يدفع فاتورة أخطر الانقسامات في تاريخ فلسطين الحديث، ما أصبح يشكل تهديدًا حقيقيًا لمستقبل مشروع التحرر الوطني ووسيلة للقضاء على مكاسب نضالاتهم التي احرزوها، لا سيما في العقود الستة الأخيرة.

لم يقتصر حديثنا على شؤون الغم والهم، فبيننا، نحن العرب في اسرائيل ، ورغم اسوداد النهار، بزغت شموس صغيرة قد تعيد لسمائنا زرقتها الواعدة ورقصة السنونوات القديمة، وقد يكون هذا "الميلاد" علامةً فارقة على طريق تمتين الهوية الاجتماعية بين بعض التجمعات السكانية التي سئمت لعنة الفرقة وغضب المنابر التي تدعو الى البغضاء.

كنت أسرد لرفيقي حكاية قريتي الجليلية ، كفرياسيف ، التي أهملها البناؤون فكادت تغرق تحت غبار العجز وتضيع بين دخان الرصاص، لكنها استفاقت، في اكتوبر الماضي، وقامت كما في الأناشيد والكتب.

أحيت قيادات القرية الجديدة وشبابها ثلاث ليال تحت عنوان " الكريسماس ماركت" فكادت قلوب الناس في الجليل وغيره أن تنفطر من هول الفرح.

"لكنهم هاجموكم" قال رفيقي، واخبرني انه قرأ عمّن وصف هذه السعادة بالفسق وتمنى لمن شاركوا فيها عظيم البلاء وأشد العذاب.

رفع الهولندي كأسه وطلب أن نشرب نخب الصدفة الجميلة وتمنى لشعبنا السلامة والحياة. لم نكن لوحدنا فلقد انضم الينا رجل وزوجته كانا قد اخبرانا انهما يسكنان في مدينة نهاريا القريبة من قريتنا.

مهما تحاول في هذه الرحلات أن تحافظ على مسافة من باقي المشاركين فيها، خاصة اذا احسست، ربما عن خطأ، بأنهم لا يستطيبون جانبك، لن تنجح، فللغربة قوانينها وللسفر لزومياته.

شربنا النخب وتبادلنا مشاعرنا حول أجواء المدن الألمانية، فالناس تتصرف فيها، رغم البرد وغياب الشمس، بهدوء ويلعب الأطفال بطمأنينة، ونحن، رغم كوننا أغرابًا، أصبحنا جزءً من المشهد وأصحابًا للعيد.

شرحت "لصديقي" الهولندي لماذا نحترف نحن في الشرق ، برأيي، طقوس الخسارة، ونتراجع من بؤس إلى أسوأ، وأفهمته، أنهم رغم قناعتنا بأن "سوسنا من عودنا"، يبقون هم ، أهل الغرب, سادة لهذا الشقاء وحماته البارعين .

لم يُبدِ جارنا اليهودي اهتمامه بما دار بيني وبين الهولندي من حديث ، فهو لم يواكب بدايته؛ لكنني سألته، وقد أدهشني تعامله اللطيف مع الألمان، كيف نجح، بعد سبعين عاما فقط، أن ينسى ما فعله الألمان لهم وللشعوب الأخرى، بينما يقسمون، في بلادنا، على ألا ينسوا ما فعلناه، نحن الفلسطينيين، بهم ؟ فأي شرع يجيز لكم أن تحتلوا أرضًا لأكثر من خمسين عامًا وتضطهدونا، نحن المواطنين في دولة الاحتلال؟

هز الهولندي رأسه متعاطفًا مع نبرة صوتي وصمت الاسرائيلي وقال متعذّرًا: لقد جئنا إلى هنا كي نفرح فدعنا لا ننكأ تلك الجراح.

عدت إلى رفيقي إلياس وأكدت له أن من هاجم ليالي كفرياسيف البيضاء لن ينجح في تعطيل مسيرة شعب لا ييأس ، لأن الحياة، في فلسطين، ستبقى الأدوم من الدمار، والحب فيها أقوى من الموت ؛ فكفرياسيف التي أحبها "شعراء المقاومة" ودلّلوها في أشعارهم أرادت مجددًا لقاءهم "فتوافد للقائها الأحبة والشعراء" وجاؤوها، كما أنشد الراشد، من الجليل ومن المثلث محمّلين "همًا له في خواطرهم ضوضاء" .

رفعنا النخب الأخير وتواعدنا أن نلتقي في مواسم العز القادمة في بلادنا، فالجليل قام من بين الغبار وسيبقى في حضن الحناجر أغنية للسعادة ودعاء لمستقبل "سيناته" معمدة بعطر النراجس و"لاماته" بيضاء يققةً كالفل البلدي.

نمنا كي نفيق في محطتنا القادمة، مدينة شتراسبوغ المصابة ومقر محكمة العدل الأوروبية !!



#جواد_بولس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قتل النساء وأزمة الهوية
- شرف العربي معلق على خاصرة وردة
- فتشوا عن - المشترك- وليس عن -المشتركة-
- اتركونا نحن العرب في اسرائيل لنحيا
- ياسر عرفات .. ذكرى
- انتخابات المجالس المحلية:ماذا قالت الجماهير العربية في اسرائ ...
- القدس بين سلطان ودير
- -لجنة المتابعة- هدف معارك اسرائيل القادمة
- القدس عارية
- الحكمة والوجع في دموع اكتوبر
- الحرب هي على انجازات أسرى فلسطين
- في -الغفران- تبكي القدس فيصلها
- هل من بروكسيل سيأتي الخلاص؟
- حين كانت فلسطين محتلة!
- في فيينا او في كريات حاييم، الفاشية واحدة لا تلين
- من سيُسجن في سبيل العلَم؟
- البركة في مظاهرة تل أبيب
- إسرائيل والمسألة الدرزية
- قانون القومية اليهودية وصراعات القبائل العربية
- قانون القومية:-إسرائيل فوق الجميع-


المزيد.....




- -بعهد الأخ محمد بن سلمان المحترم-..مقتدى الصدر يشيد بالانفتا ...
- الكشف عن بعض أسرار ألمع انفجار كوني على الإطلاق
- مصر.. الحكومة تبحث قرارا جديدا بعد وفاة فتاة تدخل السيسي لإن ...
- الأردن يستدعي السفير الإيراني بعد تصريح -الهدف التالي-
- شاهد: إعادة تشغيل مخبز في شمال غزة لأول مرة منذ بداية الحرب ...
- شولتس في الصين لبحث -تحقيق سلام عادل- في أوكرانيا
- الشرق الأوسط وبرميل البارود (1).. القدرات العسكرية لإسرائيل ...
- -امتنعوا عن الرجوع!-.. الطائرات الإسرائيلية تحذر سكان وسط غ ...
- الـFBI يفتح تحقيقا جنائيا في انهيار جسر -فرانسيس سكوت كي- في ...
- هل تؤثر المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على الطيران العالمي؟ ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بولس - خواطر جليلية من - الراين-