أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (13)















المزيد.....


قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (13)


ناصر بن رجب

الحوار المتمدن-العدد: 6189 - 2019 / 4 / 2 - 19:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


• في البحث عن "سيرة" عروة: بعض المسائل المنهجيّة في البحث عمّا هو "صَحيح" في سيرة محمّد.
• Stephen J. Shoemaker, In Search of Urwa’s Sira: Some Methodological Issues in the Quest for “Authenticity” in the Life of Muhammad. In Der Islam, 85, S. 257–344, 2011.

⁂ ⁂ ⁂

في البحث عن "سيرة" عروة بن الزّبير: بعض المسائل المنهجيّة في البحث عمّا هو صحيح في حياة محمّد

ملخّص البحث
يثير هذا المقال تساؤلات جدّ مهمّة حول الجهود المبذولة لإعادة بناء "سيرة" عروة بن الزّبير بواسطة استخدام مناهج نقد الإسناد وبالخصوص تلك التي اقترحها مؤخَّرا Gregor Schoeler و Andreas Görke [يتعلّق الأمر هنا بالنّص الذي عرضناه في المقال السّابق، المترجم]. فإذا كان بالإمكان ربط الزّهري، وأحيانا أخباريّين آخرين من جيله، بالأحاديث المعنيّة وذلك بطريقة مُقنِعة، فإنّ الإرتقاء إلى عروة يظلّ عموما غير مُقنِع (ناهيك عن الإحتجاج العرضي بعائشة ومزاعم "أصالة" الأحاديث). إنّ الصّعوبة الرئيسيّة تتمثّل في أنّ معطيات الأحاديث المتعلّقة بالسّيرة لا تستطيع بشكل عام تلبيّة الشّروط الصّارمة التي تتطلّبها معالجة الرّابط المشترك، وذلك بسبب أنّ شبكات نقل هذه الأحاديث ليست بالكثافة اللاّزمة لكي تسمح بصياغة أنماط ذات دلالة كافية قبل بداية القرن الثّاني. علاوة على ذلك، تشترط الحجج الدّاعمة لنسبة هذه الأحاديث إلى عروة، في الغالب الأعمّ، قدرا كبيرا من التّفاؤل فيما يتعلّق بدقّة بعض الأسانيد، وإرادة من حين لآخر لقَبول خيوط نقل أُعِيد إنشاؤها بطريقة افتراضيّة أو للتّغاضي عن صعوبات مرتبطة بطُرُق النّقل المدوَّنة. كما أنّ هذه المنهجيّة العسيرة فشلت حتّى الآن بنفس الدّرجة في الكشف عن شيء "جديد" بوجه خاصّ عن "تاريخ محمّد" لا سبيل للكشف عنه بطرق أخرى من خلال مقاربات أكثر بساطة.

لقد أصبحت الأسئلة المتعلّقة بالموثوقيّة التّاريخيّة لأولى سِيَر ومغازي محمّد تشكّل واحدا من أعوص المشاكل التي تعترض الباحث في دراسة أصول الإسلام. فبالرّغم من أنّ العديد من كبار المختصّين في الدّراسات الإسلاميّة في بداية القرن التّاسع عشر كان قد استهواهم في البداية مدى ثراء الأخبار المفصَّلة عن حياة محمّد، معتبرين أنّه بالإمكان معرفة "تقلّبات أفكاره، وتناقضاته، ونقاط ضعفه، عامًا بعد عام"، إلاّ أنّ هذا الوهم تبدّد في بداية القرن العشرين، وبالخصوص بفضل أعمال إغناتس غولدتسيهر Ignác Goldziher، وهنري لمّانس Henri Lammens. فقد شدّد هذان العالِمان، وكثير مِمّن جاء بعدهم ومن بينهم خاصّة جوزيف شاخت Joseph Schacht، على التحيّز المُفرِط لمعظم الكتابات الإسلاميّة التّقليديّة وعلى طابعها المُصطَنَع وحتّى المتناقض، الشّيء الذي لم يعد معه ممكنا أبدا أنّ نهلِّل بنفس السّذاجة، على غرار ما فعله إرنست رينان Ernest Renan، بأنّ الإسلام كان قد وُلِد "في ضوء التّاريخ الباهِر". أدّى هذا التحوُّل المنهجي بالنّهاية إلى إفراز مقاربة جديدة "مُتشكِّكة" في دراسة الإسلام المبكِّر التي كان من شأنها أن تَجْلِب إلى ميدان دراسة الأحاديث الإسلاميّة المبكِّرة "التّأويل الشكّي" وتطبّقه عليها بطريقة مشابهة لدراسة أصول اليهوديّة والمسيحيّة دراسة تاريخيّة-نقديّة.
ومع ذلك، فقد مرّت سنوات عدّة قبل أن يقع تطبيق هذه المقاربة بدقّة على تحليل أصول الإسلام، وهو المسعى الذي بدأ يأتي أكْلَه خلال العقود الأخيرة، وبالأخصّ في ميدان الدّراسات باللّغة الإنجليزيّة. فقد استندت أعمال كلٍّ من جون وينسبرو، وباتريشيا كرونه، ومايكل كوك، وسليمان بشير ولاري كونراد وجيرالد هاوتينغ، من بين باحثين آخرين، إلى أفكار غولدتسيهر ولمّانس وشاخت، وتوصّلت في نهاية المطاف إلى نتيجة مفادها أنّ أولى المصادر الإسلاميّة ليست وحدها التي لا يمكن أن نثق فيها كثيرا كشواهد مباشرة على نشوء الإسلام، ولكن أيضا أنّ بدايات الإسلام تلك كانت في حقيقة الأمر مختلفة تماما عمّا ذكرته بصددها هذه المصادر اللاّحقة.
بالتّأكيد، لم يقبل الجميع كلّ إنعكاسات النّقد الرّاديكالي لموادّ المأثور الإسلامي التّقليديّة التي اقترحها كلّ من غولدتسيهر، ولمّانس، وشاخت، ولكنّ سذاجة الجيل الأوّل من العلماء، الذين صدّقوا كلّ ما يقوله هذا المأثور، تلقّت ضربة قاسية ممّا جعل الدّراسات اللاّحقة تتناول سيرة محمّد بتحفّظ أكبر. وبناء على ذلك، أصبح لزاما على أولئك الّذين يرغبون في الحفاظ على بعض موثوقيّة هذه الموادّ التقليديّة ومصداقيّتها تحديد المعايير التي من شأنها أن تسمح، بقدر من الثّقة، بالتميّيز بين الأسطورة الدينيّة والحَدَث التّاريخي. لسوء الحظّ، ظلّت أعمال كثيرة عن حياة محمّد، سواء التقديميّة العامّة منها أو المعمَّقة، تسير على نفس المنوال كما لو أنّ شيئا لم يحدث، مردِّدة بدرجات متفاوتة من التروّي والحيطة الرّواية الإسلاميّة التقليديّة بخصوص سيرة نبيّ الإسلام: فحتّى مؤلّفات علماء مرموقين في حقل البحوث الإسلاميّة، بعد أن اعترفوا في البداية بالمشاكل العديدة التي تطرحها المصادر، نراها تروي غالبا حياة محمّد حسب ما جاءت به السّرديّات التقليديّة. إنّ المختصّين في الإسلام من ذوي الأصول الإسلاميّة لا يمكنهم، مع كلّ هذا، أن يتجاهلوا القضيّة بسهولة هذا الإشكال، وبالتّالي سعى بعض الباحثين إلى إيجاد مناهج تسمح بتحديد "نواة تاريخيّة" موثوقة ضمّنها التّقليد الإسلامي في سيرة النبيّ. فعلى سبيل المثال، لَقِي مونتغمري واط ملاذَه في وجود مفتَرَض لـ "نواة صلبة للوقائع"، يعني بها ضمنيّا الآثار التقليديّة، التي تُوفِّر "إطارها الأساسي" وقاعدة كرونولوجيّة موثوقة تسمح لها بالدّرجة الأولى بإعادة إنتاج الأخبار التقليديّة عن نشاطات محمّد في مكّة والمدينة دون أن تُدخِل عليها أيّ تغيير أو تحريف. ومع ذلك، تظلّ فرضيّة واط، بخصوص موثوقيّة هذه "النّواة الصّلبة"، في صيغة الإثبات أكثر منها فرضيّة وقع اختبارها والبرهنة على صحّتها، وفي الواقع تعرّفت دراسات أحاديث السّيرة على كرونولوجيا حياة محمّد من بين عناصرها الأكثر تصنُّعا. إنّ مثل هذه الدّعوات التي وجّهها واط وآخرون إلى وجود "إطار كرونولوجي أساسي" لا تشكِّل بالنّهاية إلاّ مغالطات منطقيّة [مصادرة على المطلوب] لا تُجيب على الشّكوك المشروعة التي أُثيرت فيما يتعلّق بموثوقيّة المأثور التّقليدي.
من جهته، اقترح الباحث رودي باريت مَخْرَجًا مختلفا نوعا مّا، على عكس واط والعديد من الباحثين "التّقليديّين"، وكان على استعداد لقبُول الاستنتاجات الجذريّة المتعلّقة بموثوقيّة الحديث التي توصّل إليها غولدتسيهر وشاخت. فقد اعتَرف باريت بأنّ ما توصّلا إليه خلّف فجوة بين بدايات الإسلام وبين الأحاديث الفقهيّة والثيولوجيّة المبكِّرة، لكنّه اقتَرح أنّه بالإمكان تقليص هذه الفجوة من خلال دراسة "أدب التّاريخ بالمعنى الأضيَق للكملة". والقرآن وحده ليس بإمكانه أنّ يحلّ المشكلة، كما يشير إلى ذلك باريت، إذ أنّ القرآن لا يُفيد كوثيقة تاريخيّة إلاّ إذا قُرِء بالتّزامن مع سيرة محمّد. وبالتّالي، يجب إيجاد طريقة قادرة على تحديد ما هي الموادّ المبكِّرَة والجديرة بالثّقة من بين كُتَل الاساطير الدينيّة التي جُمِّعت وكُدِّست في سِيَر ومغازي محمّد. وعلى الرّغم من أنّ باريت يعترف، على ما يبدو، بأنّ جزءًا ضخما من أدب السّيرة المبكِّر لا يمكن أنّ يُوفِّر لنا معطيات تاريخيّة موثوقة بخصوص حياة محمّد، فهو يُعايِن، مع ذلك، ما كان يعتَقد أنّه يشكِّل علاقة حقيقيّة بين أُستاذٍ وتلميذه في سلسلة الإسناد ابن إسحاق → الزّهري → عروة بن الزّبير. من وجهة نظر باريت فإنّ أحاديث سيرة ابن هشام وتاريخ الطّبري التي تحمل سلسلة الإسناد هذه يمكن أن نثق بها، متخطِّيًا في ذلك العوائق الكرونولوجيّة التي كشف عنها كلّ من غولدتسيهر وشاخت، ويؤكِّد، بكلّ ثقة في النّفس، أنّ هذه المواد تتجذّر أصولها في نهاية القرن الأوّل للإسلام. يحاول باريت الرّجوع إلى أبعد ما يمكن داخل الضّباب الذي يكتنف أصول الإسلام من خلال مناشدة حُجِّية عروة، الذي ينحدِر من واحد من أتباع محمّد الأوائل، الشّيء الذي يكون قد أتاح له الإطّلاع من الدّاخل ولو بشكل غير مباشر على حياة وزمن محمّد. ومع ذلك، بينما يُلفِت باريت الانتباه إلى هذا الصّنف من الإسناد المتكرِّر، فإنّه لم يُوضِّح لنا كيف أنّ مجرّد إسناد حَديث مّا إلى عروة يمثّل في حدّ ذاته ضمانة بأنّ هذه الموادّ هي بالفعل مستمَدَّة من قرن الإسلام الأوّل. فإذا كان يبدو من المرجّح نوعا مّا أنّ قدرْا كبيرا من موادّ ابن إسحاق تعود إلى الزّهري، فليس من المؤكَّد على الإطلاق أنّ يكون الإرتقاء بها إلى عروة موثوقا دائما. يجب أن نفترض، مثلا، أنّ عروة، حتّى في زمن ابن إسحاق، كان قد اكتسب مكانة أسطوريّة كواحد من أوائل رواة سيرة محمّد، الشّيء الذي أدّى إلى رَبْط قدر كبير من موادّ السّيرة، التي لم يُعرَف مصدرها، باسمه والحاقها به. أو من المحتمل أيضا أن يكون ابن إسحاق، أو محدِّثون لاحقون، هو الذي أسنَد عن قصد قدرا كبيرا من موادّ الزّهري إلى الرّجل الذي جَرَت العادة على اعتباره شَيْخَه. إنّ الرّابط المفتَرَض بين هذه الأحاديث وبين عروة يتطلّب تبريرا إضافيّا ولا يمكنه أن يبقى مجرّد افتراض.
لم يقع تطبيق نظريّة باريت هذه إلاّ بعد بضع سنوات من صدور مقاله وذلك في أطروحة Joachim von Stülpnagel في جامعة Tübingen يتناول موضوعها أهمّية عروة كمصدر للأحاديث الإسلاميّة المبكِّرة، وكان باريت هو المشرِف نفسه على هذه الأطروحة. على غرار أستاذه باريت، يفترض الباحث إلى حدّ كبير موثوقيّة سلسلة الإسناد التي ترقى إلى عروة، وذلك دون تقديم المزيد من الحجج التي تدعم صحّتها. وبالتّالي، يمكن القول بأنّ الإنجاز الرّئيسي لهذه الدّراسة يكمن أساسا في تجميع مدوّنة واسعة من أحاديث عروة المزعومة من متون المصادر المتاحة آنذاك. وبالرّغم من أنّ هذه الأخبار جاءت من مصادر على أوسع نطاق، فإنّه ليس من المستَغرَب أن تكون الأطروحة قد ركّزت أساسا على موادّ السيرة المنسوبة إلى عروة. يولي فون شتولبناغل اهتمامًا بالغا لـ "الرّسائل" المفتَرَضة التي يكون عروة قد كتبها إلى الخليفة عبد الملك، مع توفير ترجمة للألمانيّة لجميع قطع الرّسالة المزعومة فضلاً عن تقديم تحليل لنخبة من المواضيع والأحاديث المختارة. في تعليقاته، كثيرا ما يستحضر فون شتولبناغل علاقة عروة بخالته عائشة التي من شأنها أن تؤكِّد الأحاديث المنسوبة إليه: من الأكيد أن تكون زوج النبيّ المفضّلة وابنة الخليفة الأوّل قد وفّرت لعروة مصدرا للمعلومات موثوقة. ولكن مع كلّ ذلك، نرى أنّ رفع الأحاديث إلى عائشة يزيد في الطّين بلّة، فهو يفاقم المشاكل التي تثيرها فرضيّة فون شتولبناغل التي لا تستند إلى أيّ أساس موضوعي والتي مفادها أنّ عروة هو الرّاوي الفعلي للأحاديث المنقولة تحت إسمه. في أكثر من مناسبة، يعترف فون شتولبناغل نفسه بمشكلة التّحريف الواسع للأحاديث والأسانيد، وذلك حتّى في مدوّنة أحاديث عروة، دون أن يقوم بتحديد طريقة منهجيّة يستطيع من خلالها التّمييز بين الغثّ والسّمين: هناك مجرّد ملاحظات تتعلّق بصحّة الأحاديث وقع اقتراحها بطريقة متقطِّعة وجزئيّة. المزيّة التي تُحسَب له، أنّه قدّم لنا ما يمكن اعتباره ربّما التحليل الوحيد المدعَّم لـ "رسائل" عروة، التي يبدو أنّ الدّفاع عن مصداقيّتها اضطلع به أساسا باحثون متخصّصون آخرون (أنظر أدناه)؛ فيما عدا هذا، فهو لا يتعرّض لصحّة ما جاء في مدوّنة عروة من موادّ إلاّ بصورة سطحيّة وغير مقنِعة. في عرضه القصير للمسألة، يقوم فون شتولبناغل بتشخيص بعض المميّزات العامّة لتاريخ نقل أحاديث عروة التّي قد تبدو أنّها تُقِرّ بصحَّة هذه الأحاديث، ملاحظا بشكل خاصّ نقلها المتوازي المتواتر من طريق هشام بن عروة والزّهري. إلاّ أنّ فون شتولبناغل لا يتعقَّب هذه المسائل بما فيه الكفاية لكي يُبدِّدَ كلّ الشكوك التي تحوم حول نسبة هذه الموادّ لعروة، ولكنّه ترك هذه المهمّة إلى دراسة لاحقة.
طيلة أربعين عاما، ظلّت نظريّة باريت وفون شتولبناغل حول مدوّنة مُبكِّرة، يمكن استردادها، من أحاديث كتبها عروة، فرضيَّةً واعِدة ولكنّها بقيت نائمة ودون أن يتمّ اختبارها بشكل أساسي. إلاّ أنّه تمّ مؤخّرا إخراج هذه المقاربة من سباتها من طرف Gregor Schoeler و Andreas Görke اللّذيْن أعلنا منذ مدّة قصيرة، في مقال لهما، تعاوُنَهما حول مشروع طَموح يهدِف إلى إعادة بناء سيرة محمّد كما كان عروة قد درّسها في نهاية القرن الأوّل للهجرة [وهو النّص الذي قدّمناه في المقال السّابق من هذه السّلسلة من القراءات الافقيّة]. إنّ جذور هذا الجهد الجماعي تعود إلى الدّراسة التي قدّمها Schoeler عام 1996 بعنوان "Charakter und Authentie der Muslimischen Überlieferung über das Leben Mohammeds"، التي يحاول فيها شولر بالأساس المُضيّ قدما بمشروع فون شتولبناغل انطلاقا من النّقطة التي توقّفت عندها دراسته عندما تعرّضت لمشكل "الموثوقيّة" الشّائك. بعد دراسة استقصائيّة لأهمّ روّاة ومصادر أحاديث السّيرة المبكِّرة، شخّصت دراسة شولر منهجيّة مُمْكِنة للتّحقُّق من أولى أحاديث السّيرة وإثباتها ثمّ تطبيقها فيما بعد على حديثيْن مُحدَّدَيْن من سيرة محمّد منسوبيْن إلى عروة، مدافعا عن صحَّتَيْهما، ومؤكِّدا ضمنيّا نوعا مّا على دقّتِهما.
على مستوى المنهجيّة، تستلهِم دراسة شولر من التّقنيّات الأوليّة التي طوّرها جوزيف شاخت، ثمّ صقَلَها ج. جوينبول وهارالد موتسكي في أبحاثهما المتعلّقة بالأحاديث الفقهيّة. في كتابه The Origins of Muhammadan Jurisprudence الذي تُرجِم إلى العربيّة ترجمة مبتورة ومشوّهة تكاد لا تُقرأ، تحت عنوان "أصول الفقه"، كان شاخت أوّل مَن اقترح أنّه من الممكن أن نعرِف أكثر عن تاريخ الأحاديث الآحاد من خلال الإستفادة من أسانيدها، وذلك بقطع النّظر عن أوائل رُواتِها المصطَنَعين الذين تحدِّدهم سلاسل الإسناد. عندما نقوم بمقارنَة كلّ الأسانيد المختلِفة الواردة في حديث محدَّد من مصادر متعدِّدة، فإنّه غالبا ما نتوصّل إلى تشخيص رَاوِيَة وحيد تلتقي عنده كلّ سلاسل الإسناد المختلفة وتمرّ من طريقه، وهو ما نسمّيه "الحلقة المشتركة". وكما يستنتج شاخت بصورة معقولة، فإنّ هذا الحلقة المشتركَة إمّا أن يكون في الغالب مَن روى لأوّل مرّة حديثا خاصّا وجعله متداوَلا بين النّاس، أو ربّما تكون شخصًا وقع في الأصل إسناد الحديث إليه ونشره تحت اسمه.
وإلاّ، فإنّه يصعُب تفسير كيف أمكن لسلاسل الإسناد المتنوّعة جدّا هذه أن تلتقي كلّها عند هذا الشّخص الفريد باعتباره أقدم مصدر مشترك لها. ومع هذا، وكما نبّه لذلك أخرون عن صواب، فإنّ هذه المنهجيّة ليست معصومة من الخطأ، وبالمقارنة مع ضوابط تأريخيّة أكثر موثوقيّة، فإنّ نقد السّند هذا غالبا ما يفشل في توفّر تأريخ دقيق. وقد ادّعى البعض أنّ السّبب في الوصول إلى هذه النّتيجة هو ما يُسمّى "انتشار الأسانيد" أثناء عمليّة النّقل، وهو إشكال كان شاخت نفسه أوّل مَن شخّصه. فمن المرجّح جدّا، كما أدرك ذلك شاخت وآخرون، أن تكون سلاسل الإسناد الموثوقة هذه، كانت قد حُرِّفت بحكم تعقيدات عمليّة النّقل التي امتدّت لفترة زمنيّة طويلة، بالإضافة إلى ما أدخله عليها من تدليس مُدوِّنو مَأثورٍ إسْلاميٍّ ما فتئ ينمو ويتطوّر باستمرار. والنّتيجة هي أنّ العديد من الاسانيد صارت ملوَّثة ولم تعد تحتفظ بسجلٍّ دقيق لعمليّة النقل التّاريخيّة، وبالخصوص في أولى مراحل هذا المسار، الشيء الذي يمكن أن يخلق الإنطباع بوجود روابط مشتركة مُزيَّفة.
يبدو أنّ جوينبول أدخل على هذه المنهجيّة تحسينات كثيرة، بما في ذلك أهمّية تشخيص عدّة "حلقات مشتركة فرعيّة" المنبثقة عن الحلقة المشتركة الرّئيسيّة، وذلك بغية تجنّب هذه المشاكل إلى حدّ مّا. حسب جوينبول، قبل أن نتوصّل إلى تأريخ حديث بدقّة بواسطة الأسانيد، يجب علينا أن نقدر لا فقط على تحديد الحلقة المشتركة ولكن أيضا الحلقات المشتركة الفرعيّة التي تعتمد مباشرة على هذا الرّاوي المبكِّر، وكلّ واحدة من هذه الحلقات الفرعيّة لها هي نفسها بعضا من التّلاميذ الذين ينقلون هذه المّادّة عن أنفسِهم. يلاحظ جوينبول أنّ الرّواة الفُرادى يكونون عادة "مغمورين" لكي يبرزوا لاحقا في مسار عمليّة النّقل وذلك في محاولة للعودة بالحديث إلى فترة مُبكِّرة أكثر، وإذا ما لم يتمّ إقصاء سلاسل الإسناد الفاسدة هذه فإنّ هذا قد يؤدّي إلى تشخيص حلقة مشتركة مُزَيَّفة وتحديد تاريخ خاطئ. إنّ وجود مثل هذه الشّبكة الكثيفة من الرّواة مع أخذ الإحتياطات مباشرة ضدّ محاولات "تصليح" الحديث، فهذا من شأنه أن يؤمِّن درجة عالية من الإحتماليّة في أن ننْسب حديثا معيّنا إلى شخص مّا، حتّى أنّ مايكل كوك نفسه كان قد اعترف بأنّ نتائج هكذا منهجيّة هي نتائج مُقنِعة تماما. غير أنّ هارالد موتسكي، من ناحيته، نادى بالتّخلّي عن بعض شروط جوينبول التي اعتبرها صارمة جدّا. فقد أكّد بالخصوص على وجوب أن نأخذ في الحسبان مختلف الأبعاد التي أقصاها جوينبول لكي يتسنّى لنا استعمال هذه الاسانيد حتّى نستطيع وضع الحلقة المشتركة في فترة مبكِّرة أكثر خاصّة فيما يتعلّق ببعض الأحاديث. ولكنّ حُجَج موتسكي في هذه الحالة قيد النّظر ليست مُقنِعة وذلك لأسباب وضّحها أتّم الوضوح كريستوفر ملكهيرت Christopher Melchert، ولذلك يبدو من الأفضل الإحتفاظ بالمبادئ الأكثر حذرا التي نادى بها جوينبول. بالفعل، إذا أخذنا بعين الإعتبار التّدليس الذي أصاب الحديث على أوسع نطاق، وتزوير الأسانيد وتفشّي ظاهرتها، فإنّ هذه المنهجيّة تظلّ مُقنِعة أكثر من غيرها شريطة استيفاء معايير جوينبول، وإلاّ فإنّ الشّك سيتفاقم شيئا فشيئا.
منذ فترة قريبة، اقترح موتسكي منهجيّته الخاصة المنحدرة من تِقنيَّة شاخت وسمّاها تحليل "إسناد مع متن". حسب مقاربة موتسكي، من المتوقّع أن نجد في حديث صحيح تطابقا بين طرق النّقل التي تنصّ عليها الأسانيد والتّغيّرات المختلفة التي تُصيب مَتْن هذا الحديث. ممّا يعني أنّ مختلف نُسَخ الحديث يجب عليها أن تتقابل مع طرق نقل مُميَّزة يقع تشخيصها من خلال نقد الإسناد. وقد استخدم موتسكي هذه المنهجيّة بنجاح كبير في دراسات مختلفة تتعلّق بالمأثور الإسلامي المبكِّر بما فيها الدراسة التي خصّصها لأحاديث السّيرة (نناقشها أسفله). وبالرّغم من ذلك، ففي حين يُنزِّل تحليل موتسكي بشكل مُقْنع عددا من الأحاديث في نهاية القرن الثّاني، فإنّ الجهود التي يقوم بها من أجل اجتياز هذا الحاجز تبقى غير مقنِعة تماما مثلما أشار إلى ذلك أيضا باحثون آخرون. عندما يفترض موتسكي أنّ الحلقة المشتركة (الرّاوي المشترك) هي سابقة للحَدَث، متعارضا في ذلك مع باحثين آخرين يعتبرون أنّه من الحذر اعتبار أنّ هذه الشخصيّة هي لاحِقة للحدث، فهو يُشدِّد، بامتعاض وعدوانيّة في غالب الاحيان، على ما وراء تاريخ فترة الحلقة المشتركة، مُقدِما أحيانا حُجَجا تخمينيّة خاصّة به تهدف إلى العودة بالأحاديث إلى وقت مبكِّر أكثر في القرن الأوّل. هذه النّتائج الافتراضيّة هي أقل إقناعا بكثير من تحليل موتسكي الدّقيق للأسانيد والأحاديث التي من خلالها يعزو، بطريقة جدّ مقنعة، إلى بداية القرن الثّاني كميّة هائلة من موادّ المأثور الإسلامي.
تبنّى شولر وغوركه لمشروعهما منهجيّة موتسكي "إسناد مع متن" بالأساس؛ وعلى الرّغم من أنّ هذه المنهجيّة لاقت بعضا من النّجاح فمن الجدير أن نتساءل ما إذا كان شولر وغوركه، مثلما فعل موتسكي، قد بالغا في تعقّب النّتائج، وكذلك ما هي درجة فعّالية هذه المقاربة عندما يقع تطبيقها على زَخَم من الأسانيد أقّل كثافة بكثير التي تحتوي عليه أولى أحاديث السّيرة. ومن الإنصاف التّشديد على أنّ شولر وغوركه توصّلا، بفضل مزجهما فرضيّة باريت/فون شتولبناغل مع مقاربة نقد الإسناد، إلى استنباط واستخدام منهجيّة تحليل مُعقَّدة جدّا تمثّل ربّما أهمّ مجهود إلى اليوم لتحديد أولى الموادّ الواردة في أحاديث السّيرة.
لقد توصّلا، بدون منازع، إلى نتائج ملموسة وذلك بعزلهما عددا كبيرا من أقدم الأحاديث؛ ولكن خلال بحثهما عن "أصالة" هذه الأحاديث يقدِّم الباحثان أحيانا براهين يُحمِّلانها أكثر من طاقتها. سنقوم، فيما سيأتي، بتحليل مشروع شولر وغوركه لإعادة بناء السّيرة كما رواها عروة من خلال فحص كلٍّ من الأحاديث التي إدّعى الباحثان أنّهما شخّصاها كوثائق أصليّة تعود إلى عروة، هذا زيادة على دراسة إضافيّة لموتسكي تهدف أيضا إلى إثبات صحّة بعض الأحاديث المبكِّرة في السّيرة.
حسب شولر، "الأحاديث التي رواها عروة تحتوي على كلّ الإطار الأساسي لحياة محمّد"، وفي مقالهما الأخير يقدّم غوركه وشولر لمحة عن "سيرة" عروة التي تحتوي، حسب رأيهما، على الحوادث التّالية:
1- بداية نزول الوحي
2- ردّة فعل أهل مكّة – هجرة بعض المسلمين إلى الحبشة – بَيْعة العَقَبة ثمّ الهجرة إلى المدينة
3- معركة بدر
4- معركة أحُد
5- معركة الخندق
6- صلح الحديبية
7- حديث الإفك
8- فتح مكّة
من بين مجموع الأحاديث فإنّ تلك التي تتعلّق بالموضوعين الأول والسّابع فقد وقع التّعرض لها مطوّلا في دراسة شولر حول سيرة محمّد؛ وأحاديث الموضوع السّادس تعرّض لها غوركه في مقال له، أمّا أحاديث الموضوع الثّاني فقد كانت محور مقالهما الأخير، وبقيّة الأحاديث مازالت تنتظر على الأرجح بحثا استقصائيّا في المستقبل. بالإضافة إلى هذا، نشر موتسكي دراسة تتعلّق بالأخبار التي تروي اغتيال ابن أبي حُقيْق، والتي على الرّغم من أنّها لا تركّز بالتّحديد على عروة، إلاّ أنّها تستخدم نفس منهجيّة شولر وغوركه بهدف عزل موادّ "أصيلة" في السّيرة. هذه المجموعات الحديثيّة الخمس تشكّل إذن مادّة التقييم الرئيسيّة لهذا المجهود الجماعي الرّامي إلى استعادة سيرة تعود إلى قرن الإسلام الأوّل روايَةً عن عروة أو حتّى عن أي شخص آخر.
خلافا لتحليل غوركه وشولر المتفائل، فإنّ هذه الدّراسة تُظهر أنّه إذا كان من الممكن تأريخ هذه الأحاديث بصورة مقنعة والعودة بها إلى بداية القرن الثّاني، فإنّ القليل من الموادّ يمكن رفعه بطريقة مقنعة إلى عروة نفسه. هذه النّتائج تؤكّد إذن بشكل واسع حصيلة ما توصّل إليه شيزي روبنسون Chase Robinson التي مفادها أنّه "لا يوجد أيّ سبب، في الحالة الرّاهنة التي عليها معرفتنا، أنّ نشكّ في أن تكون شخصيّة مثل عروة قد اهتمّت بالماضي من خلال قصّ حكايات (وربّما ايضا) من خلال التّدريس. هناك أسباب أقلّ تدفعنا للتّفكير في أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا قد اضطلعوا بأي مهمّة كمؤلّفين (أكثر من كونهم قُصّاصًا) وأقلّ من ذلك اعتبارهم كمؤرّخين معترف بهم". ومن الجدير بالذّكر أيضا أن نعاين أنّه في كلّ حالة تبدو فيها أنّ منهجيّة التحليل "إسناد مع متن" قد نجحت في تشخيص أولى أحاديث السّيرة، فإنّ أقدميّة هذه الأحاديث يمكن على العموم تحديدها بصورة نهائيّة أكثر باستخدام المقاييس التقليديّة لتحليل المَتْن. على العموم، هذه المدوّنة لأحاديث عروة المزعومة لا تُنذِر بدراسات مستقبليّة حول أحاديث السّيرة تهدف إلى العثور على أقدم الأحاديث وفقًا للأسانيد بالطّريقة التي اقترحها كلّ من فون شتولبناغل، غوركه وشولر. في الوقت الرّاهن، يبدو أنّ نقد المتن يبقى الأداة التي تتمتّع بقيمة أكبر لاستخراج المأثور الإسلامي المبكِّر واستعادة أقدم الأحاديث الواردة فيه.

(يتبع)



#ناصر_بن_رجب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (12)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (11)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (10)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (9)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (8)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (7)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (6)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (5)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (4)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (3)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (2)
- قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (1)
- سورة الفيل والتّفسير المستحيل!
- مَكّابِيُّون وليسَ مكّة: الخلفيّة التوراتيّة لسورة الفيل(2)
- مَكّابِيُّون وليسَ مكّة: الخلفيّة التوراتيّة لسورة الفيل(1)
- سورة الفاتحة: هل هي مدخَل شعائري لصلاة الجَماعة؟ (2)
- سورة الفاتحة: هل هي مدخَل شعائري لصلاة الجَماعة؟ (1)
- لماذا وكيف يصبح النّص مُقدَّسًا؟ (خاتمة)
- لماذا وكيف يصبح النّص مُقدَّسًا؟ (6)
- لماذا وكيف يصبح النّص مُقدَّسًا؟ (5)


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ناصر بن رجب - قراءات أفقيّة في السّيرة النبويّة (13)